جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2946 - 2010 / 3 / 16 - 13:20
المحور:
كتابات ساخرة
هل سبق لك عزيزي القارئ وأن ذهبت في مغامرة للبحث عن عنوان أحد أقاربك وأصدقائك؟
أعتقد لو كان الموضوع في دولة مثل إسرائيل ,مثلاً تل أبيب , كانْ الموضوع بكونْ بسيط ومش معقد , ولو كان في لاس فيغاس بكون نفس الشيء أو باريس , بس المصيبة إذا كان العنوان في إحدى المدن العربية , والأصعب من ذلك لو قال لك صديقك : منزلي بجانب شجرة أرز أو سرو أو خوخ كبيرة وطويلة , والأصعب من كل ذلك حين يقول لك : بيتي بالقرب من مسجد(...) كذا وكذا , وفي بداية الأمر لا تكون أنت أو أنا مستصعبين الموضوع ولكننا سنفاجأ بالمفاجأة الكبيرة حين لا نجد أحداً من الناس لديه معرفة بأسماء المساجد على الإطلاق والأدهى من كل ذلك أن البلد كلها بمدنها وقراها مزروعة بالمساجد زراعة كثيفة , وكمان أسماء المساجد مثل : التقوى, الأبرار, الصحابة, هذا طبعاً عدى كل أسماء صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم , وصدقوني أن أعداد المساجد هي أكثر بكثير من أسماء الصحابة في عهد الرسول وعندي دليل بدون إحصاء بحيث أنا وأنت نستنتج كل ذلك من خلال أسماء المساجد التي استنفدت كل أسماء الصحابة واستهلكتها فلم يبق اسم صحابي إلا وله مسجد باسمه , لذلك لجأ البناءون والمقاولون والمتبرعون والحكومة بتسمية المساجد بأسماء الصفات مثل: التقوى, الأبرار, المدينة,مكة, وكذلك تقسيم وتفريع الصفات والنعوت والبدائل مثل : البراء بدل البراءة, التقى بدل التقوى أو اشتقاقاً منهما , وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على كثرة المساجد أكثر من أعداد الصحابة , علماً أن المدينة أيام الرسول كان فيها مسجدين فقط لا غير.
لقد أخطأتُ خطئاً كبيراً وقاتلاً ومنهكاً حين إعطاني أحد أصدقائي ومعارفي عنوان منزله وهو في إحدى الأحياء السكنية المأهولة بالسكان وقال لي العنوان (ما بِتوهش) نهائياً بس تصل اسأل عن (مسجد الأبرار) وأنا بيتي بمقابل المسجد مباشرة , فقلت له لو كان عندنا أحياء مُرقمةً ترقيماً لكان الوصول إليك أسهل بكثير , يعني لو كان في الحي أرقام شوارع وأرقام بنايات كان من الممكن أن أصل إليك بسرعةٍ فقال : أي هو إحنا كاينين زي أوروبا .
على كل حال رقم الشارع والمنزل ليسا ذا أهمية عاديةٍ أو قصوى والمهم هو أن وصفه لمنزله أدخلني في متاهة طويلة وهذا ما جعلني يومها استنتج أنه فعلاً بين كل مسجد ومسجد يوجد مسجد.
وصلتُ إلى الحي الذي أبحثُ فيه عن صديقي وكان ذلك في تمام الساعة الحادية عشر صباحاً, وأول ما التقيت بصبي يلعبُ في الشارع سألته عن العنوان الذي معي فقال : بتلاقيه بعد المسجد تقريباً ب عشرين متراً , فتبسمتُ في وجه الصبي تعبيراً مني عن شكري وامتناني له وهذا ما كنتُ أملكه فقط لا غير لتقديم الشكر وتوجهتُ له بسؤال سريع: ما فيش بجانب المسجد منتزه؟ أو مرجيحه؟ فقال الولد: لالا ما شفتش.
وبدأتُ أمدُ بخطواتي مداً حتى أحسستُ أنني في سباق ال 100متر ورأيتُ مئذنة فلما اقتربتُ منها قلت لأحد الماره: هذا مسجد الأبرار ؟ فقال لا هذا مسجد الصحابة ومين اللي حكالك أن هذا مسجد الأبرار ؟ فقلت: صديقي وصف لي منزله في هذا الحي بمقابل مسجد الأبرار ,فقال لالالالا هذا مسجد الصحابة رضوان الله عليهم, فقلتُ له : وأين مسجد الأبرار فقال : والله لا أدري أنا وكل الناس هنا لا نحفظُ أسماء المساجد , فقلتُ له : ولكني يا عم أريد مسجد الأبرار فقال لي : من المحتمل وهو الأكيد أن تجده في الشارع الذي خلفنا فقلت له : أفي الشارع الذي خلفكم مسجدٌ ؟ فقال نعم , ومن ثم سألته: معليش يا عم لو سمحت الظاهر المساجد كثيره جداً ما بيش مرجيحه أو منتزه بجانب المسجد ؟ فقال: كل محافظة اربد ما فيهاش غير حديقتين واحده اسمها حديقة تونس والثانية حديقة طارق وهذول إبعاد جدا جداً من هنا , فشكرته ومشيتُ للشارع الذي كنتُ أقفُ أمامه ولما وصلت لمحتُ قُبةً خضراء فقلت فعلاً الرجل صادق هذا هو مسجد الأبرار , وحين وقفتُ بجانب المسجد رأيتُ حجراً مكتوباً عليه : مسجد عائشة أم المؤمنين , فقلت : شو هذا في ثلاث شوارع ما يقربُ من مسجدين ! هذه الأمور متعبة جداً .
