جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2950 - 2010 / 3 / 20 - 15:40
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
قرأتُ ذات مرة قولاً ل (ماري كوريلي) تقول فيه بما معناه : لا يوجد وحش أو ثعبان في الغابة تبلغ قسوته قسوة الرجل في معاملته للمرأة.. فهو يخونها وهو عاشق لها ...ويهملها حين يصبح زوجها .... وينساها حين تكون أمه .
طبعاً إخواني وأشقائي من العرب لا ينسون أمي وأمهم دائماً , لأنهم يتذكرونها في الأوقات العصيبة التي يمرون فيها أما حينما يكونون سعداء في حياتهم فهم يرفضون اخبارها بذلك , وذلك لكي لا يدخلون السعادة إلى قلبها , وسواء أكان ذلك عن قصد أم غير قصد فصدقوني فإن النتيجة تبقى واحدة وتبقى أمي تجلس على باب الدار أو في غرفتها تنتظرُ من أحدنا رسالة يطمئنها فيها عن حاله وأحواله ولكن هيهات أن يكتبوا أو يتصلوا بها إلى عندما يقع الفأس في الرأس (الفاس في الراس).
وهذا ما ألاحظه في المجتمع أو في عائلتنا الكريمة وأكثر ما يحزنني هو الأم وطريقة تعامل الأبناء معها وصدقوني أنني أحياناً أجلسُ بيني وبين نفسي وأقول : هل من المعقول في المستقبل أن يعاملني أولادي كما يعاملُ إخواني أمهم ؟ يعني معقول رايحين يكونوا سبب رئيسي لمرض السُكري والدسك والقلب والضغط وتصلب الشرايين , والملل والاكتئاب , وكثرة البكاء , إن أمي تبكي عليهم وعلى مشاكلهم أكثر مما كان يبكي إمرىء ألقيس على الأطلال ؟.
والأبناء يسببون لأمهم الأمراض النفسية من كثرة مشاكلهم , وأدركتْ أمي ذات يومٍ هذه الحقيقة وقالت لي : كنتْ أعتقدْ أنكوا بسْ تكبروا رايحين تكونوا سبب في توفير الراحة لي ولكن الظاهر أنكوا كل ما إكبرتوا كل ما ازدادت مشاكلكوا وكبرت وأصبحت بحجم السماء .
لقد كنا ونحن صغار نتذكرُ أمنا حين نريدُ أن نأكل أو حين نريد (مصاري) أو حين نريد ملابس جديدة , ولكن لم نكن نسألها هل تريد مثلاً أن تأكل أو تشرب , وكنا وما زلنا على هذه الحالة حتى بعد أن كبرنا وتزوجنا وأصبح لكلٍ منا بيته وزوجه وأولاده , وما زلنا على هذه الحالة نتذكرها حين تدبُ المشاكل فنأت إليها بهمومنا وأوجاعنا ولا أحد يأت إليها بأخبارٍ سارة وألاحظ أن إخواني حين يكونون سعداء مع أزواجهم وتسألهم أمي عن حالهم يجيبون على كل أسألتها بكلمة : ماشي الحال , كويسين , داحلين , الحمدُ لله , واليوم هم مجتمعون في حضرة أمي وقد سألتهم عن أحوالهم فقالت الأولى: الشهر الماضي انزلنا على الشام مرتين والأسبوع القادم بدنا انروح على القاهرة , وقالت الثانية: رحنا رحله على (جدارا- أم قيس ) وانبسطنا اكثير , وقال أخي : هذا الأسبوع حجزت أنا والمدام وبدنا ننزل على اللاذقية ونروح على بلودان ونشوف الشام والله زمان ما رحنا على الشام .
ولاحظتُ أن الجميع لم يطلب من أمي وهي أمهم مرافقتهم في رحلاتهم , فهم لا يتذكرونها وهم سعداء , وهنا تصبح أمهم وكأنها ليست أمهم بل جارة أو صديقة من بعيد وليست من قريب , أما حين تدب المشاكل فإن الجميع يتذكرها ويطلب منها المشاركة حتى وإن رفضت.
ودائماً حين تنقطع أخبار إخواني عن أمي تدرك أمي على الفور أنهم راضون في حياتهم وسعيدون جداً وكل واحدة مرتاحة مع زوجها , لذلك لا يتصلون بأمي على الإطلاق ولا يأخذونها معهم في النزهات لا إلى الشام ولا إلى القاهرة أو أي دولة يذهبون إليها بهدف السياحة , إن إخواني الأعزاء لا يتذكرون أن لهم أماً حنونة إلا حينما يريدون أن يشكوا همومهم فيأتون إليها واحداً تلوى الآخر , وشقيقي الأصغر مشاكله كثيرة و كلما حضر إليها يحدثها عن كل مشاكله فتغضب أمي وتزعل جداً فيرتفع معها السكر في الدم ويزداد الضغط في الدم والكلسترول ,وتصابُ بالمغص المعوي والكلوي وحين يتأكد أنها قد تعبت من كلامه يقول لها :
-أنت تعبانه ؟
- شوي حاسس حالي من سوالفك إني بدي أنفجر .
