أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - سأحكى لكم قصة - شادى - .















المزيد.....

سأحكى لكم قصة - شادى - .


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 2957 - 2010 / 3 / 27 - 02:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


سأحكى لكم قصة " شادى " .. الدين مشروع موت والموسيقى مشروع حياة .

أثناء الدراسة الجامعية تعرفت على " شادى " وصرنا أصدقاء بالرغم من عدم توافق دراستنا فهو كان يدرس الطب وأنا كنت أدرس الهندسة .. "شادى " كان رقيق ومرهف الحس وفنان رائع مما يسعد أى إنسان أن يحظى بصداقته ... هو إنسان جميل بكل معنى الكلمة يعشق الموسيقى ويعزفها ويذوب بين أوتارها وألحانها .
كان يأمل أن يدرس الموسيقى بعد المرحلة الثانوية ولكن أخيه الأكبر وقف حائلا ً دون ذلك ليدخل كلية الطب على مضض , ولكنه لم يتخلص من حلمه وعشقه للموسيقى وأمله فى أن يدرسها يوما ً ما .

" شادى " كان يحب الشعر أيضا ًوينظمه وينتمى فى الوقت ذاته لليسار بفكر إنسانى حالم نحو عالم من الحرية والعدالة والمساواة لكل البشر وبدون أن تراق فى سبيل ذلك نقطة دماء واحدة .
لا أنسى ما كان يعزفه لنا لفيروز و مارسيل خليفة وحليم وأم كلثوم لنردد وراء معزوفاته تلك الأغانى الجميلة .
وعلى قدر ما كان "شادى" بهذه الحالة الوجدانية المتناغمة مع الحياة ..كان له أخ ذو ميول دينية سلفية وعلى طرف النقيض منه تماما ً .

هذا العاشق للفن والحب والجمال ضاع وتاه فى الحياة .!!

ففى ليلة شتوية كانت هى النهاية ل " شادى " و خاتمة عهدنا به فى مدينتا الصغيرة .!!
قام أخيه الأكبر بحملة جهادية ضد "شادى " ..فأحضر مجموعة من أصدقاءه ذوى الجلاليب القصيرة وقاموا بحرق كتب " شادى" الماركسية ولم يتركوا حتى دواوين الشعر بل كانت فى مقدمة المحروقات هى الأخرى ..ليمارسوا عملهم البربرى هذا وسط صيحات وتكبيرات هستيرية أمام عيون " شادى "

ولكن الهمجية لم تقف عند تلك الحدود ..فلم يكتفى الخارجون عن الحضارة بذلك بل كللوا جهودهم الجهادية بتهشيم ألة الكمان التى كان يعشقها "شادى" !!
لم يمتلك "شادى " من نفسه شيئا ًسوى الذهول فى بادئ الأمر .. ولم تستمر حالة الذهول تلك سوى لحظات قليلة لتنتابه بعدها حالة من الصراخ والبكاء والنحيب كالأطفال .
يخرج " شادى "هائما ً على وجهه فى الشارع باكيا ً منتحبا ً ليكون هذا أخر عهدنا مع هذا الزهر الجميل .!!
لقد هجر " شادى " أسرته ومدينتنا وكلية الطب ولا ندرى حتى الأن على أى مرسى رست شواطئه ..!!!!
لقد ضاع "شادى " !!

أجد أطلال لهذه القصة الدامية داخل جدران بيتنا ..فأجد عداوة غريبة لأبى للموسيقى والغناء ..فهو مستاء من عشقى للموسيقى والغناء ويردد دائما ً بأن الشيطان يغوينى بالموسيقى ..وأنها من حيل الشيطان ومؤامراته حتى أبعد عن طريق الرب " ... صحيح لم تصل قصتى مع أبى كمثل قصة "شادى " الدامية ...ولكن هذه العداوة والنفور للموسيقى كانت حاضرة وأثارت دهشتى .

