|
الحوار العربي ـ الكردي لكي نتحاور لابد أن نتصارح أولاً
حسين قادركو
الحوار المتمدن-العدد: 896 - 2004 / 7 / 16 - 07:06
المحور:
مقابلات و حوارات
█ تعتبر القضية الكردية من أهم قضايا الشرق الاوسط، والتي نالت للأسف اهتماما قليلا جدا من قبل المفكرين والمثقفين العرب، الذين شغلتهم القضية الفلسطينية وقضايا اخرى، مما أدى الى نشوء جهل كبير بالشعب الكردي عندهم ، وأعتقد أن القسم الأعظم من هؤلاء كان جهلهم متقصدا، وكانوا يحلمون بأن يستفيقوا يوما فيجدوا ان الاكراد قد اختفوا في هذه المنطقة من العالم أو ذابوا في شعوب الدول التي يعيشون فيها، وامتنع المثقفون بكل فئاتهم عن أي حوار مع هذا الشعب الذي يشاركهم في العيش في هذه الجزء الهام من العالم . بعد موت الرجل المريض (الخلافة العثمانية) تقاتل الورثة على التركة، واستلب الورثة مايمكن سلبه، وتسابقوا على السيطرة على الحصص التي قسمها لهم الانكليز والفرنسيون،طبعا دون أن يفكروا ماإذا كانت هذه هذه القسمة عادلة أم لآ، فلاوقت للتفكير أثناء توزيع الغنائم. أخذ الاتراك والعرب مايمكن أخذه، أما الاكراد والذين يعتبرون من أقدم شعوب هذه المنطقة مع الكلد آشوريين، فقد خرجوا من المولد بلا حمص ، وصاحوا في اخوتهم الاتراك والعرب ياناس يااخوة لقد أخذتم كل التركة ولم تتركوا لنا شيئا، لكن لم يسمع منهم أحد،بل وجابهوهم بالحديد والنار والكميائي، الاتراك، قالوا لهم"هل تظنون اننا نظفنا المنطقة من الارمن كي نتركها لكم ، لا ، هذا من سابع المستحيلات،واشكروا ربكم أننا لم نبيدكم كالأرمن ، وأكرمناكم بإسمنا حين سميناكم بأتراك الجبال،فماذاتريدون اكثر من أن تنسبوا لأفضل شعب في العالم؟" فابتلعوا الطعم الذي وقف في حلوقهم، فماعادوايقدرون ان يلفظوه وماعادوا يقدروا ان يبتلعوه. العرب كانوا أقل جشعا وطمعا من مبغيضهم الاتراك، ولكنهم ساووهم في انسانيتهم المفقودة تجاه الاكراد،وتكرموا على الاكراد بأن قالوا لهم "لقد قبلناكم ان تكونوا جزءً من امتنا العربية ، التي هي خير أمة اخرجت للناس، فماذا تريدون اكثر من هذا". وبعد أن سلب الاتراك والعرب اراضي الاكراد وأحرقوا تاريخم وقضوا على ثقافتهم، قالوا لهم: " انتم قوم لاأرض لكم، ولاتاريخ، ولاثقافة، ولاأي شيئ ، ماأنتم إلا قوم دخلاء وغرباء" ، ومن كثرة مارددوا هذه الاكذوبة ، صدقوها، واعتقدوا ان الاكراد صدقوها أيضا، لكنها كانت اكذوبة أكبر بكثير من أن يصدقها عاقل. ولااريد هنا ان اكرر وأروي ماحدث بعد ذلك، فالحكايات صارت معروفة للجميع ، لكني اريد هنا فقط لفت أنظار المثقفين العرب الى قضية الحوار، من خلال دعوة قامت بها الصحفية الكردية الجريئة لافا خالد الى حوار مفتوح بين المثقفين العرب والكرد من خلال طرح بعض الاسئلة، في بعض مواقع الانترنيت.
لافا خالد ـ صحفية: █ إذا كان الحوار هو لغة التعبير الديمقراطي بين الشعوب فأن التعايش الإنساني والثقافي هو النتاج الحضاري والقيمي للإنسان الواعي والتزم عبر التاريخ{ هذا الموضوع هو دعوة لتنشيط الحوار الكردي العربي & الكردي الكردي } كبادرة للحوار مع كوكبة المثقفين" كرداً & عرباً" الذين يقدمون أفضل النتاجات بحس مسئول وروح جدية بعيدة عن مقص الرقابة والعقلية الحزبية الضيقة في غاية إلى أن نصل إلى مجتمع سياسي مستقل يؤمن بالحوار والرأي الأخر حيث الوطن يتعرض لهجمة شرسة وخطر قادم من الغرب لنحمي أنفسنا ونحمي الوطن , أنها دعوة مفتوحة لكل الآراء الجريئة التي تؤمن بمبدأ أنني قد أختلف معك في الرأي لكنني مستعد أن أضّحي بنفسي لأجل أن تقول رأيك .
لافا خالد: 1- كمثقف برأيك ما هي مفاتيح هذا الحوار لتفعيل قضايا الشعوب وإنسانيتهم بأقلام مثقفة , وكيف ينظر المثقف الكردي والعربي إلى مستقبل العلاقات الكردية والعربية والعربية الكردية في ظل الغياب شبه التام لمبدأ الرأي والرأي الأخر , وتفعيل هذه العلاقات هل بات بالفعل يدخل ضمن منظومة الإرهاب الفكري والتطرف الثقافي من منظور سلطوي سياسي بحت ؟ ج1ـ قادركو: كلنا مع الحوار، لكن للأسف الشديد الحوار ليس معنا، لأننا ورثة ثقافة الفرض والهيمنة والوصاية، ثقافة الإله الواحد والرأي الواحد والاتجاه الواحد ، ثقافة الوطن الواحد والعلم الواحد واللغة الواحدة والشعب الواحد والقائد الواحد والحزب الواحد وحتى اللباس الواحد، ثقافة كل شيئ لي وحدي ولاشيئ للآخر ،لذا فنحن مازلنا بعيدون جدا عن ثقافة الحوار، وإذا وجد حوار ما ، فهو كالحوار بين الاب وابنه ، او بين الاخ الكبير والأخ الصغير ويمكن ان نطلق عليه " الحوار التسلطي" ، اوحوار " الذئب والحمل" ، نحن لم نتعلم الحوار في طفولتنا بل بالعكس تعلمنا كيف نصدر الأوامر والنواهي، تماما مثلما أًُمِرنا ونهينا ، هذه الثقافة الآمرة الناهية التي ليس للحوار مكانا لديها ورثناها من التراث ، فأول حوار جرى حسب ثقافتنا الاسلامية ،هو عندما خلق الله آدم وأمر ابليس وملائكته بالسجود له ، وعندما اعترض ابليس بأنه لن يسجد لآدم " خلقته من طين،وخلقني من نار" قطع الله الحوار مع ابليس وتوعده بأشد انواع العذاب عندما تقوم الساعة ، ولاأدري لماذا أنهى الله هذا الحوار بهذه السرعة، وأعتقد لو أنه أطال الحوار بينه وبين الشيطان قليلا لربما اختلف الأمر وكنا الآن جميعا نعيش في الجنة ، لامشاكل ولاأكراد ولاكردستان ولابعث ولاعرب ولامن يحزنون، ونحن اليوم نفعل نفس الشيئ تقريبا،أي نقوم بتقليد الله ولكن بفارق بسيط ،وهو اننا لانمهل الطرف الآخر، كي لانتأله ونصبح مشركين بالله ، ولذلك تأتي صفعتنا لخصومنا سريعة ، تماما مثل صفعتنا لزوجتنا او لولدنا او لأخينا الصغير، صاعقة، مدوية وفورية، ثم لو تحدثنا عن محمد خاتم النبيين نرى أنه قد تخلّى عن منهجية الحوار ، التي كان مصرا عليها في بدايات دعوته، ويتجلى لنا ذلك في رسالته التهديدية "اسلم تسلم" هكذا خاطب محمد كلا من هرقل الروم وكسرى الفرس ، ونرى اليوم اسامة بن لادن يقول نفس الشئ مهددا اوروبا وأمريكا " إما....