فلاح علي
الحوار المتمدن-العدد: 2957 - 2010 / 3 / 27 - 21:58
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
أكدت الانتخابات البرلمانية في العراق على أن هناك معوقات ومشاكل حقيقية تعيق تطور الديمقراطية الناشئة وتسهم في إعاقة بناء الدولة العصرية الحديثة القائمة على المؤسسات الديمقراطية , وأكدت نتائج الانتخابات أن القوى الكبيرة التي هيمنت على البرلمان السابق هي وراء أزمة الديمقراطية وإنها قد اسهمت في خلق معوقات تحد من تطورها . كما أكدت نتائج الانتخابات أن هنالك أكثر من مخرج مسرحي لها , إقليمي وعربي ودولي متمثل بالمخرج الاميركي . أن قائمة اتحاد الشعب لن تهزم في الانتخابات فقد صوت لها أكثر من 60ألف ناخب في داخل العراق اضافة للخارج عدا الخروقات , رغم أن عدد المصوتين لا يتناسب وحجم القائمة في العراق ومع ذلك الذي هزم في الانتخابات هو قانون الانتخابات اللاديمقراطي الذي سن من قبل القوى الطائفية والقومية لضمان ديمومة هيمنتها على السلطة وإعادة تقسيمها فيما بينهم ثانية .
أسباب أزمة الديمقراطية في العراق :
هناك مشاكل ومعوقات بعضها داخلية والبعض الآخر خارجية تعتبر من حيث الجوهر اسباب تعيق تطور الديمقراطية في العراق وبنفس الوقت انها تشكل أزمة سياسية معقدة ومستعصية الحل في البلاد , وقد يفهم البعض الديمقراطية بأنها صناديق الاقتراع , وما أفرزته هذه الصناديق من نتائج هي تعبرعن رأي الشعب العراقي وحجم الكتل والقوائم في المجتمع , والكتل والقوائم التي لم تحصل على مقاعد في البرلمان هي ليس لها رصيد في المجتمع , إن النظر إلى الديمقراطية بهذه الرؤية فأنها لاتخلوا من السطحية ومن النظرة الاحادية وغياب الوعي .
وما أكدته الانتخابات أن الديمقراطية في العراق تمر في أزمة . فلنتوقف عند أسباب هذه الازمة التي هي بمجموعها تكون مشاكل تعيق تطور الديمقراطية في العراق :
1- اسباب خارجية :
- الطريقة التي اسقط فيها النظام الدكتاتوري السابق بفعل عامل خارجي من خلال الحرب واحتلال العراق وأن المحتل لايؤسس لديمقراطية حقة في البلد الذي يحتله بقدر ما يعمل على تأمين مصالحة وضمان تنفيذ استراتيجيته لا يزال هذا العامل الخارجي ( المحتل) هو المؤثر في العراق وهو الذي يؤسس للاصطفافات التي يريدها وكل من يمتلك ضميراَ حياَ ورؤية ثاقبة ومعرفة دقيقة لواقع العراق الحالي يخلص بنتيجة أن للمحتل مصلحة بمسار العملية الانتخابية الحالية وله فيها بصمات .
- الدور الايراني والتركي والخليجي وبعض البلدان العربية , وقد أكد وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري أن الانتخابات العراقية تتداخل فيها تأثيرات اقليمية وعربية . وادرك ذلك غالبية الشعب العراقي أن هنالك ارادات عربية واقليمية تتصارع في الانتخابات العراقية وأدوات هذه الارادات الخارجية هي الكتل التي حصلت على المال السياسي والدعم الاعلامي وقد اسهمت هذه الارادات الخارجية في تمكين كتل بعينها من خوض الانتخابات والفوز بنسبة عالية من المقاعد .
2- اسباب داخلية :
- قانون الانتخابات المجحف الذي لايلتقي ومبدأ الديمقراطية والذي ليس له مثيل في كل البلدان التي توجد فيها أنظمة ديمقراطية , حيث سرقة أصوات الناخبين في الداخل والخارج جائز في هذا القانون وأعطاها بدون وجهة حق للكتل الفائزة هنا يطرح سؤال مشروع على الكتل التي إرتضت لنفسها سرقة أصوات الناخبين . كيف ستبنون دولة المواطنة والعدل والقانون وأنتم من سرق أصوات كتل جماهيرية تعد بالالاف وهي لم تصوت لكم ؟
كما أن من مساوئ قانون الانتخابات اللاديمقراطي قد قسم العراق إلى دوائر بدلاَ من الدائرة الواحدة .
