أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - خالد يونس خالد - الإباء وعزة النفس في شخصية المتنبي بين فلسفة القوة والتعالي والعتاب والحكمة - القسم الثاني















المزيد.....

الإباء وعزة النفس في شخصية المتنبي بين فلسفة القوة والتعالي والعتاب والحكمة - القسم الثاني


خالد يونس خالد

الحوار المتمدن-العدد: 2954 - 2010 / 3 / 25 - 01:03
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    




قصة المتنبي - عزيز النفس بين مدحه وهجائه لكافور الإخشيدي

من المدح إلى الهجاء لماذا؟
هذا الشاعر الذي شغل الناس كما شغل الولاة والملوك، من مدح البعض، وهجاء البعض الآخر، يتطلب منا أن نتعرف أكثر على بعض خصال شخصيته. فقد حدث علي بن حمزة، قال: ‘‘بلوت من أبي الطيب ثلاث خصال محمودة، وذلك أنه ماكذب ولا زنى ولا لاط، وبلوت منه ثلاث خصال مذمومة، وذلك أنه ماصام ولا صلى ولا قرأ القرآن ... أما هذه الأخيرة- وهي أنه ما قرأ القرآن- فإني أظن الراوي يريد أنه ماقرأ القرآن تهجدا وتعبدا، وإلا فإن مثل المتنبي في فضله وأدبه ودهائه لا يفوته أن يقرأ القرآن الكريم ويتدارسه ويستظهره؟‘‘ (عبد الرحمن البرقوقي، ديوان المتنبي، ج1، ص5).

لنتعرف الآن على كافور الإخشيدي.
إنه ( مملوك ولد في النوبة. كان للإخشيد ملك مصر فتولى الحكم بعد وفاته بالوصاية عن أبي القاسم أنوجور بن الإخشيد. صمد في وجه الزحف الفاطمي. حافظ على الدولة الإخشيدية مدة عشرين سنة حتى استقل بحكمها وأصبح سلطان مصر وسورية عام 965. جمع حوله الأدباء والشعراء. مدحه المتنبي ثم هجاه. توفي عام 967م. (ينظر: المنجد في اللغة والاعلام، طبعة12، ص581).

لنتعرف هنا على شخصية المتنبي بصورة تختلف عما سبق.
قالوا ‘‘إنَّ كافورا كان قد تقدم إلى الحجاب واصحاب الأخبار، فكانوا كل يوم يرجفون بأنه قد ولى أبا الطيب ناحية من الصعيد، وينفذ إليه قوما يعرفونه بذلك فلما كثر ذلك وعلم أن المتنبي لا يثق بكلام سمعه حمل إليه ستماءة دينار ذهبا‘‘ (عبد الرحمن البرقوقي، ديوان المتنبي، ج1، ص301). فقال أبو الطيب قصيدة من سبع وأربعين بيتا، في شوال سنة سبع وأربعين وثلاثماءة ، يمدحه فيها، مطلعها:
أُغالبُ فيكَ الشَّوقَ والشوق أغلبُ
وأّعجَبُ مِن ذا الهجرِ والوصلُ أعجَبُ
بعد أن قال المتنبي قصيدته البائية اعلاه، ‘‘أقام في مصر عاما لا يأتي كافورا ولكن يسير معه في الموكب لئلا يوحشه وتذهب ظنون كافور مذاهبها، وفي الوقت نفسه يعمل في خفية على الرحيل عنه، فأعد الإبل وخفف الرحل وقال قصيدته المشهورة ‘‘عيد بأية حال عدت يا عيد‘‘ في يوم عرفة قبل رحيله بيوم واحد. ((عبد الرحمن البرقوقي، ديوان المتنبي، ج2، ص139).

نجد في هذه القصيدة عزة نفس المتنبئ، الشاعر الذي تعرف على كافور فتراجع عن مدحه له، وأبت عزته أن ينحني لكافور الإخشيدي والي مصر، ونظم قصيدة هجاء يجد المرء فيها شخصيته في معانيها الدقاق، حيث ‘‘للذهن في شعره جولان وما
دام هناك ذِهن يلفَف، وذوق يُستَدَق، وملكة بيانية، وبصر بمذاهب الشعر‘‘ (ينظر: البرقوقي،شرح ديوان المتنبي، ج1،
ص4): وينظر نص القصيدة مع شرحها بالتفصيل في الجزء الثاني من شرح ديوانه، ص139-148.
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ

أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ
فَلَيتَ دونَكَ بيدًا دونَها بيد