وإما" فإما أن تنصاعوا لأمري وإما أن ينالكم عقابي ، وهذه القاعدة يطبقها كل واحد منا على مزاجه "إما أن تفعلي كذا وإما الطلاق" ،"إما أن تكون معي او تكون ضدي" ، "إما ان تقبل اخوّتي ( اخوة العبيد) كما اريدها وأما أنت عدوي او عميل لعدوي" ، "إما أن تذهبي بالحجاب الى المدرسة او الجامعة او العمل او تقعدين في بيتك" ، انظري مثلا الى تركيا ، الاكراد منذ تأسيسها ينادون بالحوار مع الاتراك، ثمانون سنة ، ماذا حقق الحوار( حوار السيد مع العبد) ، لاشيئ ، سوى القتل والحرق والإبادة ، وهجرة الملايين من كردستان الى المدن الكبيرة في تركيا وسعيد الحظ من يصل الى شواطئ اوروبا ، وهذه الفتات التي يلقونها الى الاكراد الآن ليست نتيجة لحوار ما كما نعلم جميعا وإنما لتسيهل انضمامها الى الاتحاد الاوروبي، وانظري الى العراق ، ثلاثون سنة لم يتوقف صوت الرصاص في كردستان العراق ، إلا عندما كانت الحكومة تقع في مأزق فتستجيب للحوار مع الأكراد لحين الخروج من المأزق فقط، ثم تعود للمدفع والدبابة،والقصة اشهر من ان تعاد، وانظري ثم الى أصحاب العمائم السوداء في ايران ، تحاوروا مع الاكراد أثناء ضعفهم وجلسوا معهم على طاولة واحدة، وعندما وصلوا الى السلطة بدأت فتاوي التكفير تنهال على كردستان ايران الى جانب القذائف الحارقة وكراة النار،ولم يكتفوا بقتل الأكراد في كردستان ، بل لاحقوهم حتى في اوروبا ، عندما ارتكبوا جريمتهم الفاضحة بقتل الزعيم الكردي عبدالرحمن قاسملو مع اثنين من رفاقه ـ 1989ـ في فيينا العاصمة النمساوية ، عندما اوهموه بأن خلفاء الله يريدون الحوار معه ، وكان القاتل من أحد اعضاء الوفد الايراني وهو نفسه الذي كان من المفترض ان يقوم بالحوار، ولم يكتفي اصحاب ولاية الفقيه بذلك بل ارتكبوا مذبحة اخرى في برلين بحق خمسة من الزعماء الكرد ، بمن فيهم صادق شرفكندي رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، اثناء مشاركتهم في اجتماع الاشتراكية الدولية عام 1992 في مدينة برلين الالمانية العاصمة الان، وهاهم الاكراد في سوريا منذ اكثر من أربعين سنة وسنة يطالبون البعث بالحوار ، لكن الرد هو حاوروا جدار السجون اوابقوا هادئين في منازلكم، حتى المعارضة السورية كانت مع السلطة في سياساتها العنصرية تجاه الاكراد ، وأتحدى المعارضة السورية من أقصى يمينها الى اقصى يسارها أن جادت على الاكراد ولو بكلمة طيبة قبل تفكك الاتحاد السوفيتي ، في وقت كانت الاحزاب اليسارية( التقدمية) تستميت من أجل شعوب امريكا اللاتينية وتصر على تحرير فيتنام وكمبوديا وموزامبيق، وما كان يهدأ لها بال إلا عندما يتحرر آخر أفريقي من الاستعمار والامبريالية ، بينما كانت تشارك البعث السوري في عمليات الابادة لملامح الشعب الكردي القومية وذلك بموافقتها المبطنة على ذلك من خلال صمتها المطلق وسكوتها العجيب والمدهش على سياسات القهر والاذلال التي كانت ولازالت تطبق على الكرد على قدم وساق من قبل البعث السوري ، وبإنضمام هذه الاحزاب الى الجبهة الوطنية التقدمية بقيادة حزب البعث ، صارت تشارك البعث رسميا في السياسات العنصرية تجاه الشعب الكردي، وقد تقولين لماذا تذكر هذا الان؟ اقول لك لأن الوضع الآن لايختلف إلا قيد شعرة فقط ، فالأحزاب الشيوعية والقومية الوحدوية ما زالت تشارك البعث في سياسات الاضطهاد القومي المشينة تجاه الاكراد ، بصفتها الشريك في السلطة مع حزب البعث، أما الاحزاب المعارضة من يسارية وقومية وحدوية اشتراكية وإسلامية والتي تجزرت (وليس تجذرت) لدرجة كبيرة فمازالت هي الاخرى تنظر الى الاكراد برؤية لاتختلف عن رؤى أحزاب الجبهة التقدمية إلامن حيث مكان اقامتها ومعارضتها للسلطة، وليس من موقف مبدئي ، وإذا القيت نظرة الى مبادئ وبرامج هذه الاحزاب لن تصادف مطلقا اشارة واضحة الى الشعب الكردي وحقوقه المشروعة، وهذا يؤكد لنا ما مدى أن المثقفين المتحزبين على الاقل مازالوا يتغذون وبشراهة من عقائدهم القديمة التي صلحت في جغرافية ما وتاريخ محدد ،وقد انتهت مدة صلاحيتها ، وليست لهاقابلية الصلاحية للأبد ، فلكل عقيدة وايديولوجية نهاية لابد منها لأنها كانت بنت أهلها وزمانها ، ومهما حاولنا حقنها بمقويات ومضادات حيوية فلن تحيا من جديد ، وهي تنتظر بفارغ الصبر من يطلق عليها رصاصة الرحمة، ومنهم من يستلهمون مبادئهم ورؤاهم وسياساتهم من هذه الايديولوجيات التي تخلى عنها ورثة مبدعيها ويسقطونها على واقع مختلف كليا ورافض لتقبلها ، مثلما يرفض الجسم زرع عضو غريب ، والبعض الاخر استمد مقومات فكره وممارساتة من الفكر القومي المتعصب الذي يدعي امتلاك أكبر مساحة جغرافية بسندات مشبعة بالتزوير، الى جانب التجني على التاريخ بتشويهه وتلفيق قصص وحكايا، التاريخ براء منها، ويتحول هذا التعلق الشديد بالعقائد والايديولوجيات عند الكثيرين الى اصابتهم بالعمى العقلي ، لإنبهارهم الشديد بها ، ولايمكن أن يتخلص العقل منه بسهولة، ولكن هذا لايمنع من ظهور عقول نافذة تقاوم هذا العمى العقلي وترفضه وأحيانا تلغيه كلياوتغيره ، وقد يدفعون حياتهم ثمنا لذلك ، ولايخلو تاريخ امة من الامم من أمثال هؤلاء ، بدءً من الفلاسفة والمتصوفة والانبياء والرسل وانتهاءً بالعلماء والمفكرين ، ولاأعتقد أبدا أني ظالم أذا قلت أن العقائد والايديولوجيات تعتبر العدو رقم واحد للحوار، ومهما حاول معتنقها أن يتقرب الى الآخر ، فإنه لايصل الى دائرة الحوار،لأنه كالحصان لايمكن أن يبتعد عن جذع الشجرة المربوط به إلا بقدر طول الحبل الذي حدده صاحبه، ومن الطبيعي في ظرف كهذا أن لايتم اي حوار او تفاهم بين هذه الاطراف ، لأن أي حوار في النهاية يعني تنازلات وتغيير أفكار وتبادل رؤى ، وليس فقط تبادل تحيات وتعارف أشخاص . لقد عشنا هذا الظرف حتى بعد اختفاء الحرب الباردة بسنوات ،على الاقل فيما يتعلق بالحوار بين الأكراد والعرب في سوريا ، وقد كان معدوما تماما لأن أحد الطرفين سيطر على الآخر وقام بعملية استيلاب مادي ثم اجراء عملية استقلاب جذري من خلال محاولاته التي ماتزال مستمرة لتجريده من كل مقوماته التي تميزه عن الآخرين بمنتهى الإحتراف والشدة حتى شعرالطرف الغالب بالنشوة الكبرى دون الإضطرار الى الاستمناء ، طبعا هذه الإجراءات العنصرية كانت تدغدغ مشاعرالمتقفين العرب السوريين بمختلف انتماءاتهم يمينية كانت اويسارية وكانوا ينالون حظهم من النشوة إلا أنهم كانوا يضطرون الى الاستعانة بأياديهم للوصول اليها، وكانوا يعتقدون أن البعث يسهل لهم مهمة المستقبل حين الوصول الى السلطة ، لذلك امتنعوا كالبعث تماما من التعامل مع الاكراد بصفتهم القومية ، وخلال هذه الفترة المديدة لم يشأ اي مثقف عربي سوري أن يعترف بالوجود الكردي في سوريا ، وكان البعض لايتردد من ابلاغ المخابرات من أن ( في واحد كردي عم يحاول يحكي معي عن الاكراد) وكان البعض الاخر يوصي ابناءه (إذا سأل الكردي عني قولوا له بأني لست هنا) ، وكان الاسلاميون يعتبرون ومازالوا يعتبرون الى الآن أن الحديث عن القومية الكردية غير وارد وأن الإسلام سيتفكك ويضعف اذا قامت دولة كردية ، اننا نحاول أن نوحد الدول الاسلامية لاأن نفرقها. أما اليساريون فكانوا يقولون ومازالوا في غالبيتهم يقولون ان حل مشكلتكم سيتم من خلال مقولة الحتمية الاشتراكية لدى وصولنا الى السلطة وهذا شيئ أكيد ، ومن سخرية الزمن ان كثيرا من الاكراد كانوا يصدقون ذلك من أعماقهم . ومع هذه الظروف القاسية التي مربها المثقف الكردي كان تواقا دائما الى الحوار ومازال حتى مع من يقتلع أظافره ، ويشاركني الرأي في هذا أغلب المثقفين الكرد من بينهم الكاتب السياسي المشهور جان كرد حين يقول:"منذ نشوء الحركة الوطنية الكردية على شكل تنظيمات سياسية في الخمسينات والكرد يرددون شعارات التآخي العربي ـ الكردي والوحدة الوطنية وسواهما من الشعارات التي لم تفارق أدبياتهم المنشورة ولا لقاءآتهم الكثيرة مع كل ممن التقوا ويلتقون به حتى يومنا هذا، وكثيرا ما رفعوا في مؤتمراتهم السرية والعلنية تلك اللافتات العريضة والملوّنة التي تؤكد على نزعتهم التفاوضية واستعدادهم للحوار حتى مع جلاديهم ومغتصبي ديارهم والساهرين على منع أي تطور سياسي إيجابي لصالح الكرد في سوريا"، ولكن أي حوار يستلزم وجود طرفين على الاقل ، وهذا الشرط غير متوفر، لأن الاطراف الاخرى كانت وماتزال تتهرب من أي حوار مع الاكراد ، لأنهم يعتقدون ان أي حوار مع الاكراد يعني الاعتراف بوجودهم، وبالتالي الأعتراف بحقوقهم ، وهذا يهدد الأمن القومي حسب نظرية ميشيل عفلق عند البعثيين، أما عند الشيوعيين فإن الإعتراف بالأكراد سيضعف نضال الاممية العالمية وسيؤخر من تحقيق الاشتراكية الحتمية التي هي على قاب قوسين أوأدنى، أما من وجهة نظر الاسلاميين فلا داعي للحوار أصلا ، والله هو الإله الاوحد ولايجوز ان يسمى "خودِه" بالكردي ،مع أن له تسعا وتسعين اسما بالعربي ، وإلى الان ماتزال أغلب الاطراف تحتفظ بهذه القاعدة ، وإن كنتم في شك مما أقول بأن المثقف الكردي كان يمد يده دائما الى أخيه العربي الذي كان يصطنع أنه لايراها، فاسألوا أهل الأمن السوري واسألوا جدار سجونهم ، ثم فاسألوا أهل الصحف والمجلات العربية التي كانت تلقي بأوراق المثقفين الكرد في سلة المهملات حتى دون قراءتها،ولاأخفي على أحد أنه آلمني جدا عندما قال احد كبار الصحفيين العرب قبل عدة سنوات في احدى القنوات الفضائية وإذا لم تخني الذاكرة هو الاستاذ جهاد الخازن أن كثيرا من الاكراد يرسلون لنا ويتوسلون منا ان ننشر كتاباتهم لكن صحيفتنا عربية ، فليكفوا عن ارسال كتاباتهم لنا. وإن مازلتم في شك من نوايانا ومحاولاتنا للحوار ، اسألوا أهل الذكر أئمة المساجد في مدن الحسكة والثورة ( الطبقة سابقا) والرقة وحلب ودمشق وغيرها، وحتى الآن وبالرغم من المساحات الهائلة اللانهائية التي وفرتها التكنولوجيا الرأسمالية والامبريالية الأمريكية للنشر، فإن المواقع العربية قلما تنشر مواد لمثقفين أكراد إلا فيما ندر والتي توافق امزجتهم أما التي تتعارض مع رؤاهم فلا ترى النور، بينما المواقع الكردية على شبكة الانترنيت تنشر كل مايصلها من المثقفين العرب بما فيها التي تتجنى على حقوق الكرد ، وهذا يؤكد مرة اخرى أن المثقفين الكرد مع الحوار في كل زمان ومكان، فأول مفتاح للحوار هو الاعتراف بالآخر وقبول التحاور معه دون شروط تعجيزية مسبقة ، وهذا المفتاح الكبير لفتح باب الحوار هو بيد المثقفين العرب،وأعتقد أنه بإشارة من اصبعهم الصغرى سيهرول المثقفون الكرد اليهم أينما كانوا ، وكما اشرت في البداية أن التربة الملائمة لزرع بذور الحوار لم توجد بعد للأسف ، لأن الثقافة الحوارية مفقودة عند المثقفين العرب ، وهنا لاأنكر طبعا وجود ثلة من المثقفين العرب السوريين اختزلت الحوارالكردي العربي المفقود واعترفت بكينونة المثقف الكردي، بل وذهبت أكثر من ذلك واقرت للشعب الكردي بحق تقرير مصيره، لكن للأسف لم يأتي هذا الاقرار نتيجة لوعي سياسي عربي سوري ،إلا فيما ندر كالكاتب محمد غانم، وإنما جاء كردة فعل لإصابة اليسارالسوري بإحباط شديد ومن ثم اصابته بمرض نقص الأعضاء ، إثر انقراض الاتحاد السوفيتي، بالإضافة الى هؤلاء نجد ان العديد من المفكرين والسياسيين العرب السوريين كالطيب تيزيني وعبدالرزاق عيد وبرهان غليون وميشل كيلو وقليلون غيرهم بدؤوا يدركون أنه ليس من مصلحة سورية تجاهل الاكراد ، إلا أن لدى كل واحد منهم رؤيته الخاصة تجاه الاكراد ، هذه الاتجاهات على قلتها وعلاتها مؤشر ايجابي وعلامات واضحة على القبول للحوار مع الاكراد، والبعض منهم في الحقيقة مارس الحوار مع الاكراد عمليا، وعلى المثقفين الكرد تفعيل الحوار بقوة مع هذه الاتجاهات وعليهم أن يدركوا أن العقل العربي السياسي السوري الذي استمد مكوناته من عقائد وايديولوجيات شمولية ، وظل خلال عقود عديدة يستقي معلوماته من اعلام احادي النظرة والتوجه ومعاد للديمقراطية،جل مضمونه التشهير بالاستعماروالامبريالية العالمية والتحريض على معاداة الصهيونية واليهود وإسرائيل، بحاجة الى وقت لمراجعة وأعادة تكوين ، وعلينا أن لانكلفه أكثر مما يحتمل،وأن لانتوقع منه أكثر مابإمكانه ان يعطي ، وأعتقد أن المثقفين السوريين عموما ومنذ انتهاء الحرب الباردة ، بدؤوا في عملية مراجعة وتصحيح وتغيير وتنويع في مكونات ثقافاتهم ، مما يضفي على ثقافتهم مزيدا من الوعي والادراك والتخلى عن اللامعقول والتوجه نحو المعقول ، وبدأ هذا التغيير يكتسب تسارعا ملحوظا مع بدء انتشار الشبكة المعلوماتية وهذا الانفتاح الرائع للعالم عل بعضه ، والذي يبدو مخيفا لأغلب المثقفين العرب نتيجة للعزلة الطويلة عن العالم الغربي أكثر مما هو خوف على فقدان الهوية العربية الاسلامية ، ومع أن العولمة وصلت الى الركب في العالم العربي وتجد قبولا شجاعا لدى عامة الشعب وشريحة من المثقفين العرب ، نجد أغلب المفكرين والمثقفين العرب مازالوا ينطقون بمفردات التراث القديمة والتي تبدو ذات قيمة ، إلا أنها فقدت فاعليتها ومضمونها وأصبحت كحبة الجوز الجوفاء فقط ذات قشرية قاسية ، وأرى انه على المثقفين العرب بدلا من أن يشغلوا أنفسهم بمعاداة العولمة أن يفكروا ويعملوا على كيفية التأقلم والتعامل معها ، لأن العولمة آتية بل أتت ولايمكن صدها ، وقد تطول عملية التغيير قليلا عند المثقفين السوريين لكن بالتأكيد ستجلب معها مزيدا من فهم الآخر والإعتراف به ، وسيحل الحوار المرجو محل الحوار المفقود ، وأعتقد أن العديد من المثقفين العرب في سوريا لم يعلم أصلاً بالوجود الكردي في سوريا ولم يتعرف اليه إلا عن طريق الفضائيات او الانترنيت،ولاأستبعد أن بعضهم لم يسمع بهذا الوجود الكردي إلابعد إنتفاضة القامشلي مارس 2004 ، ناهيك عن المثقفين العرب مفكرين وادباء وسياسيين الذين لم يسمعوا بعد بالوجود الكردي في سوريا الى الان ، وهذا الجهل فاجعة عربية أكثر منها كردية ، وان دل على عزلة الكرد فإنه يدل على قصور في الرؤية وضيق الافق الثقافي وتنكر للآخر والرغبة الجامحة في التضخم الشكلي النابعة من الخوف من التشظي عند العرب ،أما فيما يتعلق بحزب الاصلاح السوري ورؤيته للقضية الكردية في سوريا ، فيعتبر نقلة نوعية هامة للعقلية العربية السورية تجاه القضية الكردية في سوريا ، ولاشك أن ماجرى في العراق من تطورات وما لعبته الحركة الكردية من دور هام فيها كان له الاثر الاكبر في توجهات هذا الحزب ، ومع ذلك فإن هذا لاينفي مطلقا تمتع هؤلاء بعقلية منفتحة ليبرالية متحررة من الغرور والاستعلاء القومي وبعيدة عن التعصب الديني ، كما أن وجودهم في الغرب الديمقراطي الذي يحترم حقوق