|
الشرعية الانتخابية ودولة الموازنة الطائفية*
لطفي حاتم
الحوار المتمدن-العدد: 2958 - 2010 / 3 / 28 - 16:17
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
أظهرت نتائج الانتخابات التشريعية في العراق حزمة من الإشكالات الفكرية / السياسية / الاجتماعية التي تتطلب معالجة علمية بهدف تحليلها على ضوء الوقائع المعلنة ونتائجها السياسية وبهذا المسعى تواجه الباحث كثرة من الأسئلة منها ما هو تأثير النزاعات الإقليمية / الدولية على مسار تطور العراق اللاحق ؟ ومنها ما هو الجديد في البناء السياسي للدولة العراقية ؟ ومنها أيضا ما طبيعة الاصطفافات السياسية ونتائجها المحتملة على تطور السلطة السياسية ؟ وأخيرا وليس آخرا ما هي المواقع الفعلية للسلطة التشريعية في ظل التجاذبات السياسية التي أفرزتها الانتخابات العامة ؟ . هذه الأسئلة وغيرها باتت تتصدر عمل الباحثين والمحللين السياسيين العاملين على رصد نتائجها واستشراف آفاق تطورها . من جانبي أحاول التعرض لبعض الإشكالات السياسية / الفكرية والنتائج الفعلية التي أفرزتها الانتخابات برؤى متداخلة أهمها:ــ أولاً : ـ النزاعات الإقليمية / الدولية وأثرها على الانتخابات العراقية . ثانياً: ـ الكتل السياسية السائدة وقواها الاجتماعية . ثالثاً : ـ آراء وأفكار ختامية
أولاً : ـ النزاعات الإقليمية / الدولية وأثرها على الانتخابات العراقية .
بات واضحاً أن النزاعات الدولية / الإقليمية ألقت بظلالها على الانتخابات التشريعية ورغم عراقية تلك الانتخابات إلا إنها كانت بهذا الشكل أو ذلك انتخابات ــ بالنيابة ــ بسبب امتداداتها الدولية / الإقليمية استناداً الى تمحورها حول مشروعين كبيرين الأول منهما مشروع الهيمنة الامريكي الهادف الى بناء سلطة عراقية انطلاقاً من ( التعاون والتشاور ) مع الحليف الأمريكي وصولا الى جعل ( التعاون ) قاعدة للحكم بعد تأطيره باتفاقيات دولية اقتصادية / سياسية / عسكرية. وثانيهما مشروع احتكار السلطة عبر السيطرة الطائفية الواحدة . ( 1 )
إن الإشارة الى طبيعة المشاريع الإقليمية / الدولية وامتداداتها العراقية المتنازعة على مستقبل العراق السياسي تشترط تحديد القضايا الخلافية المتنازع عليها بهدف تحليل مضامينها والمتمثلة بالموضوعات التالية : ـ
أولاً: ـــ القضية القومية .
بسبب التنوع العرقي والمذهبي في تشكيلة العراق الاجتماعية فان حل المشكلة القومية والبناء الفدرالي للدولة العراقية شكل ولا زال أحد محاور النزاع الوطني / الإقليمي استناداً لحزمة من الاعتبارات منها : ـ ــ إن التيار العربي في العراق والمتلحف بالطائفية السياسية يستمد حمايته من المحيط العربي الذي يعتبره امتداداً طبيعيا لسيطرته السياسية استناداً لموضوعه مفادها أن العراق جزء من الأمة العربية وما يشترطه ذلك من سيادة العنصر العربي عبر بناء دولة مركزية تتجاوب والوقائع الإقليمية . ( 2 ). إن خشية التيار القومي العربي في العراق من البناء الفدرالي للدولة العراقية نابعة من عدة أسباب رئيسية منها : ـ ـــ نسبته ــ التيار القومي ــ القليلة الى عدد سكان العراق وما يعنيه ذلك من عدم تمكنه من الحصول على أغلبية برلمانية لحكم العراق الأمر الذي يفسر دعواته للدولة الموحدة ونظامها المركزي . ـــ النزعات الاستقلالية للأكراد والمرتكزة على حق تقرير المصير والذي يرى التيار القومي فيها تفتيتاً لوحدة العراق الجغرافية من جانب وتهديداً لوحدة واستقلال بعض الدول العربية من جانب آخر. ـــ الخشية العربية من الهيمنة الفارسية على العراق بسبب الترابطات المذهبية بين العرب الشيعة والجمهورية الإسلامية .
