أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد كامل عجلان - أطروحة العقد الاجتماعى والحرية الفردية















المزيد.....



أطروحة العقد الاجتماعى والحرية الفردية


محمد كامل عجلان

الحوار المتمدن-العدد: 2951 - 2010 / 3 / 21 - 14:30
المحور: المجتمع المدني
    


يعنى " العقد الاجتماعى " Social Contract أن ثمة تعاقداً تم بين مجموعة من الأفراد من أجل نشأة الدولة ، سواء كان هذا التعاقد بين الحكام والمحكومين ، كما هو الحال عند لوك ، أو بين المحكومين وبعضهم البعض ، عند هوبز . ويبدو أن نظرية العقد الاجتماعى ليست جديدة كل الجدة ، بل إنها ذات تاريخ بعيد فى الفكر السياسى ، فلقد ناقش الأبيقوريون هذه النظرية ، وكذلك بعض آباء الكنيسة الأوائل، ثم وجدت النظرية تدعيماً لها فى القانون الرومانى الذى اعتبر الشعب هو مصدر السلطة السياسية . ويرى البعض أن المجتمع الإقطاعى يقوم على أساس التعاقد الذى يتمثل فى يمين الولاء والخضوع بين السادة والعبيد ( ) . إلا أن الفضل يرجع إلى أوربا العصر الحديث وفلاسفتها السياسيين - ليس فقط فى إلقاء الضوء على فكرة العقد الاجتماعى من جديد - وإنما فى تناول هذه الفكرة من منطلق جديد ، حيث إبراز الفردية Individualism والارتكاز على الفرد كفرد وليس على المجموع أو الناس بالمعنى الغامض لهذه الكلمة ، فاعتبار الفرد وحدة قائمة بذاتها لها كيانها هو تصور طرحه العقد الاجتماعى بشكله الجديد ، فهذا الطرح الفردى ، إلى جانب كونه جديداً ، فإنه أحد ركائز الفكر الليبرالى .
ومن الجدير بالذكر أن العقد ليس سوى افتراض خيالى بمعنى عدم وجود سابقة تاريخية له ، حيث التجأ إليه المنادون به كتبرير ميتافيزيقى لنشأة الدولة ، مما جعل كانط يصفه بالخرافة المنهجية ( ) . ولقد ساعدت نظرية العقد الاجتماعى على القضاء على نظرية الحق الإلهى المقدس للملوك والتى ظلت راسخة لفترة طويلة ، بما يحمله هذا القضاء على الحق المقدس للملوك من تحقيق لعلمانية السلطة ، أى نقل مصدر السلطة من السماء إلى الأرض ، فلم يعد الله هو واهب السلطة لفرد معين أو أسرة معينة ، وإنما الأفراد المشاركون فى هذا العقد هم مصدر هذه السلطة .
وانطلاقاً من كون الأفراد هم مصدر السلطة ، فإن الباحث سيحاول أن يعرض لفكرة العقد الاجتماعى وما تحمله من تأكيد للحرية الفردية لدى أبرز فلاسفة العقد الاجتماعى ( هوبز ، لوك ، وروسو ) .
1- الفردية فى عقد هوبز الاجتماعى :
يعد توماس هوبز Thomas Hobbes (1588 – 1679 )( ) إلى جانب كل من لوك وروسو من بين الذين ساهموا في وضع النظريات السياسية للدولة الحديثة في بريطانيا وفي أوروبا ( ) . فلكى نفهم الطبيعة الفكرية لـ " هوبز " علينا أن نستقرئ العصر الذى عاش فيه من ناحية الظروف الاجتماعية والسياسية ، وكذلك التوجه الفكرى السائد الذى كان نتاجاً لهذا العصر ، فليس من المبالغة القول بأن أصالة هوبز نابعة من وعيه بطبيعة عصره ( ) . فلقد تأثر بالأحداث السياسية التى مرت بها إنجلترا إبان حياته ، لقد أرجعت أمه ولادته المبتسرة قبل الأوان لخوفها من وصول الأسطول الأسبانى إلى إنجلترا ، كما دفعه الصراع بين الملك شارل الأول والبرلمان والذى انتهى بالحرب الأهلية فيما بين عامى 1642 – 1647 إلى كتابة رسالة بعنوان " مبادئ القانون الطبيعى والسياسى " دافع فيها عن السلطة المطلقة للملك ، بوصفها أمراً لا غنى عنه للنظام الاجتماعى والوحدة الوطنية ( ) .