الانسان، وتعرفهم على أفكار مغايرة لأفكارهم ومعاينتها ميدانيا ومعرفة أنها أصلح لحياتهم ومستقبل أبنائهم من تلك العقائد والايديولوجيات التي أبعدتهم عن أوطانهم ، كان له الدور الاهم في صياغة برنامج حزبهم ، وأعتقد ان هذا الانفتاح على الاكراد والاقرار بحقوقهم من جانب هؤلاء ظاهرة جديدة تستدعي الدراسة والتوقف عندها، وإن كانوا الآن قلة ربما ، لكني أعتقد أن الأفكار العامة التي يطرحونها ولو انها لم تلق استجابة لدى معظم المثقفين السوريين إلا أنها قريبة ومنسجمة مع رأي الأغلبية من عامة الشعب السوري باستثناء الموقف من الاكراد للأسف ، وقد تسألين كيف أن هذه الافكار والطروحات بعيدة من المثقفين وقريبة من عامة الشعب ، الجواب هو بمنتهى البساطة وهو أن المثقفين بواد وعامة الشعب بواد ، وهذا البون الشاسع بين هذين الطرفين قد تشكل نتيجة لتعصب المثقفين لرؤاهم ونظرياتهم التي اعتنقوها ، بعكس العامة من الناس التي تهمها الاشياء العملية الملموسة ، ان هذا الاستسلام لهذه المبادئ النظرية من قبل المثقفين والتي وافقت هواهم، كونت لديهم قناعاتهم الراسخة بأن لاخلاص إلا بهدى عقائدهم أو نظرياتهم ، لذا لانستغرب أبدا أن يتمسكوا بها رغم فشلها واخفاقاتها، وأن يختلقوا شتى المبررات لذلك ، لغياب قدرتهم العقلية على التخلى عنها لأنها أصبحت جزءً من ذواتهم ، والتخلي عنها يعني توفر جرأة من يقطع عضوا تالفا من جسمه ، وهذه الجرأة للأسف من نصيب الندرة من الناس ، ومما يزيد من صعوبة التغيير لديهم ، هو أنهم تركو لهذه الأفكار كامل مساحات عقولهم ،حتى احتلت جميع خلايا أدمغتهم المستهلكة، ولم تترك في عقولهم نافذة مفتوحة للتعرف على الفكر الآخر، وهذا ماقد يساعد على تفسير تعلق الشخص المعتنق لعقيدة او مبدأ، وأعتقد أن الجيل الجديد المنفتح على العالم او الذي توفرت له امكانية التعرف والاطلاع على ثقافات اخرى من خلال ثورة المعلوماتية سوف يغير عربته الى عربة اخرى طال ذلك أم قصر. لافا خالد: 2- أهمية هذا الحوار إلى أي مدى يمكن أن يؤثر على الأعلام وبخاصة الأعلام الرسمي في الاهتمام بثقافات وتراث الشعب التي تشاركها العيش معاً؟ ج2 ـ قادركو: ● لاأحد يستطيع أن ينكر أهمية حوار كردي ـ عربي في حال وجوده ، وأنا أعتبر ان مايحدث هنا وهناك من تلاقي بين بعض المثقفين من الطرفين مازال مبكرا تسميته بالحوار، فالمثقفين العرب السوريين يجهلون تماما التاريخ الكردي وكي لاأكون مجحفا أستثني بعض المثقفين العرب الذي حاولوا مؤخرا الاطلاع على تاريخ الكرد، وكتابة بعض اللمحات عنه ، وأنا لاألوهم في ذلك ، لعدم توفر المصادر، لأن الدولة السورية ختمت بالشمع الاحمر جميع الكتب التي تتعلق بتاريخ الشعب الكردي في المراكز الثقافية ودور الكتب الوطنية ، ومنعت منعا باتا من دخول اي كتاب تاريخي للأكراد الاراضي السورية، إلا أنه في السنوات الاخيرة غضت الطرف قليلا وسمحت ببيع بعض الكتب في المكتبات الخاصة ، طبعا ، نتيجة هذا الحظر ، تكونت رؤية خاطئة عن الأكراد عند المثقفين العرب ، وكانوا ينظرون إليهم على أنهم قوم متخلفون لاتاريخ لهم ولاتراث ولالغة ولا أرض ، ولذلك كانت نظرتهم استعلائية ،رافضة للتقرب منهم ومراقبتهم او دراستهم عن كسب ، ولايوجد الى الان دراسة عنهم من اي باحث أكاديمي عربي سوري ، والدراسات الوحيدة كانت من قبل أشخاص أمنيين مثل الملازم الاول محمد طلب هلال ، والمسؤول الامني السابق منذر الموصللي، الاول كتب دراسة امنية عن الأكراد،قامت على افتراضات مزاجية تعصبية وعنصرية ، وهي بالاحرى ليست دراسة وإنما مجرد خواطر ضابط أمني يحلم بوطن نقي خالص للعنصر العربي فقط خال تماما من العناصر الغريبة، وممايدعو له هذا الضابط الصغير والذي أصبح مسولا كبيرا في عدة وزارت بقوة أفكاره العنصرية الشائنة ، وبوصفه الاكراد بالحيوانات "الكلاب المسعورة" وهذه المصطلحات عادية جدا على كل حال عندما تصدر عن مسؤول رسمي ، امني خاصة اوعسكري ، أن يتم تهجير الاكراد الى الداخل السوري على دفعات ليتم صهرهم، وأن تطبق عليهم سياسة تجهيل كعدم فتح مدارس ومعاهد في المناطق الكردية وماشابه، وسحب الجنسية منهم، وسد أبواب العمل أمامهم ، والقيام بتحريض العرب على الاكراد، وايقاع الاكراد بعضهم ببعض، وجلب عناصر عربية واسكانهم في المناطق الكردية،ويصف الاكراد بالمحتلين ويدعي أن هجرة الاكراد الى الجزيرة تشبه هجرة اليهود الى فلسطين، ومما يثير الدهشة أن الحكومات البعثية السورية المتعاقبة تناوبت على تحويل هذه الخواطرالعنصرية المريضة والافتراضية الى اجراءات وممارسات فعلية ، فتم فعلا البدء بترجمة خواطره على ارض الواقع، فتم تنفيذ مشروع الحزام العربي السيئ الصيت، وتم بموجبه اجراء عمليات تهجير للأكراد القاطنين على الشريط الحدودي وتم توطين عرب مكانهم في مستوطنات قامت ببنائها الدولة وتم تسليح المستوطينن العرب ، ولاشك أن هذا يذكر المرء بما قامت به المنظمات الصهيونية في فلسطين من تهجير العرب وتوطين اليهود مكانهم . أما المسؤول الامني منذر الموصللي فقام بتنفيذ هذه الأفكار الغارقة في العنصرية أثناء وجوده كمسؤل أمني في المنطقة الكردية المعروفة باسم الجزيرة (وقد سميت بالجزيرة لأنها كانت جزءً من جزيرة ابن عمر، حين كانت أمارة كردية مستقلة، وسميت هذه المنطقة بالجزيرة لدوران نهري دجلة والفرات حولها) ، وكوفئ هو الاخر بمناصب عديدة ، أخرها مقعد دائم في مجلس الشعب، وقد قام هو الاخر كسلفه بدراستين أمنيتين عن الكرد في سورية ، داعيا القيام بتعريبهم بشكل غيرمباشر بعد أن فشل التعريب الفاضح ، ويدعو الاكراد التخلي عن كرديتهم حتى يعتبرهم مواطنين سوريين، ان احجام المثقفين السوريين العرب عن القيام بدراسات أكاديمية بحثية حول الاكراد ترك الباب مفتوحا أمام أمثال الأمنيين هلال والموصللي ،ممايدل أن المثقف العربي غافل تماما عن قضية هامة من المفترض ان يقدمها على قضايا بعيدة لاتهم المواطن السوري بقدر ماتهمه القضية الكردية ، أفليس من المخجل ان يقوم المثقفون العرب بعشرات بل وبمئات الدراسات حول شعوب أفريقيا وامريكا اللاتينية وجنوب شرق اسيا ولايقومون بأية دراسة عن شعب يعيش بين ظهرانيهم؟، وهذا دليل آخر على مدى جهل هؤلاء المثقفين بتاريخ بلدهم وشعوبها. ففي ظروف كهذه استبعد قيام حوار حقيقي جاد بين الاكراد والعرب. والإعلام الرسمي مازال يمثل الاتجاه العنصري والمتجاهل للوجود الكردي في سوريا ، ولايتطرق الى هذا الوجود إلا مضطرا وبشكل مشوه كما حدث بعد أحداث الإنتفاضة، على العكس من الاعلام السوري الغير الرسمي الذي تطرق الى هذه الاحداث برؤية واقعية وبشفافية واضحة وإن كانت لاتخلو من الشطحات القومية من قبل بعض الكتاب السوريين الذين مازالوا يعيشون ثقافة الاستيلاب والإستيلاء على الاخر وصهره، مما يدل على اهمال الاعلام الرسمي وعدم واقعيته وصدقيته.
