|
الله والكنيسة ومؤذن الجامع وأمي ...!
نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 2953 - 2010 / 3 / 23 - 17:05
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لم افكر في يوم ما أن يكون بيتي مجاوراً لكنيسة .لقد كنت دائما ومنذ فطرة الطفولة اغفو على نغمة لصوت رجل ضرير وهو يؤذن للصلاة ، ومنذ ذلك الابد البعيد ثقفني ابوايَّ على هاجس انتماء واحد ، إن الله مسكون في صوتِ ذلك الرجل الضرير ، ولن يسكن غيره عندما تتم الدعوة للتقرب من الرب والصعود بسلالم الصوت الشجي الى الله تقرباً وجوعاً ودعوة للأماني التي لاتتعدى في نظرة ابي سوى توفير قوت يومه .....! كانت امي تقول وهي ليست خريجة كامبريج ولا مدرسة تهجي اي حرف من حروف هيرغلوفية قلبها الطيب : إن الله يسكن الجامع ونحن نؤمَ اليه .النساء بخشوعهن البعيد .والاباء وهم يدلفون الجامع ليقفوا طوابير منتظمة خلف من يأمهم ...وليس هناك مكاناً اخراً نجد فيه الله ...وتطرفت امي لتقول :ان الله مسلماً حنيفاً ، ولن نجده في حلم وطيف وجنة ومدينة .غير ظلال المنائر والمحاريب وطنابير المياه التي يتوضئ بمياهها المصلي... لهذا كنت ارى في الجامع الله الشاهق الى أبده البعيد منارة تتكور في قمتها كرة ملساء من حجر فيروزي اخضرا او ازرقا تبعا لطبيعة ما يراه الاسطه الذي شيد هذه المنارة ...وبالرغم من انني لم أكن أصلي إلا أن هاجس الله وامكنته المختارة والمثالية ظل متجذرا في على هدي ما يذكرة العالم النفساني غوستاف يونغ :إن ما نكتسبهُ من الطفولة نقشٌ صعبٌ ازالته بألف نظرية وبديهة مقنعة ... وحتى عندما كنا لانؤم الصلاة منشغلين بالكتب التي تسوح فينا بحارات نجيب محفوظ وفلسفة ساتر وكولن ولسن ورومانسية المنفلوطي وسيجار جيفارا و( سكزوزة) هوشي منه التي تتدلى منها اجنحة عصافير وبنادق وصحون رز ورجل طيب يقول :عندما تشعر بغريب يتأمل من نافذة غرفتك فأعلم أن كرامتك مثل وسائد الخيانة مليئة بالأبر ..!وكذلك الشاشات التي تغري فينا الذكورة الملتهبة بصدر هند رستم ونادية لطفي وراكيل وولش ، والاسطوانات التي تسكرنا بنحيب غرامها في أنت عمري ، ودارت الايام ، ورق الحبيب ...مما يضطر امهاتنا .ليظهرن انفعالهن على جعل قبعة جيفارا قريبة من صوت المؤذن وسارتر الوجودي ( المُلحد ..!)ينصت بذهول لدعوة الصوت للسجود والركوع ..! عندها وبفطرتهن التي ظلت تصبغ امومة التاريخ منذ حواء وحتى اليوم بالحنان الاسطوري .يغفرن لنا بأغماضة جفن مشع ويقررن الصلاة بدلا عنا ...وجوباً واستغفاراً ونيابة .! دارت الايام ....مشت سفينة نوح لأقدار مختلفة ، لأجد نفسي ذات صباح ثلجي انني جارٌ للكنيسة ، وعليَّ أن انصت بدلاً من انشودة الخشوع المنغمة ببراءة رجل ضرير نذر نفسه للجامع ويسمونه ( خادم الجامع ) ، انصت الى قرع اجراس نحاسية ضخمة .ولكنها ايضا تملك هاجسها الموسيقي عندما يتعالى معها صوت ترتيل وايقونات ، وتُنار صفوفا منتظمة من شموع بيضاء طويلة ..ويرش على الرؤوس رذاذ ماء مقدس يساويه ما كانت امي تفعلهُ في مناسبة ( عرس ابو القاسم ) وعيد ( زكريا ) عندما ترش على رؤوسنا ماء الورد بمرشات فضية جُلبت خصيصا من مكة او ايران ..واحيانا تباع في الاسواق مرشات مطعمة بصدف ومذهبات مصنوعة في دلهي ..ولاهور ..! وكما تعودت على سمفونية الشيخ الضرير في ازمنة مضت مع اشرعة الذكريات والحروب وبطاقة التموين ورسائل الغرام وبيانات سلف الموظفين ، تعودت على قرع اجراس جارتي الكنسية ...