أما على صعيد الفكر ، فلقد تأثر هوبز كثيراً برجال العلم والفكر الذين التقاهم فى حياته ، فلقد اجتاحت أوربا رياح جديدة من النهضة العلمية والثقافية مع مطلع القرن السابع عشر ، لتقيم العصر على أشلاء الفلسفة المدرسيةScholastic Philosophy السائدة، ولقد التقى هوبز غالبية أعلام زمنه خلال إقاماته المتعددة فى القارة الأوربية بعيداً عن إنجلترا . فحياة هوبز يمكن أن تُختصر فى هذا التنقل المتلاحق بين بلده وبقية بلدان أوربا . فلقد زار فرنسا للمرة الأولى سنة 1610م ، وهناك شهد الصراع الفكرى ضد فلسفة القرون الوسطى وسيطرة أرسطو ، وكان جاليليو Galileo ( 1564 - 1642) ( ) قد استعمل التلسكوب ، فى حين أن كبلر Johannes Kepler (1571 – 1630 ) ( ) قد ألَّف كتابه حول " علم الفلك الجديد " ، إلا أنه من الظاهر أن هوبز لم يع فى تلك الفترة كل ما كان يجرى من جديد فى القارة الأوربية ، إذ كان ما يزال منشغلاً فى دراساته الأدبية . إلا أنه عاد ثانية إلى القارة وهناك اكتشف كتاب " العناصر " لإقليدس فأعجب به كثيراً ، إذ اعتقد أنه وجد المنهجية الصالحة لمعالجة كل الأمور بطريقة رياضية . ثم عاد مرة ثالثة إلى فرنسا سنة 1634م ، ومن هناك مضى إلى إيطاليا حيث التقى جاليليو ، وكان لهذا اللقاء التأثير الحاسم على كل فكره ، وهو يخبرنا بأنه أثناء عودته بعد لقاء العالم الإيطالى ، كان الكون مليئاً بالأشياء المتحركة . وفى باريس التقى بمرسين وكسندى وديكارت ، وكانت اجتماعاته بهم أهم - فى نظره - من كل ما درسه فى الجامعات ( ) .
وانطلاقاً من استقراء العصر الذى عاشه هوبز اجتماعياً وسياسياً وفكرياً يحاول الباحث التعرض لرؤية هوبز للعقد الاجتماعى ، حيث حاول مسايرة هذا الحراك الذى عج به عصره .
لقد كانت نقطة البدء فى فلسفة هوبز هى تحليله للطبيعة البشرية فى ضوء سيكولوجية تفترض أن المصلحة الذاتية هى المحرك الأساسى للسلوك الإنسانى . وفى حالة الفطرة كانت دوافع الإنسان تتمثل فى مصالحه الأنانية ، دون أن يأخذ فى اعتباره العقل أو مصالح الآخرين ، وهذا بدوره هو ما يفسر الصراعات التى شهدتها هذه الحقبة من تاريخ البشرية ، طالما أنه لا وجود للقانون أو العدالة . ( ) .
وبناء على ذلك ، يرى هوبز أن حياة الإنسان تنطلق من منطلق أساسى هو التنافس Competition الذى يدفع الإنسان إلى تحصيل أكبر قدر من اللذة والسعادة للحفاظ على حياته . فغريزة الحفاظ على الحياة هى التى تجعل الإنسان يكافح من أجل تحقيقها حتى الموت متبعاً فى ذلك كل وسيلة يمكن أن تؤدى إلى هذا الهدف ، سواء كانت هذه الوسيلة خلقية أو غير خلقية . فهذه هى حالة الطبيعة الأولى عند هوبز ( ) .
وتلك الحالة تؤدى حتماً إلى حالة " حرب الجميع ضد الجميع " A war of all against all ما دام كل إنسان عدو كل إنسان آخر ، لا يبغى إلا مصلحته الخاصة ، ومنفعته الشخصية وحسب . ولقد امتازت حياة الإنسان فى تلك الحالة الطبيعية بأنها كانت منعزلة وفقيرة ووحشية، فأصبح الإنسان ذئباً لأخيه الإنسان ( ).
ويمكن أن نستنتج من هذه الحالة الأولى التى كان عليها الإنسان الخصائص التالية :
1- لم يكن ثمة تمييز بين الصواب والخطأ ؛ لقد كان الإنسان مدفوعاً برغباته وشهواته ونزواته الكامنة فيه ، ولم يكن فى الإمكان أن نقيس بمعيار ما أخلاقية الفعل أو عدم أخلاقيته ؛ لأن ذلك المعيار لم يكن قد وجد بعد .
2- لم يكن ثمة تمييز بين ما هو عادل وبين ما هو ظالم ؛ فما دام القانون لم يوجد بعد ، فلا يمكن أن توجد العدالة ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ليست العدالة أو الظلم من قدرات الإنسان وملكاته ، مثل الإحساس والانفعال ، ومن ثم فليس ثمة عدالة طبيعية توجد فى الفرد . وإنما توجد العدالة متى ارتبط الإنسان بالآخرين عن طريق الدولة المشرعة للقانون .
3- لم تكن ثمة ملكية محددة تخص فرداً واحداً ؛ لأن كل إنسان كان يحصل على ما يستطيع أن يحصل عليه من ممتلكات ، وتظل هذه الممتلكات له طالما استطاع أن يحتفظ بها ( ) .
وبما أن الأفراد يقتربون فى قوتهم ، فلن يستطيع أحدهم أن يضع حداً لهذا الصراع ؛ ولذلك فسوف يظلون فى حالة خوف وترقب ، حرصاً على حقوقهم الطبيعية ، وفى هذه الحالة يمتنع التعاون ، ولا يمكن قيام أية صناعة أو تجارة أو علم أو فن ؛ لأن الخوف الدائم وعدم الثقة وخطر الموت يعوق قيام أى مجتمع أو حضارة .
