حسنين السراج
الحوار المتمدن-العدد: 2951 - 2010 / 3 / 21 - 19:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كثيرا ما يفكر الأنسان في معضلة الوجود وفي ذات الله العليا أحيانا يكون مسار تفكيره كروي مستقيم يعود الى نفس النقطة التي بدأ بها
بعد عناء ومعاناة وأستنتاجات قد تثبت وجود الله وقد تنفيه.
أخبرني أحد أصدقائي مرة أنه قرأ أكثر من 200 كتاب وفي النهاية وصل الى أن عليه أن يسلم أن هناك اله لأنه لم يصل الى يقين مطلق .
في الواقع أن مسألة الأيمان بالغيبيات مسئلة حسية أكثر منها عقلية فكثير من الناس يعرض عليه الف دليل على وجود الله لكنه لا يشعر بوجوده
وكثير من الناس يعرض عليه الف دليل على عدم وجود الله ولا يجدها الا هراء.
من يشعر بوجود الله يجد أدلة وجوده منطقية ومقبولة عقلا ومن لا يعتقد بوجود الله يجد أدلة عدم وجوده منطقية ومقبولة عقلا
يقول أحد المفكرين أن الحقيقة من صنع الانسان , أن العقيدة التي يعتقد بها الأنسان هي حقيقة ساكنة في قلبه قبل عقله
قال أحد رجال الدين مرة (أن عالم الذرة الهندوسي وصل الى أرقى درجات العلم لكن لا زال ضحل العقل يقدس البقرة)
لو سئلنا عالم الذرة الهندوسي عن الكيفية التي يعقل بها تقديس البقرة لوجدنا لديه أكثر من جوابوالف مبرر منطقي بل سيتعجب كيف أننا لا نجد في البقر قدسية
وفي نفس الوقت قد نجد رجل دين هندوسي يقول (هناك عالم ذرة مسلم وصل الى أرقى درجات العلم ولا زال يقدس حجر ويدور حوله في وقت معين من السنة
ويسمون هذه الطقوس بالحج)
وحين تسأل عالم الذرة المسلم عن الكيفية التي يعقل بها تقديس حجر والدوران حوله سيبين لك وبشكل منطقي العلة من الحج والمغزى الأساسي منه والرمزية فيه .
المسلم يملك حقيقة مطلقة يدافع عنها والهندوسي يملك حقيقة مطلقة يدافع عنها وكل عقيدة هي حقيقة مطلقة في قلوب وعقول معتنقيها
كنت اتحدث مرة مع أحد الأخوة الأسلاميين ودار الحديث حول قبول الاخر فقلت له أن لدي صديق ملحد
ما أن سمع كلمة ملحد حتى تحول الى كتلة من الغضب وبدأ يلومني بشدة كوني أتحدث مع شخص لا يؤمن بوجود الله
ولم أجد أن النقاش ممكن أن يعود بالفائدة فسايرته في كل ما يقول ,
في الواقع أن رد فعل هذا الشخص طبيعي كونه يعتقد أن الملحد هو أنسان يعلم أن الله موجود ومتيقن من ذلك لكن
لا يريد أن يعبده الملحد حسب رأيه هو مرادف للهارب من الخدمة العسكرية أو الذي يعلن العصيان المدني
لكن الواقع غير ذلك فالملحد هو أنسان لا يشعر بوجود الله وأكدت له الأدلة العقلية عدم وجوده
والغريب أن هناك بعض الملحدين يستفزون مشاعر المؤمنين بشدة توحي أنهم يعتقدون بوجود الله لكن يكنون له العداء
حتى أن بعضهم يكتب كتابات مثيرة للأشمئزاز وبعيدة كل البعد عن الحوار الفكري والعقائدي
أتذكر مرة أرسل لي أحد اللادينيين رسالة فيها أستهزاء بالاديان مع العلم أن هذا الشخص كان أسلاميا متشددا يدعو الى الجهاد
هذه المفارقة الغريبة تدعو الى التأمل في الكيفية التي تحول فيها أسلامي متشدد الى ملحد متشدد مع حفاظه على شخصيته المتشددة التي تلغي الاخر!!
قبل فترة سئلت أحد الأصدقاء عن الديانة البهائية فنصحني بقراءة معلومات عن هذه الديانة في أحد المواقع الأسلامية
فقلت له أريد معلومات عن البهائية وليس عن رأي المسلمين بالبهائية فقال لي أن المسلمين يبينون لك حقيقة البهائية فقلت له هل من الأانصاف أن أقرأ عن الاسلام في موقع مسيحي ؟ وا موقع يهودي ؟ بالتأكيد أكثر من يعبر عن حقيقة ما أعتقد به هو أنا وليس غيري
حين يقول لي أحدهم أن الكثير من الاحاديث التي يرددها المشايخ هي أسرائيليات أو مدسوسة
فهو يجافي الحقيقة التي تقول أن هؤلاء المشايخ يعتقدون بصحة هذه الأحاديث ويتخذونها عقيدة ومنهج
حتى لو كان ما يقوله الشيخ مدسوس وليس له أساس فقد أصبح له أساس وتحول الى حقيقة
حين اريد له أن يكون حقيقة في الواقع أن التحري عن مدى صحة ما وصلنا من الدين هو أمر جيد
لكن المشكلة هي أن الفاصل الزمني حول الكثير من الامور الدخيلة الى أصيلة بل حولها الى عقائد لا نقاش فيها
وأصبحت حقيقة دينية ساكنة في قلوب مصدقيها
الدين الأسلامي حقيقة مطلقة في قلوب وعقول المسلمين
والبوذية حقيقة مطلقة في قلوب وعقول البوذيين
وعدم وجود الله حقيقة موجودة في قلوب وعقول اللادينيين
فاز ونال رضا الله ورضا نفسه من أحترم الحقيقة الأخرىوتفهم الاخر ووضع نفسه محله ليفهم طريقة تفكيره
أحترام عقيدة الاخر أمر لا مفر منه والا سنبقى في حلقة مفرغة من أمتلاك الحقيقة المطلقة
المشكلة ليست في النتائج التي يصل لها من يبحث عن الحقيقة المشكلة تكمن في مدى تقبل الاخر للحقيقة التي أمتلكها
تحول مرة أحد أصدقائي المتحررين فجأة الى متدين وبدأ ينظر الى من يستمعون الى الأغاني عبارة عن شياطين يستحقون اللعن وهو لن ينتبه أنه كان بالامس
مثلهم شيطان !!!!!!
من يعتقد أنه يملك الحقيقة المطلقة وحده وليس هناك حقيقة أخرى هو مسكين يستحق الشفقة
وهنيئا لمن يتقبل ويتفهم الاخر هؤلاء هم أصحاب النفوس المطمئنة
#حسنين_السراج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