ومثلما حفظت مشية خادم الجامع وهو يجرها بثوب طويل عتيق وخشن وفي الشتاء ،يلفه بمعطف ابلى من ثوبٍ اثري هو في الاصل لحارس ليلي تقاعد قبل ثورة بد الكريم قاسم بعام .تعودتُ ايضاً على مشية قس الكنيسة الذي يختلف عن شيخنا الضرير إنه اكثر أناقة بثوبهِ الاسود الموشح بياقة بيضاء والذي يلمع من عملية الكَي .واظن ان هذا الثوب رش عليه اغلى عطر ، وبالرغم من طوله إلا انه لم يمس بأطرافة بلاط الطريق عندما يمشي القس ويدلفَ باب الكنيسة بخطوات موسيقية مضبوطة ، فيما كنت ارى مشية الشيخ الضرير وهو يتوكأ على عصا تعينهُ في لجة الدرب بين بيته الطيني والجامع وهو يمشي الهوينة وبين خطواته تمشي ازمنة التساؤلات والفطرة على الرضوخ لهذا الطقس اليومي الذي يتطلب منه ان يصنع مزيجا غريبا من سعادة الروح والقناعة أن يوقتَ نومهُ ويقظتهُ دون أن يملك ساعة في حياته ليضبط عليها مواقيت : ( الله اكبر قد قامت الصلاة )... بعد كل هذه الازمنة والقراءات والمنافي والروايات التي فازت ولم تفز ، ودواوين الشعر والغوص في ميثولوجيا عري الالهة واساطير دهشة سومر وأرائكَ الصُحب المُدثرين خلفَ شمس نُعاس الرايات السود ولافتات تعزية موت رجال الشرطة والمليشيات واعضاء الحزب الحاكم في زمن قبل السقوط ، والمساكين الضحايا الابرياء لمخخات القاعدة والارهاب والمسدس كاتم الصوت ( السياسي )الذي صار هذا اليوم ( موضة )جديدة لتصفية المنافسين في العراق الجميل ...أدركت ان الله لايمتلك امكنة واحدة ليلهمَ فيه عباده بآيات الشوق اليه والتودد والصلاة وطلب الرحمة والمال والجاه والمرأة التي نُحبْ وكرسي البرلمان...وإن التعبير بالأنتماء اليه يختلف بين مكان ومكان ، وبين مريد ومريد .وعلي أن استحضرَ أمي لأقنعها إن اللهَ في كل الامكنة والثياب .واذا كان ثوب الضرير محبوكاً بتقادم ازمنة الفكر والبراءة وعصا الطريق فأن ثوب الكاهن مخاط بفصال بديع ومعطر وهو ايضا ابن الله ويؤذن اليه بقرع اجراس النحاس الضخمة ... بين جورة الجامع وجورة الكنسية يكون الله مسافة من الحلم والوعي والشوق ورمش امي الذي يتحرك برقصته الاثرية وكأنه وردة من جنائن بابل المعلقة أو نسمة من نسائم مساء زقورة اور الحبيبة ....!
المانيا في 23 مارس 2010
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأم وحدائق الجنة ..!
-
البنجة ( الخليقة المندائية الرائعة )
-
الناصرية ( أيقاع الحياة ...في زهرة انثى الطين )...!
-
دوسلدورف ...النهر في قصيدة
-
المدينة ( الناصرية ) ....! والاصحابُ ، وصُحاح تتقاتل عليه ال
...
-
تفاصيل مقترحة لرقة امرأة .....!
-
ارواح بيضاء في مكتبة زولنكن ...
-
شهوة الدمية ...شهوة السوسن ...شهوة العراق ......!
-
دهشة السوسن
-
الفرات ...النهر ومدينة الناصرية* ..!
-
المسيحيون العراقيون في سهل نينوى ....
-
قرطبة عدنان الظاهر ..مرشحة ترتدي نخل العراق ثوبا ...........
...
-
نرمين المفتي ( وجه للعراق ..ووجه للوردة ..)
-
سمفونية المرأة ..( الروح والجسد )...!
-
الأنتخابات وصريفة نبي الرحمة .......!
-
المندائية والطهارة الروحية والجسدية ...!
-
رشحْ وطنُكَ ولاتُرشح عَمكْ ....................!
-
الشعر السمفوني (تطبيقات أيروتيكية)
-
عبد الله الصغير ..( الأندلس ثانية )
-
فضيحة الروح عندما ترى .......!
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|