ولما كان كل إنسان حريصاً على تحقيق مصالحه ، تولدت لدى الجميع ضرورة التعاقد على المصالح المشتركة ، وعدم الصراع إلا فى الحدود المعقولة ، فلولا خوف الناس من بعضهم لما ظهرت فكرة التعاقد ، كأحسن وسيلة لبث الطمأنينة بين النفوس الأنانية فى تصرفاتها . وأصبح الإنسان بمقتضى التعاقد ملزماً بالوفاء ؛ مخافة ألا يحترم الآخرون العقد الذى بينه وبينهم . فالخوف إذن هو أساس التعاقد ، والخضوع للعقد مرده خوف الناس بعضهم من بعض ، والخوف المشترك أيضاً هو أساس القيام بالواجبات والالتزامات ، وتأدية الحقوق المفروضة ( ) . فيجتمع عدد من الناس ويتفقون على اختيار حاكم أو هيئة حاكمة تمارس سلطتها وتنهى حالة الحرب الشاملة . وبمقتضى هذا العقد يتنازل الجميع عن إرادتهم لإرادة الحاكم ، فيكون له بمقتضى هذا العقد السلطة المطلقة لعمل كل ما يراه صالحاً لرعاياه ( ) . فالعقد الاجتماعى عند هوبز هو اتفاق الأفراد فيما بينهم على التنازل عن حقوقهم المطلقة لشخص يستطيع أن يتصرف بالإنابة عن كل فرد شارك فى إقامة العقد ، وهو تنازل أبدى لا رجعة فيه . ولا يعتبر الحاكم طرفاً فى العقد ؛ لأنه بين رعايا ورعايا ، وليس بين حاكم ورعايا ، وتبعاً لذلك لا يستطيع الحاكم أن يرتكب أى خرق للعقد ؛ لأنه لم يشارك فى إقامته ( ) .
إلا أن البعض قد يحاول الفكاك من هذا العقد لاعتقادهم أنهم اضطروا إلى دخوله اضطراراً ، وأنه يناقض طبيعتهم ويحد من حريتهم التى كانوا يتمتعون بها فى حالة الطبيعة الأولى . وفى هذه الحالة يرى هوبز أن العقد لابد له من قوة تلزم الجميع باحترام وتنفيذ بنوده ؛ لأنه إذا لم تتوفر هذه القوة ، فإن العقد لن يكون سوى كلمات جوفاء بدون معنى واقعى ، والشخص الذى تتوفر له هذه القوة هو الدولة التى يسميها هوبز العملاق أو التنين ( ) .
وقد اعتمد هوبز على نظرية التعاقد الاجتماعى لتبرير السلطة المطلقة ، وتدعيم استبداد حكم الفرد المطلق ، وأراد أن يدافع عن أسرة استيوارت ، وعن حق هذه الأسرة فى العرش الإنجليزى ، منادياً بالثورة على كرومويل الذى اعتبره مغتصباً للعرش من أصحابه .
بيد أنه لا يجب أن يُفهم من ذلك أن هوبز كان من فلاسفة السياسة الدوجماطيقيين أصحاب المعتقدات الفكرية الجامدة . فلقد كانت مبادؤه نسبية تتوقف على براجماتية الحكومة القوية المؤثرة، مما ترتب عليه انعدام فكرة الشرعية عنده . فعلى الرغم من أنه كان من المدافعين عن النظام الملكى طوال عمره ، وأنه عمل على الدفاع عن أسرة استيوارت وحقها فى حكم إنجلترا ، إلا أنه كان على استعداد لأن ينحاز إلى كرومويل ؛ لأنه كان على رأس الحكومة التى أعادت النظام والقانون لإنجلترا . وما أن عاد تشارلز الثانى إلى الحكم مرة أخرى ، حتى عاد هوبز إلى خدمة هذه الملكية والترويج لحكمها . من منطلق أن الإنسان على استعداد دائم لطاعة من يحافظ على الأرواح والممتلكات ( ) .
ولإبراز دوافع هوبز فى تأكيد السلطة المطلقة ، فإن ذلك يتضح من خلال إبراز فرديته ، وتوجهه الليبرالى ، ويتوقف ذلك على الإجابة على ثلاثة تساؤلات ربما تساعد فى إيضاح ذلك ، وهى من أين يستمد الحاكم حقه فى ممارسة السلطة المطلقة ؟ ما الذى يبرر قيام مثل هذه السلطة المطلقة ؟ وأخيراً : أليس لهذه السلطة المطلقة من حدود ؟
(أ) مصدر حق ممارسة الحاكم للسلطة المطلقة : لقد استبعد هوبز المصادر المطلقة للحكم التى كانت سائدة فى عصره ، والتى كانت تعتبر أن الحاكم هو ظل الله فى الأرض والمنفذ لمشيئته ، لكن هوبز رأى أن مثل هذا الحق لا يستند إلى أى منطق عقلى ، وليس هناك ما يبرره حين ننظر إلى منفعة الأفراد . وكذلك نستطيع القول نفسه بالنسبة لحق الوراثة ، إذ ليست هناك أية ضرورة عقلانية تبرر حق ابن الحاكم أن يرث أباه ، فالملكية الوراثية لا تقوم إذن على أى أساس طبيعى تستمد منه شرعيتها . إنما يستمد الحاكم حقه فى ممارسة السلطة من ذلك الاتفاق الاختيارى الملزم الذى يقيمه الأفراد فيما بينهم ليضعوا حداً لصراعات الحق الطبيعى ، وذلك بإقامة سلطة القانون الذى يؤمِّن لكل فرد الأمن الداخلى والسلام الخارجى ، وإذا كانت مثل هذه السلطة مطلقة ؛ فلإنه بدون مثل هذه القوة غير المحدودة لا يمكن أن يُقام عدل ( ) أو يتحقق أمن الفرد .
