جيمس بيترارس
الحوار المتمدن-العدد: 187 - 2002 / 7 / 12 - 06:29
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
قبل سنوات كتب المؤلف المعروف بيرترام كروس ان الفاشية ستأتي الى الولايات المتحدة بوجه ودود: من دون محاكمات نورنبورغ، او مبادئ التفوق العنصري، من دون احزاب ممنوعة رسميا، او إبطال للدستور، او إزالة الفروع الثلاثة للحكومة، لكن بنفس الحماس القومي، والقوانين الدكتاتورية الاعتباطية، والغزوات العسكرية العنيفة.
إن علامات دولة البوليس في الولايات المتحدة واضحة في كل مكان. فآلاف المواطنين من اصول شرق اوسطية تم اعتقالهم من دون اتهامات، وقد وصمت ممارسة حقوقهم في انتقاد السياسة الاميركية في الشرق الاوسط على انها دعم للإرهاب. وهذه المذبحة المدبرة حرض عليها وشجعها الموظفون الحكوميون، وخصوصا الشرطة المحلية والفيدرالية، وأيضا جماعات المحنكين Veterans Groups المتجانسين والسياسيين الديماغوجيين. لقد امر الرئيس قوى دكتاتورية، باقامة محاكم عسكرية مجهولة الاسم للتحقيق مع مهاجرين وأجانب <<مشبوهين>> يمكن ان يكونوا مخطوفين ومعرضين للتحقيق في الولايات المتحدة، وتم تعليق الاوامر القضائية. فيما اجبر تلاميذ المدارس على غناء اناشيد شبه دينية والالتزام بالولاء للعلم. والكثير من الموظفين الذين انتقدوا الحرب او انتقدوا دعم الولايات المتحدة لاسرائيل او شجبوا المجازر الاسرائيلية ضد الفلسطينيين تم تجميدهم او فصلهم. جميع الرسائل، والايميلات، والمكالمات الهاتفية هي الآن تحت المراقبة من دون اي تفويض من القضاء. كما ان وسائل الاعلام الجماهيرية تتقيأ دعاية حكومية وقصصا شوفينية، وتصمت نسبيا عن الجرائم الخارجية والقمع الداخلي.
إحدى دمغات النظام الشمولي هو خلق دولة من الشك المتبادل يتحول فيها المجتمع المدني الى شبكة من المخبرين السريين. بعد 11 ايلول مباشرة حض مكتب التحقيق الفيدرالي (FBI) كل مواطن اميركي على التبليغ عن اي سلوك مريب يقوم به اصدقاء، وجيران، وأقرباء، ومعارف، وغرباء. وما بين ايلول وتشرين الثاني تم تسجيل ما يقارب سبعمئة الف اتهام. آلاف الشرق اوسطيين من الجيران وأصحاب المحلات التجارية المحلية والموظفين وجهت اليهم التهم، مثلما حدث مع العديد من المواطنين الاميركيين الآخرين. لم تقد اي من هذه التهم الى اي معتقل او حتى الى معلومات متعلقة ب11 ايلول. وحتى الآن قامت الشرطة الفيدرالية بالتحقيق مع مئات وآلاف من الاشخاص الأبرياء ومضايقتهم. عشرات الملايين من الأميركيين اصيبوا بهوس الخوف من <<الارهاب>> في عملهم اليومي، وأثناء التسوق وخلال فترات الراحة. لقد احجم الناس عن نقد الحرب او الحكومة، حتى لو كان بألطف العبارات، خوفا من ان يوصموا بمؤيدي الارهاب، او ان تكتب التقارير بحقهم، او ان يتعرضوا للتحقيق، او ان يفقدوا عملهم.
