|
مبادرة -أنصفونا- صرخة إنكار وليست مراجعة واعتذار .
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 2956 - 2010 / 3 / 26 - 02:36
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
إن المبادرة التي أطلقها أبو حفص وباركها شيوخ السلفية الجهادية المعتقلون على خلفية الأعمال الإرهابية التي عرفها المغرب سنة 2003 ، قد تحمل بعض العناصر التي تجعل منها "مبادرة".ويمكن إجمالها في: أ ـ دعوة المعتقلين إلى توحيد موقفهم من القضايا التي تطرحها المبادرة حول بعض ثوابت الأمة المغربية وليس كلها . إذ عقائد السلفية الجهادية ترفض التصوف وتكفّر أهله . لهذا لم تتطرق المبادرة بأدنى إشارة إلى هذا المكون الديني والثقافي . ب ـ دعوة العلماء إلى محاورة شيوخ السلفية الجهادية أصحاب المبادرة ، وإن كانت هذه الدعوة تحصر الحوار في المبادئ الواردة في المبادرة . ج ـ دعوة الأحزاب السياسية والهيئات الحقوقية إلى مساندة معتقلي السلفية الجهادية من أجل الضغط على الدولة لإطلاق سراحهم . علما أن هؤلاء الشيوخ يكفرون الأحزاب اليسارية ويرفضون الاعتراف بالحقوق والحريات التي تضمنها المواثيق الدولة وكما هي متعارف عليها كونيا . ففي جواب للفيزازي ( وعليه فحرية الاعتقاد تضمنها المادة الثامنة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقتل المرتدين يضمنه حديث رسول الله السالف الذكر، فهل أنت مع إعلان اليهود والنصارى؟ أم مع شريعة رب العالمين؟ ولا يضحكن عليك أحد بقوله تعالى: "لا إكراه في الدين" و"لكم دينكم ولي دين" و"أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"، فإن معناه غير مراد عند هؤلاء الزنادقة، إن هذا يعني فيما يعنيه في الإسلام أن أهل الذمة وأن المصالحين على عهد وأن المستأمنين من طرف السلطة الشرعية وما إلى ذلك هؤلاء لا إكراه في الدين ويحمون بموجب الشريعة ) . إلا أن هذه المبادرة لا ترقى لتكون مراجعة حقيقية للعقائد التي يقوم عليها التيار الجهادي على النحو الذي اعتمدته جماعة الجهاد المصرية أو الجماعة الليبية المقاتلة . وما اعتبره أبو حفص أساسيا في مبادرته ليس سوى إنكار للقناعات الفكرية والعقائدية التي طالما رددها الشيوخ أنفسهم وأشاعوها بين أتباعهم الذين مارسوا العنف والإرهاب باسم تلك العقائد الفاسدة . والأكيد أن الحملات التعزيرية التي كان يقوم بها الشباب ضحايا هذه العقائد التكفيرية تحت مسمى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، هي دليل قاطع على المسئولية المشتركة التي يتحملها الشيوخ والشباب معا عن أعمال العنف والإرهاب التي ارتكبت ضد الأبرياء من المواطنين والأجانب . واليوم يأتي أبو حفص ليقول لنا في "مبادرته" أن هذه الحملات " لا شك أنها عرفت جملة من التجاوزات الشرعية" . إنه لم يعلن في "مبادرته" أن هذه الحملات حدثت وتحدث خارج الشرع والقانون . فالمغرب هو دولة ومؤسسات وقوانين تجرّم الإخلال بالنظام العام والاعتداء على المواطنين تحت أي ذريعة كانت . لهذا فالحملات التعزيرية هذه يجب إدانتها ورفضها من أساسها وأصلها لما فيها من انتهاك للحقوق وللحرمات وإباحة لأعراض الناس وممتلكاتهم . وهذا كله خروج على الدين وعلى القانون . إلا أن أبو حفص اكتفى بالإشارة إلى "التجاوزات" التي حدثت خلال هذه الحملات كما لو أن الأمر يتعلق بحملات يؤطرها القانون والشرع .وهذا منتهى التضليل الذي جاءت به "المبادرة" . ومن يقبل بهذه "المبادرة" يقبل بالضرورة وبالتبعية الأساس العقدي الذي يتبناه الجهاديون في تنظيم حملاتهم التعزيرية هذه . أي أنهم يمارسون حملاتهم في إطار شرعي ليس للدولة ولا للقانون الجاري به العمل منعهم من ممارسة حملاتهم الترهيبية ، بل عليهم فقط الانتباه إلى التجاوزات الشرعية . وهذا ما يقصده أبو حفص من تأكيده أن " الحملات التعزيرية التي كان يقوم بها بعض الشباب، والتي لا شك أنها عرفت جملة من التجاوزات الشرعية" . إذن فإطار الحملات "شرعي" والتجاوزات إنما هي كذلك بمنظور شرعي وليس قانوني . فضلا عن هذا جاءت المبادرة إنكارا لعقائد التكفير التي اعتقل بموجبها أبو حفص وباقي الشيوخ . وحتى يداري أبو حفص على عقائده التكفيرية ، نفى أن يكون هو أو باقي الشيوخ المعتقلين قد كفّروا المجتمع المغربي . بالتأكيد هو لم يكفّر المجتمع المغربي كله ، ولكن كفّر فئات واسعة من هذا المجتمع وعلى رأسها الأحزاب والمنظمات اليسارية . فهؤلاء الشيوخ جميعهم ، وفي مجلس واحد كفّروا الحكومة المغربية ومعها الاشتراكيون واليساريون . ومبادرة أبو حفص لم تقر بتكفير اليساريين حتى تتراجع عنه . ورغم محاولاته التحذير من اللجوء إلى تكفير الآخرين ، فهو يبقى وفيا لعقائد التكفير التي تميز السلفيين التكفيريين والتفجيريين لما يترك لنفسه الاستثناء الذي ينفذ منه . يقول في حوار له مع التجديد ( بل كل من ثبت له عقد الإسلام ابتداء،لا يخرج منه إلا إذا ثبت كيده للدين،وظهر من القرائن ما يدل على إضمار قلبه للبغض والعداوة،أما التكفير لمجرد قول الكفر أو فعله فهذا منهج الغلاة،وليس منهج ذوي العلم والفهم.) . وهذا قول يناقض ما يزعم أنها قناعة ترسخت لديه داخل السجن تمنعه من تكفير غيره ، حيث استشهد على صحتها بقول أي الحسن الأشعري في معرض كلامه (فرغم أنني قبل السجن كنت أحذر من التسرع في ذلك والخوض فيه،لكن ليس إلى هذه الدرجة التي أنا عليها اليوم،والتي جعلت لها شعارا كلمة الإمام أبي الحسن الأشعري –رضي الله عنه-،وقد حضرته الموت فاستدعى زاهر بن أحمد البغدادي وقال له:اشهد علي أني لا أكفر أحدا من أهل القبلة،لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد ، وإنما هذا كله اختلاف العبارات) . فهل اليساريون والاشتراكيون الذين يكفرهم أبو حفص وكل شيوخ السلفية الجهادية ليسوا جزءا من المجتمع المغربي ؟ وإذا كان أبو حفص ورفاقه من الشيوخ قد حشروا فئة من المجتمع المغربي ضمن الكفار ، فإنهم سكتوا في مبادرتهم عن إضفاء صفة الإسلام على الدولة المغربية . ذلك أن مبادرة أبو حفص أقرت للمجتمع المغربي بإسلاميته ولم تقر للدولة ولا للنظام الملكي بإسلاميتهما ، أي لم تعتبرهما مسلمين ؛ مما يعني ضمنيا أنهما "علمانيان" ، وكل علماني هو كافر . لهذا نأى أبو حفص بنفسه عن مبايعة الملك مبايعة صريحة واكتفى بالقول (نعلن بكل وضوح أننا وإن كنا من دعاة الخلافة الراشدة، إلا أنه لا مشكلة لدينا مع النظام الملكي، مادام علماء الأمة منذ العصر الأَ موي إلى اليوم ارتضوا هذا النظام و بايعوه و أذعنوا له بالسمع و الطاعة، ما أقام الملة ووحد الأمة، و حفظ الأمن و دفع الفتنة) . وفرْق بين الإعلان أنه لا مشكلة مع النظام الملكي ، وبين الإقرار بمبايعة الملك . ويُفهم بوضوح أن قبول المبادرة بالنظام الملكي مشروطة بإقامة الملة كشرط يعيد أبو حفص التأكيد عليه أكثر من مرة كقوله ( وإنما تنصبّ المطالبة على تطبيق الشريعة الإسلامية وجعلها حاكمة في كل مجالات الحياة) . وهذا شرط القبول بالنظام الملكي . وأبو حفص هنا يظل وفيا لعقائده الجهادية والتكفيرية تجاه الحكام والنظم السياسية التي يرى فيهم "طواغيت" وأنظمة "الجبر" .للحديث بقية
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جماعة العدل والإحسان بين تكتيك الدولة وارتباك القضاء .
-
المرأة بين حركية الواقع وتحجر الفقه .
-
ماذا لو تحولت فاجعة مكناس إلى بداية حقيقية لعهد الحساب والعق
...
-
خلافة الشيخ ياسين قضية عقدية وليست تنظيمية .
-
هل نضجت شروط محاورة معتقلي السلفية الجهادية ؟
-
فتاوى الريسوني : الخفيات والأبعاد .
-
زواج القاصرات جُرم اجتماعي وقانوني .
-
جماعة العدل والإحسان والنبوءة المكذوبة .
-
هل ستكون الأحزاب السياسية في الموعد مع رهان الجهوية ؟
-
من يجر المغرب إلى فتنة الإفتاء ؟
-
أفْغَنَة شمال إفريقيا جزء من إستراتيجية تنظيم القاعدة.
-
ما علاقة طرد المبشرين ومنع بناء المآذن بحرية الاعتقاد ؟
-
موقف الإسلاميين إزاء النضال من أجل حقوق المرأة .
-
لما الإصلاح يقوده الأمراء ويناهضه الفقهاء !
-
هجمة التطرف من المحيط إلى الخليج .
-
هل ستعي الجهات المعنية رسائل جماعة العدل والإحسان ؟
-
جماعة العدل والإحسان وحوار الطوفان لإسقاط النظام .
-
معارك الإسلاميين والوهابيين ضد الأرداف والصدور .
-
هل يمكن أن تكون مدونة الأسرة قاطرة للإصلاحات الشاملة ؟
-
القيم بين الخصوصية والكونية .
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|