|
ازمة سياسية ام ازمة النظام السياسي
احمد مجدلاني
الحوار المتمدن-العدد: 901 - 2004 / 7 / 21 - 03:59
المحور:
القضية الفلسطينية
لم يكن مفاجئا لأي مهتم ومتتبع للوضع والشأن الوطني الفلسطيني العام ، بأن الأزمة السياسية الداخلية بما فيها أزمة الحكم ، أي أن السلطة لم تعد تستطيع أن تحكم بالطرائق والاساليب السابقة والمعهودة ، وان الناس أو المحكومين لم يعودوا يستسيغوا ويقبلوا بتلك الطريقة لحكامهم بحكمهم . ولم يكن أيضا غريبا على أي متتبع رغم كافة المظاهر والمؤشرات التي كانت تؤشر كل يوم على أن انفجار الأزمة سيأتي في أي لحظة . لكن قد تكون المفاجئة هي في طريقة بروز وتفجر الأزمة وشكل ظهورها بتمرد ذات طبيعة مسلحة عبر عنها بحوادث اختطاف مفجعة استهدفت جهة ينبغي أنها تمثل سيادة القانون وتسهر على حمايته وتطبيقه ، وكل ذلك جرى تحت مسمى مكافحة الفساد ، وكأن مكافحة الفساد لا تتم إلا بخرق القانون وبالخروج عنه وبفرض قانون القوة بدلا من احترام سيادة القانون والحرص على تطبيقه، أما تواصل عمليات الخطف لمواطنين أجانب ينتمون إلى دولة أوروبية تعتبر من الدول القليلة التي مازالت تحافظ على صداقتنا وداعمة لنا ولمواقفنا على كافة المستويات ، هذا علاوة على ما يمثله الأشخاص أنفسهم ومن خلال مهمتهم عندنا ما يستحق منا كل التقدير والاحترام وليس الخطف والترويع والتخويف . وبصرف النظر عن الرسائل التي أرسلها أسلوب الخطف بالقوة المسلحة لشخصيات مسؤولة في السلطة الفلسطينية ومواطنين أجانب يقومون بمهام إنسانية وتضامنية مع شعبنا . فإن هذه الرسالة تقتضي التوقف أمامها والتدقيق في أبعادها لجهة ما يمكن أن تعكسه ليس على مستوى الأزمة السياسية التي يعيشها المجتمع الفلسطيني بمختلف مكوناته ، سلطة ومؤسسات وأحزاب وقوى ، وإنما لتطال النظام السياسي الفلسطيني ذاته . إن عمق الأزمة والمعبر عنها بانسداد أفق الحوار والاستعاضة عنه بلغة الأسلحة والرصاص لحل الإشكاليات الداخلية ، هي تعبير عن عمق الأزمة السياسية والمأزق الذي وصل له النظام السياسي الفلسطيني ، الذي ظل عاجزا رغم معرفة الجميع بتداعيات الأزمة وتطور مراحلها منذ زمن ليس بالقليل عن اخذ المبادرة والبدء بالمعالجة ، واكتفي في معظم أن لم نقل في كل الفرص التي اتيحت فيها فرصة لمواجهة الواضع الداخلي والبدء بمعالجتة انطلاقا من الأجندة الوطنية للإصلاح ، فإن هذه الفرص كانت تضيع أو تبدد على قاعدة الوهم السائد انه من الممكن بالحلول الترقيعية ، من تجاوز الأزمة القائمة أو القفز عن كل أو بعض مكوناتها متناسيين أن جل ما نقوم به هو التأجيل ليس إلا ، وفي هذا التأجيل كمن يدفع كرة الثلج للتدحرج بطيئا من أعلى القمة . إن انسداد أفق الحوار رغم الحوارات الوطنية الموسعة التي نشبت داخل الوطن وبالخارج والتي لم تفضي إلى اتفاق للحد الأدنى من التوافق على مهام وطنية مباشرة ، علاوة على أنها بددت فرص سياسية ثمينة لالتقاط المبادرة السياسية والمضي قدما في إحباط محاولات شارون بوش في حشر القضية الفلسطينية في خانة الإرهاب العالمي ، كما إن عدم إفضاء الحوار وبناء على نتائجه السياسية لصيغة تضمن المشاركة السياسية الحقيقية في صنع القرار إن كل هذا ساهم في مراكمة عوامل جديدة في مضاعفات الأزمة السياسية وسرع في تفجرها . إن تفجر الصراع في صورته الراهنة يعكس في جانب منه الصراع المحتدم على مراكز السلطة والنفوذ في إطار الحزب الحاكم وفي إطار السلطة المؤسسة السياسية ، ولم يتم الاحتكام في هذا الصراع إلى ذات القواعد التي كان يحتكم إليها تاريخا من لغة الحوار والتفاهم ، بل اعتمد لغة الاحتراب الداخلي التي من شان تفاعلاتها أن لا تنحصر فقط في إطار الحزب الحاكم وامتداداته ، بل سوف تجر معها قطاعات واسعة من قوى وأحزاب وحتى امتدادات عشائرية وقبلية تتضرر مصالحها جميعا بدرجات متفاوتة من محاولات هيمنة جناح ما من إطراف الصراع بالحزب الحاكم على مقاليد الوضع ، خاصة وان اللغة المستخدمة وهي لغة السلاح وهي ليست حكرا أو مقصورا استخدامها على طرف دون سواه . إن المسؤولية الوطنية تقتضي اليوم مواجهة الأزمة وتفاعلاتها وليس بالانسحاب من المواجهة وإلقاء المسؤولية