وحين يئستُ جداً فكرت بأن أعود إلى منزلي ولكني لمحت قبةً أخرى فقلت هذه آخر محاولة سأذهبُ إليها وما أن وصلت حتى رأيت حجراً مكتوباً عليه : مسجد عثمان بن عفان , فقلت : والله إني بالعربي الفصيح ازهقت حالي , شو هذا كله مساجد حتى لا يوجد منتزهات ولا مراجيح ولا قهاوي ولا أماكن جلوس عامه شو هذا , أي والله احنا في صحراء ولسنا في مدينة !!, بعدين أنا في متاهة سأسميها متاهة المساجد , والظاهر أنني اليوم سأبقى أنتقلُ من مسجد إلى مسجد دونما جدوى والأفضل أن أنسى موضوع زيارة الصديق , وصدقوني يومها لم يكن معي موبايل ولا مع صديقي لأنه لم يكن شائعاً الاستعمال سنة 1997م وبقيت أجوب من شارع إلى شارع حتى قررت الاستراحة في إحدى الدكاكين التجارية:
-السلام عليكم.
-وعليكم السلام والرحمة والإكرام.
-عندك ببسي ؟أو كولا أو أي شيء بارد؟
-تفضل .
-شكراً ..بدي أسألك يا حج , وين مسجد الأبرار .
-والله يا ابني ما بعرف الأسماء المساجد كثيرة.
-طيب أوكيه بس وين من الممكن أن أجده؟.
-عشان إيش ؟
-بدي أروح زيارة عمل على صديق لي ووصف لي منزله في هذا الحي وقال بالتحديد قرب مسجد الأبرار .
-ما حكالك عن علامة مميزة مثلاً؟.
-آه حكالي عن شجره أمام المسجد وقُبه في وسط المسجد.
-كل المساجد فيهن في الوسط قبه .
-آه والله إنه كلامك صحيح.
-طيب شو بشتغل صاحبك؟.
-أستاذ مدرسه.
وأكملتُ له أوصافه وصفاته وسألني كيف يمشي , وكيف يتكلم , فأجبته وكان يصدقني في كل كلمته أقولها له وفي النهاية قال لي : بناء على كلامك هذا صاحبك تركنه أمه وهو بعده صبي صغير وتزوجت من واحد ثاني خلاف والده , فقلتُ له والله ما بعرف عنه هذه المعلومات , ثم قال : لالا أنا بعرف , وزوجة صاحبك من إحدى القرى القريبة منكم صح؟, فقلت: ما بعرف , وآخر شيء قال لي : صاحبك بيته بس تطلع من هون بلاقيك مسجد كبير ومرتفع , وبعد المسجد في على الشارع الثاني مسجد آخر هذا المسجد اتركه شو بدك فيه وبتوجه في وجهك شمال وبتمشي ما يقرب من 300 متر وهناك بلاقيك المسجد اللي بتسولف عنه , وسألته: طيب ما فيش في هذاك الحي منتزه أو مرجيحه أو مكان عام للجلوس أو نادي ليلي ؟ فقال لي : استغفر الله يا رجل أنت أكيد بتسولف مزح , فضحكتُ في وجهه وأشعرته أنني أمزح , لأنه بخلاف ذلك سيعتبرني مجنوناً أو شاذاً, وتحركتُ مسرعاً وتوجهت إلى الوصفة بل ومشيتُ على وصفته كما أمشي على وصفة طبيب وحين وصلت المسجد نظرتُ إليه فوجدته مكتوباً عليه مسجد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ونظرتُ أمام المسجد وإذا برجل يسقي مزروعاته الوردية داخل حديقة المنزل فطرحتُ عليه السلام وسألته عن ضالتي وناشدته المعونة فقال لي :
-صاحبك أستاذ مدرسه؟
-نعم صحيح , أستاذ مدرسه.
-معه سيارة نوع (أبل ريكورد)؟
- لا (أبل فكترا).
-آه والله يمكن فكترا , الفكترا مليحه واقتصاديه أنا والله كانت معاي وحده زيها وبعتها واندمت عليها , بس أنا بعتها على شان الأولاد بدهم سيارة وسيعه.
-يا سيدي مش مشكله وين داره؟
-آه ..شوف ..شايف الجامع هذا؟
-آه شايفه.
-فيه في الشارع اللي خلفنا كما شارع ثاني خلفه , وهنالك بيت صاحبك , أنا اعرفته وبعرف أبوه كمان وأهله .
-شكراً خال.
-أقعد خلينا أنضيفك .
-لا شكرا, بس بدي أسألك ما فيش بجانب البيت حديقة أو نادي ليلي أو رياضي أو ثقافي ؟.
فضحك الرجل ونظر لي من تحت إلى فوق باستغراب , وأنا بادلته بعض النظرات التي شعر من خلالها أنني أمزح وأتندر.
وذهبت بسرعة وأعصابي بدأت تذهب معي إلى أبعد الحدود وحين وصلت الشارع الأول توجهت للشارع الثاني , وقفت بجانب مسجد كبير مش مكتوب عليه أي شيء فقال لي أحد الماره بعد أن سألته: هذا مسجد التقوى مش الأبرار , فقلت: لعاد دخيلك وين صار مسجد الأبرار ؟ قال: ما بعرف أسماء المساجد , بس الآن وقت الصلاة أدخل لصلاة الظهر وبعدين اسأل الشيخ أمام المسجد .
فقلت: طيب ما فيش هون حديقة أو منتزه أو نادي رياضي أو منتدى ثقافي؟ فضحك الرجل وتركني وغاب في عتمة المسجد حين دخله من بوابته الكبرى.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