|
انتهاكات حقوق الأجانب في السعودية: في انتظار فجرٍ جديد
علي فردان
الحوار المتمدن-العدد: 899 - 2004 / 7 / 19 - 06:52
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
(18 يوليو 2004 م) مدّ يده إلى وجهه، مسح الدموع من عينيه والتفت إلي بوجه ملئه الألم، وكأني نبشت جروحاً، لا جرحاً واحداً كان يعتقد بأنها اندملت، وقال: هل أنت مسلم؟ قلت: نعم، وكأنه لم يتوقع الإجابة، أو أراد أن يتأكد، فسأل سؤاله التالي: إذاً لماذا أنت مختلف عن الآخرين؟ قلت وبألم، لأني مسلم، وهذا هو الإسلام الذي أعرفه. تردّدت على هذه الورشة في أكثر من مناسبة، وفي إحدى المرّات استضافني العامل لمقر معيشته، كانت عبارة عن غرفة قذرة، صغيرة لا تتعدّى 3 م × 3.5 م، تحوي ستة أسرّة، كل ثلاثة فوق بعضها البعض، وهي أيضاً غرفة انتظارهم وجلوسهم ودردشتهم. لا يستطيع المرء التحرك بحرية فيها لضيقها، بها طاولة صغيرة عليها جهاز ستيريو وفي الجانب المقابل طاولة أصغر عليها سخّان كهربائي لعمل الشاي وللطبخ. أردت أن أتحدث معهم، فطلبت كأساً من الماء ولبّى أحدهم الطلب ممنوناً، شكرته وسألت: هل هذه هي الغرفة التي تضمكم؟ أليست صغيرة جداً؟ قال العامل: وماذا نفعل؟ تحّدثنا مع صاحب الورشة لكنه لم يستجب لنا. الغرفة لا تصلح للفئران أن يعيشوا فيها، فكيف ببني البشر, شيء مقرف فعلاً ومخالف لأبسط حقوق الإنسان. العاملون في الورشة لا تزيد رواتبهم الشهرية عن 500 ريال، يعملون 12 ساعة يومياً ولمدة 6 أيام في الأسبوع، وإجازة لمرة واحدة كل سنتين لا تزيد عن 30 يوماً. المدخل للغرفة إلى اليمين والمدخل إلى دورة المياه "القذرة" التي لا تتجاوز مساحتها 1 متر عرضاً × 1.5 طولاً ملتصقاً بالغرفة، ليخدم غرفة أخرى من الجانب الآخر لستة أشخاص آخرين، أي دورة مياه بهذا الحجم لخدمة 12 إنساناً في غرفتين أكثر ما يمكنها استيعابه شخصين لكل غرفة. لو حدث حريق عند المدخل لمات كل من في الغرفتين بسهولة بسبب وجود المواد القابلة للاشتعال من ملابس وأغطية وخلافه. قلت لهم إن ذلك مخالف للقانون، عدا مخالفته لحقوق الإنسان، فهذا خطر جداً وغير مناسب ولا يمكن أن يقبله الإنسان. إن الالتزام بالدين وملاحقة من لم يذهب للمسجد وقت الصلاة لا تغني عن الالتزام بقواعد وأسس السلامة وتطبيق حقوق الإنسان فيما يتعلق بالسكن وساعات العمل والراتب والإجازات، الخ، فسكن مثل هذا يحتّم على رجال "الدين" من هيئة أو غيرها أن ينتقدوه لمخالفته الدين الإسلامي في حماية الأنفس البريئة ولتوفير شروط تتناسب مع تقديسنا للنفس البشرية، وهذه الغرف لا تتناسب مع الحيوان، بل الحيوان يعيش في وضع أفضل منها. كأنني رششت ملحاً على جرحٍ غائر، فتدفق الدم غزيراً صاحبه ألم، فتصبّب عرقاً، وذرفت عيناه الدموع بدل أن يغفو قليلاً وقت الراحة، وقال هل أنت مسلم. أنا مسلم، ولست مجرماً، أنا مسلم أؤمن بحقوق الإنسان وحقوق الحيوان أيضاً، أنا مسلم أتألم لآلام الآخرين من هم على ديني أو يؤمنون بأي دين آخر، أو حتى من لا يؤمن بأي دين، فهو أخيراً أخ لي في الإنسانية، والإنسانية كرّمها الله وما يحصل هنا إهانة للإنسانية قبل أن تكون إهانة لنا نحن المسلمين. أنا مسلم، أؤمن بالعدالة والمساواة، أؤمن بحقوق البشر على اختلاف انتماءاتهم وعروقهم وأديانهم، أنا مسلم ديني يحثّني على العدل ويأمر به ويعاقب من يخالف هذه المبادئ، أنا مسلم لا أرضى بالظلم وأدافع عن المظلوم. عامل آخر من جنسية أسيوية أخرى وخلال جلسة مشابهة قال لي أن أحد رجال الهيئة "الموقّرة" أتى يوماً بجوار الورشة لدفع الناس للصلاة وسألني لماذا لا تذهب للصلاة؟ فقلت له بأني لست مسلماً، وكان هناك رجلاً من الجنسية العربية، قال إن هذا الرجل ليس مسلماً، نهره رجل الهيئة وأمرني بركوب سيارة الهيئة وأخذني لمكان بعيد وأنـزلني ولكمني عدّة لكمات في بطني ووجّه لي كلمات نابية وتركني وذهب. هذا الرجل، وهو ضخم الجسم، يقول: أنا أستطيع أن أضربه وحتى أقتله ولكن ما الفائدة، سأدفع الثمن سجناً أو حتى قتلاً، فمن يصدّقني ويكذّب رجل الهيئة حين اعتدى بالضرب علي، فلن تكون النتيجة في صالحي أصلاً، لذلك التزمت الصمت وأنا أغلي في داخلي. صديق نقل لي هذه الحادثة وقد رآها بنفسه في أحد مراكز التسوق "سيفواي التميمي"، حيث قام رجل الهيئة بالدخول إلى غرفة الإدارة وقام بضرب المسؤول عن السوق وهو من الجنسية الفلبينية حيث مسك الرجل من شعره وضربه في الجدار ومسك شعر رجل آخر زميل له وقام بضرب رأسيهما ببعض لأن قصة شعرهما ليست "رجولية". الرجلان كانا يبكيان كالأطفال، فكرامتهما في التراب والألم النفسي أكثر من الألم البدني الذي سببه ضرب رأسيهما ببعضهما البعض. القصص أعلاه تبدو ساذجة مقارنة بقصص أخرى أقسى وأعمق وأكثر انتشاراً وهي من ضمن سلسلة لو كتبناها لملأت مجلّدات تنـزف قيحاً مخلوطاً بالدم البشري. كنت أشعر ولا زلت بأن عليّ واجباً حيال حقوق الأجانب في السعودية وكيف أنّها منتهكة بشكل كبير، ولكن ما دفعني لكتابة المقالة هذا اليوم هو ما نشرته وكالة رويترز بتاريخ 15 يوليو 2004 م عن انتهاك حقوق الأجانب في السعودية نقلاً عن هيومان رايتس واتش. المخجل ليس في نشر هذه الأخبار، بل المخجل هو ردة فعل ما يطلق عليها "جمعية حقوق الإنسان في السعودية" التي أنشأتها الحكومة حيث دافعت عن الوضع في السعودية وقالت على لسان المتحدث باسم الجمعية بندر بن محمد الحجّار بأن الجمعية لم تتلق أياً من الشكاوى المشار إليها في تقرير المنظمة الأمريكية، وإن الجمعية ستطلع على التقرير الكامل للمنظمة لمعرفة الأشخاص المتضررين ومن الجهات المتسببة لمعالجة قضاياهم. هل تريد الجمعية حلّ قضايا انتهاكات حقوق الإنسان؟ أم تريد أن تكون بوقاً للدفاع عن الحكومة وكأنها المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية السعودية؟ يجب على الجمعية أن تختار أي الطريقين تريد، ونحن نعلم بأن الجمعية اختارت منذ تأسيسها أن تكون بوقاً للدفاع عن وزارة الداخلية وعن الحكومة السعودية؛ أنا لا ألوم الجمعية، فالجمعية أسّستها وزارة الداخلية السعودية والحكومة تدفع رواتب العاملين فيها، فكيف لها أن تنتقد الحكومة؟ يبدو هذا غير منطقي. لذا أخذت الجمعية على عاتقها تبرير استمرار سجن دعاة المجتمع المدني والإصلاح الدستوري، والتأكيد على أن وضعهم خاص وللحكومة حق اعتقالهم، والادعاء بأن الجمعية على اتصال بهم وبأُسرهم. هل الجمعية تحتاج لمن يذكّرها بالسجناء من أتباع المذهب الاسماعيلي بنجران والذين يزيد عددهم عن 80 شخصاً يرضخون للتعذيب في سجون المباحث؟ هل غاب عن الجمعية الاضطهاد والتمييز الذي يتعرض له الشيعة باستمرار وتحدثت عنه جمعيات حقوق الإنسان وكذلك مذكرة شركاء في الوطن التي تم تقديمها إلى ولي العهد السعودي؟ لقد أصبح المطالب بحقه مجرماً يتم سجنه وتعذيبه ليكون مثالاً لإخافة الآخرين في بلاد آل سعود، والرسالة مفادها: هي السكوت من ذهب. لو كانت هذه الجمعية منبثقة من المجتمع لوثق فيها المجتمع ولصعب عليها حلّ مشاكله من كثرتها ولظهرت في الواجهة الإعلامية يومياً للتحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان من سجن دون إذن قضائي وحبس انفرادي لمدة طويلة دون تهمة، ولا ننسى التعذيب والتهديد وإجبار المتهمين بالتوقيع على بيانات مخالفة للقيم الإنسانية وللقوانين الدولية التي صادقت عليها الحكومة السعودية أصلاً. أمّا حقوق الأجانب المستباحة فهي أكثر من