أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الامين - كل الوان الظلام















المزيد.....

كل الوان الظلام


عادل الامين


الحوار المتمدن-العدد: 2944 - 2010 / 3 / 14 - 15:01
المحور: الادب والفن
    


كان الوقت قد شارف على الغروب عندما حضرت الآلة القبيحة التي تشبه الديناصور تشق طرقات البلدة في طريقها الى الساحة الشهيرة , اخذ المارة ينظرون اليها في توجس فهم يعرفون تماماً ماذا يعني حضور هذه المجنزرة الى البلدة , احبطت المحاولة الاخيرة للتمرد وشملت الاعتقالات كالمعتاد عدة اشخاص , كانوا أحد عشر شخصاً من مختلف الرتب العسكرية ومعهم خمسة مدنيين تجمهر المواطنون في الساحة ينظرون الى الآلة وهي تقوم بحفر الاخدود فيما كان عدد من العمال يجهزون الاعمدة , سيتم الاعدام في الفجر كالمعتاد , عند حظر التجوال لا أحد يخرج يرى ماذا يحدث , يسمعون دوي الرصاص داخل بيوتهم الكئيبة ويتم تسوية التراب , تنصرف المجنزرة ويعم الهدوء مرة اخرى مخلفاً انين ذوي الموتى خلف الجدران والدموع الصامتة التي تنسكب من حدقات العيون , هذه المرة كان العدد كبير وكان من بينهم العقيد عبد السلام زوج فاطمة , كانت فاطمة تراه كثيراً مجتمعاً بعدد من الرجال ليلاً واحيانا يجرج في ساعات الفجر الاولى ولا يعود الا بعد ثلاثة أو اربعة ايام , كانت فاطمة توقن بأن زوجها سيرحل يوماً ما بأي كيفية لانه صاحب رتبة عالية في الحامية وودائماً ينتقد سياسات الحكومة البغيضة , هذه المرة أحبطت المحاولة اصبح ينتظرهم المصير الاسود , ظلت هذه الافكار تدور في مخيلة فاطمة وهي تحيط طفليها المذعورين بساعدها ويترامى الى أذنها طقطقة السلاح وصةت الاقدام الثقيلة , ظلت تري بخيالها المكلوم العربة السوداء وقد نزل منها المحكوك عليهم مصفدين بأغلال ورصفهم في الاعمدة بحذاء الاخدود ثم صياح الضابط وتحرك كتيبة الإعدام التي تأخذ مكانها المعهود .
دوي الرصاص ممزقاً السكون وعلا الصراخ في عدد من بيوت البلدة , اخذت فاطمة تصرخ وهي تحضن طفليها في عنف رحل زوجها الان وانطفا صوت الحق من البلدة وهذا يعني استمرار البؤس والشقاء , مضت الايام تباعاً مخلفة ورائها ظلال من الحزن والكآبة على اهل البلدة , ثم حدثت أشياء غربية , تم ترقية عثمان الى رتبة عقيد لدوره الكبير في احباط المحاولة ,اسبغت عليه الحكومة أنواط الشجاعة والاخلاص وتم ترقيته لاحقاً ليصبح حاكماً للاقليم ورحل عن داره المتواضعة الى دار الحاكم , اثار ذلك التغيير المفاجىء دهشة فاطمة الطيبة التي لم يبقى لها من اصدقاء زوجها سوى ابراهيم الذي براته المحكمة وخرج حطام بشري من المعتقل , انطفات إحدى عينيه , اصيب برضوض في رجله , ما فتى إبراهيم وهو المخلص دائماً يزور فاطمة ويتفقد أحوال ولديها ويثني على زوجها الراحل ويجتر معها ذكريات كانت جميلة , أبراهيم من ضابط الصف يحب العقيد عبد السلام ويعرف أي معدن من الرجال كان , ظلت فاطمة تشفق على الحال الذي آل اليه ابراهيم دون ان تعرف السر الكبير الذي يطويه في صدره وفي ذات مرة اخبرها ابراهيم بكل شيء بعد فشل محاولة التمرد أخذت الحكومة عدد من الجنود والضباط كان من بينهم إبراهيم وعثمان أيضاً تعرض ابراهيم لعذاب شديد ضد رفاقه ويكشف سرهم ورفض رفضاً باتاً أن يشهد أو يكون شاهد ملك , عثمان الانتهازي أرتضى ذلك و كشف النقاب عن جميع المتامرين وسلم السلطة الوثائق والمستندات التي بحوزته .


كان الدور المناط على المقدم عثمان وافراد الجنود معه احتلال مقر الاذاعة المحلية وتباطاً وتم اعتقال المجموعة , لم يعترف الجميع من ضباط وجنود ماعدا عثمان الذي لم ينسى ان يقدم للمحكمة العسكرية فروض الطاعة والولاء , اعتبرته الحكومة أحد ابنائها المخلصين ومن ناحية اخرى تم اطلاق سراح ابراهيم بعد احالته الى حطام منهك , سرت هذه القصة وانتشرت بين أهالي البلدة البسطاء , ظل الاحتقار الذي يكنه المواطنون لعثمان الحاكم يؤرق مضجعه , الكل يبصق عندما تاتي سيرته في مجالسهم .. مضت السنيين وكبر الاولاد طارق وأمين وفاطمة تحثهما على الانتقام لوالدهما , كان ابراهيم يأخذ أمين الى المرتفعات المجاورة ويقوم بتدريبه على إطلاق النار ببندقية والده القديمة فهم أمين الذكي وتعلم الدرس سريعاً.