-من سوالفي ؟؟؟!!!..لالا أكيد إنك ماكله أكل حلو , الحق على جهاد قاعد معاك في الدار وما بوخذش باله منك أمليح من المفروض أن يراقب أكلك وشربك.
فتقول أمي : والله الأكل والشرب ما لهوش دعوى في أوجاعي أنا قلبي بصير يوجعني وينغصني من سوالفك أنت وأختك ومشاكلكوا التافهة جداً واللي بتكبروها اكثير , وما بشوف حدى منكوا إلاّ بس بده يحم بالي ويزيد ضغطي .
-أنا بشكيلك همومي على شان بحبك, لمين اشكي , بعدين إذا انك متضايقه من أولادي الآن باخذهم وبجيبلهم خدامهم.
-الله يرضى عليك لا تحكيليش عن مشاكلك , نفسي تيجي عندي وانت راضي مع (مرتك-زوجتك) وفارغ من الهموم وما عندكيش مشاكل, ليش بس اتكون مبسوط أنت ومرتك ما بتيجوش عندي تبسطوني معاكوا ؟ أو تاخذوني معاكوا أشوف الدنيا وشم الهوى وانبسط معاكوا زي ما بتنكّد معاكوا ؟ ليش دايمن (دائماً) بتوخذوني على أكل الهوى بس ليش ما بشوفكيش إلا وقت المشاكل؟.
ويعتقد أخي أن الشكوى لأمه هي من باب المحبة والاحترام ولا يدرك أنه يزيد من آلامها ولو كان يحب أمه ويحترمها لَما شكى لها بأي كلمة أو لكان سمح لها بمشاركته أفراحه حين يكون فرحاً, وأشاهدهُ أحياناً وهو يجلس بجانبها ويقول : البرتقال في سكر اكثير لا تاكليهوش بضُرْ على صحتك ومش مليح على شانك , والليمون إذا معكيش خبر في سكر أكثر من البرتقال ومش مليح لصحتك لا توكليهوش, والزيت البلدي في سعرات حرارية أكثر من العسل , وهذول كلهن بسبب الخدر في الأطراف السفلى , ومن المفترض يا ماما يا حبيبتي إنك ما توكليش بندوره مع ملح على شانها بترفع الضغط , والبيض فيه دهون , ولحمة الخروف مش مليحه لصحتك .
عندها أقاطعه وأقول له : مشاكللك في البورصة سببت ليها الضغط , ومشاكل أختك سببت ليها السُكري , أمراض أمي ما إلهاش علاقه بالأكل وبالشرب أنت بس كون مليح مع نفسك وبيتك وزوجتك وهي إنشاء السميع العليم بتكون في صحة جيدة.
وحين يخرج من المنزل أقترب منها وأتحسسها فأجدُ أنها ساخنة ومهمومة فأقول لها : احكي معاه ومع غيره لا يجوش يسولفوا عن مشاكلهم , فتقول أمي وهي تبتسم : بس أحكي لأي حدى منهم هيك بصير يحكي : أنا مش ابنك , ولا أنت أمي , ولو كنت ابنك كان اسمعتيني وعرفتيني شو بدي , وبصيروا يحكوا كمان مش هيك الأمهات , فأبتسم معها ابتسامة عريضة وأقول : والله فعلاً الأبناء مصيبه كبيره , لا يتذكرون الأب أو الأم إلا حينما يقعوا في أعتا الأزمات.
وإن لأمي ابنة (سبحانك الله) في كل عام لها حفلة مشاكل مع زوجها وتسمع بتلك المشكلة كل الناس وتبقى بعيدة عن أمي لا تزورها إلاّ حينما تدبُ المشاكل بينها وبين زوجها فتأت لأمي لتحملها همومها ومشاكلها وحين تعود إلى زوجها تتهمنا وعلى رأس المتهمين أمي من أننا كنا طوال العام وطوال فترة مكوثها في بيت أمي ضدها ولا نعاملها معاملة طيبة وتعودُ بذاكرتها إلى أيم الطفولة وتتهم أمي بعدم مساواتها معنا , وتبقى أمي صامتة لا تتكلم معها وتأمرنا جميعاً بالسكوت ,وتحملنا مسؤلية أي شيء يقع لها حتى وهي في بيت زوجها ونحن بعيدين كل البعد عنها , فتقول أمي عنها : حتى وهي سعيده في حياتها ما بديش أطلب منها زيارتي أو مشاركتها في أفراحها خليها بعيدة عني.
