أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - تنظيف دنيا فوضاي















المزيد.....

تنظيف دنيا فوضاي


صبري يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 2952 - 2010 / 3 / 22 - 02:55
المحور: الادب والفن
    



نهضتُ من نومي باكراً في صباحِ العيدِ على أثرِ أحلامٍ مزعجة، فأحببتُ أن أصدَّ هذه الانزعاجات بمزيدٍ من الانزعاج، كي أبدِّدَ الانزعاج بانزعاجٍ مضادّ، حيث كانت شقَّتي في حالة يرثى لها من حيث الفوضى، ويدهشني كيف بعض فاقدي العقول أطلق على الفوضى العارمة في العراق، أو أيَّةِ بقعة فوضوية في العالم، اصطلاح الفوضى الخلاقة!
غباءٌ حقيقي أن يعتبر الإنسان ما جرى في العراق فوضى خلاقة، لأن الفوضى وجه سلبي في أغلب سلوك البشر، إلا في بعض حالات كتَّاب وشعراء وفنَّاني هذا الزَّمان أو الأزمنة الغابرة، فهم فوضويون لأنَّ فوضويتهم تقودهم إلى عطاءات خلاقة، حيث أنَّهم على حساب الفوضى يلتفتون إلى نصوصهم وفضاءاتهم ويبدعون تجلياتٍ تسمو عالياً كتلألؤاتِ النُّجوم، تاركين الفوضى تعشِّشُ في أركانِ صومعاتهم، ولكن إلى متى ستبقى فوضاهم تحاصرهم من كلِّ الجِّهات، وما فائدة كلّ إبداعهم الخلاق طالما هناك فوضى متراكمة بعد ولاداتِ القصائد في أركان حياتهم؟! لماذا لا يقضوا على الفوضى من خلال الإبداع، إبداع الجمال فيما حولهم بدلاً من تراكماتِ الفوضى؟!
لهذا أحببتُ أن أقضي على هذه المعادلة، معادلة فوضى الكتَّاب، أن أبدِّدَ الازعاجات التي لاحقتني في خفايا الحلم صبيحة عيد الميلاد، من خلالِ العبور في أعماقِ ما يحيق بي من فوضى مزعجة، نعم فوضى مزعجة إلى أقصى درجات الانزعاج، وضعتُ في الاعتبار أن ألملمَ كل المسبِّباتِ المزعجة وأزجّها بكل حزم وإرادة في وجه المنغِّصات الحلميَّة التي لاحقتني مراراً إلى أن يئستُ منها، فما وجدَتْ بدَّاً من التغلغلِ إلى قاعِ الأحلام، بعد أن أفلسَتْ من مجابهتي وجهاً لوجه!
نهضتُ بشهيّة مفتوحة للعبور في دنيا فوضاي، لعلِّي أخفِّفُ من تراكمات ترَّهات الأيام والشهور والسنين، لملمتُ الاقلام المتناثرة في أركان غرفة الاستقبال، غريب! أراني استقبل الاقلام أكثر ممَّا يستقبل المرء الضيوف.
لم أجدُ ضيفاً يبرِّدُ القلب، يخفِّفُ من وطأةِ غربتي، يزيل هذه الترسُّبات الكالحة، ولا أظنَّني سأجده في مستقبل الأيام، وحده قلمي صديق غربتي وضيفٌ ينضحُ بهجةً في كلِّ ركنٍ من أركانِ فرحي، وفي كلِّ آهةٍ من آهاتي، تعال يا قلمي، تعال يا صديقي، كي أضعَكَ فوقَ ثغرِ وردةٍ، كي أنقشَ نداءَ الرُّوح فوقَ أجنحةِ اليمام، كي أنثر رحيقكَ فوقَ أوجاعي، لعلِّي أزيح أوجاعاً مرصرصة فوق رقبتي منذ سنين، لعلِّي أزرعُ نسائمَ أملٍ فوقَ تلالِ فوضاي، تعالَ يا قلمي، يا أجمل فوضى عبرت في مرامي كياني، أنتَ الفوضى ما بعد الخلاقة، لأنني من خلالكَ تمكّنتُ أن أقضي على ضجري، على فوضاي، على قرفي، على حلكةِ اللَّيل الزَّاحفِ على أنهارِ الذّاكرة.
وضعتُ قلمي جانباً، تأمَّلْتُ ذاتي، ذاتٌ تائهة بين وهادِ العمرِ، هائمة بآلافِ الأفكارِ، متأرجحة فوقَ حبَّاتِ المطر، تبحثُ عن الماءِ الزُّلالِ، متعانقة مع تجلِّياتِ الخيالِ، ذاتٌ محلِّقة فوقَ هدوءِ اللَّيلِ، مزدانة في وهجِ السُّؤال، للموتِ حضورٌ طاغٍ في بوحِ السُّؤالِ، غدرُ الإنسانِ فاقَ خشونةَ الأدغالِ، ذاتٌ تبحثُ عن كيفية اسئصال الشرِّ المعشِّشِ في كينونةِ الإنسان، كينونة متقطِّعة الأوصال، على شاكلةِ دبيبِ الأرضِ الزَّاحفِ في عتمِ اللَّيلِ على غيرِ هدى!