ثانيا : ـ المسألة المذهبية .
تتجلى النزاعات الإقليمية في المرحلة الجديدة من التوسع الرأسمالي بأشكال مذهبية / عرقية عاكسة بذلك طبيعة المشاريع الدولية / الإقليمية المتناقضة والمتجلية بطموح بعض المراكز الإقليمية بالسيطرة والتوسع ومعارضة قوى إقليمية أخرى متحالفة مع الولايات المتحدة ومشروعها الشرق أوسطي . بهذا المنحى أشر نجاح أحزاب الإسلام السياسي الشيعي في الانتخابات العراقية الى معلمين أساسيين أولها استمرار تلك الأحزاب في بناء سلطة الدولة لصالح توجهاتها الأيديولوجية والمذهبية الامر الذي يعني تواصل احتكارها للسلطة السياسية وثانيهما الاستمرار في بناء تحالفات سياسية / اقتصادية مع الجارة إيران وما ينتجه ذلك من تحجيم الاستراتيجية الأمريكية الهادفة الى محاصرة إيران الإسلامية وعزلها عن محيطها الإقليمي والدولي .
ثالثاً: ـ الديمقراطية والسيادة الوطنية .
على الرغم من غياب الرؤية الوطنية الموحدة حول التواجد الأجنبي وكيفية التعامل مع رحيل القوات الأمريكية إلا أن وقائع الممارسة السياسية أشارت الى ترابط وتشابك كثرة من القضايا الوطنية / الدولية أهمها أن الشرعية الانتخابية التي أفرزتها العملية السياسية في العراق لم تنتج ديمقراطية سياسية حقيقية تفضي الى التداول السلمي للسلطة السياسية وثانيهما استمرار تحالف أطراف العملية السياسية مع قوى الاحتلال وما تفرزه تلك السياسية البراغماتية من تراجع المطالبة باستقلال العراق وضمان سيادته الوطنية .
إن استعراض القضايا الفكرية / السياسية المتنازع عليها وامتداداتها الإقليمية / الدولية تشترط التعرض الى طبيعة وأشكال التدخل الإقليمي في مسار الحملة الانتخابية والمتجلي بالأنشطة والفعاليات التالية : ـ ـــ الدعم الرسمي العربي / الإقليمي لرؤساء الكتل الانتخابية. ــ اهتمام الفضائيات العربية / الإقليمية للبرامج الانتخابية لكتل سياسية محددة فضلا عن المقابلات والندوات العامة. ــ تمويل الحملات الانتخابية مالياً فضلا عن توظيف المال العام في خدمة القوائم الانتخابية المتنفذة . ــ ترابط أشكال التدخل الإقليمي العلني وأنشطة إرهابية بهدف التأثير على ناخبي الكتل السياسية المتنفذة.
ثانياً: ـ الكتل السياسية السائدة وقواها الاجتماعية.
إن التأثيرات الدولية / الإقليمية وتنازع مصالحها ارتكزت على هشاشة التشكيلة الاجتماعية التي أنتجها الاحتلال الأمريكي للعراق ناهيك عن سيادة العقلية الأيديولوجية والمذهبية في الممارسة السياسية لهذا يمكن القول إن الانتخابات العراقية انطلقت من روح تمحورت حول قضية السلطة والوصول إليها بعيداً عن الوطنية العراقية المرتكزة على موازنة المصالح السياسية للكتل الاجتماعية المتنازعة . لغرض إكساب تلك الفرضية قدراً من الشرعية لابد من الإشارة الى معطيات انتخابية محددة منها: ـ 1: ــــ شكل منتسبي أجهزة الدولة الجديدة التي جرى بنائها في الفترة الرئاسية لحكومة المالكي فضلا عن تحالفات عشائرية مترابطة وقوى الإسلام السياسي الشيعي المعتدل الكتلة التصويتية لقائمة دولة القانون . إن تحديد طبيعة الكتلة الاجتماعية لقائمة دولة القانون يشير الى تبلور قوى طبقية نهضت بمساعدة السلطة السياسية تحاول جاهدة الاحتفاظ بسلطة الدولة استناداً الى مصالحها الاجتماعية الجديدة .
