مصطفى لغتيري
الحوار المتمدن-العدد: 2943 - 2010 / 3 / 13 - 01:00
المحور:
الادب والفن
يواصل الشاعر نزار كربوط مغامرته الإبداعية بإصدار ديوان جديد اختار أن يسمه ب " أحمري يبتلعه السواد " الذي جادت به دار فضاءات للنشر و التوزيع بالأردن ، و المطلع على قصائد هذا الديوان سيلاحظ - حتما- أ ن الشاعر ظل وفيا لطريقته في صوغ الشعر ، التي تتماهى مع الكتابة الشذرية و قصائد الهايكو ، محاولا بذلك التقاط التفاصيل الصغيرة ، بل المتناهية في الصغر ليرص بعضها إلى جانب البعض الآخر ، حتى يخلق منها مقاطع شعرية ، تخلق الدهشة باستعاراتها الجميلة غير المألوفة، يقول الشاعر: تعبت منك يا دمي
انكسر بعيدا عن عروقي
التي حفرت فيها عبارات
تذبحني تحت أضواء المدينة
و ارحل
قبل عودة الليل.
على هذا المنوال يقتنص الشعر تلك المشاهد البسيطة و اللقطات الحميمة ليسجنها بين دفتي ديوانه، حتى تظل حية إلى الأبد، يقول الشاعرفي قصيدة انهيار:
تجمعين تفاصيل وجهي
في جيب المعطف
و تسافرين مع الصمت
نكاية في القصيدة
و تحضر كما سبق الذكر روح الهايكو في القصائد، شكلا من خلال تشكلها من ثلاثة أسطر، أو من خلال مضمونها و معجمها المحتفي بالطبيعة، يقول الشاعر في قصيدة معجم ماطر:
سمائي تبحث
عن فعل فرح
في معجم ماطر
و كذلك الشأن في قصيدة خصر التي يقول فيها:
كلما زرعت حرفا
ينبت قوس قزح
قرب خصر الجميلة
و القصيدة عند نزار كربوط تعمد دوما إلى تكسير أفق انتظار المتلقي ، من خلال توظيفها للمفارقات الصارخة ، التي غالبا ما يفاجئنا بها الشاعر في نهاية القصيدة ، و نمثل لذلك بقصيدة قهوة ، التي يقول فيها :
أنا أشرب القهوة
أنت
تستحمين في الفنجان
و نفس الدهشة تخلقها قصيدة خلسة ،التي جاء فيها:
رافقت الربيع
إلى المقهى
فتبعني الشتاء خلسة
و هكذا تضرب قصائد الديوان في أراض بكر، تتغيى خلق صوتها المتفرد ،المحتفي بالتفاصيل الصغيرة و الأحاسيس، التي تخترق المرء فجأة ، ثم سرعان ما تندثر ، لكن الشاعر يأبى إلا التقاطها و تخليدها في ديوانه الجميل ، الذي ينأى بنفسه عن القضايا الكبرى السيارة ، التي تم استهلاكها بكثرة اجترارها ، ففقدت- نتيجة لذلك- بريقها و شاعريتها، ليهتم باللحظات العابرة و الأشياء المهملة ، التي لا نكاد ننتبه إليها ، من كثرة معايشتها لنا ، فيأتي الشاعر لينبهنا إلى جماليتها الملفتة ،و قوة الشعر الكامنة في أعماقها ، بعد أن يقدمها إلينا بصوغه الشعري الجميل
#مصطفى_لغتيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