لم أكن أرى فى عشقى لفيروز وعبد الحليم وجيمس لاست وبول ماريان أى داعى أو حضور لهذا الشيطان والذى لم أقتنع أبدا ً بوجود هذا الكائن الذى حملناه كل فشلنا وأثامنا ..وإن كان للمرء أن يعتقد فلتكن الملائكة هى الكائنات الحاضرة عندما تعزف الموسيقى أوتارها وألحانها .!

تثار فى داخلى أسئلة حول سبب عداء الفكر الدينى على مختلف أطيافه للموسيقى والغناء ..لماذا الله والأنبياء والكهنة والشيوخ مهمومون بمثل هكذا قضايا ؟!..لماذا حالة العداء المستحكم ما بين الدين والموسيقى .؟!!

يقولون أن الموسيقى تثير شهوات الإنسان ..لأجد أن هذه المقولة هى الإفتراء بعينه ولا تصدر إلا عن نفوس وعقول مريضة ..فالعكس هو الصحيح فبالموسيقى ترتقى مشاعر الإنسان وتسمو لتجعله محلقا ً فى عالم من الجمال والخيال والرقى .. وحتى الحب عندما يداعب الخيال أثناء الذوبان فى الموسيقى والغناء يكون حالما ً رومانسيا ً رقيقا ً بعيدا ً عن الشهوة المجنونة .
ويقولون أيضا ً أن الموسيقى تلهى الإنسان عن ذكر الله ..ولكن هل يتم ذكر الله على مدار اليوم ؟.. فلماذا الدقائق القليلة التى نستمتع بها هى التى ستلهينا عن ذكر الله .؟

أكتشف سبب هذا العداء للموسيقى ..ليس هو هذا الهراء الذي يحكى عنه بالشهوات التى تتقد أو ذكر الإله الذى يتم التلهية عنه.. فهى قنابل دخان تلقى ليتم التعتيم عن السبب الجوهرى والرئيسى .
فالموسيقى هى مشروع حياة بينما الدين هو مشروع موت .!!

الفكر الدينى يقوم دعائمه على منهجية الموت وإستحضاره وتكريسه ..فلن يكون للفكر الدينى أى قائمة بدون حضور فكرة الموت وهيمنتها على الفكر الإنسانى .
فلو تخيلنا دين لا يناقش الموت ..ولا يقدم للإنسان خيالات ما بعد الموت ..ولا يغرقه فى فوبيا الجحيم والنار وأهوال يوم القيامة وعذاب القبر .
لو تصورنا دين يقول لأتباعه أنها حياة واحدة فقط .؟
ماذا نتوقع ؟
هل سنجد إنسان عاقل يبدد دقيقة من وقته فى الصلوات والعبادات ..أم سينصرف الجميع للعيش فى الحياة .
فبدون الموت ومابعد الموت لن يكون هناك أى معنى للدين بكل منظومته بل سيصبح فلسفة وتاريخ ..فبالموت ودهاليزه يتأطر الدين ويجد حضوره وسط الجماهير ..ومنه يتأسس قواعد وحضور المنظومة الدينية طارحة ً نفسها كمعبر للبشر لألام فكرة الموت وما بعده .

هذا الإتكاء الشديد للدين على إستحضار الموت لابد له أن يواجه أى فكرة أو مشروع يناهض هذا الحضور بحكم أنه يصرف القطيع عن الإلتصاق بالمشروع الدينى .

تأتى الموسيقى كإبداع إنسانى بالرغبة في الحياة والتمتع بها ..كحلم ورؤية جميلة ..كمشروع للإستمتاع بالحياة والوجود ...كمشروع يعيش وقادر على أن يخلق اللحظة .
فالموسيقى تعنى التشبث بالحياة والذوبان فيها لتستحضر كل الجماليات وتتماهى داخلها من خلال نغمات لا تعطيك فكر بقدر ما تعطيك إحساس وتغمرك بمشاعر تفيض بالدفء والجمال .
الموسيقى تعنى بالحب الذى هو الحياة ..تستحضره تذيبه تصهره داخل النفس البشرية ..وتستجلب كل الدواخل الإنسانية فى الحياة لتخلق عالم تترقرق فيه المشاعر وتتصافى معه الأحاسيس.
الموسيقى والغناء تعبر عما فى داخلنا من مشاعر ..تجعلنا نتلمس أفراحنا بالحياة ..وتعطى للوجود معنى وقيمة .