(ب) ما الذى يبرر قيام السلطة المطلقة : إن مثل هذا السؤال مرتبط بنظرة هوبز إلى الطبيعة البشرية ، فلقد كانت المشكلة الرئيسية التى تشغله هى مشكلة العواطف البشرية وكيفية السيطرة عليها ، فالطبيعة البشرية تتحكم فيها الأهواء ، وإن تُرك الإنسان على طبيعته ، لأصبح كل إنسان ذئباً لأخيه الإنسان ، ولقامت حرب الجميع ضد الجميع . فالعقل يقرر أن المصلحة الحقيقية للفرد - أمام مثل هذا الواقع - هى مصلحة البقاء . وهذه المصلحة الأنانية يُجمع عليها جميع الناس ؛ لأن حب البقاء والاستمرار فى حياة هادئة هو المطمح الأخير لكل فرد . ولما كان الإنسان آلة طبيعية تتحرك ، كان لابد من آلة اصطناعية تتحرك هى السلطة المطلقة للدولة ، الكفيلة وحدها بتحقيق الغاية الأفضل التى ارتآها العقل ، وهى وضع حد لحرب الجميع ضد الجميع ، وتأمين الأمن للجميع ( ) .
(جـ) حدود السلطة المطلقة : إن العلاقة القائمة بين الأفراد الذين ارتضوا إقامة ليفياثان ( ) Leviathan ( التنين ) ، أى الدولة الحديثة التى يتولى فيها السلطة فرد واحد أو مؤسسة واحدة ، هى علاقة عقد أو اتفاق أو معاهدة لتأمين الحماية لكل فرد ولما يملك . إن مثل هذه المعاهدة تُنقض ، لا حين تكون المجموعة فى خطر ، ولكن حين تتعرض حياة الفرد للخطر ، ذلك أن هوبز نظر باستمرار إلى المجتمع كمجموعة من الأفراد اختاروا طواعية العيش معاً فى ظل قانون العقل ، وظل همه الأول هو حماية الفرد لا المجموع ، وإذا كان العقد الاجتماعى يعنى تخلى كل فرد عن حقه فى استخدام عنفه للوصول إلى غاياته الأنانية لإقامة العدل القائم على تأمين الحماية لكل فرد ، فالقبول بالسلطة المطلقة ينتهى حين يُهدَد الفرد فى حياته وسلامته ، وهذا هو الحد الأول للسلطة المطلقة للحاكم ، أما الحد الثانى فيقوم حين لا يعود الحاكم قادراً على حماية الفرد ، فحدود السلطة المطلقة هى حدود أمن الفرد ( ) .
ومن خلال ما سبق يمكن القول بأنه إذا كان لهوبز دور فى دعم التوجه الليبرالى ، وإن لم يكن هو ذاته ليبرالياً ، فإنه يبدو أكثر ما يبدو فى إزاحة المعوقات التى تحول دون قيام الليبرالية ممثلة فى القضاء على حق الملوك المقدس وحق الوراثة ، بالإضافة إلى ترسيخ دور الفرد واعتباره كياناً له حضوره ، على أساس ما للفرد من مكانة فى الفكر الليبرالى .
2- الحرية فى عقد لوك الاجتماعى :
سبقت الإشارة إلى أن العقد الاجتماعى ما هو إلا خرافة ليس لها سند تاريخى ، إنما اتخذها القائلون بها كأساس لتفسير نشأة الدولة ( ) ، وكذلك اتُخذ كآلية عمل يؤصلون من خلالها لوضع جديد يريدون له الغلبة والانتشار . ويعتبر جون لوك John Locke ( ) فيلسوف التجريبية والليبرالية خير معبر عن نظرية العقد الاجتماعى . فلقد اتخذ لوك العقد الاجتماعى كآلية عمل يؤصل من خلالها فكراً جديداً لعصر جديد ، فلقد افترض لوك حالة فطرة ساد فيها السلام والمساواة والحرية ، فيرى أنه قد ساد خلال حالة الفطرة قانون طبيعى يحكمها ، ويُلزم كل شخص ، ويُعلم الناس المساواة والاستقلال والحرية . فلم يك عهد الفطرة الأولى تحكمه نزعات الأنانية والمصلحة الذاتية – كما ذهب هوبز – ولكنه محكوم بالعقل والمعونة المتبادلة ، فلقد كانت القوة موزعة بين الأفراد ، ولم يكن ثمة أحد يملك أكثر من الآخر ، بل أفراد من نفس النوع والرتبة ، قد ولدوا شركاء فى كل مميزات الطبيعة ( ) . ولكن أحس الناس بضرورة تنظيم حياة الفطرة هذه ، إذ لا يوجد تحديد واضح متميز للقانون الطبيعى ، وليست هناك هيئات منظمة تباشر تنفيذ هذا القانون وتتخذ القرارات اللازمة لذلك ( ) . فقرروا بكامل حريتهم أن يتنازلوا عن بعض من حقوقهم بالقدر الذى يتيح للسلطة أن تقوم بواجباتها فى الدفاع عن مصالحهم وحقوقهم ( الحياة Life –الحرية Liberty –الملكية Property ) ولا يجوز هذا الانتقال إلى الحالة السياسية إلا برضاء الأفراد ، حيث أن رضاءهم هو أساس قيام الحكومة وليست أية سلطة أخرى ( ) .