- ساعد قانون الانتخابات على العودة إلى المربع الاول في هذه الانتخابات حيث برزت الاصطفافات الطائفية والقومية وهذا ما ميز الانتخابات الحالية , وكأن الكتل الكبيرة لا تستطيع الهيمنة على السلطة إلا بهذه الطريقة المدمرة للبلد والمضرة بتطور الديمقراطية .
- ضغف الوعي والثقافة الديمقراطية في المجتمع , وهذا مما دفع الناخبيين للتصويت لكتل طائفية وقومية .
- سلطة العشيرة في الريف وتأثيرها على أفراد العشيرة , بأنحياز شيخ العشيرة لهذه الكتلة أم تلك حسب الوعود والغنائم النقدية والعينية التي يحصل عليها .
- سلطة الحكومة حيث تم توظيف مؤسسات الدولة في العملية الانتخابية , وكل الكتل الفائزة الطائفية والقومية هي قد وظفت السلطة لصالحها في العملية الانتخابية .
- مفوضية الانتخابات هي سبب رئيسي لازمة الديمقراطية في البلد , حيث إنها منحازة لهذه الكتل الطائفية والقومية فهي غير مستقلة وغير حيادية وهي مخترقة , كما إنها فشلت فشلاَ مخجلاَ في إدارة العملية الانتخابية في الخارج , وهذه لا تحتاج إلى دليل كل مواطني الخارج شخص فشل المفوضية في إدارة العملية الانتخابية , رغم المبالغ المالية الكبيرة التي خصصت لادارة انتخابات الخارج , لكن حالة الفوضى العارمة وانسحاب أعداد كبيرة من التصويت بسبب الفوضى يؤكد أن المبالغ المالية صرفت ليس في محلها , كما أن مدراء مكاتب المفوضية في الخارج كثير منهم ليس لديه الكفائة هذا أولاَ وثانياَ هم أعضاء في هذه الاحزاب والكتل الكبيرة وتعليمات المفوضية المتضاربة بصدد الوثائق كلها كانت اسباب أسهمت فيها المفوضية لافشال إنتخابات الخارج .
- إجريت الانتخابات في ظل غياب قانون للاحزاب , وهذا كان لصالح الكتل الكبيرة حيث كان المال السياسي هو الغالب في الحملات الانتخابية لهذه الكتل مما أسهم في غياب المعايير الديمقراطية في الحملات الانتخابية وغياب تكافئ الفرص وهذا أدى إلى شراء ذمم أصوات الناخبين وفي ضخامة الاعلانات إضافة إلى ماكنة الاعلام قد وظفت لبعض الكتل .
- سيادة الفكر الديني المتطرف في بعض المناطق والقومي وتوظيفهما في الحملات الانتخابية .
- هشاشة الوضع الامني وسيادة دور الميليشيات السرية شكلت عامل إبتزاز وتأثير مباشر على الناس .
- الجهل والامية عامل معرقل لتطور الديمقراطية وانهما ورقة بيد القوى الطائفية للسيطرة على إرادة الناخبين في الانتخابات .
قائمة اتحاد الشعب وعدم الفوز في الانتخابات :
مع كل هذه الاسباب أعلاه وغيرها فأن قائمة اتحاد الشعب لن تخسر سياسياَ في المعركة الانتخابية وإنما تم إقصائها بفبركة أميركية ايرانية خليجية وبمشاركة قادة الكتل الطائفية والقومية , وتم محاصرتها بقانون الانتخابات وبالمال السياسي الذي حصلت عليه هذه الكتل من خارج الحدود , وبعمليات الغش والتزوير الذي تحدثت عنها عدد من الكتل . رغم إنه ما يميز الحزب الشيوعي العراقي عن غيرة من الاحزاب ببنائة التنظيمي المتطور ومن حضوره الجماهيري المؤثر , إلا إنه يبدوا أن المخرج للمشهد الانتخابي لا يريد للحزب الشيوعي والتيار الديمقراطي والليبرالي حضوراَ في هذه الدورة في البرلمان .