على الآخرين ، وليس مفهوما ومقبولا من الوزارة الاستقالة ، إلا إذا اندرجت هذه الاستقالة في سياق تأكيد عجزها المتواصل عن مواجهة الوضع وعدم قدرتها على الفعل والتصدي لتداعياته وهو ما عبر عنه كتاب الاستقالة بالفعل. ولم يكن الإعلان عن الاستقالة من وظيفة غير إعلان العجز سوى مفاقمة الضغوط الخارجية وزيادة أسهم التدخلات والتداخلات الدولية والإقليمية ، في وقت بدا فيها أن الفلسطينيين يمتلكون قدرات عجيبة على تبديد المكاسب التي يحصلون عليها بشق الأنفس وبتضحيات كبيرة . لقد جاء تفجر الأزمة الداخلية وليس من المستحب والصحيح اتهام الآخرين بتفجيرها رغم ما للاحتلال وممارساته من دور في تفاقمها ، إلا أن جملة الأخطاء التي ارتكبت سواء في معالجة قضية المبعوث الشخصي للامين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن ونحن على أبواب مناقشة قضية قرار محكمة العدل الدولية في جلسة خاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة ، أم ما عبر عنه بحالة الفلتان الأمني التي تجاوزت كل الحدود والتي أعطت مصداقية لكل ما ورد في تقرير لارسن عن الوضع الداخلي الفلسطيني، والتي وجد فيها شارون أيضا مبررا للقول بأنه لا يوجد شريك فلسطيني ، وان الفلسطينيين عاجزون عن إدارة شؤون أنفسهم بانفسهم . إن تجليات الوضع الراهن تؤشر وبما لا يدع مجالا للشلك انه لا يوجد فقط أزمة سياسية محتدمة يمكن الخروج منها بالوسائل الاعتيادية بدليل إن الإجراءات التي اتخذت جاءت مفصولة عن سياقها ، ولم تترك أي مردود لا على مستوى الشارع ولى على مستوى المطالبات الدولية والإقليمية في إجرائها . إن هذه المعالجات القاصرة والمعزولة عن سياق برنامج شامل للإصلاح لا يمكن أن ترمم من الوضع القائم ، وفي هذا السياق فإنه لا دعوات القيادة الوطنية الموحدة تصلح كما يدعيها أو يتوهم أصحابها بأنها البلسم والحل السحري لمعالجة الوضع لأنها بالواقع جزء من الحلول الجزئية والتي أثبتت التجربة المعاشة والحية أنها غير قادرة على معالجة الوضع المرشح لمزيد من التفاعل والتأزم . إن النظام السياسي الفلسطيني يتآكل وهو في طريقه للانهيار والسقوط ، ولكن الخطر في ذلك انه سوف يترك آثارا خطيرة على مستقبل قضية الشعب الفلسطيني ، والإنجازات التي حققها بتضحيات كبيرة طيلة الخمسين سنة الماضية . إن الانطلاق برؤية إصلاحية للنظام السياسي الفلسطيني نفسه وليس بالحلول الترقيعية لازمة سياسية تنشب هنا وهناك هو المخرج الحقيقي من أزمتنا الراهنة ، وان الطريق الصحيح ليس سوى بالمزيد من ممارسة الديمقراطية وفتح النظام السياسي على قاعدة التجديد الديمقراطي بالوسائل والطرق الانتخابية وليس بوسائل استخدام القوة وأساليب العنف ، لأنها ستجر المجتمع الفلسطيني إلى أتون حرب أهلية مدمرة ، لن يكون منتصرا فيها أحدا من أطراف الصراع مهما بلغت قوته ، بل سيكون المنتصر الأكبر والوحيد شارون وكل القوى اليمنية المتطرفة في إسرائيل وكل أعداء الحرية لشعبنا . نحن الآن على مفترق طرق وعلينا أن نختار ونقرر أي طريق نسلك فهل نملك الإرادة فعلا لاختيار الطريق الموصل للحرية والاستقلال أم هل نوغل في الحروب الصغيرة .
رام الله 20.7.2004
#احمد_مجدلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانتفاضة في عامها الثالث: الأهداف والمهام المباشرة
المزيد.....
-
روسيا أخطرت أمريكا -قبل 30 دقيقة- بإطلاق صاروخ MIRV على أوكر
...
-
تسبح فيه التماسيح.. شاهد مغامرًا سعوديًا يُجدّف في رابع أطول
...
-
ما هو الصاروخ الباليستي العابر للقارات وما هو أقصى مدى يمكن
...
-
ظل يصرخ طلبًا للمساعدة.. لحظة رصد وإنقاذ مروحية لرجل متشبث ب
...
-
-الغارديان-: استخدام روسيا صاروخ -أوريشنيك- تهديد مباشر من ب
...
-
أغلى موزة في العالم.. بيعت بأكثر من ستة ملايين دولار في مزاد
...
-
البنتاغون: صاروخ -أوريشنيك- صنف جديد من القدرات القاتلة التي
...
-
موسكو.. -رحلات في المترو- يطلق مسارات جديدة
-
-شجيرة البندق-.. ما مواصفات أحدث صاروخ باليستي روسي؟ (فيديو)
...
-
ماذا قال العرب في صاروخ بوتين الجديد؟
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|