لافا خالد: 3 ـ العلاقات الكردية العربية حملت الكثير من المآسي أين يكمن دور المثقف في تجاوز هذه الأمور لفتح صفحة جديدة من الحوار؟ ج3 ـ قادركو: ● إن المآسي والويلات التي حلت بالأكراد في كل من كردستان سوريا وكردستان العراق ، يتحمل المثقفون العرب جزءً من أوزارها ، فالكثير منهم كان مؤيدا لأي اجراء يتخذ ضد الاكراد ، وكان أغلبهم يصفق بقوة أثناء تعليق النياشين على صدور اولئك الابطال الميامين الذين حققوا انتصاراتهم الباهرة ضد الاكراد العزل، الشعب الذي حرر بلدانهم من الاحتلال الصليبي يوما ما ، أما البعض الآخر فهو يشارك في المسؤولية عما تعرض له الكرد من قبل الحكومات العراقية والسورية وذلك لجهله اوبصمته او عدم اكتراثه بتلك الاعمال والاجراءات المشينة التي مورست ضد الشعب الكردي ، إلا انه للأسف الشديد ماتزال الاغلبية الساحقة من المثقفين العرب تناصر التيارالعربي الشوفيني العنصري الذي يهدد الوجود الكردي وينفي حقوقه القومية على أرضه، إن دور المثقف يكمن في البحث عن الأسباب الحقيقية التي أدت الى هذه المآسي ، اي معالجة جذرية نهائية للمسائل ، وليس فقط معالجة سطحية مؤقتة كما يفعل السياسيون في سبيل مكاسب آنية ، لأن المثقف على دراية او يفترض على الاقل أن يكون على دراية كاملة بكل حيثيات القضايا التي تهمه ، والتفكير والبحث عن حلول غير مشوبة بالعنصرية والميول المريضة والمصالح القومية القائمة على هضم حقوق الاخرين، وأعتقد ان الثقافة العربية مازالت غير قادرة على أن تتغلب على نقائصها وتتعرف على عيوبها وبالتالى فهي غير قادرة على انتاج مثقفين ومفكرين قادرين على الاعتراف بهفواتهم وأغلاطهم وإقرارهم بما ارتكب العرب ( الحكومات) من جرائم ابادة جسدية وفكرية وممارسات عنصرية مشينة ماتزال مستمرة الى الآن بحق الاكراد، وأرى أن العقل العربي مازال متأخرا جدا على قدرته على ادراك حقيقة هذه الممارسات ، لأن الكثرة ماتزال تصر بشدة وبدوافع مختلفة على أحقية العرب بالأرض الكردية التي يعيشون عليها، ويرون أن الاكراد ليس من حقهم أن يعيشوا كالعرب او الاتراك اومثل قبائل افريقية احرارا مستقلين، فهم مازالوا يصرون أنهم أوصياء على هذا الشعب ، وعلى الاكراد أن يرضوا بما يمنحهم العرب من بعض الحقوق،طبعا هذا لايمنع من أن يلتقي بعض المثقفين العرب الذين يتمتعون بببعد انساني في رؤاهم تجاه القضية الكردية ، مع المثقفين الكرد ،إلا أنه لم يظهر بعد مفكر عربي سوري قادر على التخلي عن المفاهيم القديمة التي ورثها وكونتها ظروف وأفكار لاتتناسب والرؤية الانسانية المعاصرة، فالعقل العربي مازال يرزخ تحت نظريات ورؤى قوموية مشبعة بالشوفينية تمنعه من استيعاب أن الشعب الكردي شعب كباقي الشعوب له الحق كغيره في تقرير مصيره وإنشاء دولته المستقلة ، ويحضرني في هذا الصدد الباحث والمفكر التركي اسماعيل بيشكجي الذي قام بدراسات اجتماعية واقتصادية وتاريخية وسياسية عن الأكراد بعقل نافذ ومتحرر من مثل هذه الافكارالمزمنة بمنتهى الحياد والجرأة، منطلقا من مبدأ الدفاع عن الحقيقة وإظهارها مهما كان الثمن، متجاوزا بعمق دراساته الكثير من المثقفن الكرد أنفسهم الذين لم يبحثوا في تاريخ شعبهم بمثل عمق ودقة وجرأة هذا المفكر التركي ، وقد ظهرامثال بيشكجي من بين المثقفين الفرنسيين والامريكيين والاسرائليين وغيرهم ووقفوا بوجه دولهم وناصروا الشعوب التي كانت اولازالت تضطهدها دولهم ، أما لماذا لايظهر كتاب ومفكرون سوريون عرب بجرأة هؤلاء؟ فقد بينت بعض الاسباب فيما سلف ، وأترك السؤال مفتوحا ليجاوب عليه الكتاب والمفكرون العرب.
لافا خالد: 4- الملاحظ أن الحوار العربي الكردي أكتسب نوعاً من الأهمية في الآونة الأخيرة وفي ظل الظروف المعقدة الراهنة كيف تبدي رأيك في ذلك , وكمثقف هل ترى أن الحوار بين المثقفين أجدى وأنفع من الحوار بين السياسيين ؟
ج4 ـ قادركو: ● لاأعتقد ان الحوار الكردي العربي قد اكتسب اية أهمية ، لأنه لم يبدأ بعد ، وما يحدث الان لايعدو أن يكون في أحسن الاحوال حوارا سياسيا آنيا ملغوما دافعه فرض الرؤية العربية على القضية الكردية من منطلق الوصاية على الاكراد مع بعض التخفيف في اللهجة فرضته ظروف سياسية معينة، لذلك لا أتوقع تقدما ، لأنه مرتهن بظرف سياسي ، وليس برغبة جدية في الحوار، وإلا لماذا امتنعوا هؤلاء قبل ذلك من هكذا مبادرات ، ومع هذا يجب التجاوب مع أية مبادرة من المثقفين العرب ، لأنه لابد لنا من هذه المرحلة التمهدية للإنتقال الى حوار حقيقي سياسي وثقافي ، إلا أن رغبة المثقفين الكرد واندفاعهم الى مثل هذه المبادرات يجب أن لاتوقعهم في بعض المطبات والتنبه الى عدم الانجرار لمفاهيم قد تكون مبطنة ملغومة قد تسبب ضررا بالغا للأكراد كمفهوم الاستقواء بالخارج الذي شربه بعض المثقفون الكرد بسهولة من كأس الدكتور هيثم مناع ، فهل كان الاكراد في سوريا فيما سلف يستقوون بالخارج مثلا؟، والمفاجئة الؤلمة على الاقل بالنسبة لي أن جميع الاحزاب الكردية انطلت عليها هذه الخدعة ووقعت في الفخ، وذلك عندما ذكرت هذا المفهوم في بيانها المشترك بعد تعليمات الحظر، بأن الاحزاب الكردية لاتستقوي بالخارج وكأنها هي الاخرى كانت لاتمتنمع أن تستقوي به أو كانت تستقوي بالخارج من قبل ، ثم أن الاحزاب الكردية بتصريحها هذا حرمت نفسها حتى الاستنجاد بالامم المتحدة لوقف المشروع العنصري لطلب هلال والجاري تطبيقه الى الان، وأستغرب فعلا ما الذي يدفع هذه الاحزاب بهذه السرعة لتلقف هذا المفهوم الملغوم الذي وضعه الاكراد بأنفسهم أمامهم ، هل هو ذكاء سياسي ام العكس؟ هب مثلا ان بعض المليشيات العربية التي سلحتها السلطة بعد الانتفاضة لسبب ما اشعلت قتالا ضد الاكراد، مثلما يحدث الان في اقليم دارفور غربي السودان من اعتداء على شعب دارفور من قبل المليشيات العربية التي سلحتها الحكومة السودانية، فماذا تفعل الاحزاب الكردية آنئذ، هل تستطيع هذه الاحزاب أن تدافع عن أكرادها؟ أم انها ترى أن هذه المليشيات العربية في سوريا أقل حقدا وتهورا من اخواتها في دارفور، ثم من يعطي الحق لهذه الاحزاب أن يمنع الشعب الكردي من أن يستنجد بأية قوة خارجية ويطلب مساعدتها في منع الحكومة السورية من ممارسات الابادة للملامح القومية الكردية،واضطهاد الأكراد بشكل مزري وخاصة المجردون منهم من الجنسية، ثم اذا كان من حق أي شعب في العالم ان يطلب المساعدة من الخارج ، فلماذا تتنازل الاحزاب الكردية وتتبرع بهذا الحق مجانا لصندوق البعث الذي مايزال يتابع تنفيذ مشروع طلب هلال؟ ام انها تنتظر من البعث شهادة حسن سلوك؟ للأسف أرى ان هذه الاحزاب ارتكبت خطأ فادحا بهذا التصريح ، حتى أنها منعت نفسها من الشكوى الى الامم المتحدة من ممارسات السلطة العنصرية تجاه الاكراد. وأعتقد أن هذا تراجعا كبيرا لهذه الاحزاب الى الوراء، لذا لااستبعد ظهور حزب جديد يسحب البساط من تحت أقدام هذه الاحزاب ، مثلما نجح حفنة شباب من حزب العمال الكردستاني الذين فروا الى سوريا في بدايات الثمانينات من القرن الماضي من عزل هذه الاحزاب عن شعبهم وكسبه الى جانبه ، اوربما انشقاقات جديدة ، أوأن يتجاوب حزب من هذه الاحزاب مع مطالب شعبهم لتختفي الأحزاب الاخرى ، فالهوة بين رؤى هذه الاحزاب والشعب تزداد يوما بعد يوم ، بعد أن عجزت عن تحقيق أي مكسب لهذا الشعب ، وبدا ذلك واضحا من خلال الانتفاضة التي عبرت عن مدى الاحتقان والقهر الذي يعانيه الاكراد في سوريا، وظهر أن الشعب هو الذي قاد هذه الاحزاب، ويجب أن تدرك أحزابنا أن الشعب سيتجاوز هذه الاحزاب ، أذا عجزت عن تحقيق مكاسب ملموسة له. فعدم وجود حارس خير من وجود حارس نائم.