الخلاصة والاستنتاج :
1- رغم كل الظروف والمؤثرات الموضوعية السائدة التي كانت لصالح الكتل الطائفية والقومية المهيمنة على السلطة والتي أثرت سلباَ على قائمة اتحاد الشعب وهذه حقيقة لا يمكن إغفالها عند تقييم نتائج الانتخابات , إلا إنه هناك معوقات ذاتية كانت هي سبب أيضاَ في ضعف الحملة الانتخابية لقائمة اتحاد الشعب قياساَ مع الكتل الاخرى وهذه المعوقات هي تشمل مفاصل عمل متنوعة ما يمكن طرحة من خلال الاعلام هو الآتي :
- ضعف الامكانيات المالية للحزب الشيوعي العراقي , وينتج عن ذلك ضعف في تمويل العديد من النشاطات وديمومتها وضعف في توفير مستلزمات بعض مفاصل العمل .
- ضعف الاعلام الجماهيري المتطور , أي أن الحزب الشيوعي لدية طاقات شابة تشكل فرق جوالة في المدن والقصبات وتقوم بدور جيد في الدعاية والتعبأة الجماهيرية , ومع إمتلاكة لكوادر وطاقات اعلامية كبيرة ومتميزة .إلا إنه ينقصة أداة اعلاميةهامة جداَ ولا يمكن التعويض عنها وهي القناة التلفزيونية , هذا خلل يؤدي إلى إحتباس أهم النشاطات الاعلامية والجماهيرية وإحتباس الترويج للبرنامج وللفكر .
- محدودية نشاط الحزب الجماهيري في عمق الارياف وهذا يعود لاسباب عدة , توجد تنظيمات للحزب الشيوعي في أرياف العراق ولكن لم يرتقي نشاطها إلى فعل جماهيري يسهم في تحريك جماهير الارياف فيما يعانية الريف من مشاكل متنوعة وتبنيها جماهيرياَ .
- الوضع الامني الهش دفع الحزب الشيوعي إلى تجميد نشاطاته الجماهيرية وعدم تواصلها في مدن العراق سواء كانت اقتصادية مطلبية أو نشاطات سياسية , إن عدم تحريك الجماهير يدفعها لان تكون فريسة بيد قوى طائفية وقومية مهيمنة على السلطة والمال وبنفس الوقت يقيد توسع امتداد ونشاط الحزب في هذا الميدان الحيوي والهام .
- الحزب الشيوعي العراقي هو أفضل الاحزاب في كل العراق في إجادة فن وقيادة النضال الجماهيري المطلبي والنضال السلمي المعارض , والحزب قبل غيرة يتجذر فكرة وإمتداده الجماهيري وسط المجتمع من خلال هذه النشاطات الجماهيرية , إلا إنه مع تحسن الوضع الامني لا بد من دراسة اسباب القصور في هذا الجانب الحيوي من نشاط الحزب ومعالجة الثغرات والالتحام ثانية مع الجماهير التي هي بحاجة إلى الحزب الشيوعي العراقي في قيادة نشاطاتها ورفع وعيها السياسي والفكري , وبنفس الوقت الحزب لايستطيع التأثير السياسي بدونها .
2- ضعف وتبعثر قوى اليسار والديمقراطية والهروب المخجل لبعض القيادات أو الرموز المحسوبة على التيار الديمقراطي وسقوطها في احضان الطائفية من منطلقات ذاتية , إنها الازمة التي تعيشها هذه القوى التي بفعلتها هذه أضعفت التيار الديمقراطي .
3- ما يسجل للحزب الشيوعي العراقي هو عدم إنضوائة تحت هذه الخيمات الطائفية والقومية , لان التحالف شيئ والانضواء لهذه الخيمات شيئ آخر , وبهذا أكد الحزب الشيوعي العراقي على حيويته وعلى قوة حضورة وعلى تحدية لكل الصعاب التي تحيط به وبالعملية الانتخابية , وبهذا رغم نتائج الانتخابات المتوقعة مسبقاَ وضع الحزب الخطوة الصحيحة على طريق النهوض الجماهيري والقدرة على فك كل الحصارات المفروضة علية وسيتمكن من معاودة نشاطة المؤثر وتجميع قوى جديدة حولة .
