سلمان محمد شناوة
الحوار المتمدن-العدد: 2956 - 2010 / 3 / 26 - 08:14
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
منذ ألان بدأ لنا تصور ماهو شكل الحكومة القادمة في العراق , ولان المقدمات دائما تنبئ عن النتائج , فالصورة واضحة كالشمس ...
كانت دعوة السيد نوري المالكي واضحة جدا في بداية الاقتراع , لقد دعي الرجل إلى حكومة وطنية غير طائفية وشكل كتلته على أساس وطني فكان فيها السني والشيعي والمسيحي والعلماني والوطني , بعبارة أوضح كل أطياف الشعب العراقي , فهل استطاع الرجل الهروب من المحاصصة البغيضة وتشكيل توجه وطني جديد ؟
في الحقيقة اشك في ذلك كثيرا ....
لقد اشتكي السيد نوري المالكي في كثير من المقابلات التلفزيونية وأمام كل المشاهدين , بكونه كان مقيدا لم يستطيع أبدا تمرير أي قانون بمصلحة البلد , لقد كان شركاؤه في العملية السياسية هم السبب الأول في فرض الوصاية على رئاسة الوزراء في العراق ...من المعروف إن السيد المالكي , استلم رئاسة الوزراء كحل كوسط لازمة عصفت يوما ما بالحكومة وتشكيلتها والتي كان على رئاسة الحكومة السيد إبراهيم الجعفري , وسبب السيد الجعفري أزمة كبيرة , لان كل الإطراف السياسية في ذاك الوقت تأمرت , أو لنقل رفضت السيد الجعفري (( وأنا لا أريد إن استخدم كلمة مؤامرة الراسخة في الذهنية العربية والعراقية , لأننا نعتقد دوما إننا على صواب بالضرورة , والأخر هو على خطأ بالضرورة كذلك )) , فكان تولية السيد نوري المالكي حل لازمة في ذلك الوقت , ولكن كان وجود السيد المالكي ليس بإرادة شعبية , بل نتيجة على توافق بين مختلف الكتل السياسية المتنفذة ذاك الوقت , ومن هنا جاء الشعور من شركاء السيد المالكي بان لهم الحق في الإدارة السياسية لهذا البلد , بينما حاول السيد المالكي مرارا ومرارا , التخلص من سيطرة شركاءه السياسيين , ولكنه كان دائما يصدم بالبرلمان , والذي كان أداة طيعة بيد زعماء الكتل السياسية أكثر منه برلمان له الاستقلالية والحرية في قول ما يشاء , ومن ناحية أخرى كان البرلمان يدين لزعماء الكتل السياسية بوجوده , لذلك كان طوع بنان الكتل السياسية , ولقد قالت إحدى العضوات ذات مره (( إذا اتفق زعماء الكتل , اتفق البرلمان , ولكن إذا اختلف زعماء الكتل , اختلف البرلمان , وساعتها ترتفع الأصوات المعارضة بقوة )) ...
هذه كانت الخلفية والأرضية والسماء المظللة لكل العملية البرلمانية والدستورية والوزارية في العراقي ,أثناء وبعد تشكيل الحكومة العراقية السابقة ....
لكن السيد المالكي استطاع إن يبني له أرضية مستقلة عن الكتل خلال فترة الأربع سنوات السابقة , واستطاع إن يبني اثر معقول في الشارع العراقي , نقول اثر معقول , ولكنه بكل الأحوال ليس اثر خارقا , يجعله إمام زمانه , أو احد أنبياء العصر ... لقد استطاع إن يبني اثر معقول في الشارع العراقي , حيث استطاع توفير امن نسبي , استطاع العراقي إن يتنقل بالعراق بحرية نسبية , واختفى وبشكل نسبي كذلك قوة الميلشيات المتنفذة في الجنوب , وقوة الإرهاب المتنفذة بالمنطقة الغربية , استطاع التقرب إلى العشائر السنية وإقناعها بتشكيل الصحوات ومجالس الإسناد والتي كانت البداية التي تحركت بقوة لقمع الإرهاب .....
وقولنا هذا لايعني إن حكومة المالكي كانت مثالية , لا أبدا .. إن قوة الفساد لازالت موجود وإذنابه موجودين في كل المناطق والزوايا في الحكومة العراقية , وقوته تمثلت بالهروب المخزي لوزير التجارة المقرب بصفة شخصية من السيد المالكي ... وحكايات الشارع والتي تكون دائما قريبة من الإحساس الشعبي , إن هذا الوزير لولا حماية رئاسة الوزراء له ...لنال عقابه المشروع ...
حاول السيد المالكي قدر الإمكان التخلص من طوق الشركاء السياسيين دون جدوى , لذلك كان تشكيله كتلته بعيدا عن تسلط الشركاء السياسيين ...