ويبدو أن ثمة جانبين جسَّدهما العقد الاجتماعى عند لوك ، أحدهما سلبى : وهو الذى حاول من خلاله القضاء على المعوقات التى تعوق ممارسة الإنسان لحريته بشكل كامل – كما سلف ذكرها – وهى الحق المقدس للملوك وحق الوراثة، فلقد سفَّه لوك هذه النظرية ؛ لأنها كانت عقبة كئوداً فى سبيل ممارسة الأفراد لحرياتهم ، واعتبرها منافية للعقل والمنطق . أما الجانب الآخر فهو الجانب الإيجابى : حيث اعتبر أن ثمة حقوقاً طبيعية فى حالة الفطرة لا يمكن التنازل عنها، وعلى رأسها حق الحياة والحرية والملكية .
ومن أكثر الحقوق التى تناولها لوك بالبحث والتمحيص حق الملكية Property فهو يرى أن الأرض فى حالة الطبيعة كانت مشاعاً بين الجميع ، فهى هبة الله للإنسان ، لكنها تحولت إلى الملكيات الخاصة حين عمل الإنسان وأضاف إليها مجهوده ؛ ولذلك قرر لوك أن حق الملكية سابق ليس فقط على وجود المجتمع، وإنما أيضاً سابق على وجود العصر البدائى نفسه . ومن ثم فالمجتمع لا يخلق الحق ، ولا يستطيع تنظيمه إلا فى حدود معينة ، فالمجتمع والحكم قائمان لحماية حق الملكية السابق لوجودهما ، فحق الملكية حق طبيعى لا يُستمد ولا يُسلب من قِبل أى حكومة أو سلطة زمنية ، فينبغى ٍقيام سلطة زمنية لحماية الملكية الخاصة من اعتداء الآخرين غير المنتجين الذين يضيعون على المنتجين حقوقهم ، ولهذا يتحتم وجود حكومة تأخذ على عاتقها حماية الأفراد وملكيتهم من عدوان الآخرين ( ) . لذا اعتبر لوك أن العامل الأساسى فى انتقال الإنسان من حالة الطبيعة إلى حالة المجتمع المدنى هو عامل الملكية ( ) .
وانطلاقاً من كون الملكية عند لوك هى أساس قيام الحكومة والمجتمع المدنى يرى البعض أن فلسفة لوك السياسية دعمت النظم الرأسمالية التى تحمى تضخم رؤوس الأموال ، وتترك موارد الإنتاج مِلْكاً خاصاً للأفراد دون تركيزها فى يد الدولة ؛ مما يعمل على تضخمها بشكل لم يتصوره لوك ، خاصة بعد تضخم الصناعة وقيام الاحتكارات الصناعية والتجارية الحديثة التى تطورت إلى الرأسمالية الإمبريالية والتى تمثلت فى الاستعمار الحديث ( ) .
فإذا كان لوك قد ساند البرجوازية الناشئة ، فأمدها بأيديولوجية بقائها ، من خلال القضاء على منافسيها وتأصيل وضعها بالقانون الطبيعى والحقوق الطبيعية ، إلا أن ما ينطبق على الرأسمالية الإمبريالية فى القرنين التاسع عشر والعشرين لا ينطبق تماماً على فلسفة لوك الاقتصادية ، فحرية الملكية عنده مهما تضخمت فإنها كانت محدودة دائماً بحدود طبيعية ومعقولة لا تصل إلى حد التضخم غير الطبيعى التى يمكن أن يترتب عليه آثار فاسدة . فيرى أن قانون الطبيعة الذى يجيز لنا الملكية إنما يحدد أيضاً هذه الملكية ، يحددها بقدر ما يستطيع الإنسان أن يستخدمها فيما يعود عليه بالفائدة فى حياته قبل أن تفسد ، وهذا القدر هو ما يحق له أن يثبت فيه ملكيته ، وكل ما هو أكثر من ذلك يُعد فوق نصيبه ، وبالتالى فهو ملك للآخرين ... ( ) .
وإذا كان لوك يبحث عن حرية البرجوازية الناشئة أو الطبقة الوسطى ، فإن هذه الطبقة الناشئة كانت تعبر عن قطاع عريض محروم من تلك الحرية وغيرها من الحقوق ، فبدفاع لوك عن حريتها وحقوقها فإنه يدافع بذلك عن حرية وحقوق الغالبية العظمى من المجتمع .