أن تُعد، وبها من التجاوزات ما يخجل "النذل" من ذكرها هنا. إن القيم والمُثل والحريات كلٌ لا يتجزأ، فلا يمكن أن نتحدّث عن حقوق الآخرين من الجنسية الغربية لأن حكوماتهم تُدافع عنهم فيتم تعيين محامين لهم ويتم ترتيب زيارات لأهاليهم وأقاربهم، وننسى الآخرين من الجنسيات الأسيوية من الدول الفقيرة التي تخضع للابتزاز باستمرار. إن الحقوق الإنسانية ليست حكراً على فئة دون غيرها فما ينطبق على الغربيين ينطبق على الأسيويين والمواطنين أيضاً، فالمواطن مثله مثل العمالة الأسيوية في المملكة، فلا حقوق له ولا يوجد من يُدافع عنه، إلاّ من رحم ربي، من منظمات حقوق الإنسان العالمية التي أخذت على عاتقها نصرة الإنسانية جمعاء دون النظر إلى اللون والعرق والجنسية والديانة. إن ما لفت انتباهي أيضاً هو ما نقلته الصحف في الأيام الفائتة عن وزير العمل الدكتور غازي القصيبي الذي أصدر بياناً يؤكد فيه انتهاكات حقوق الإنسان حيث أن البيان الصادر حظر جميع أشكال المتاجرة بالأشخاص واستغلالهم، إضافةً إلى منع بيع تأشيرات العمل أو الحصول على مقابل لتشغيل العامل الخ، مما يعني وجود هذه المحظورات. في السعودية يتم التعامل مع الكثير من العمالة وكأنهم مُلك يمين، أو عبيد، فيتم تأجيرهم لآخرين أو تركهم يهيمون في الشوارع على أن يدفعوا راتباً شهرياً لمن استقدمهم، وإلاّ يتم طردهم وإرجاعهم إلى بلادهم؛ وكلنا يعرف ما تكبده العامل من دفع مبالغ كبيرة للقدوم للسعودية وهو مديون في أغلب الأحيان ولذا فهو حريص على أن لا يرجع خاوي الوفاض، ولهذا يتحمل كل شيء حتى يجمع القليل من المال، مما دفع العمالة إلى ارتكاب الجرائم والدخول في الجريمة المنظمة وامتهان وسائل غير أخلاقية للحصول على المال. ما ذكره القرار من وزارة العمل يعني أن هذه المشكلة ليست وليدة اليوم بل يعلم المسؤولون عنها ولم يحرّكوا ساكناً طوال عقود، وليس سنوات، إلاّ بعد ظهور تقرير هيومان رايتس واتش. هذا لا يعني بأن الوزارة أو غيرها من الوزارات ستكون قادرة على حل المشكلة أو المشاكل أو راغبةً في ذلك أصلاً، هذا يعني فقط بأنها تُساير الأحداث وتُتابع الأخبار من أجل درء الفضائح، وتقوم بإصدار هذا القرار أو ذاك، لذر الرماد في العيون، ولكن أي عيون تُرى؟ فالأدراج مليئة بقرارات لم ولن يتم تطبيقها.
#علي_فردان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعالوا نفجّر ونقتل ونسحل الجثث الآدمية
-
الطائفية ضد الشيعة في السعودية: جريمة حكومية منظمة
-
ثلاث شمعات تضيء طريقنا المظلم
-
شعار الدولة السعودية: العفو عن الإرهابيين والتنكيل بالآخرين
-
الهروب في زمن الإرهاب
-
أعداء الإنسانية: قراءة في فكر الندوة العالمية للشباب الإسلام
...
-
انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية بوابة الإرهاب
-
الكاتبة السعودية وجيهة الحويدر: قضيتكِ قضيتنا
المزيد.....
-
بعد استخدامه في أوكرانيا لأول مرة.. لماذا أثار صاروخ -أوريشن
...
-
مراسلتنا في لبنان: غارات إسرائيلية تستهدف مناطق عدة في ضاحية
...
-
انتشال جثة شاب سعودي من البحر في إيطاليا
-
أوربان يدعو نتنياهو لزيارة هنغاريا وسط انقسام أوروبي بشأن مذ
...
-
الرئيس المصري يبحث مع رئيس وزراء إسبانيا الوضع في الشرق الأو
...
-
-يينها موقعان عسكريان على قمة جبل الشيخ-.. -حزب الله- ينفذ 2
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب ويلتقي ولي العهد
-
عدوى الإشريكية القولونية تتفاقم.. سحب 75 ألف كغ من اللحم الم
...
-
فولودين: سماح الولايات المتحدة وحلفائها لأوكرانيا باستخدام أ
...
-
لافروف: رسالة استخدام أوريشنيك وصلت
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|