تقوم الفاشية الودودة بإلقاء المسؤولية على العرب وهي تعتقلهم وتحقق معهم وتتهمهم وتستهدفهم بينما ينادي خطابها الشعبي بفضائل التسامح والتعددية. ليست مبادئ التمييز العنصري واضحة للعيان، لكن التصوير العنصري ل <<الشرق اوسطيين>> هو نهج عملي ثابت ومقبول تقوم به الشرطة الفيدرالية، والحكومية، والمحلية. إن الكثافة العالية للجماعات العربية، كما هي الحال في ديربورن، وميتشيغان، يظهر كأنهم يعيشون في غيتو، بانتظار مذبحة تدبر لهم وتحل بهم. ويعتبر رئيس مكتب التحقيق الفيدرالي ان جميع الجمعيات العربية الخيرية والأهلية وغيرها تدعم الارهاب، وهي موضوع تحقيق وأعضاؤها اهداف للاعتقال. لقد خلقت الحملات العنيفة لمداهمة بيوت ومخازن ومكاتب الجماعات الأهلية عقلية حصار، وأثارت حملة رجال الشرطة اشد الغرائز عنصرية وحرضت اندفاع الاهانات والعداوات الأهلية.
القوى الدكتاتورية التنفيذية
في الدول الاستبدادية يستولي القائد الرمز على القوى الدكتاتورية، ويعلق العمل بالدستور (استشهاد من <<قوى طارئة>>) مطلقا العنان للبوليس السري، ويختار المحاكم بعناية للاعتقال الاعتباطي والحكم على المتهمين بالسجن او الاعدام. في 13 تشرين الثاني من العام الماضي اتخذ الرئيس بوش خطوة حاسمة تجاه القوى الدكتاتورية المتغطرسة، ودون استشارة الكونغرس، قرر اعلان حالة الطوارئ. وهذه الحالة تتيح للحكومة فرصة اعتقال كل من ليس لهم صفة المواطنة ليحاكموا بمحاكم عسكرية. المحاكمات سرية، والمدعون غير ملزمين بتقديم الدليل اذا كان <<في مصلحة الأمن القومي>>. ويمكن للمتهم ان يعدم حتى لو عارض ثلث القضاة العسكريين. ان تقوم القوى الدكتاتورية بسجن او اعدام المشبوهين من دون اللجوء الى القضاء هو جوهر الحكام الاستبداديين.
في منتصف نوفمبر تشرين الثاني رفض قسم العدالة الكشف عن هويات وأوضاع اكثر من الف ومئة شخص تم اعتقالهم منذ 11 ايلول. وكما هي الحال في الانظمة الاستبدادية، يتم باستمرار استجواب السجناء السياسيين من دون محامين ومن دون تهم من قبل مكتب التحقيق الفيدرالي بقصد انتزاع الاعترافات.
في 26 تشرين الاول وقع بوش على القانون المسمى <<العمل الوطني الأميركي>> الذي عزز سلطة البوليس على المجتمع المدني بشكل واسع. ووافق الكونغرس بالاجماع تقريبا توسيع سلطات الشرطة السرية (وأغلب اعضاء هذا الكونغرس لم يقرأوا القانون ابدا) علما بأن كل عبارة في هذا القانون تنتهك الدستور الاميركي. وفي ظل هذا القانون: اولا، يمكن لأي وكالة فيدرالية قانونية تنفيذية ان تدخل اي منزل او مكتب عمل وتأخذ الدليل، من دون ابلاغ المواطن المتواجد في المدخل، ثم تستخدم الدليل (الذي تم الاستيلاء عليه او زرعه) لإدانة القاطن بجريمة ما. ثانيا، اي وكالة شرطة مخولة لمراقبة حركة الانترنيت والرسائل البريدية الالكترونية، ولها ان تعترض المكالمات الهاتفية الخليوية لملايين <<المشبوهين>> من دون اذن بذلك. ثالثا، يمكن لأي وكالة شرطة فيدرالية ان تعتدي على اي مبنى اعمال وتصادر جميع السجلات على قاعدة انها <<متعلقة>> بتحقيق ارهابي، والمواطنون الذين يحتجون علانية على هذه الاعمال البوليسية الاستبدادية يمكن ان يعتقلوا.