2 : ـ شكلت الشرائح الاجتماعية المهمشة والمعدمة التي أنتجها الاحتلال والليبرالية الاقتصادية قوى الكتلة التصويتية للتحالف الوطني العراقي التي جرى شدها استنادا الى عوامل الضبط الاجتماعي / الطائفي المتمثلة بتأجيج المشاعر المذهبية ، المساعدات المالية ، الفتاوى الدينية ، تنظيم الشعائر الدينية ناهيك عن مناهضة الاحتلال .
3: ـ تكونت الكتلة التصويتية للقائمة العراقية من خليط اجتماعي متعدد المصادر والمنابع السياسية ، الطائفية والليبرالية ، وبهذا السياق يستطيع المتابع السياسي تحديد منابع الكتلة التصويتية للقائمة العراقية بالقوى والشرائح الاجتماعية التالية : ـ أ: ـ بيروقراطية أجهزة الدولة القديمة فضلا عن أغلبية القاعدة الاجتماعية المتضررة من الاحتلال وانهيار المؤسسات الاقتصادية / الخدمية للدولة. ( 3 ) ب: ـ قوى الإسلام السياسي السني المدعوم عربيا لموازنات إقليمية . ج : ــ بعض فصائل المعارضة المسلحة الراغبة في ايجاد أغطية سياسية لفعالياتها العسكرية .
إن تعدد منابع الكتل الاجتماعية والقوى السياسية الساندة للقائمة العراقية أضاف سمات جديدة الى اللوحة السياسية العراقية أراها في المحددات التالية : ــ ــ لكثرة تعدد ولاءاته الأيديولوجية وتباين رؤاه السياسية يفتقد هذا التيار التجانس والوحدة الداخلية. ــ شكل تيار القائمة العراقية المعادل الطائفي لقوى الإسلام السياسي الشيعي رغم اتشاحه بالعلمانية والديمقراطية. ــ بسبب ترابط كثرة من رموزه القيادية واتجاهات بعض فصائله يعتبر هذا التيار حليفا موثوقا للسياسة الأمريكية . ـــ استناداً الى ذلك فإن تحالف القائمة العراقية مع الوافد الامريكي يثير خشية القوى السياسية من إحداث انقلاب سياسي في موازين القوى العراقية تشترطه المواجهة الأمريكية / الإقليمية .
4 : ـ أفرزت الانتخابات التشريعية في إقليم كردستان تواصل الهيمنة السياسية للتحالف الكردستاني حيث تشكلت قدرته التصويتية من الشرائح والقوى الاجتماعية التالية : ـ ــ منتسبي مؤسسات الإقليم البيروقراطية / العسكرية / الأمنية إضافة الى مناصري الأحزاب الكردستانية المتنفذة . ــ الشرائح الاجتماعية المعتمدة على شبكة الضمانات الاجتماعية و المعاشات التقاعدية . ــ الولاءات والروابط العشائرية التي لعبت دوراً أساسيا في احتفاظ التحالف الكردستاني بقيادة السلطة السياسية . ــ أشر ظهور كتلة التغيير إضافة جديدة على معافاة الحياة الديمقراطية في كردستان وتخفيف الهيمنة الحزبية على السلطة السياسية.
تكثيفاً يمكن القول أن طبيعة الكتل التصويتية المتنافسة أكدت نزاعا متواصلا بين بنيتين سياسيتين بنية الدولة القديمة وقاعدتها البيروقراطية والاجتماعية وبين بنية الدولة الناهضة وقواها السياسية الامر الذي يؤكد أن السلطة السياسية كانت ولازالت هدفا لجميع الكتل السياسية باعتبارها ـ السلطة ــ حاضنة ومنتجه لثروة القوى المتنفذة فيها .