كان يتوقع الحصول على أغلبية مريحة تمكنه من تشكيل حكومة يكون هو السيد الأول والأخير , ولكن الرياح لا تأتي كما تشتهي السفن دائما , وخاصة في العراق , الرياح ربما في لحظة ما تتحول إلى عاصفة مدمرة و تأكل الأخضر واليابس ....
بروز السيد إياد علاوي كقوة منافسة للسيد نوري المالكي قلب الحقائق وخلط الأوراق وفي وهذه الليلة , الليلة الأخيرة قبل إعلان النتيجة , بات واضحا لكل المراقبين الدوليين والعراقيين وكل من يترقب المشهد العراقي , لانه لايوجد فائز حقيقي في هذه الانتخابات , والأقوياء ربما يتحولون إلى ضعفاء في هذه الحرب الانتخابية , وضعفهم يتمثل بعد إعلان النتائج , بحاجتهم إلى الكتل الأقل قوة لاكتساب نقاط على الجانب الأخر , ولأول مرة منذ بدأت هذه الانتخابات في السابع من هذا الشهر , نسمع أصوات كانت خافتة قبل أيام تعلو , وتتكلم كأنها أصبحت هي سيدة الموقف في تغير وجهة النتيجة ....
نجد إن السيد عمار الحكيم يطلب من المتخاصمين القبول بنتيجة الانتخابات أي كانت , لماذا ؟ لان هذا الوضع الجديد , وعدم وجود فائز حقيقي , وضع يخدم السيد الحكيم ... لان الكتل المتفوقة تحتاج اليوم إلى أصوات الائتلاف الوطني لترجيح كفتها ...قوة ما كانت بالحسبان ...
لقد خرج لنا عادل عبد المهدي أكثر من مره ليفند أقوال المالكي , والوضع الذي حسبه المالكي مؤامرة كان يصفه السيد عادل عبد المهدي انه مشاركة في الحكم , ولا يوجد للمؤامرة في ذهنية السيد المالكي , الا ان التصادم في الحكومة السابقة , يوشك إن يتكرر في الحكومة القادمة ...
إن عدم حصول أي قائمة فائزة على الاغلبية المريحة أدخلت البلد والكتل والمفوضية في أزمة أخرى (( تشبه عنق الزجاجة )) ...وان كان خروج البلد في الأزمة السابقة هو خروج السيد الجعفري من الوزارة ... فربما يكون خروج البلد من هذه الأزمة .. هو خروج السيد نوري المالكي من رئاسة الوزراء ...
في الحقيقة إننا يجب إن نتعلم , ويرسخ في الوعي الجماعي لدينا إن كرسي الوزارة مثلها كرسي البرلمان مثله كل الكراسي السيادية في العراق , ليست ملكية دائمة , إنما هي مؤقتة , موجودة برضي أغلبية الناخبين العراقيين , كذلك يجب إن يترسخ الوعي لدينا , أن شخصية الوزراء والمسئولين ليست مقدسة لدرجة العبادة ..إنما هي معرضة للنقد , وكلما كان المسئول أكثر شعبية يكون أكثر عرضة للنقد بين جموع ناخبيه ...
التيار الصدري دخل للعبة بقوة هذه الأيام خصوصا بعد حصوله على جل أصوات الائتلاف الوطني , وأكثر من شريكه القوى المجلس الأعلى , بحيث بات لديه الإحساس , بان بفضل مقاعده هو , وليس بناء على مقاعد المجلس الأعلى نالوا هذا التفوق , بحيث كانت منزلتهم الثالثة بعد , دولة القانون , والعراقية ....
التيار الصدر وضع فيتو على اسم رئاسة الوزراء , لأنه كان السبب في كثير من التداعيات التي أصابت التيار الصدري , كانت لهم القوة المؤثرة في البصرة والنجف , ووجودهم في الشارع كان قويا , هذا التواجد كان يسميه نوري المالكي خرق للقوانين العراقية , وكانوا هم يسمونه محافظة على الشارع العراقي , وبين هذا وهذا كان العراقي يقف حائرا لا يدري لمن يقدم ولائه ....لكن الحقيقة إن تدخل المالكي في البصرة بما يقال له (( صولة الفرسان )) كان سبب رئيسي بإيقاف التدهور الأمني في العراق ....
فكيف سوف تتشكل الحكومة المقبلة بناء على ما قلناه سابقا ....