لافا خالد: 5- هل غياب دور الأعلام الكردي عن الساحة الثقافية ساهم إلى حد ما في غياب دور الحوار بين المثقفين أم هي جملة عوامل أخرى؟
ج5 ـ قادركو: ● لااأدري عن أي إعلام كردي تتحدثين ، ان بعض النشرات المعدودة التي لايقرؤها سوى المساهمين في ظهورها أوربما قلة قليلة من أصدقائهم، ثم أين هي الساحة الثقافية في سوريا المنفتحة على الثقافة الكردية، وإذا استثنينا المواقع الكردية على الانترنيت ، استطيع أن أقول أن الاعلام الكردي معدوم تقريبا، وكل مايستهلكه الانتاج الثقافي الكردي في سوريا بما فيها مايصدر عن الاحزاب الكردية من مادة ورقية لايعادل استهلاك متجر صغير في نواحي أثينا من الورق لترويج بضاعته ، العامل الرئيس في غياب أي حوار بين المثقفين هو في هذه الممارسات العنصرية الجائرة بحق شعبنا الكردي والسياسة الاعلامية والثقافية الموجهة من قبل الدولة.
لافا خالد: 6- أين هو المثقف الكردي في التفاعل والحوار مع الطرف الأخر السياسي الكردي ولماذا هذه الهوّة والاختلافات بين المثقفين والتنظيمات السياسية الكردية وهل أثر على تنشيط الحوار الكردي العربي وهل أصبح المثقف الكردي مثل زميله المثقف العربي الورقة الرابحة بأيدي أصحاب القرار؟
ج6 ـ قادركو: ● يمكن الحديث مطولا عن هذه المعضلة الشائكة ، لكني أستطيع اختصارها بعقدة عدوى الدولة الاشتراكية التي اصيبت بها هذه الاحزاب والمثقفون أيضا، ففي الدولة الاشتراكية تقوم الدولة بالوصاية التامة على الشعب وذلك باسم الشعب، وتكلف نفسها بالقيام بكل شيئ ، ليتحول عامة الشعب بعد فترة الى مجموعة تنابل تتكل على الدولة في كل شيئ،وهكذا تجد الدولة نفسها عاجزة عن تحقيق أي تقدم ، لتسوق نفسها الى السقوط، والأحزاب الكردية تتشبه بهذه الدولة الاشتراكية، وتعتبر نفسها الوصي عليه، وبالتالي تتشكل قناعة خاطئة عند الشعب بأن هذه الاحزاب من واجبها وحدها القيام بكل شيئ، لكن هذا لاينفي جزءً من مسؤولية المثقفين، الذين ينؤون بأنفسهم عن أي نشاط سياسي محسوس بدوافع مختلفة، إلا أن المسؤول الاول والاخير هي هذه الاحزاب التي كلفت نفسها طوعا لخدمة الشعب ، وبالتالي هي التي يجب أن تبدع الديناميكية التي تحرك الجماهير، وهي التي عليها اتخاذ المبادرات وهي التي عليها أن تضحي دون ان تظهر هذه التضحية وكأنها منة أو معروف، وبذلك تكسب تأييد الشعب وتزداد قوتها وفاعليتها يوما بعد يوم ، وتقع الاحزاب في خطأ كبير، عندما تقصي دور المثقفين ولاتعير الاهمية المطلوبة لدور المثقفين،بحجة تهرب المثقف من العمل السياسي المباشر في الاحزاب، وهي تعلم أن المثقف لايستطيع أن يقيد نفسه بفكر معين أو بإيديولوجية ما او بسياسة ضيقة الافق ، فهو دائم التغيير والتطوير ، كالنحلة الطليقة التي تنتقل من زهرة الى اخرى لتعد عسلا متنوع الفوائذ ولذيذ الطعم،ثم أن مايقدمه المثقف سواء اكان رواية او قصيدة او لوحة فنية اوأي شكل آخر ثقافي لايقل أهمية عما يقوم به الحزب ، ففناننا الشهير شيفان مثلا كان دوره في ايقاظ الوعي القومي أكبر من أي حزب من الاحزاب الموجودة على الساحة الكردستانية ، وأتذكر هنا ماقاله احد القادة الانكليز بعد هزيمته في معركة ضد الفرنسيين "أعطوني نشيدا كالنشيد القومي الفرنسي ، اعطيكم نصرا" وقصة هذا النشيد أن ضابطا فرنسيا برتبة نقيب كتب يوما في لحظة الهام قصيدة وطنية وقام بتلحينها على الفور، ولاقت رواوجا وانتشارا سريعا حتى اصبحت النشيد الوطني الفرنسي ، وكان هذا العمل الفني هو الوحيد الذي أبدعه هذا الضابط في حياته، مااريد قوله ان المثقف لايستطيع ان ينسلخ عن شعبه ، خاصة إذا كان هذا الشعب مضطهدا ، وكلما كان احساس المثقفف بالواقع وآلامه كلما كان أكثر ابداعا وعطاء وتضحية، والعكس صحيح أيضا ، لذلك علينا أن لانستغرب ان ثمة مثقفين أكراد ألفوا عشرات الكتب والروايات وآلاف القصائد خدموا بها ثقافات اخرى ، لأن احساسهم بمرارة معاناة شعبهم كانت معدومة اوبسيطة لجملة عوامل لامجال لذكرها الان، إلا أن العامل الاهم في ضعف هذا التفاعل بين المثقفين والاحزاب هو عدم تمكن هذه الاحزاب من احراز أي تقدم اونشاط اوعمل ما يجذب المثقفين اليه، فالحزب ليس فقط اسم ورئيس وأمين عام وأعضاء وبيانات، الحزب الذي يتبنى الاهداف يجب أن يبدع آليات لتحقيقها، وعندما يجد المثقف أن الحزب صار له عجلات لايتردد في المساهمة في دفع عربة الحزب بكامل قوته ، ومن الغباء أن تنتظر الاحزاب من المثقفين دفع عربة دون عجلات، ومايزيد الطين بلة أحيانا أن بعض المثقفين الحزبيين يعتبرون تضحياتهم منة وفضلا على غيرهم ، يجب أن يكافؤوا عليها، مجموعة هذه العوامل بالإضافة الى طبيعة الظرف السياسي تلعب دوراكبيرا في هذا التفاعل، والابداع عادة يكون بحجم الحدث ، فالإنتفاضة العفوية التي بدأها مراهقون من جمهور فريق الجهاد ردا على الاستفزاز اللئيم من جمهور فريق الفتوة ، شكلت لدى المثقفين الكرد باعثا قويا لإبداعاتهم ، وقد كتب أحدهم في موقع عفرين نت للأسف لاأتذكراسمه "من لم يكتب اليوم، لن يكتب أبدا" فحدث الانتفاضة الجليل هذا فجر وسيفجر ابداعات عند المثقفين الكرد ، فالحزب الحقيقي هو ذلك الحزب الذي يقدر على صناعة الحدث ، والحدث هذا بدوره يؤدي الى خلق الابداع عند المثقفين ، ولاأعني بهذا أن ينتظر المثقفون حدثا ، حتى يبدعوا، بل بالعكس فالعلاقة تبادلية ، فإذا كانت مجموعة من المراهقين قادرة على تفجير انتفاضة، فإن مجموعة من المثقفين قادرة على تفجير انتفاضات ، اوهكذا من المفترض ، وسآتي على أسباب عدم قدرة المثقفين الكرد على هذا، في سياق الرد على سؤلك التالي. أما ماإذا كان المثقف الكردي أصبح مثل زميله المثقف العربي الورقة الرابحة بأيدي أصحاب القرار؟ فلا أريد أن أنفي، لكني لا اعمم، وهم في غالبيتهم للأسف اسرى الماركسية المشوه سياسيا ابتداءً من لينين وخليفته ستالين وإنتهاء ببريجنيف.
