أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - راندا شوقى الحمامصى - أسقام المعرفة في حالةٍ تعالج المصاعب السيكولوجية بالنسبة للفكر الخاطئ عند الفرد على أنه -سيء-.-أنا سيئة-، حالة من الفهم الخاطئ عن معرفة حقيقة النفس















المزيد.....

أسقام المعرفة في حالةٍ تعالج المصاعب السيكولوجية بالنسبة للفكر الخاطئ عند الفرد على أنه -سيء-.-أنا سيئة-، حالة من الفهم الخاطئ عن معرفة حقيقة النفس


راندا شوقى الحمامصى

الحوار المتمدن-العدد: 2957 - 2010 / 3 / 27 - 14:56
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كانت ماري في الثالثة والثلاثين عندما جاءت لعيادتي لأول مرة بقصد معالجتها، وكانت تعاني وقتها من اضطرابات شديدة في حياتها دفَعَتها إلى محاولة جادة للإنتحار. لم تكن سعيدة أبداً في حياتها الزوجية، ورغم علاقتها الحميمة بأطفالها الثلاثة لم تجد في ذلك عزاءً لها. كانت تلاحقها كوابيس متكررة تتركها فريسة للخوف والإرتعاش فزعاً لعدة أيام. وفوق هذا كله سيطر عليها تماماً شعور عميق بأنها إنسانة "سيئة"، واعتقدت بأنها شيطانة. وكم كانت تشعر بالخوف بل والخجل من مظهرها وأفكارها وإحساساتها لدرجة وجدت من المُحال التكلم عنها بأسلوب مترابط منطقياً.
لهذا فإن جلساتي العلاجية مع ماري غالباً ما كانت تميّزها فترات طويلة من الصمت وسلسلة من حالة الخوف والقلق والدموع مع اعتقادها الراسخ بأنها تستحق العقاب على أفكارها وإحساساتها الشريرة. احتاجت ماري سنتين لتشعر بثقة كافية تسمح لها بأن تبوح ولو بشيء عن طفولتها وسنوات بلوغها التي اتّصفت بالرفض وسوء المعاملة من قِبَل والديها والمسؤولين عن رعايتها في القسم الداخلي من مدرستها. لقد ترعرعت بين أسرة ثرية مرموقة، واتصف والداها بروح الإنتقاد وبُعدهما عن دفء العاطفة. والأسوأ من ذلك لم يكونا ليقضيا إلا قليلاً من الوقت معها تاركيْن إياها لرعاية المربيات، كما أنهما أدخلاها مدارس دينية متزمّتة. ومنذ شبابها المبكر أخضعاها للعلاج النفسي. وعندما حضرت لعيادتي لأول مرة كانت قد أمضت في التحليل والعلاج النفسي وتناوُل المهدّئات ومضادّات الإحباط الخفيفة والقوية منها مدة اثنتي عشرة سنة، تلقّت خلالها آراء متباينة وتشخيصات مختلفة من قِبل معالجيها.
كان تركيز اهتمامي مع ماري في البداية منصبًّا على رؤيتها الخاطئة لذاتها على أنها إنسانة "سيئة وشريرة في أصلها". إلا أن مجهوداتي لم تُصِبْ نتيجةً تُذكر، إلى أن قررتُ بعد ذلك التركيزَ على خصالها الإيجابية متجنّباً مناقشة مشاكلها وأعراض حالتها ومخاوفها وغيرها من الإضطرابات النفسية.
إن قراري في التركيز على خصالها الإيجابية جاء طبقاً لمفاهيم "سيكولوجية الروحانية"، وأنه في نهاية المطاف فإن القوى الفعالة والأكثر أهمية في حياة كل إنسان هي تلك الخصال الخلاّقة والإيجابية التي يملكها مؤكِّدَةً له قيمة حياته الذاتية. لذا فإن أي تغيير في سلوك الفرد السليم وحياته إنما يستلزم منه التعرّف على هذه القُدُرات والطاقات الإيجابية الكامنة وحفزها وتنميتها وإثراء حياته بها. وفي واقع الأمر، كثيراً ما تكون عمليات المؤثرات المرضية أقل ضرراً إذا مضينا في تطوير مواهبنا وطاقاتنا الكامنة، إلا أن نجاحنا في ذلك يتطلب التعرّف على تلك الطاقات والقوى وإدراكها، ذلك لأنه في الحالات غير السليمة، كحالة ماري، غالباً ما يسيطر على أصحابها انشغال تام بمشاكلهم لدرجة تعميهم عما فيهم من قدرات حقيقية، أو حتى يذهبون إلى إنكارها بالكلية. هكذا كان واقع ماري. ففي سياق علاجها كان لزامًا، في المرحلة الأولى، تصحيح معرفتها بذاتها بتعرّفها على قدراتها الإيجابية وطاقاتها الخلاّقة. فسنوات علاجها جعلتها على دراية تامة "بمشاكلها"، وغدت على يقين بأن تلك المشاكل تتعلّق في واقع الأمر بحقيقة نفسها.