منذ الان بدأنا نسمع ونقراء بأكثر من موقع إن المالكي سوف يطلق (( سجناء التيار الصدري )) وهذا بحد ذاته تنازل في سبيل تشكيل الحكومة القادمة ... وجدنا أكثر من لقاء تم بين الائتلاف الوطني ودولة القانون للبحث حول تشكيل الوزارة القادمة , وهذا بحد ذاته تنازل في سبيل تشكيل الحكومة القادمة ...نجد مع الوقت إن السيد المالكي بات يقدم التنازلات . تنازل اثر تنازل في سبيل تشكيلة الحكومة القادمة ... ربما هو يري انه لا بد من التنازلات في هذه الفترة , وان المصلحة الوطنية تتطلب ذلك ... وكلها تبريرات لا أساس لها من الصحة ...إنما المصالح هي التي تتغلب على الأمر ... السيد المالكي أو إياد علاوي ... يرون بأنفسهم هم الأصلح بتشكيل الحكومة ... لان مجموع الناخبين اختارهم ..ولكن لدينا ألان اثنان باتوا متساوين ..فمن هو الأصلح لتشكيل الحكومة (( المالكي أو أياد علاوي )) ... الحقيقة كل منهما يري في نفسه الأصلح .. لماذا ؟ .....فقط لأنه يرى ذلك لأغير ... ولو قلنا أنها مصلحة وطنية ...المصلحة الوطنية لاتفرق حقيقة بين علاوي والمالكي فالاثنان هما عراقيان من أبناء البلد ... فدعونا ننحي جانبا المصلحة الوطنية ...الحقيقة الذي يجري تجاذب ألان , والهدف منه تحقيق التوازن لحفظ العراق وسلامة العراق ...
من أهم الأمور التي يجب إن تثبت ألان وللأبد حجم التوازن في العراق , بحيث لا تطغى طائفة على طائفة أخرى ... إن الإخلال بالتوازن هذا يكون ئمنه (( دم )) عزيز يراق من أهلنا وأبنائنا .... وارجو وان يتوصلوا إلى اتفاقهم بسرعة وسلاسة ....
المهم لدينا هنا رئاسة الوزارة , إن الوزارة القادمة لن تختلف أن شكلها المالكي أو علاوي ... لأنها ستبقى في نسبة كبيرة منها , حكومة محاصصة , وهذا يعني انه ستعود بنا إلى نفس المربع السابق ,وزارة ضعيفة , ربما يكون بها التجانس مقبول نسبيا , ولكن سيكون لزعماء الكتل رأي كبير ..بها وهذا الأمر الذي هرب منه السيد المالكي ...سيعود إليه رغم عنه .... نفس الشركاء السياسيين في الحكومة السابقة سيكون هم الشركاء الحاليين ...البرلمان لن تكون له القوة لمعارضة زعماء الكتل ... البرلمان سيكون طوعا لزعماء الكتل ... ولن يكون لدينا معارضة إلا بحسب ما يريده زعماء الكتل ...
الشيئ الحقيقي الذي حققته هذه الانتخابات ويحق لنا إن نفخر به , هو خروج كثير من الأسماء التي سقطت , واثبت الشارع أنها لا تمثل الشارع الحقيقي ... وأثبتت الانتخابات كم هو صوت الناخب قوي محطم ..استطاع ولو بشكل نسبي تحطيم كل التماثيل التي أقيمت لشخصيات أثبتت أنها لاتمثل الشارع وكان وجودها ودخولها إلى البرلمان والحكومة السابقة بقوة تأثير (( القائمة المغلقة )) سيئة الذكر , والتي تسببت بكثير من الأخطاء المزمنة التي لازلنا نعاني منها لغاية اليوم ... وكانت سبب للفساد الكبير الذي تفشى بالعراق بصورة لم يسبق لها مثيل .....إن حصل مرشح على 22 صوتا أو على الاكثر 200 أو 800 صوت فقط لا يتيح له الحصول على مقعد ..لذلك نقول للكتل الفائزة حذار ثم حذار ..من تسليم هؤلاء مقاعد بحجة مقاعد تعويضية أو غيرها .....
ان المفاوضات التي تجري حاليا وحتى قبل ظهور النتائج الاخيرة للانتخابات الهدف منها .. تشكيل الصورة حتى يتم تشكيل الحكومة ...وهي بكل حال ستكون حكومة توافقات وتنازلات حتى يكتب لها الحياة .... هذا الشعور كان موجودا لدى الأغلبية من أعضاء البرلمان والذين تم مناقشتهم على القنوات التلفزيونية ... حيث أكدوا أكثر من مره انه لولا التوافقات لن يكتب لأي وزارة قادمة النجاح ....نحن نعلم و ندرك إن في كل حكومة في العالم لابد من نوع من التوافقات لتشكيل حكومة ...لكن في الدول الاخرى لاتصل التوافقات إلى درجة المحاصصة ... الموجودة لدينا في العراق .....
#سلمان_محمد_شناوة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