ظل أمين ينتظر اليوم الذي ياتي فيه الرئيس لزيارة البلدة ويريح البلاد من جبروته وقد اعتاد الرئيس الحضور في اعياد الحكومة للمدنية ليفتتح بعض المنشئات , أما طارق فقد هرب ذات مرة مستقلاً القطار الذي يتجه في محطة السكة الحديدية في طريقهما الى المدرسة تحرك القطار ومع دوي عجلاته اعتلمت في نفس طارق مشاعر عدة وقرر الهرب والقطار تزداد سرعته تعلق به بغته , شلت المفاجئة شقيقه وزادت سرعة القطار , ركض امين خلف القطار دون جدوى وغاب القطار في الافق خلف الجبال وفي المنزل عرفت فاطمة هروب ابنها طارق وانهارت باكية ولم تفلح مواساة أبراهيم لها يعودة ابنها يوما ما ومضت السنين تباعاً والحال كما هو وبدات البلدة تستعد لاستقبال الرئيس والحاكم عثمان في قمة جبروته وغطرسته , قتل زبانيته ابراهيم في ليلة ممطرة , وجده أمين يحتضر غارقاً في بركة من الدماء , قام مع نفر قليل من البلدة بأجراء مراسيم دفن له, أبراهيم الضميرالحي الذي يقض مضجع الحاكم واكبر حجر عثر له في الزواج من فاطمة الجميلة زوجة الراحل عبد السلام , كما تجمعه صداقة مع امين ابنها الذي فشل الحاكم تماماً في أن ينال رضا أو قدر يسير من الاحترام من هذا الولد المفعم بالحقد الدفين , وفي ذلك اليوم المشهود في العيد الخامس عشر للثورة , اصطف المواطنون المغلوب على امرهم لاستبقال قطارالرئيس وقد زينت شوارع البلدة بالاعلام وأقواس النصر طاف الرئيس بالبلدة وقام بافتتاح المنشئات الجديدة , السجن الجديد ودار المحكمة ولا شي اخر !! وفي اليوم التالي والرئيس في طريقه الى القطار مودعاً , محاطاً بكوكبة من الحراس المدججين بالاسلحة كان أمين في المنزل يبحث عن بندقية والده التي خباتها والدته بعد أن انساها الزمن الحزن على زوجها ورغبتها في الانتقام , اخفتها بعد ان احست بالخطر الذي يقدم عليه ابنها وبعد تفتيش وجدها , انطلق بها خارجا ً راته امه يعدو الى المحطة من نافذة المطبخ وفي يده بندقية , خرجت تولول , كانت المسافة بعيدة , اثار اندفاع أمين الذعر وسط الجمهور , تنبه الحراس واستغل أمين عنصر المفاجئة واطلف النار على الحاكم عثمان , تهاوى الحاكم مضرجاً بالدماء على الارض واندفع الرئيس الى داخل القطار مذعوراً وتحرك القطار بطيئاً .


أطلق الجنود النار على امين فسقط على الارض , تدافع المواطنون مذعورين ودب الرعب في الجميع وتوالى إطلاق النار وتساقط العديد من المواطنين بين جريح وقتيل وتحرك القطار مبتعداً انكفأت فاطمة تبكي على ابنها الذي يعاني النزع الاخير , كان القطار قد اختفى بين الجبال عندما سمع سكان البلدة دوياً هائلاً وسحابة من الغبار تغطي الافق حيث غاب القطار , يبدوا ان احد ما نسف القطار !! قطار الرئيس. من هو !! لا أحد يدري اخذ الجميع ينظرون نحو الافق المشتعل الذي يتصاعد منه الدخان الاسود الكثيف , كان هناك شخص يتقدم ممتطياً جواداً , دخل الغريب طرقات البلدة تتبعه نظرات الجمهور في دهشة يشوبها الأعجاب , بهذا الذي استطاع إزالة رمز الفساد والاستبداد من البلاد , تقدم الغريب نحو فاطمة وابنها المحتضر ترجل عن صهوة جواده وركع جوار أمه وشقيقه , بعين دامعة نظر طارق الى وجه شقيقه نظرة الوداع الاخير .



#عادل_الامين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفراشة والنار
- قطار الشمال الاخير(مجموعة قصصية)
- سيرة مدينة: مك الدار
- مقالات سودانية:المحكمة المهزلة .. وعار الأبد !! ... بقلم: د. ...
- سيرة مدينة: العمة نورا وسوق الزيارة
- اليقين والقدر
- السودان صراع الرؤى وازمة الهوية
- اخر جرائم مصطفى سعيد
- الساقية...(رواية سودانية)
- رواية-عازف الكمان-
- لم تنهار الاشتراكية بعد...
- سيرة مدينة:سباق المسافات الطويلة
- أركاماني المؤسس الأول للدولة السودانية المدنية 270- 260 ق.م.
- مقالات سودانية:الإسلام كنظرية نقدية
- سيرة الرجل الذى ناضل لكل الاجيال
- صباح الخير عام 2008
- الحوار المتمدن والثورة الثقافية
- اللعنة التي حلت بالمكان
- الفكرة الجمهورية...حياة الفكر والشعور
- تراتيل الصحابة


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الامين - كل الوان الظلام