إن معظم الأبناء يتذكرون الأم والأب حينما يقعون في المشاكل والأزمات العاتية , وبخلاف ذلك لا يتذكرونهم على الإطلاق ,وخصوصاً الأم فلا أحد في هذه الأيام يتذكر والدته التي تعبت عليه إلا حينما يقع في مشكلة وخصوصاً إذا وقع في مشكلة مع زوجته كما يفعل أخي دائماً أو أختي دائماً فهؤلاء يتذكرون الأم في يوم المشاكل والأزمات , أما حينما يكونون سعداء في حياتهم الزوجية فإنهم ينسونها إلى الأبد , وتدرك أمي هذه المشكلة ولكنها لا تملك إلا أن تقول : الله يسعدهم بس ويكفيني شرهم .
وأمي اليوم قد بلغت من العمر ما يقرب ال 65سنة وما زالت تعتني بنا وكأننا ما زلنا أطفالاً صغاراً تتفقدنا في كل يوم وتتصل بنا أكثر مما يتصلُ بنا أزواجنا, وحينما نقع في أي أزمة سواء أكانت مالية أو نفسية أو مشكلة بين الأزواج فوراً نتذكر أن لنا أماً حنونة علينا , فالتي تزعل من زوجها تأت إلى بيت أمي ومعها كل أولادها , وكذلك أخي كلما غضب من زوجته يتذكر أن له أماً حنونة فيأت إليها ومعه كل أولاده في حين تذهب زوجته إلى بيت أهلها دون أن تأخذ معها طفلاً واحداً , وأمي المسكينة تسقطُ منها على الأرض دمعتها وهي تقول : بس يقعوا بالمشاكل بتذكروني , وسرعان ما تعود إليها البسمة حين تحتضن أحد أولاده وخصوصاً وهي تقوم بإعداد الرضاعة للذين ما زالوا يشربون الحليب , وقد صادف قبل أسبوع تقريباً أن حضر لمنزلها ابنها ومعه كل أولاده مدعياً أنه تشاجر مع زوجته وبنفس الوقت حضرت أيضاً شقيقتي ومعها كل أولادها ال خمسة مدعية أنها تشاجرت مع زوجها وقالت أمي يومها : شو بعدين معاكوا ؟!! أنا جوزتكوا كلكوا على شان أرتاح منكوا ارجعتولي عشان أحمل همومكوا من جديد ؟ بعدين معاكوا وكمان ما بترجعوش لحالكوا ؟ حتى أولادكوا معكوا ؟ ليش اللي بتروح على أهلها زعلانه ما توخذ معها أولادها ؟ شو هذا قرفتوني حياتي ؟ أنا بدي أرجع أربّيكوا وأربي أولادكوا من جديد ؟ بعدين معاكوا أنا وحده ختياره عجوز مش زي الأول والله يادوب أصل على الحمام لحالي !!.
وأمي لا تطيق جرح أحدٍ منّا كما نجرحها دائماً بتصرفاتنا وسلوكياتنا ,فتحتضن الجميع وهي تقول : شو عليه أنا مش زعلانه الدار داركوا وانأ اعتبروني ضيفه عليكوا.
وفعلاً يتصرفون معها وكأنها ضيفة فيحتلون في المنزل كل متر مربع به حتى خزانتها يخرجون منها ملابسها ليضعوا مكانها ألبستهم وألعاب ألأولاد والبنات.
وصدقوني قبل يومين ظهرت مشكلة جديدة من نوعها عند أخواني , فأولادهم كبروا وأصبحوا شباب مراهقون وقد حضر إلى أمي عدداً منهم قد غضبوا من أمهم وأبيهم وقرروا اللجوء إلى جدتهم لحل مشاكلهم مع أمهاتهم وآبائهم فتقول أمي : شو كمان اشويه بيجي الجيران يشكولي, شو أنا كاينه جمل المحامل؟!.
ولا تطيق أمي ردهم أو التكشير في وجوههم بل على العكس تستقبلهم بكل صدر رحب وتناديني من أجل أن أحمل عنها هذا الهم فأجد أن الطالبه الجامعية تريد زيادة في المصروف مثل أخيها ,وأخوها يريد الذهاب في رحلة مع الطلاب نهاية الأسبوع أو يريد موبايل جديد وإذا كانت أمي تمتلك شيئاً من راتبها الشهري تعطيه للمحتاج منهم فتحل لهم المشكلة , ومع هذا لا يقدم إخواني الشكر لها وإنما يتصلون فيها معاتبين ويقولون لها : يعني هو إحنا معناش مصاري نعطيهم ؟ إحنا ما بدناش انعودهم على المصاريف الكثيرة , أنت خربتيهم ودلعتيهم ازياده , لازم إنك كحشتيهم من دارك وما أعطيتيهمش ولا فلس أحمر, والله الحق كل الحق عليك. إحنا كحشناهم وما قدروش يضحكوا علينا بس انت ضحكوا عليك.
إن كل تصرفات أمي ومطالبها تدلُ على أنها من المطالبين بالمساواة في الأحداث العائلية الكبيرة الشهرية والسنوية فهي تطلبُ من أولادها أن يعمالوها بالمساواة مع همومهم وأحزانهم ومع افراحهم ونزهاتهم.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