ثالثاً : ـ آراء وأفكار ختامية استناداً الى بنية التحليل وخلاصته الفكرية يمكننا إيراد بعض الاستنتاجات الختامية : ـ
1 : ــ أشرت الانتخابات التشريعية تواصل بناء دولة الموازنة الطائفية / العرقية لقدرتها على تلبية ثلاث قضايا مترابطة ( أ ) ـ ضبط النزاعات الإقليمية / الدولية على قاعدة توازن المصالح . ( ب ) ربط تشكيلة العراق السياسية بالحماية الخارجية. (ج ) المشاركة الدولية / الإقليمية في صياغة مستقبل الدولة العراقية . 2: ـ إخفاق مشروع الهيمنة الأمريكي رغم تبوأ القائمة العراقية المشهد الانتخابي وذلك بسبب افتقاده لقاعدة اجتماعية ساندة ومؤثرة في التشكيلة العراقية من جهة وتناقضه مع رغبة المراكز الإقليمية الناهضة في تقاسم السوق العراقية من جهة أخرى. 3: ـ انهيار مشروع احتكار السلطة وسيطرة اللون الطائفي الواحد الذي سعت إليه قوى مذهبية أصولية وأخرى قومية معتمدة على أساليب سياسية وأخرى عنفية . 4 : ـ شكل الترحيب الدولي / الإقليمي بدولة الموازنة الطائفية / العرقية ضياعا للديمقراطية السياسية وانحساراً للمشروع الوطني الديمقراطي المرتكز على بناء الدولة على قاعدة وطنية ديمقراطية . ( 4 )
الهوامش: ــ * هناك اختلاف بين مفهومي الموازنة الطائفية الذي أنتجته الشرعية الانتخابية المرتكز على القوة التصويتية وبين مفهوم المحاصصة الطائفية المنبثق من المساومات السياسية بين أطراف العملية السياسية . 1 : ـ مشروع الهيمنة الأمريكية أسميته في دراسات عدة مشروع ازدواجية الهيمنة حيث يشكل هذا المشروع أحد السمات الجديدة للعلاقات الدولية في الطور المعولم من التوسع الرأسمالي . 2: ـ حملت النداءات الجديدة المتضمنة حصر رئاسة الجمهورية بالعنصر العربي تناغماً مع سياسة دول الجوار الرافضة لاعتماد مبدأ المواطنة في إشغال المراكز السيادية . 3 : ـ يفسر حصول القائمة العراقية على أصوات مساندة لها في مدن الأغلبية الشيعية رغبة قوى الدولة القديمة في المشاركة السياسية. 4: ـ أفضت نتائج الشرعية الانتخابية الى عودة الاصطفافات الطائفية والتخلي عن روح الاعتدال التي رفعتها أبان الحملة الانتخابية الامر الذي شكل تراجعاً لمواقع الإسلام السياسي الليبرالي .
#لطفي_حاتم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المعارضة المسلحة وبناء الدولة العراقية
-
النزاعات الإقليمية وأزمة العراق السياسية
-
موضوعات حول حزب اليسار الانتخابي
-
العولمة الرأسمالية والمسألة القومية *
-
الاستراتيجية الامريكية والقوى الإقليمية الناهضة
-
التشكيلة العراقية وتغيرات بنيتها السياسية
-
الدولة العراقية وسمات بنيتها الطائفية
-
الدولة العراقية واستبداد بنيتها السياسية
-
التغيرات الدولية والنزاعات الوطنية / الإقليمية
-
المنظومة السياسية لكردستان العراق ودورها في العملية السياسية
...
-
(العملية السياسية ) وبناء الدولة العراقية *
-
إعلان المبادئ والحماية الأمريكية للعراق *
-
آليات السيطرة والضبط الاجتماعي في الدولة الاستبدادية
-
الاحتلال الأمريكي وتدويل النزاعات الطائفية
-
الطبقة الوسطى ودورها في خراب الدولة العراقية
-
الاحتلال والبناء الطائفي للدولة العراقية*
-
العلاقات الدولية وتدويل النزاعات الطبقية
-
العولمة الرأسمالية وهوية اليسار الفكرية
-
النزعتان الوطنية والليبرالية وتغيرات السياسة الدولية
-
حوار قوى اليسار الديمقراطي وسمات العولمة الرأسمالية
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
|