لَ ولا العُلا لَم تَجُب بي ما أَجوبُ بِه
وَجناءُ حَرفٌ وَلا جَرداءُ قَيدودُ

وَكانَ أَطيَبَ مِن سَيفي مُضاجَعَة
أَشباهُ رَونَقِهِ الغيدُ الأَماليدُ

لَم يَترُكِ الدَهرُ مِن قَلبي وَلا كَبِدي
شَيئًا تُتَيِّمُهُ عَينٌ وَلا جِيدُ

يا ساقِيَيَّ أَخَمرٌ في كُؤوسِكُما
أَم في كُؤوسِكُما هَمٌّ وَتَسهيدُ

أَصَخرَةٌ أَنا مالي لا تُحَرِّكُني
هَذي المُدامُ وَلا هَذي الأَغاريدُ

إِذا أَرَدتُ كُمَيتَ اللَونِ صافِيَةً
وَجَدتُها وَحَبيبُ النَفسِ مَفقودُ

ماذا لَقيتُ مِنَ الدُنيا وَأَعجَبُهُا
أَنّي بِما أَنا باكٍ مِنهُ مَحسودُ

أَمسَيتُ أَروَحَ مُثرٍ خازِنًا وَيَدًا
أَنا الغَنِيُّ وَأَموالي المَواعيدُ

إِنّي نَزَلتُ بِكَذّابينَ ضَيفُهُمُ
عَنِ القِرى وَعَنِ التَرحالِ مَحدودُ

جودُ الرِجالِ مِنَ الأَيدي وَجودُهُمُ
مِنَ اللِسانِ فَلا كانوا وَلا الجودُ

ما يَقبِضُ المَوتُ نَفسًا مِن نُفوسِهِمُ
إِلّا وَفي يَدِهِ مِن نَتنِها عودُ

مِن كُلِّ رِخوِ وِكاءِ البَطنِ مُنفَتِقٍ
لا في الرِجالِ وَلا النِسوانِ مَعدودُ

أَكُلَّما اغتالَ عَبدُ السوءِ سَيِّدَهُ
أَو خانَهُ فَلَهُ في مِصرَ تَمهيدُ

صارَ الخَصِيُّ إِمامَ الآبِقينَ بِها
فَالحُرُّ مُستَعبَدٌ وَالعَبدُ مَعبودُ

نامَت نَواطيرُ مِصرٍ عَن ثَعالِبِها
فَقَد بَشِمنَ وَما تَفنى العَناقيدُ

العَبدُ لَيسَ لِحُرٍّ صالِحٍ بِأَخٍ
لَو أَنَّهُ في ثِيابِ الحُرِّ مَولودُ

لا تَشتَرِ العَبدَ إِلّا وَالعَصا مَعَهُ
إِنَّ العَبيدَ لَأَنجاسٌ مَناكيدُ

ما كُنتُ أَحسَبُني أبقى إِلى زَمَنٍ
يُسيءُ بي فيهِ كَلبٌ وَهوَ مَحمودُ

وَلا تَوَهَّمتُ أَنَّ الناسَ قَد فُقِدوا
وَأَنَّ مِثلَ أَبي البَيضاءِ مَوجودُ

وَأَنَّ ذا الأَسوَدَ المَثقوبَ مِشفَرُهُ
تُطيعُهُ ذي العَضاريطُ الرَعاديدُ

جَوعانُ يَأكُلُ مِن زادي وَيُمسِكُني
لِكَي يُقالَ عَظيمُ القَدرِ مَقصودُ

إِنَّ امرأً أَمَةٌ حُبلى تُدَبِّرُهُ
لَمُستَضامٌ سَخينُ العَينِ مَفؤودُ

وَيلُمِّها خُطَّةً وَيلُمِّ قابِلِها
لِمِثلِها خُلِقَ المَهرِيَّةُ القُودُ

وَعِندَها لَذَّ طَعمَ المَوتِ شارِبُهُ
إِنَّ المَنِيَّةَ عِندَ الذُلِّ قِنديدُ

مَن عَلَّمَ الأَسوَدَ المَخصِيَّ مَكرُمَةً
أَقَومُهُ البيضُ أَم آبائُهُ الصيدُ

أَم أُذنُهُ في يَدِ النَخّاسِ دامِيَةً
أَم قَدرُهُ وَهوَ بِالفَلسَينِ مَردودُ

أَولى اللِئامِ كُوَيفيرٌ بِمَعذِرَةٍ
في كُلِّ لُؤمٍ وَبَعضُ العُذرِ تَفنيدُ

وَذاكَ أَنَّ الفُحولَ البيضَ عاجِزَةٌ
عَنِ الجَميلِ فَكَيفَ الخِصيَةُ السودُ

المتنبي مدرسة شعرية وفكرية في الفخر والعزة والتعالي

يؤسس أبو الطيب مدرسة أدبية شعرية وفكرية خاصة. فهو شاعر حكيم، وكان شعره ولا زال مصدر إلهام الشعراء فأصبح أحد مفاخر الأدب العربي وأحد أعظم الشعراء.
أريد هنا أن أشرب من نهر إبداع أعجوبة عصره الذي قدم حياته قربانا لإعتزازه بنفسه وبشعره إلى درجة أن أبا العلاء المعري أبدى إعجابه اللامتناهي به وبديوانه الذي سماه ‘‘معجز أحمد‘‘.