تكون الموسيقى والغناء تعبير حر عما يختلجنا من مشاعر وأحاسيس ..هى قدرتنا على أن نفكر ونحلم بدون أن نعبأ ونقولب .. فنتقبلها بدون أن يتم فرضها علينا وننبطح أمامها ..فهى إختيارنا الحر المعبر عن ذواتنا ..
الموسيقى والغناء هى ألف باء حرية ..لذلك هناك حساسية مرهفة من أن تذوق تلك الحرية ..فى أن تتمسك وتتشيث بها ..فى أن تجعلها تمتد بك لتشمل كل الحروف الهجائية لأنها ستقلع فى مسيرتها أفكار ومشاريع هشة .

لذلك نجد أن الموسيقى والغناء والحب غير مطلوب تواجدهم مثلاً فى المنظومات العسكرية لذلك يمنع التعاطى معهم لأن الإنسان يتم إستدعاؤه لمشروع موت فلا يجب أن يذوق قلبه مشروع الحياة حتى لا يتشبث بها .

الدين لا يتنفس إلا الموت وتضيع كل منظومته مع فقد الإنسان خوفه وقلقه من الموت ..لذلك لكى يفرض الدين وجوده وحضوره وهيمنته فهو فى حالة عداء شديد أمام أى مشاريع إنسانية تدعو للحياة والفرح .
المشروع الدينى يخشى أن يتسلل للإنسان حب الحياة منصرفا ً عن مشروع الموت ..هو يدرك جيدا ً أن حجر الزاوية لمشروعه يمكن أن تنهار فى أى لحظة ..لذلك هو يستحضر الموت ويعادى بشراسة أى مشروع يعطى للحياة جمالها وبهجتها .

الدين لا يكتفى بكونه منظومة خرافية تدعو للجهل والإنبطاح وإلقاء العقل والفكر فى صناديق القمامة ..بل يطفى الكأبة بإستحضار الموت ومناهضة الحياة والجمال .
يجعلنا نبدد رحلتنا فى جو كئيب إنتظارا ً للارحلة .

لقد ضاع " شادى " هذا الزهر الجميل من وراء منظومة الموت .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بوس إيد أبونا .!!
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 7) _ فليدفعوا صاغرون .
- ضيقوا عليهم الطرق .
- فلنناضل أن يظل حسن ومرقص فى المشهد دائماً .
- نحن نخلق ألهتنا (5) _ الله مالكا ً وسيدا ً .
- ثقافة الطاعة والإذعان .
- خواطر فى الوجود والإنسان والله _ ما الجدوى ؟!
- نحن نخلق ألهتنا (4) _ الله باعثا ً
- خواطر فى الوجود والإنسان والله _ الأرض حبة رمال تافهة .
- نحن نخلق ألهتنا (3) _ الله عادلا ً .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (6 ) _ أشلاء إنسان .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (5) _ إغتصاب الطفولة .
- نحن نخلق ألهتنا (2) _ الله رحيماً ومنتقماً .
- إنهم يروضون الإنسان كيف يكون منبطحاً .
- نحن نخلق ألهتنا (1) _ الله المقاتل .
- الأخلاق لا تأتى من السماء ..إنها تخرج من الأرض .
- لماذا يؤمنون ..وكيف يعتقدون ؟
- إله راصد ..أم إله نزيه ..أم فكرة مبدعة .
- - رشيد - وموقفه من الإعراب الإلهى .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (4) _ تكريس العنصرية والكراهية .


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - سأحكى لكم قصة - شادى - .