ومع التركيز على الخصال والقدرات الإيجابية تبيّن لي بالتدريج أن ماري تتحلى بموهبة فنية عالية، وبإحساس مرهف، وأنها شخصية موهوبة، وماهرة جداً في العزف على البيانو، وتنظم الشِّعر بإحساس رقيق إلى جانب مقدرتها في الرقص. لم تشارك الآخرين بهذه المواهب على الإطلاق، إذ توقفت تماماً عن العزف على البيانو، وانسحبت من دروس رقص الباليه، ورفضت عرض شِعرها على أحد، وشعرت بالخجل لأنها توقن بأنها "سيئة". وعليه، فإن تعديل مسار العلاج وتركيزه على الخصال الإيجابية هو الذي جعل ماري تتحسن في حالتها بالتدريج. فصارت أكثر تقبّلاً للإتصال مع الآخرين، وأكثر تفاؤلاً وهدوءًا، وتحسّنت علاقتها بزوجها وأطفالها، وبدأت تمارس عملاً نجحت فيه نجاحاً ملحوظاً. أما الكوابيس فقد استمرت تراودها من جرّاء مُخلّفات أحاسيسها الكبيرة بأنها "سيئة".
إن هذه الأحاسيس، رغم تحليلها الدقيق لها وتفهُّمها من قِبل ماري، ظلت تراودها باستمرار، ليس بسبب ما حدث لها في الماضي فحسب، بل نتيجةَ فهمها الخاطئ عن حقيقة طبيعتها أيضاً. إلا أنها، بفضل سنوات من العلاج، استطاعت ماري أن تتفهم الأسباب الجذرية لما كان ينتابها من مخاوف واضطرابات وغَضَب في طفولتها. فأخذت في استعادة علاقتها بوالديها بالتدريج حتى بلغت الآن في أقلّها تضارُباً من أي وقت مضى. فأصبحت رؤاها أكثر عقلانيةً وعاطفةً، وأصبحت واعية تماماً لمشاعرها وأحاسيسها وأفكارها، وارتفع مستوى حافزها للعيش حياة أكثر إرضاءً وإنتاجاً، وفازت بالدعم اللازم من عائلتها. إلا أنه رغم كل ذلك بقيت غير سعيدة وفي شيء من التعاسة لأنها ما زالت ترى نفسها "سيئة". فهذه المعرفة الخاطئة بحقيقة النفس سبّبت لماري أيضاً أن ترى نفسها في مظهر غير مرضٍ، مما أدّى بدوره إلى صعوبة الثقة بنفسها وبالآخرين وأدّى بها في النهاية إلى تشاؤمها من المستقبل. إذن أصبح اهتمامها الآن منصبًّا على ذاتها والآخرين وعلى عامل الوقت.
كانت خطة علاج ماري قائمة على هذه الحقائق. فالهدف الأول مساعدتها في الحصول على فهم طبيعة نفسها الإيجابية، وفي هذه الأثناء أخذت بالتدريج تُفصح عن مشاعرها المتضاربة، وإحساسها العميق بالخطيئة نتيجة شعورها بدرجة من اللذة في بعض العلاقات الجنسية.( )
أخذت أيضاً تتحدث عن أفكارها عن الحياة وتشارك الآخرين بشِعْرها، وبدأت تبوح برغبتها من أعماقها في الإستزادة من المعرفة من جهة، والإستنارة الروحانية من جهة أخرى.
وفي هذه المرحلة تقريباً ذكرت بأنها أصبحت قادرة على الصلاة لأول مرة منذ وقت طويل. إنه حدثٌ له دلالته ومغزاه، ذلك لأن عودتها للصلاة قد أشارت إلى إحساسها بالقيمة وحقيقة أنها "طيبة" بدرجة تسمح لها الإتصال بالله ومخاطبته وأنها أصبحت مقبولة عند الله. إن سنوات نشْأَتِها في جوٍّ يسوده نظام الأدْيِرة الصارم قد جعل منها امرأة كاثوليكية متزمّتة من جهة، وفي حالٍ من سرعة الإمتعاض والغضب ثم الخوف والرهبة تجاه الله من جهة أخرى. وحالما بدأت بالتدريج تعيد النظر في أفكارها عن "نفسها"، واستطاعت أن تراها في أصلها "نفساً طيبة" وخلاّقة، تمكّنت أيضاً من فصل تاريخها الذي عانت فيه الظلم والإساءة عن نُبْل خصالها الكامنة في نفسها. ولهذا استطاعت في النهاية أن تقف للصلاة ثانية. وما أراحها وأعانها في ذلك الوقت غيابُ الكوابيس عنها، وعندها بدأت تتقبّل نفسها على أنها ليست "سيئة"، بل ربما تكون "طيبة". وأخذ فهمها لنفسها يتحسن بالتدريج ليحلّ محلّه مستوى جديد من الفهم لذاتها وقبولها لنفسها. فهذا التطوّر الهامّ كان له جذوره الممتدة في الشفاء التدريجي.من كتاب-( سيكولوجية الروحانيّة-من نفس منقسمة إلى نفس متكاملة- د. حسين ب. دانش.تعريب-د.نبيل مصطفى ، أ. مصطفى صبري-مكتبة مدبولي -القاهرة)