3- العقد الاجتماعى بين السيادة والحرية عند روسو :
أ- حالة الطبيعة :
يرى روسو Jean Jacques Rousseau (1712 -1778 ) ( ) أن حياة الإنسان فى حالة الطبيعة The State of Nature الأولى لم تكن قاتمة بالشكل الذى تصوره هوبز ، ولا مغرقة فى التفاؤل كالتى تخيلها لوك ، فكلاهما متطرفان من وجهة نظر روسو، فالفرد لم يكن عدوانياً ولا ذئباً لأخيه الإنسان كما يتصوره هوبز ، ولم يكن اجتماعياً رشيداً بالدرجة التى وضعها لوك ( ). فلقد تميزت حالة الطبيعة بالفضيلة ، فالفضيلة مطبوعة فى كل القلوب ، ولم يكن امتهان الفضيلة موجوداً فى حالة الطبيعة الأولى ، وإنما ظهر بظهور المجتمع المدنى Civil Society ( ) . ومن امتهان الفضائل ، وتقدير المواهب وُلد التفاوت بين الناس . وقد بحث روسو " أصل التفاوت بين الناس " فى مقال خاص أوضح فى مقدمته أن حل هذه المشكلة يشترط البدء بتمييز حالة الطبيعة عن الحالة الاجتماعية ، وأوضح أنه من العسير التفرقة فى طبيعة الإنسان بين ما هو طبيعى وما هو غير طبيعى ، فحالة الطبيعة عند روسو ليست إلا مجرد افتراض افترضه لكى يستطيع التوصل إلى الحكم على حالة المجتمع المدنى . وأوضح أن هناك علاقة مباشرة بين الترف والمطالب المتزايدة وازدهار العلوم والفنون من ناحية ، وبين اضمحلال الأخلاق من ناحية أخرى ( ) .
ولقد تغنى روسو بالإنسان الطبيعى الماهر ، وبالحرية والمساواة التى كان يعيشها هذا الإنسان فى الحالة الفطرية الأولى ، وقرر أن تصرفات الأفراد فى هذه الحالة لم تكن تستند إلى العقل ، وإنما إلى مجموعة من المشاعر الفطرية ، وإلى حافز من المصلحة الذاتية ثم تطورت الحياة وبدأت المدنية فى التقدم ، وقد ظهرت المساوئ بظهور المدنية ، فظهر نظام تقسيم العمل نتيجة لتطور الصناعة ، وظهرت الملكية الخاصة فميزت بين الغنى والفقير ( ) .
ولقد ساهمت عوامل عدة فى تحول الإنسان إلى حياة المجتمع ، منها الظروف البيئية القاسية ، وغيرها من العوامل التى احتاج فيها الإنسان إلى بنى جنسه وعلى رأسها اكتشاف الزراعة والتعدين . فالاجتماع شر ، فلم يكن ثمة وجود للأنانية والفنون والحرب والرق والرذيلة ، إلا فى حال اجتماع الناس مع بعضهم البعض فى مجموعات صغيرة أو كبيرة . ويرى روسو ضرورة العودة إلى الطبيعة Back to Nature كى ينعم الإنسان بحالة السكينة والهدوء التى عاشها من قبل . إلا أنه يرى أن ذلك لا يعنى هدم المجتمع المدنى ، وإنما يتم ذلك باعتبار حالة الطبيعة معياراً نُصحح على أساسه حالة المجتمع المتحضر ، وننطلق منه نحو بناء اجتماعى أقرب ما يكون إلى السلامة ( ) .
ب- العقد الاجتماعى :
وبوصول الناس إلى ذلك الحد الذى تغلبت فيه العقبات التى تضر ببقائهم فى حالة الطبيعة ، على القوى التى يستطيع كل فرد استعمالها من أجل استمراره فى تلك الحالة . عندئذ لم يعد فى مكنة تلك الحالة البدائية أن تدوم ، وكان الجنس البشرى سيهلك لو لم يغير طريقة وجوده ( ) . فكان لابد من البحث عن شكل للوحدة أو الاجتماع من شأنه أن يحمى ويقى شخص كل عضو وأمواله ، شكل للوحدة يكون فيه كل عضو وقد اتحد مع الأعضاء الآخرين غير خاضع مع ذلك إلا لنفسه ، ويظل متمتعاً بالحرية التى كان يتمتع بها من قبل . تلك هى المشكلة الحقيقية والرئيسية التى يبحث العقد الاجتماعى عن الحل الصحيح لها ( ) .
والعقد الاجتماعى عند روسو هو ميثاق يتنازل بموجبه الأفراد كلٌ عن نفسه للجماعة ، والفرد جزء من هذه الجماعة ، وبذلك ينهى العقد عهد الفطرة ، ويعمل على إنشاء المجتمع ، حيث تصبح السيادة والسلطان من حق المجموع ككل لا من حق فرد واحد ، إذ يتنازل كل فرد عن حقوقه للمجتمع كله حينما ينطق بالصيغة التالية ( ) " يُسهم كل منا بشخصه وبكل قدرته تحت إدارة الإرادة العامة العليا ، ونلتقى على شكل هيئة كل عضو كجزء لا يتجزأ من الكل " ( ) .
