أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 12 من رواية تصبحون على غزة














المزيد.....

الفصل 12 من رواية تصبحون على غزة


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 2951 - 2010 / 3 / 21 - 21:34
المحور: الادب والفن
    


12

لأول مرة ، تخلو ريتا مع نفسها ، ترسم لأسرتها حياة مختلفة عما عاشتها ، تبدأ بتصورها رويداً رويداً، فتتشكل ملامحها ببطء ، حياة فاجأتها أن تكون على هذا النحو : كيف ؟
افترضت سؤالاً قام على أساسه بناء الحياة المختلفة، ونهض عالياً حتى غدا مكتملاً لا ينقصه سوى العائلة الواقعية التي تتحرك في محيطه ، فباتت الحياة مغايرة لما تعيشه الآن مع زوجها وابنها في ألمانيا ، وأمست النهايات بعيدة كل البعد عن النهايات التي حتماً ستؤول إليها .
كيف حدث ذلك ؟
في لحظة اكتئاب جنونية ، ذهبت بها الأفكار إلى مداراتها البعيدة ، طرحت عليها سؤالاً موجعاً، الإجابة عنه معجونة بالعذاب : كيف سيكون مصيرهم لو لم يغادر أبوها القرية بعد المعارك الطاحنة التي خاضوها مع الجنود اليهود ؟
سؤال مشبع بالعذاب والمرارة والألم ، جذوره غائرة في صحراء قاسية منذ ستة عقود ، والإجابة عنه دون مخيلة صافية مستحيلة ، إجابة فيها من المنطق ما يجعلها ممكنة وبديلة للحياة التي أفرزتها الحرب ووزعت أهل القرى الأصليين على شتى أصقاع العالم ، ولا إمكانية تلوح في الأفق تؤكد عودتهم وممارسة حياتهم بشكل طبيعي كأن شيئاً لم يكن .
من أين تأتي بهذه الإجابة ؟
ثقب في رأسها ينزف نزفاً متقطعاً ، تحاول لملمة أطرافه والقبض عليه كي تجعل منه ينبوعاً صافياً متدفقاً يستحضر الماضي ويؤسس للمستقبل .
توقفت في منتصف مسافة المحاولة .. عادت الابتسامة العريضة إلى شفتيها ، ابتسامة من ذلك الطراز الذي يقتحم طزاجة الصباح فيحيله مبهجاً قابلاً للنمو .. تركت أفكارها تتأرجح بين الاحتمالات المختلفة ، ثم أخذت بنسج الحكاية كما تصورتها ، بشقين متباعدين : الأول ، البقاء في الوطن وفق معادلة الشهادة أو النصر . والنتيجة تدخل العالم جراء استمرار مجازر اليهود تجاه شعبنا، وعدم القدرة على الصمت إلى ما لانهاية ، الأمر الذي يعني بقاء طرفي الصراع على ذات الأرض، وإيجاد صيغة توافقية تبقيهم في حالة تعايش ما أمكن، وما يترافق معها من احتمالات اقتسام السلطة ،والحكم ،والنمو الطبيعي للسكان، وتأثيرهما على الأجيال اللاحقة وبناء الدولة الحديثة التي تحتكم للقانون دون تمييز بين أقلية وأغلبية ، مع بقاء احتمال تجدد الصراع بين الطرفين قائماً جراء العناصر المتطرفة التي لا يروقها الاستقرار، ولا تجد فيه تحقيقاً لمصالحها ،لاسيما إذا كانت النوازع الدينية كفيلة بتبرير ما يحدث بجملة واحدة تكفي للرد على أي منطق : إنها مشيئة الله . ففي هذه الحالة ستهدم المساجد والكنائس والكنس ، ثم يعاد بنائها في لحظات الهدوء والاستقرار مع استمرار تكرار المشهد عند كل خلاف يعقبه انفجار يجدد الصراع، ويبقي الخوف قائماً ما دامت القضايا الرئيسة لم تحل جذرياً ، وكلا الطرفين محكوم بمرجعية دينية تبرر سلوكه، وتؤكد بقاء الصراع إلى ما لا نهاية ، دون النظر جدياً في الصيغ المختلفة التي من شأنها تجنب المزيد من الدم، وخلق فرصة للتعايش كما هو الحال في كثير من دول العالم ، تسعى إلى تطوير الإنسان والمجتمع لا إلى تدميره وإغلاق الدائرة عليه حتى يصعب الخروج منها والانطلاق .