4- هناك تقديرات وفهم لقيادة الحزب الشيوعي الكوردستاني للعملية الانتخابية , والتقديرات من وجهة نظري خاطئة لقد أثرت سلباَ على دور ونشاط الحزب الشيوعي الكوردستاني وسط تجميع قوى التيار الديمقراطي في العراق , فقد أشرت في أحد الفقرات في المقدمة أن الانتخابات الحالية للبرلمان العراقي قامت على اساس إصطفافات طائفية وقومية , وهذه كانت مضرة بتطور الديمقراطية في العراق وإنها تشكل أحد أزمات الديمقراطية في البلد , فتجليات هذه الاصطفافات واضحة وواحدة منها هي :
- تخندق وإنزواء قومي لقيادة الحزب الشيوعي الكوردستاني , فما هو معروف في علم السياسة أن هنالك تيارات في كل مجتمع وفي المنعطفات الهامة كالانتخابات تقترب قوى اليساروقوى التيار الديمقراطي أكثر من غيرها لانها بعيدة عن الطائفية والقومية وتمتلك رؤية مشتركة وبرنامج ديمقراطي .... إلخ . فنجد أن قيادة الحزب الشيوعي الكوردستاني بدلاَ من أن تلتحم مع الحزب الشيوعي العراقي وقوى التيار الديمقراطي في قائمة واحدة , فهي على العكس فضلت الجلوس تحت خيمة القوى القومية ووفق شروط وبرنامج القوى القومية وبالنتيجة خسرت الانتخابات وأسهمت في إضعاف التيار الديمقراطي في العراق . في الوقت نفسه نجد أن القوى القومية الكوردية قد خاضت الانتخابات في بغداد أيضاَ . فما هو الضير من أن تخوض قيادة الحزب الشيوعي الكوردستاني الانتخابات في قائمة واحدة مع الحزب الشيوعي العراقي . من وجهة نظري لايوجد تبرير فكري أو سياسي لهذا الخلل الغير مبرر .
- هناك أعداد غير قليلة من الاعضاء في الحزب الشيوعي الكوردستاني هم أنضج من قيادتهم في الرؤية لهذه المسألة . القيادة من وجهة نظري منطلقاتها غير واضحة في هذه القضية تدخل في إطار ضيق الافق ومحدودية الرؤيا أي قصر النظر ولا تخلوا من الانتهازية والنفعية مع وجود الخواء الفكري , وإلا ما هو سر وقوعها في أسر الانتهازية والرؤية القومية الضيقة . إلا أنه يلاحظ هناك أعضاء من القاعدة آرائهم في هذه المسألة تمتاز ببعد النظر والرؤية الاستراتيجية ومنطلقات فكرية رصينة تعبرعن ضرورة تعزيز دور الحزبيين الشيوعي العراقي والحزب الشيوعي الكوردستاني وقوى اليسار والديمقراطية في الساحة العراقية , لانهما الضمانة الاساسية للديمقراطية وللفيدرالية .
5- أكدت الانتخابات البرلمانية والازمة السياسية التي يمر بها البلد إلى الحاجة إلى وحدة عمل الحزبيين الشيوعي العراقي والحزب الشيوعي الكوردستاني على الساحة العراقية مع التنسيق والتعاون والعمل المشترك مع كل قوى البسار والديمقراطية لتشكيل قطب يساري ديمقراطي له حضور مؤثر وفاعل في العملية السياسية .
6- أكدت الانتخابات الحاجة إلى قانون ديمقراطي لادارة العملية الانتخابية وسن قانون للاحزاب وحل المفوضية الحالية القائمة على المحاصصة الطائفية وإحالة من وقف منهم وراء إفشال انتخابات الخارج إلى القضاء وتشكيل مفوضية حيادية جديدة من ذوي الكفاءات وأن تكون فعلاَ مستقلة .
7- اكدت الانتخابات حاجة العراق للحزب الشيوعي العراقي ولكل قوى اليسار والديمقراطية , لانه بدون هذا التيار لا يمكن الحديث عن سياسة وطنية مستقلة ولا يمكن بناء دولة المؤسسات الديمقراطية ,ولا يمكن تحقيق طموحات الجماهير فحاجة الشعب والوطن لهذا التيار كحاجة الزرع للماء والضوء , من هنا يتطلب النظر إلى الامام وتعبأة كل الامكانيات لتعزيز تجذر وتوسع نفوذ هذا التيار في المجتمع , إضافة إلى إنه كل الدلائل والمعطيات تؤكد أن القوى الطائفية والقومية الفائزة في الانتخابات لا تستطيع أن تحقق طموحات وآمال الشعب العراقي .
26-3-2010 .
#فلاح_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