فالعقد الاجتماعى عند روسو يفترض إذن من طرف كل فرد تنازلاً حقيقياً حراً بين يدى الجماعة ، ولا غنى عن هذا التنازل ؛ لأنه هو وحده الذى ينقذ مساواة المواطنين وحريتهم . فعندما يتنازل كل شخص عن شخصه تنازلاً كلياً ، فإن الوضع يكون متساوياً بالنسبة للجميع ، وعندما يقرر كل فرد نهائياً وبشكل حر ، أن يريد ما تريد المشيئة العامة، فإنه لا يفعل فى طاعته لها سوى ما يريد هو نفسه ( ).
ويتفق روسو مع هوبز فى افتراضه تنازل الفرد عن كامل حقوقه ، إلا أنه يختلف معه فى أنه لا يتنازل عنها لفرد بل للمجتمع كله . حتى أنه ليصدق قول روسو : كل فرد يهب نفسه للجميع لا يهب نفسه لأى أحد ، إلا أن هذا الكلام ينطوى على مغالطة ؛ لأن روسو ينتهى إلى ما انتهى إليه هوبز من افتراض ليفياثان آخر غير ليفياثان هوبز ، هو ليفياثان المجتمع كله فى حين أن ليفياثان هوبز هو فرد ، ولكن فى حين يجمع ليفياثان هوبز بين سلطات التشريع والتنفيذ ، فإن المجتمع عند روسو يقتصر على التشريع . وتنشأ الحكومة Government كواسطة لتنفيذ القوانين، ولا يتطلب قيام الحكومة عقداً، إذ العقد عنده أساس لقيام المجتمع ( ).
كما أنه يسلك مسلكاً مخالفاً للوك ، ففى حين يتنازل الأفراد عند لوك عن القدر اللازم لإقامة السلطة والمحافظة على حقوق الجميع ، فالسلطة عند روسو لابد أن تكون مقيدة ، فروسو يرى أن الأفراد يتنازلون كلية ودون تحفظ عن جميع حقوقهم للمجموع ، إلا أن هذا النزول لا يُفقد الأفراد حرياتهم وحقوقهم نهائياً ؛ لأنهم سيستعيضون عنها بحريات وحقوق مدنية تقررها لهم الجماعة المدنية التى أقاموها ، بل إن وجود هذه الجماعة يفترض وجود هذه الحقوق والحريات المدنية ؛ لأنها ما قامت إلا لحمايتها ( ) . وصيغة العقد التى افترضها روسو وطبيعته تحمل فى ثناياها إلى جانب الحرية ، المساواة التامة ؛ لأن الأفراد بردهم أنفسهم إلى المجتمع ، يعودون إلى نقطة الصفر ، فتتحقق المساواة التامة بينهم ، كما أن اتحادهم يكون كاملاً بالإطلاق لا يسمح بأية أفضلية لأى فرد ( ) .
جـ- الإرادة العامة :
يُعرِّف روسو الإرادة العامة General Will فى كتابه الاقتصاد السياسى Political Economy بقوله : أن للمجتمع السياسى شخصية معنوية ذات إرادة هى الإرادة العامة ، التى تنحو دائماً نحو تحقيق وصيانة الرفاهية للمجتمع ، وهى مصدر القوانين ، وتتكون من كل الأفراد فى علاقتهم بعضهم ببعض وحكمها عادل غير جائر ( ) .
ولقد ميز روسو بين الإرادة العامة وبين كل من إرادة الفرد وإرادة المجموع ؛ فاعتبر إرادة الفرد أنانية لأنها انعكاس لمصالح الفرد الشخصية . وبالنسبة لإرادة المجموع فإن روسو يعتبرها أيضاً أنانية لأنها تَجمُّع لإرادات الأفراد ، أى للمصالح الأنانية الفردية . أما الإرادة العامة فهى إرادة الأغلبية ، وهى تمثل إرادة الجماعة ككل كشخصية اعتبارية ينصهر فيها الأفراد وإراداتهم ، وهى مستقلة عن إرادة الفرد أو إرادة المجموع ، بل إنها تصبح بدلاً من الشخصية الخاصة لكل متعاقد ( ) .
ولقد جمع روسو فى نظريته عن الإرادة العامة بين الجانب الدقيق الذى حدده هوبز عن السيادة Sovereignty وبين مشاعر لوك المؤيدة للحرية ، وحاول إيجاد مفهوم جديد للسيادة تمتزج فيه الحرية بالسلطة امتزاجاً غريباً . إذ يرى روسو أن الشعب هو السيد بالتعريف ، وأن سيادته لا تُباع ولا تُشترى ، وغير قابلة للتحويل أو التصرف فيها ، وليس فى وسع الشعب أن يتنازل عن السيادة ، وهى وحدة لا تتجزأ وكلٌ لا تنفصم عراه ؛ ولذا فهى غير قابلة للتقسيم Indivisible . ويرى روسو أن الإرادة إما أن تكون عامة أو لا تكون ، أى أنها إما أن تكون إرادة الشعب ، أو إرادة جزء منه ، فى الحالة الأولى تكون الإرادة عملاً من أعمال السيادة ويتكون عنها القانون ، وفى الحالة الثانية لا تكون سوى إرادة خاصة أو عمل من أعمال الحكم . فالسيادة إذن تعبير عن الإرادة الكلية العامة للشعب ، وهى تتميز بالإضافة إلى كونها لا تُباع ولا تُشترى ، وكونها غير قابلة للتقسيم ، فإنها لا تُخطئ ، إذ أنها معصومة من الخطأ . ولا يحد السيادة العامة إلا حد وحيد هو الذى يرسمه العقد الاجتماعى نفسه ، ونعنى به حقوق الفرد فى التملك وفى الحرية ( ) .