‘‘لم يكن المتنبي يُعنى عنه بأن يعرف عنه إلا أنه المتنبي، لا يفخر بقبيلة، إنما تفخر به القبيلة التي هو منها. قال في إحدى قصائد الصبا:
لا بقومي شرفتُ بل شرفوا بي
وبنفسي فخرت لا بجدودي
وبهم فخر كل من نطق الضاد
وعوذ الجاني وغوث الطريد
ما مقامي بأرض نخلة إلا
كمقام المسيح بين اليهود
أنا في أمة تداركها الله
غريب كصالح في ثمود
إن أكن معجبًا فعجب عجيب
لم يجد فوق نفسه من مزيد

لنقرأ هذه الأبيات الرائعة في التعالي وعزة النفس بأثواب الحكمة، وهو يقول:
إذا غامرتَ في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم

فطعم الموتِ في أمر حقير
كطعم الموت في أمر عظيم

يرى الجبناء أن العجز عقل
وتلك خديعـة الطبع اللئيم

وكل شجاعة في المرء تغني،
ولا مثل الشجاعة في الحكيم
هكذا كان الشاعر المتنبي، حيث كان العز عنده في مثل الجحيم أحب إليه من الذل في النعيم . فإذا كان الموت واحدا، فعلام الاستسلام ؟. وهو يقول:
كلما أنبت الزمان قناة
ركب المرء في القناة سنانا

ومراد النفوس أصغر من أن
نتعادى فيه، وإن نتفانى

غير أن الفتى يلاقي المنايا
كالحات، ولا يلاقي الهوانا

ولو أن الحياة تبقى لحي
لعددنا اذلنا الشجعانا

فإذا لم يكن من الموت بد
فمن العجز أن تموت جبانا
هذا هو المتنبي!!! أليس من الأجدر عند عزيز النفس أن توجه المساعي والأماني إلى الغايات؟ إنه الحياة بكرامة أو الموت، لأن الموت أهون من العار.
تصوروا لو كان فينا شعراء وأدباء وسياسيون وقادة بهذه العزة والكرامة لانتصرنا على ذواتنا، لأن ميدان الإنسان هو نفسه أولا، فإذا غلب عليها انتصر على غيرها.

بقية: يتبع: القسم الثالث: المتنبي فيلسوف القوة بين شعراء الحكمة بلامنازع



#خالد_يونس_خالد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإباء وعزة النفس في شخصية المتنبي بين فلسفة القوة والتعالي ...
- بين شاعر الفلاسفة المعري وفولتير العرب طه حسين - القسم الثان ...
- بين شاعر الفلاسفة المعري وفولتير العرب طه حسين - القسم الأول
- متى تنهض ليسقط قصر الباستيل ويتفجر البركان؟
- قراءة نقدية في كتاب ‘‘التيار القومي الإسلامي‘‘ للمفكر الإسلا ...
- إشكالية الثقافة وأزمة المثقف العراقي والبؤس الاجتماعي
- اليتيم
- بغدادُ العَفةُ في روحكِ والكُلُّ يُريدُكِ
- الديمقراطية والخبز - أيهما اختياره أولا؟
- لنتعظ من التاريخ حتى لا تتكرر المأساة بعد سقوط الصنم
- محاضرة مفتوحة بعنوان ‘‘نظرة في الاتجاهات والأساليب النقدية‘‘
- محاضرة عن ‘‘فرضية طه حسين حول الشعر الجاهلي والتحقق من منهجه ...
- يا غزة أصرخ لألمك ولا أستكين!!
- هل يغيب النقد لصالح سلطة النقد أو لصالح الشاعر نفسه؟ قراءة ن ...
- تفاوت القيم الثقافية الوطنية وآليات العقل الأوربي المؤثرة في ...
- هل نقرأ بوعي تاريخ الأدب العربي؟ قراءة نقدية
- حوار مع الناقد والإعلامي الفلسطيني نبيل عودة في بحثه -حتى يج ...
- أسمع محمود درويش يهمس في أذني
- استراتيجية حركات المجتمع المدني في العراق ودورها في البناء و ...
- حب كبير في عينيك


المزيد.....




- مشهد يحبس الأنفاس.. مغامر يتسلق جدارًا صخريًا حادًا بسويسرا ...
- وسط التصعيد الأوكراني والتحذير من الرد الروسي.. ترامب يختار ...
- انخفاض أعدادها ينذر بالخطر.. الزرافة في قائمة الأنواع مهددة ...
- هوكستين في تل أبيب.. هل بات وقف إطلاق النار قريبا في لبنان؟ ...
- حرس الحدود السعودي يحبط محاولة تهريب نحو طن حشيش و103 أطنان ...
- زاخاروفا: الغرب يريد تصعيد النزاع على جثث الأوكرانيين
- صاروخ روسي يدمر جسرا عائما للقوات الأوكرانية على محور كراسني ...
- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي -عنيف- على شمال غزة، ووزير الدف ...
- الشيوخ الأمريكي يرفض بأغلبية ساحقة وقف مبيعات أسلحة لإسرائيل ...
- غلق أشهر مطعم في مصر


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - خالد يونس خالد - الإباء وعزة النفس في شخصية المتنبي بين فلسفة القوة والتعالي والعتاب والحكمة - القسم الثاني