جعفر المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 2957 - 2010 / 3 / 27 - 23:23
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
كنت قد آليت على نفسي أن لا أذكر أسماء الأشخاص في كتاباتي إلا إذا كان ذكر الاسم ضرورة يوجبها شرح الحدث أو إيصال الفكرة. إن عمرا سياسيا كالذي قضيته كان كفيلا حقا بجعلي أؤمن إن الشعب العراقي, وأي شعب آخر, لم يكن بعيدا مطلقا عن تصنيع طغاته أو انحراف سياسيه.
ولقد كتبت في إحدى مقالاتي ما نصه .. إن الطاغية يصنع نصف نفسه أما النصف الآخر فيصنعه شعبه, وقلت إن صدام حسين كان قد أتانا نصف طاغية لكننا لم نبخل عليه فقمنا سريعا بتصنيع نصفه الآخر.
وإذا ما قيل إن الشعب كان مضطرا للتصفيق بسبب خوف تجمع في القلوب فقد أصدق ذلك, لكنني لن أصدق إن هذا الشعب, وبسبب ذلك الخوف وحده كان مضطرا للرقص والردس والهوسة بينما كانت عقالات شيوخه تتطاير في الفضاء, وما كان فنانيه مجبرين كلهم على رسم الجداريات أو شعراءه مرغمين كلهم على كتابة القصائد الرنانة, حتى رأينا كيف أن أحدهم كان قد إخترق جدار الدجل حينما كتب في قصيدة له, وقد صارت أغنية فيما بعد .. إن الشمس تطلع من العوجة, رغم إن العوجة في الغرب من العراق, فدحض تماما حجة النبي إبراهيم الذي أسقط ألوهية فرعون حينما طلب منه أن يجلب الشمس من المغرب.
لكن من أفضال الديمقراطية علينا إنها جعلت تصنيع النصف الآخر من الطاغية, اي ذلك الذي يصنعه الشعب, أمرا صعبا وحتى مستحيلا, بالرغم من بقاءها غير قادرة على الإطلاق على منع الطاغية من أن يصنع نصفه الأول. وبما إن الإنسان لا يمكن يعيش بنصف جسد ونصف عقل فإن إمكانية أن يصنع الطاغية كل نفسه تبقى عملية مستحيلة, ولو أنها حدثت فستكون قصيرة العمر وآيلة للزوال, وبهذا فإن دور الشعب في تصنيع الطاغية هو الأهم رغم إنه يأتي لاحقا.
إن الدولة الديمقراطية هي دولة مؤسسات, كما إن الدولة العراقية الحالية تضيف على ذلك إنها دولة تفترق أحزابها على العقائد والأيديولوجيات وليس على البرامج السياسية والاجتماعية فحسب, لذلك فإن من الصعوبة أن يكون لها فكرا مركزيا واحدا قد يتكفل بإنتاج ما يماثله على صعيد الزعامة.
لكن هذا الفضل الديمقراطي قد يتحول إلى نصل ديمقراطي حينما يدفع أهل هذه ( الدولة المشروع ) باللامركزية إلى الحد الذي ينذر بغياب الدولة وصولا إلى كيان عراقي غير معرف, و أيضا حينما يدفعون بها وعلى مستوى الحكم لتغييب صورة الزعيم الوطني القادر على أن يكون رئيسا لكل العراقيين وليس رئيسا لحزبه أو لطائفته أو للمجموعة التي انتخبته.
لقد خرج العراق من حكم مفرط في المركزية ومن نظام الطاعة المغرق في فرديته, ولا يمكن أن يقال إن العراق ألان هو دولة ونظام, فهو كدولة ما زال تحت التكوين وكنظام ما زال تحت التأسيس, ورغم وجود المشروع الديمقراطي الذي يحاول أن يبرمج حركة بناء الدولة ويضبطها ضمن سياقات متناغمة, إلا أن الديمقراطية وكيانها ما زالت مشروعا ولم يتحولا بعد إلى دولة ونظام.
ولعل ذلك يأخذنا إلى القول إن الديمقراطية, وهي لم تعبر بعد مرحلة المشروع إلى مرحلة النظام والدولة, ليست قادرة على إنتاج نفسها بنفسها ما لم تتفق قواها السياسية على مرحلة العبور بكل ما توجبه هذه المرحلة من مستلزمات وآليات وثقافة. وبغياب ذلك الإتفاق ليس غريبا أن تعجز الديمقراطية عن تأسيس دولة وتتحول بالتالي من مصل إلى نصل وتتحول دولتها من ترياق إلى جرداق.
كما إن الحديث عن فردية صدام ومركزية نظامه المغرقة سيأخذننا حتما إلى إمكانات أن يكون رد الفعل على تلك المركزية المُغْرَقة ..لامركزية مُغْرِقة, وعلى الزعامة المطلقة .. لا زعامة ( مطلقا ) وليس لا زعامة ( مطلقة ).
وإذا كانت الديمقراطية تحول دون الإغراق في المركزية والإطلاق في الزعامة فإن وجودها بصيغة رد الفعل السلبي وبوجود هذا التمزق المذهبي والقومي والعرقي والقبلي قد يؤدي بالنهاية إلى أن تُعّبِرَ الديمقراطية عن نفسها من خلال وجود صندوق انتخابي ولكن بلا دولة ووطن.
وأجزم إن السيد المالكي كان قد اكتشف هذا الخلل أثناء ترؤسه للوزارة وعانى منه بشدة, وقد جابه ثقافة مضادة من أطراف متعددة ذهبت إلى حد اتهامه بمحاولة إعادة تشغيل الدكتاتورية وبناء الدولة المركزية على حساب الدولة الفدرالية مما أدى إلى تعطيل نشاطات وبرامج هامة. وقد تغذى ذلك, كما أكد, بغياب حكم الأغلبية السياسية لصالح حكم التوافق وما يتضمنه هذا التوافق من برامج طائفية وقومية تجزيئية ومعطلة, واخشي أن لا يختلف مفهوم المشاركة الوطنية عن مفهوم التوافق إلا من ناحية نوع المفردة وليس نوع المعنى.
إن هذه المعضلة التي شَغّلَتْها أطراف أساسية في الحكم والعملية السياسية بوجه المالكي سوف يجدها الدكتور علاوي وقد جلست قبله على كرسي الوزارة, وهو كرسي يجب أن لا يتسع لأثنين وخاصة في دولة متفرقة يراد لها أن تجتمع وتتكون.
ولما سمعته عن الرجل, ولما أعرفه عنه, فإن أكثر ما سيعانيه إن هو نجح في تشكيل الوزارة, وهذا ما أتمناه له, هو نفس ما عانى منه السيد المالكي حينما واجه مشكلة اللادولة واللانظام.
فهل تكون الديمقراطية عون له بدلا من فرعون.
#جعفر_المظفر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