وضعتُ الأقلام المتناثرة في آنية، فبدَتْ كأنَّها زهور متعطِّشة للفرح، انّي أبحث عن فضاءات الفرح، عن موسيقى منبعثة من زقزقاتِ عصافير محلَّقة هناك فوق أشجارِ التُّوت عند بيتي العتيق، لملمتُ آلاف الأوراق المبعثرة حولَ أسرارِ السَّرير، صحف ومجلات، كتبٌ موزّعة في كلِّ مكان، لوحاتي مسترخية بهدوء لذيذ فوق جدران غربتي، شقّتْ بعض اللَّوحات طريقها إلى أن استقرَّتْ فوقَ خشبِ الستائر، كأنها جزء من ديكور الستائر، واسترخى بعضها على صدر المكتبة، فعانقت كتبي عناقاً حميماً، وما تبقَّى تنتظر مكاناً آمناً، بعيداً عن الفوضى المحدقة في عذوبة اللَّون المنبعث من شغفِ العشقِ والاشتعال.
استقبلَ الكونُ عيد الميلاد، وأنا غائص في تنظيف دنيا فوضاي، لم يهلّ عليّ منذ زمنٍ بعيد في صباحاتِ العيد ولا في مساءاته سوى أقلامي، سررتُ لهذا التَّواري عن عالمي، أصدقاء ومعارف من لونِ البكاءِ الأزلي، من لونِ الضَّباب الغائص في غمامِ المتاهات، الكلمة هي عيدي، هي صديقي، هي صديقتي، هي بؤرة فرحي وانتعاشي، هي معراجُ تجلِّياتي إلى نضارةِ السَّماء.
نظَّفتُ فوضاي تنظيفاً مكثَّفاً إلى أن أصبح عالمي العاج بالفوضى، عالماً طريّاً، مريحاً، حميماً، دافئاً، خلخلتُ أجنحة الفوضى، طردتها شرّ طردة، شهيّتي كانت مفتوحة على زعزعةِ الفوضى من جذورِها، لم أعُدْ أطيقُ الفوضى ولا أؤمن باصطلاح الفوضى الخلاقة حتى ولو كانت الفوضى أسَّاً بديعاً للإبداع، حتى ولو كانت رحيق الإبداع، تبقى الفوضى فوضى، تغدو أمامي كحالة سقيمة تعكِّر مزاجي الصَّباحي، خاصةً في صباح العيد، في صباح الفرح، في صباحِ الشِّعر والارتقاء، في صباحِ التجلِّي في سماءِ الإبداع، نزوعٌ عميق جرفني إلى أن تصبح صباحاتي كلّها عيد، عيد من حيث البحث عن مكامن الجمال في أركان يومي على مساحات كهفي، فأنا ملتحمٌ في عوالمي مثل رهبان الجبال، مع فارق بسيط هو أن رهبان الجبال كانوا ينزعون نحو عوالم روحانية أيام زمان، بينما رهبانيتي تنزع نحو فضاءاتِ الحرفِ واللَّونِ والعشقِ المفتوحِ على تجلِّياتِ الكلمة، ربَّما هي رهبانيّة حداثوية تصبُّ في عالمِ الإبداعِ، لهذا لا أؤمنُ بالنزوع الرهباني بالمفهوم الرُّوحاني المحض والتعفُّفي الخالص، فهو ضدّ الطَّبيعة البشرية، ولا يناسب هذا الزَّمان، ويحدُّ من آفاقِ تجلِّياتِ الرُّوح حتى في عالم الرُّوحانيات، هكذا يخيّل إليَّ، أو هكذا يبدو لي الإنسان، لأنَّ الإنسان ليس روحاً خالصاً، هو روح وجسد، فلا بدَّ من التوازن بين ما هو روحي وما هو جسدي، وإلا تخلخل كيان الإنسان كإنسان يحمل بين جناحيه جموحات روحية وجسدية خلاقة!
يهفو قلمي إلى حفاوةِ السَّماء، إلى سموِّ الرَّوحِ وهي تصعدُ نحوَ واحات المحبَّة، نحوَ حبقِ السَّلامِ، في عيدِ المحبّة والسَّلام، كيف لم يعِ الإنسان كلّ هذه السنين أنه رسالة فرحٍ من الأعالي، يزرعُ هديلَ اليمامِ في هضابِ الدُّنيا، يسقي خميلةَ الرُّوحِ، يشعلُ شموعَ الفرحِ مع اشراقةِ السَّماءِ، لعلّه يتعانق معَ توهجاتِ الشَّمسِ في صباحِ العيدِ!