تابع معي المقال القادم-أسقام المحبة...........تحياتي



#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسقام المعرفة
- عندما تتجه الأمور نحو الأسوأ-المعاناة أول الطريق نحو الحقيقة ...
- سيكولوجية الروحانيّة وخصائص الإنسان الأساسية
- رؤيا جوهرية نحو سيكولوجية متطورة- المحبة والإرادة و البحث عن ...
- رؤيا جوهرية نحو سيكولوجية متطورة-الغرض من الأحاسيس
- قراءة في كتاب أمتع روحي-سيكولوجيّة الروحانيّة-من نفسٍ منقسمة ...
- قراءة في كتاب أمتع روحي-سيكولوجيّة الروحانيّة-من نفسٍ منقسمة ...
- قراءة في كتاب أمتع روحي -المادية كنهج للحياة
- معنى الإسلام
- الحياة الروحانيّة-4/4- -الحياة الروحانيّة والمجتمع البهائي
- الحياة الروحانيّة-3/4- -التجارب والصعاب
- الحياة الروحانية-2/4-الممارسات الروحانيّة والتطوّر الروحاني
- الحياة الروحانية-1/4
- الكفاح من أجل العدالة: تغيير آليات التفاعل البشري
- القمة الألفية للسلام العالمي: منظور بهائي
- القيادة الأخلاقية
- تغيير الثقافة وزيادة الإدراك والوعى العام للقضاء على العنف ض ...
- حرية الاعتقاد
- إن التفرقة العنصرية مرض لا يصيب البشرة بل يصيب العقل البشري
- مبادرات للحوار العالمي الهادف إلى تعزيز ثقافة التسامح والسلا ...


المزيد.....




- لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق ...
- بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
- هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات- ...
- نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين ...
- أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا ...
- الفصل الخامس والسبعون - أمين
- السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال ...
- رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
- مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - راندا شوقى الحمامصى - أسقام المعرفة في حالةٍ تعالج المصاعب السيكولوجية بالنسبة للفكر الخاطئ عند الفرد على أنه -سيء-.-أنا سيئة-، حالة من الفهم الخاطئ عن معرفة حقيقة النفس