الثاني ، انتصار الشعب الفلسطيني في مقاومته، ودحر العصابات المهاجمة، والبقاء على الأرض دون الرحيل إلى مختلف أقطار العالم، وتضافر الجهود الذاتية والعربية في بناءالدولة، وما تعنيه من مؤسسات، وأدوات قمع، وبناء السجون، والمدارس والسعي باتجاه تطوير أنفسنا، ومنافسة العالم في مختلف المجالات حتى نقف على حقيقة قدرة عقولنا على الإبداع وخلق الأجواء الملائمة لنمائه واعتبار الإنسان أولاً وأخراً الرصيد الحقيقي للدولة والوطن حتى يتمكن من الدفاع عنه باعتباره الملكية الخاصة التي لا يتنازل عنها مهما كلفه الأمر من ثمن . باختصار، الإنسان الذي ينتمي للوطن وليس الغريب عنه جراء ما يتعرض له من قمع في سبيل تحقيق المصالح الخاصة لبعض المتنفذين بالقرار السيادي !
وبكلمة ، لا أن نكون تقليداً أعمى للمحيط العربي المصادر الرأي ، المكمم الأفواه ، المحكوم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة والتبعية الاقتصادية المقيتة التي تجعل عملية الاضطهاد مزدوجة ، اضطهاد الأجنبي بفرض إرادته على الحكام ، واضطهاد الحكام لشعوبها بغية تنفيذ قرارات الغير مهما كانت جائرة . بل أن نكون على مسافة واحدة من العالم في صراع العقول الدائم والمستمر من أجل رفاهية الإنسان، وخلق أفضل الفرص لتطوير قدراته، وتحسين أدائه في مختلف ميادين العمل، والابتكار بما يخدم البشرية جمعاء .
وهكذا ، رأت نفسها مع العائلة ، في يوم الإجازة الرسمية ، وأحياناً بعد الدوام اليومي لزوجها ، في المتنزه العام للقرية التي تركها الأبوان ، تظللهما الأشجار، وتفرض عليهما زقزقة العصافير طقوس حب لا يرقى لها عقل المحرومين من أبسط الحقوق . ابنها يمرح ويلهو مع الأطفال بألعابهم ، دون أن يعكر عليهم محرك طائرة مقاتلة أو رصاص مستوطن أصابته لحظة جنون أودت بحياة الأبرياء في الوقت الذي جاء فيه والداها بصحبة والدي زوجها يتهامسون مع الابتسامات كأنهم فراشات حطت أخيراً على ضوء الشمس ، وترقبهم مريم وأطفالها من بعيد كمن يلقي نظرة وداع على أيام مضت .
وفجأة ، انتابها إحساس غريب عندما تذكرت الأهل في الوطن . ماذا عساهم فاعلون الآن ؟ وكيف يتدبرون حياتهم في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة، وعدم السماح للأونروا القيام بمهامها على أكمل وجه؟
إنه الاحتلال البغيض الذي يحرم الابن من أبيه ، بل ويحرمه التنفس دون أن يكون الهواء مشبعاً بالغاز المسيل للدموع



#حبيب_هنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل 11 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 10 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 9 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 8 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 7من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 6 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 5من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 4 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل3 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل2 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل1 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل16 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 31 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 23 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل22 من رواية تصبحون على غزة
- أيام السينما الخليجية في فلسطين
- حكاية بحرينية
- الروائي الفلسطيني : العزلة والحواجز
- الفصل 19من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 18من رواية حفريات على جدار القلب


المزيد.....




- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 12 من رواية تصبحون على غزة