ويرى روسو أن أساس الإرادة بصفة عامة هو المنفعة ، ومن ثم ترتبط إرادات الأفراد بمنافعهم التى قد تتعارض فيما بينها فى كثير من النقاط ، أما الإرادة الكلية العامة فتوضح أن المنفعة بين الجميع واحدة ، ومن هنا فهى تهدف إلى تحقيق المنفعة العامة لا منفعة كل فرد على حدة . وهذه المنفعة العامة هى التى تجعل فى الإمكان قيام الدولة . ومعنى هذا أنه إذا لم تنصهر الإرادات الفردية فى إرادة واحدة هى الإرادة الكلية العامة استحال أن يقوم المجتمع ( ) .
وبناءً على ما تقدم من إطلاق روسو ليد الإرادة العامة بشخصيتها الاعتبارية ، والتى اعتبرها كلية لا تقبل التجزئة ، واعتبر طاعتها واجبة ، يبدو وكأنه قد وضع سلاحاً فى يد بعض الداعمين للفكر المطلق ( ) . فيرى الباحث أن ثمة التقاءاً بين هوبز وروسو فى مطلقية السيادة ، وإن اختلفا فى تحديد صاحب السيادة ، إلا أن الإطلاق فى حد ذاته يحمل بذور إساءة الفهم والاستخدام ، فقد يُتخذ كذريعة لأهداف لا يقصد إليها صاحب الفكرة نفسه . كما أن السياسة لا تعرف لغة المطلق ، فالسياسة فى أحد أبسط معانيها هى فن الممكن ، فبالتالى فإن المطلق ضد طبيعة السياسة ، سواء كانت فى السيادة أو فى غيرها .
ومن العرض السابق لفلاسفة العقد الاجتماعى نجد أن ثلاثتهم كان لساناً صادقاً فى التعبير عن طبيعة عصره واحتياجاته ، كما أنهم دفعوا الفكر التحررى خطوات هامة نحو الأمام ، وتمثلت تلك الخطوات على النحو التالى :
- مرحلة التحالف مع السلطة الزمنية ؛ من أجل القضاء على سلطة الكنيسة التى كانت إحدى المعوقات الأساسية فى إرساء دعائم النظام الجديد ، فتطلبت طبيعة هذه المرحلة القضاء على هذه السلطة المعوقة . ولقد عبر عن طبيعة هذه المرحلة الأولى من تاريخ الليبرالية " هوبز " وذلك من خلال تأييده لسلطة الملك فى مقابل القضاء على سلطة الكنيسة التى رأى أنه لابد أن تخضع لسلطة الحاكم ، فوجود سلطتين حاكمتين يؤدى إلى القضاء على السلطة كلية وانتشار الفوضى .
- مرحلة الحد من السلطة الزمنية ؛ لصالح البرجوازية الناشئة ، أو الطبقة الوسطى Middle Class ، ولقد عبر " لوك " عن هذه المرحلة ودافع عن مطالب أصحابها من خلال كتاباته حول النظام الدستورى والحياة النيابية ، التى تُقلص سلطة الحاكم وتُقلل من صلاحياته المطلقة ، وذلك لصالح الطبقة الناشئة وهى الطبقة الوسطى .
- مرحلة التحول إلى الشعب ، ولقد عبر عن هذه المرحلة " روسو " من خلال نظريته عن الإرادة العامة ، حيث لا سلطة عنده تعلو على سلطة الإرادة العامة ، فهى لا تُباع ولا تُشترى ، وغير قابلة للتقسيم ، كما أنها لا تُخطئ ، إذ أنها معصومة من الخطأ . كما أنه يرى أن القانون ما هو إلا فعل الإرادة العامة .
والواقع أن كل فيلسوف من فلاسفة العقد الاجتماعى ، إلى جانب كونه عبر عن طبيعة عصره وحاجاته خير تعبير ، فإن كلاً منهم أيضاً قد ساهم بنصيب فى بلورة ملامح الفكر التحررى ، بما يحمله من دفاع عن الحرية الفردية .



#محمد_كامل_عجلان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- تصويت تاريخي: 172 دولة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير
- الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت ...
- أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر ...
- السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
- الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم ...
- المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي ...
- عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع ...
- مفوضية اللاجئين: من المتوقع عودة مليون سوري إلى بلادهم في ال ...
- مندوب ايران بالامم المتحدة: مستقبل سوريا يقرره الشعب السوري ...
- مندوب ايران بالامم المتحدة: نطالب بانهاء الاحتلال للاراضي ال ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد كامل عجلان - أطروحة العقد الاجتماعى والحرية الفردية