إن قانون <<العمل الوطني الاميركي>>، مثل نظرائه من القوانين الاستبدادية، يحمل تعريفا مبهما وفضفاضا ل <<الارهاب>> يسمح بقمع اي منظمة معارضة واي نشاط احتجاجي. وتبعا للفقرة 802 من هذا القانون فإن الارهاب معرف بوصفه <<انشطة تشمل افعالا خطيرة على الحياة البشرية وتنتهك القوانين المعتمدة في الولايات المتحدة... والقصد منها تخويف او إرغام السكان المدنيين (او)... التأثير على سياسة الحكومة من طريق نشر الرعب والقهر>>. إن إي احتجاج ضد العولمة، مثل الذي حدث في سياتل، يمكن ان يوصف الآن ب <<الارهاب>>، وقد تم اعتقال قادته والمشاركين فيه، كما تم تفتيش منازلهم ومكاتبهم، ومصادرة الوثائق، ومن لا يتمتع منهم بصفة المواطنة اقتيد الى محاكم عسكرية. وهذه المراسيم والقوانين الطارئة ستظل سارية المفعول حتى عام 2005 وما بعده اذا بدأت التحقيقات قبل نهاية العام.
من المحتمل، عندما تعاد دمقرطة البلد وينحسر مد التعصب القومي ويتم استبدال الآلات الدعائية الحالية التابعة للدول بوسائل الاعلام التعددية وذات السمعة الطيبة، ان نكتشف الحقائق المرة. عندما سيتم فتح ملفات الشرطة السرية ربما سنكتشف ان الكثير من الناس الجديرين بالاحترام والتقدير قد اتهموا جيرانهم واصدقاءهم لأسباب تتعلق بالثأر الشخصي، وقد كتب المحترفون التقارير السرية عن زملائهم الذين انتقدوا اسرائيل. كما ان مكتب التحقيق الفيدرالي تجسس على ملايين المواطنين الاميركيين التقدميين، الذين يحترمون القانون، لأن ايديولوجيات الجناح اليميني سعت للقضاء عليهم. وبدراسة التسجيلات والمخطوطات وأشرطة الفيديو التي تتضمن الرسائل التي يبثها الاعلام الجماهيري، سنتمكن من رؤية السهولة والسرعة والكلية التي تحول بها هذا الاعلام الى اسلحة دعائية للدولة الفاشية الودودة.
سيتعجب الباحثون ويصدمون بفساد اللغة السياسية: قصف هائل للمدن الكبرى باسم <<محاربة الارهاب>>. عبارات لطيفة لتبرير المجازر. قتل جماعي لأسرى الحرب يوصف بعبارة <<قُتلوا اثناء التمرد داخل السجن>>. سيلاحظ المؤرخون ايضا غياب اصوات النقاد، وغياب اي تقارير عن الضحايا المدنيين. باحثو المستقبل وهم يشاهدون تصريحات وزير الدفاع الاميركي <<المزيّح>> رامسفيلد عن <<قتل جميع الارهابيين>> لن ينضموا الى الصحافيين الذين يضحكون في الصالة، وهم يتذكرون اكوام جثث الذين اعدموا بدم بارد على ايدي المرتزقة المكلفين بذلك.
سيناقش المؤرخون في ما اذا كان صمت الشعب الاميركي على القصف والاعدامات كان انعكاسا للدعاية المتواصلة والغامرة او اذا كانوا يريدون ان يكونوا شركاء في جرائم القتل. سيناقش الفلاسفة والمحللون النفسيون في ما اذا كان المحتفلون برفرفة علم النظام العالمي الجديد متأثرين بالوجوه الباسمة والبلاغة المولعة بالقتال لقادتهم او محبين للفاشية الودودة بسبب ما لديهم من البارانويا والخوف والقلق الذي تثيره اصوات السلطة وتضخمه وسائل الاعلام.
هذه الرؤية تفترض ان الاصوات النقدية ستبقي المرحلة الحالية للفاشية الودودة على قيد الحياة وتبني حركة لتحدي سلطتها. وبإمكان المرء ان يأمل وان يؤمن بأن ذلك سيحدث لأن، خلاف ذلك، يعني ان اكاذيب الحاضر وجرائمه ستمضي من دون جواب لها.
ترجمة: ناصر ونوس
(عن مجلة Z (اميركية شهرية) ومناهضة لسياسات الولايات المتحدة في الشرق الاوسط والعالم، وغالبا ما تعيد نشر مقالات لادوارد سعيد ونعوم تشومسكي وروبرت فيسك).
() كاتب أميركي
جريدة السفير