#صبري_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- براعمُ قلبِي تنمو كاخضرارِ الكرومِ 14
- عشقٌ يتمايلُ معَ خبايا اللَّيلِ 13
- خبَّأتُ لكِ عشقاً بين جموحِ الموجِ 12
- تحنِّينَ إلى غفوةٍ بينَ أرجوحةِ الرُّوحِ 11
- حنين إلى بلسمٍ يشفي الجراحِ 10
- وردةٌ راعشة فوقَ زبدِ البحرِ 9
- طراوةُ خدِّيكِ مبلسمة بالنِّعناعِ البرِّي 8
- كأنّكِ منبعثة من زغبِ البحرِ 7
- تراخى الحزنُ فوقَ خدودِ البنينِ
- طفولةٌ مغموسةٌ بتلاوينِ الحياة
- تحنُّ ينابيعُكِ إلى ارتعاشاتِ سوسني 6
- يرقصُ قلبي مع طقوسِ الغجرِ 5
- أرسُمُكِ ضوءاً على إيقاعِ المزاميرِ 4
- وردةٌ يانعة مثلَ نضارةِ الثَّلجِ 3
- يا شهقةَ اللَّيلِ الطَّويلِ! 2
- هطلَّ الدُّفءُ علينا مثلَ غيماتِ المساء 1
- تاهَتِ الحكمةُ عن دربِ المنارة 42
- بينَ مساماتِ الغمام! 41
- إليكِ أيتها المتعرِّشة في بوحِ القصائد
- فوقَ رذاذاتِ الماءِ الزُّلال! 40


المزيد.....




- قبل إيطاليا بقرون.. الفوكاتشا تقليد خبز قديم يعود لبلاد الهل ...
- ميركل: بوتين يجيد اللغة الألمانية أكثر مما أجيد أنا الروسية ...
- حفل توقيع جماعي لكتاب بصريين
- عبجي : ألبوم -كارنيه دي فوياج- رحلة موسيقية مستوحاة من أسفار ...
- قصص البطولة والمقاومة: شعراء ومحاربون من برقة في مواجهة الاح ...
- الخبز في كشمير.. إرث طهوي يُعيد صياغة هوية منطقة متنازع عليه ...
- تعرف على مصطلحات السينما المختلفة في -مراجعات ريتا-
- مكتبة متنقلة تجوب شوارع الموصل العراقية للتشجيع على القراءة ...
- دونيتسك تحتضن مسابقة -جمال دونباس-2024- (صور)
- وفاة الروائية البريطانية باربرا تايلور برادفورد عن 91 عاما


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - تنظيف دنيا فوضاي