لافا خالد: 7- وهل توافق الرأي بأن كلا من المثقف الكردي والعربي يعيشان بالفعل أزمة فكرية وثقافية وسياسية وهل الأزمة ذاتية أم هي جملة شروط موضوعية و مفروضة من عدة جهات؟
ج7 ـ قادركو: ● اوافقك طبعا ، وأبصم لك بالعشرة إن أردت ، فالمثقف العربي تائه بين جبال من أكوام التراث التي تحيط به أينما التفت ، وقليلون جدا من تمكن من ارتقاء ذرى هذه الاكوام ورأى ثقافات أخرى ، فالأغلبية الساحقة منهم ماتزال تراهن بكل ما لديها على أن هذا التراث يشكل القاعدة والأساس لأي مشروع حضاري عربي آني ومستقبلي، غير مدركين أن هذا التراث أصبح عملة قديمة لاقيمة لها ، غير قابلة للتدوال الآن ، ومن الاجدى حرقة مع الاحتفاظ ببعض الصفحات ، مثلما تحفظ بعض نماذج العملات للذكرى والتاريخ فقط، لكن للأسف لم أعثر حتى الآن على مفكر عربي يقدر على انتقاد الوحي بشفافية وجرأة المفكرين الاوائل في الاسلام، إن هذا الخوف من تقليب أوراق الماضي ومراجعتها بعقلانية منطقية ، يجلب معه خوفا وترددا لكل قضية مستحدثة ، أنا لاأنكر وجود كم هائل من المثقفين العرب يرغبون في السير بإتجاه الحداثة ، لكنهم من ثقل مايحملون على ظهورهم من أثقال التراث لايقدرون على التقدم خطوة واحدة عملية في هذا الاتجاه ،مما يستدعي الاستعانة بقوة دفع خارجية يأباها أغلب هؤلاء، حتى المفكرون العرب المسيحيون لايختلفون كثيرا عن نظرائهم المفكرين العرب المسلمين ،ربما خوفا من إثارة حساسيات دينية أو اشكاليات أضافية قد تزيد الطين بلة في الطريق بإتجاه التغيير نحو الحداثة. وأعتقد أن الازمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها العرب هي في الجانب الاعظم منها انعكاس لهذه الازمات الفكرية التي يعاني منها العقل العربي ، وأعتقد أنه لن يحصل انفراج سياسي عربي وحل معضلات سياسية عديدة ومن ضمنها المسألة الكردية، إلا إذا تغلب العرب أولاً على أزماتهم الفكرية المزمنة. اما عن أزمة المثقفين الكرد فحدث ولاحرج، ولاأكون مبالغا حسب رأي على الاقل إذا قلت لك أن المثقف الكردي لفي ضلال مبين ، حتى أنه أصبح كنبات عباد الشمس ، فبعد أن أفلَتْ الشمس الكردية، صار يسير مع الشمس الاسلامية وحين كلّ عنقه وهو يسير مع شمس الاسلام التي أفلت او تكاد ، صار يسير مع شمس الشيوعية التي أبت عليه بدفئها ، ولما أفلت هي الاخرى بسرعة لم يكن يتوقعها هذا المثقف المسكين، صار تائها يلوي عنقه ويسير خلف أي ضوء يبدو له ، ولم يفكر يوما من أن يضئ بنفسه سراجا منيرا مع أنه يرقد على أكبر مخزون نفطي وثقافي في العالم ، وبدلا من أن يعمل بعقله ليبحث عن مخرج لأزماته أصبح كالقبطان التائه الذي تعطلت بوصلته منتظرا نجدة ربما تأتيه وربما لاتأتيه، إلا أنه من حسن الحظ أن الديمقراطية في إنتشار فعسى أن يقدر المثقف الكردي التلاؤم معها وتوظيفها لتغيير أفكاره ومعتقداته أو تطويرها على الاقل، هذه الافكار والمعتقدات التي ظل أسيرا لها لفترة طويلة كافية ، قطعت خلالها السلحفاة محيط الكرة الارضية عشرات المرات، والازمة ذاتية مائة بالمائة، وشيئ طبيعي أن يدفعك جانبا ويتجاوزك الآخر حين تتباطأ وتصبح حجر عثرة أمامه ، اما أن تتهم الآخر بتأخرك وتخلفك عن الركب ، فلا يعدو هذا الاتهام للآخر سوى عزاء غبيا للذات المهزومة ليس إلا.
لافا خالد: 8- الأحداث المأساوية في مدينة القامشلي كيف يمكن توظيفها لتقارب وجهات النظر بين مختلف الأطياف بأقلام مثقفة ومسئولة ؟ ج8 ـ قادركو: ● لااأدري لماذا تسمين الانتفاضة بالأحداث المأساوية وتحصرينها في مدينة القامشلي مع أنها امتدت حتى شملت سائر الارض الكردية في سوريا بل وصلت الى قلب العاصمة السورية، وقامت مظاهرات تأييد لها في ارجاء كردستان الاخرى ، ثم امتدت الى اوروبا لتشمل العديد من العواصم والمدن الاوروبية، وسيذكر التاريخ أن هذه الانتفاضة هي الاولى من نوعها في التاريخ الكردي الحديث من حيث امتدادها وشموليتها ، وهي بحق ثورة شعبية كانت تفتقر فقط الى قائد اوتنظيم ، وهي مؤشر واضح على مدى قدرة الشعب الكردي اليوم على ادراك المعادلات السياسية العالمية والاقليمية لما يتمتع به من وعي سياسي غاب للأسف عند الاغلبية من المثقفين التي تعتبر نفسها مسؤلة عن هذا الشعب . إن المثقفين الكرد سياسيين ومستقلين في سوريا يتحملون مسؤولية انهاء هذه الانتفاضة وعدم استمراريتها التي هي حق شرعي لكل شعب كما يردد هؤلاء المثقفون أنفسهم ، ثم أن أصواتهم قد بحت للتهليل للإنتفاضة الفلسطينية ومباركتها ، فلماذا يستكثرون هذا الحق على شعبهم ، حتى ان البعض منهم سماها بالمؤامرة والبعض الاخر بمجموعة مندسين والبعض الاخر بالمشاغبين وآخرين سموها بالأحداث المأساوية كحضرتك مثلا، فهل يلام العرب اذا سموها هذه الاسماء ، تصوري أن رئيس الجمهورية بشار الاسد كان أرحم وأعدل في نظرته الى هذه الانتفاضة من هؤلاء المثقفين، ولم يشأ ان يسمي المنتفضين بالمتآمرين أو المندسين ، وأسأل هنا مثقفينا هؤلاء لماذا هذا التجني على الشعب ؟ لماذا هذا التمادي في الخطأ والباس الانتفاضة ثوب المؤامرة او الاندساس اوالمشاغبة ؟ لماذا الخوف إذا كان الشعب قد أبدى استعداده للتضحية في سبيل تحطيم قيود الاذلال والعبودية ورفضه لهذا الانكار العنصري الذي يتجاوز ببشاعته أقسى أنواع التمييز العنصري في أي بقعة من العالم ، فالتمييز العنصري على الاقل يقر بهويتك وعنصرك ، أما الانكار العنصري المطبق على الشعب الكردي فلم يترك له حتى هذه الهوية ، أم أن الماركسية التي تبناها هؤلاء المثقفون مسخت عقولهم وما عادوا يتذكرون اويهتمون بهوية شعبهم؟ ثم إذا كنتم غير قادرين على مساعدة شعبكم في الخلاص من هذا الظلم والتعسف والاذلال والامحاء الذي يتعرض له ، فاتركوه على الاقل يتخلص منه بنفسه ولاتجعلوا أنفسكم أوصياء عليه ، وانتم بهذا لاترحموه ولاتتركوا رحمة الله تنزل عليه ، ثم اعلموا أن السلطة لن تهبكم شهادات تقدير وامتنان ، بعد ان نجحت في جعلكم عصا في عجلات الانتفاضة، لأنكم لن تقدرون على تغيير أشكالكم وسحناتكم ، بل انكم بذلك تجلبون مزيدا من الاستهزاء والاحتقار لأنفسكم ، وماهكذا يفعل المثقفون لتقريب وجهات النظر بين الاطياف السورية الرافضة بالتقرب من هذا الشعب بل رافض بالإجماع حق هذا الشعب في الحياة ، مثله مثل أي شعب في هذا العالم ، وكان الاجدر بهؤلاء المثقفين الوقوف صفا واحدا مع شعبهم وابتكار اساليب جديدة كي تستمر الانتفاضة بشكل او بآخر ، فالإنتفاضة ليست فقط أحجار ترمى وأعلام تحرق ، أما ان تشارك السلطة في اخمادها بحجة التهدئة فهذا منتهى الغباء والجبن ، وكان المفروض عكس ذلك ، وحسب معرفتي فإن المثقفين في الأماكن الاخرى من العالم القريبة والبعيدة كانوا يحثون شعوبهم على الثورة والتمرد على الظلم ، لا على القبول به ، ثم يسألون أنفسهم ،لماذا نحن مستعبدين؟ ثم أنتم من اكثر من يدرك ان الحقوق تنتزع انتزاعا ولاتوهب ، خاصة من حزب بعثي غارق في الشوفينية والانكار العنصري من أخمص قدميه الى قمة رأسه ، وغبي جدا من يعتقد أن هذا الظلم والانكار لهذا الشعب وحقوقه سيقدمها البعث بالإستجداء والتوسل او التسول أو بالتهدئة، والدليل على ذلك العقود الطويلة من التوسل والتمني التي مرت والتي كانت مزيدا من التسفيه لهذا الشعب وحقوقه وأنا هنا أتحدى أي مثقف كردى كان يتوقع هذه الانتفاضة، مع أنهم لاينقطعون عن التحليل واستشراف أحداث المستقبل ، وهذا يكشف وبصورة جلية أن المثقف الكردي بعيد بفكره وعقله عن مجتمعه الذي يدعي أنه جزء منه، وتبين بوضوح أن ثمة انفصال للمثقفين الكرد عن شعبهم ، وانسلاخا واضحا عنه ، وتباينا واسعا في الرؤى والتفكير، وقد تأكد ذلك بصورة أكثر وضوحا،في الدور المهزوز والمفتقر الى رؤيا سياسية ثاقبة للأوضاع العالمية الذي تبناه المثقفون قبل وبعد الانتفاضة وتبين أن حسابات الشعب الكردي بعامه كانت أكثر دقة وواقعية من أوصيائهم المثقفين. أما كيف يمكن توظيف الانتفاضة لتقريب وجهات النظر بين مختلف الاطياف على المستويين الكردي والسوري، فالأمر ليس معقدا حسب فلسفة البعض، فهذا هو الشعب قد قال كلمته بمنتهى الفصاحة ، اسمعت حتى الحجر الاصم ، ولكن يبدو انه يوجد من الآذان الكردية من هي أصم من الحجر، وسيهملها الشعب هي وأصحابها ولن يدخلوا التاريخ كما تذهب بهم تصوراتهم ، وقد دخل التاريخ وسيدخل التاريخ فقط من يحس بإحساس الشعب وينطق بما ينطق به الشعب، اما على المستوى السوري فأقول لسائر المثقفين والسياسيين السوريين أن الشعب الكردي في سوريا فرض عليه ان يكون جزء من الشعب السوري وهو في الحقيقة جزء من الشعب الكردي ، وأن الارض الكردية في سوريا هي جزء من كردستان ،الحقت بسوريا ، هذه حقيقة لايمكن دحضها أو انكارها، ولكن هذا لايعني أننا نرفض العيش مع سائر الشعب السوري بمختلف فئاته ، ولايعني أننا نقبل أيضا ، المسألة كلها يقررها شكل العلاقة وموقف الشعب السوري بمجمله والدولة التي تمثله ازاء الاكراد، فإن أقرت الدولة والشعب بحقوقنا وحدثت مساواة حقيقية واخوة مرادفة لها وتطور البلد السوري وأصبحنا كلنا نأكل على مائدة واحدة، فلا أعتقد أن أحدا من الاكراد سيفكر بالإستقلال عن سورية ، أي بمعنى آخر إذا أكتسب الانسان الكردي في سوريا شعورا تاما بأنه فرد من المجتمع السوري له ماله وعليه ماعليه أعتقد انه ربما سينسى كلمة كردستان ، لكن أما إذا ظل مهانا ومحتقرا ومجردا من جنسيته وحقوقه القومية المغتصبة والمهانة فسيظل الى يوم الدين يحلم بوطن اسمه كردستان ، فإن تقربت الدولة والشعب السوري من الاكراد شبرا تقرب الاكراد منهما ذراعا، أما إن تنكرت الدولة لهم ولحقوقهم واستمرت في اضطهادهم وصهرهم في بوتقة العروبة الموهومة ورفضوا التحاور معهم وتجاهلوا التقارب اليهم، فسينتفض الاكراد مرة اخرى واخرى واخرى الى أن ينالوا حقوقهم وحريتهم المسلوبة وليس ذلك ببعيد ، وليس ذنبي اذا كان العرب دائما يتأخرون في ايجاد الحلول لمعضلاتهم ، انظري مثلا الى سويسرا هناك أربعة أقليات تشكل شعبا مندمجا متفاهما حرا ، يحيا حياة مشتركة منذ أكثر من أبعمائة عام ، فلو لم تشعر أقلية ما بالمواطنة الكاملة والحرية الغيرمنقوصة والعيش الكريم لما استمرت في العيش في الوطن السويسري ، ولطلبت مثلا الاقلية الالمانية بالإنضمام الى المانيا ، والاقلية الفرنسية الى فرنسا ، والايطالية الى ايطاليا ، والرومانية هنا وهناك ، ولاختفت سويسرا من التاريخ والجغرافية، سألت مرة المانيا سويسريا (الالمان اهم وأكبر أقلية في سويسرا) الايزعجك وجود اربع لغات رسمية في البرلمان والمدارس والدوائر ووو…. حتى على العملة الورقية؟ أجابني بسؤال: ولم يجب أن يزعجني ذلك؟ وعندما تحدثت معه عن وضع الاكراد ، قال بالنسبة لنا نحن نفكر بعقولنا أما عندكم فلا أعرف بماذا تفكرون. أما إتهام الاكراد بالعنصرية من قبل السلطة وغالبية المعارضة لآنهم يطالبون بحقهم في تقرير مصيرهم، فهذا بحد ذاته عنصرية فاضحة ومكشوفة، فنحن حين نطالب بحقوقنا لانهدر حق أحد، ولانتعدى على كرامة وآدمية أحد، وإنما نطالب بممارسة حقوقنا الطبيعية المهضومة، أما إذا كانت حجتهم أننا ننادي بتسميات مثل "كردستان سوريا" او "غرب كردستان" أو "الجزء الملحق من كردستان بسورية" أقول لكم أنتم أيضا تسمون اسبانيا الى الان بـ "بلاد الاندلس" فهل يعني ذلك انكم عنصريون، ثم أنها تبقى في النهاية مجرد تسميات قد تعوض لنا على الاقل معنويا جزء من حقوقنا المسلوبة، وخذ مثلا العلاقة بين ايطاليا والنمسا، فالنمساويون مازالوا الى الان يسمون الجزء المقتتطع من مقاطعة التيرول النمساوية والتي اهداها هتلر الى صديقه موسوليني بـ " جنوب التيرول" ومع ذلك لايدعي الايطاليون بأن النمساويين عنصريون ، بل ويتمتع النمساويون في هذا الاقليم بكامل حقوقهم، فهذه الإتهامات الظالمة بحق الاكراد ليست إلا تعبيرا عن ثقافة غزوية موروثة لاتزال مسيطرة وبقوة للأسف على العقل العربي، ولاتليق إطلاقا بعصرنا الحضاري الراهن، وهي ليست سوى حجة واهية لتغطية سياسة عنصرية تمارس بحق الاكراد في سوريا، ثم هل يعقل ان تغتصب حقوق اكثر من مليوني كردي فقط لأنهم يسمون أرضهم بتسميات لاتناسب المزاج العربي؟ ثم أن الأكراد ينادون العرب للحوار دائما، فلماذا الرفض ، تعالوا ونناقش كل شيئ بما فيها هذه التسميات، وإلا لن يتوان الاكراد في الاستنجاد بالشيطان إن قبل، والشعب لن يلقي بالا للأحزاب الكردية التي قررت عدم الاستقواء بالخارج ، فإرادة الشعب وحاسته أقوى من بيان أي حزب ، أومجموعة أحزاب ، ومارفع الاعلام الامريكية والاوروبية من قبل الاكراد إلا علامة واضحة وصريحة لرغبته من خلاصه من هذا الظلم الفادح ، والذي يحترق لايتردد في أن يرمي بنفسه في البحر، حتى وإن كان لايجيد السباحة، فلماذا تتمادى السلطة في عنادها وممارساتها العنصرية، هل استفاد صدام شيئا من اضطهاده وظلمه للأكراد؟ لماذا ترفض السلطة اذن الى الان الاعتراف بالاكراد وبحقوقهم، لماذا ترفض اللقاء بهم والتحاور معهم ، حتى فرعون بكل جبروته وسطوته لم يرفض التحاور مع الاخوين هارون وموسى، ثم أن الحوار آت عاجلا أوآجلا، ولنبدأ اليوم خير من أن نبدأ غدا ، فلم التسبب في مزيد من الظلم والقهر والمآسي؟
#حسين_قادركو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب
...
-
لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح
...
-
الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن
...
-
المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام
...
-
كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
-
إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك
...
-
العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا
...
-
-أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص
...
-
درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|