محمد كشكار
الحوار المتمدن-العدد: 2940 - 2010 / 3 / 10 - 23:24
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
استوحيت هذا المقال من الجدار الفولاذي الذي بناه النظام الحاكم في مصر, لذلك قد ترونه متطرفا و ماذا ننتظر من مواطن مسحوق لمدة عشرة قرون خمسة منهم تحت أسوأ استعمار, ألا و هو الاستعمار التركي و أفظع استعمار, ألا و هو الاستعمار الفرنسي. ربما أكون, في هذا المقال بالذات, منحازا لنظرية المؤامرة و هي في الواقع مؤامرة بأتم معنى الكلمة ضد شعوبنا و هويتنا و ديننا و ثقافتنا و تقاليدنا و وطنيتنا و إنسانيتنا و اقتصادنا و صناعتنا و فلاحتنا و فننا و آثارنا و تراثنا و حياتنا بالكامل.
أنا أرفض نعت سياسة الأنظمة الغربية, أمريكية و أوروبية و يابانية, بالإمبريالية, بل علينا أن نسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية و نتخلى عن مفهوم الإمبريالية و نعوضه بالمفهوم الصحيح و هو الإرهاب الغربي الرسمي.
عندما نناقش السياسة الغربية في منتدياتنا, نصفها بالإمبريالية, هذا المفهوم الفضفاض الذي تفنن في شرحه و فضح أهدافه ماركس و لينين و أضفوا عليه نوع من الفلسفة و التبريرات الاقتصادية أما الليبراليون فسموه رأسمالية و ألفوا في ذكر مناقبه كتبا حتى قالوا أنه نهاية التاريخ و البشرية عاجزة على الإتيان بما أحسن منه.
حسب وجهة نظري البسيطة و المتواضعة و غير المختصة, أرى من واجبي كمواطن من العالم المسحوق و المظلوم أن أعرّي هذا المفهوم المدعو "الإمبريالية" و أنزع عنه كل ما يغطي حقيقته كمشروع إرهابي للسيطرة على ثروات العالم بالقوة. ولد الإرهاب الغربي الرسمي منذ خمسة قرون مع النهضة الأوروبية أي في القرن الخامس عشر ميلادي و ترعرع في بيئة الحروب الدينية منذ إخراج المسلمين من اسبانيا و غرق في الصراعات المسيحية-مسيحية بين الكاثوليك و البروتستانت وعندما وصل إلى عنفوانه, هزم بالضربة القاضية حقوق الإنسان التي انبثقت عن الثورة البرجوازية الفرنسية و التفت إلى الشعوب الضعيفة الإسلامية و العربية و الآسيوية و الإفريقية فأرهب سكانها و نهب ثرواتها و لوّث بيئتها و سرق آثارها و همّش رموزها الثقافية و ساهم في انقراض بذورها الزراعية المحلية و هجّر علمائها و استغل اليد العاملة المحلية و اتخذ من ملايين شبابها وقودا لحربه ضد فيتنام و ضد هتلر.
سأذكر على سبيل الذكر لا الحصر بعض الأدلة على إرهاب الدولة للأنظمة الغربية:
1. الإرهاب الغربي الرسمي أرهب سكان العالم الثالث:
- قتل الهاجرون الأوروبيون عشرة ملايين هندي أحمر من السكان الأصليين في أمريكا الشمالية.
- قتل المحتلون الأسبان ملايين من السكان الأصليين في أمريكا الجنوبية.
- قتل المستعمرون الفرنسيون 45 ألف مدني جزائري في "سطيف" في يوم واحد.
- قتل الجيش الأمريكي 115 ألف مدني ياباني في "هيروشيما" و "ناكازاكي" بالقنبلة النووية.
- قتل هتلر ملايين من المسيحيين و المسلمين و اليهود و غيرهم.
2. الإرهاب الغربي الرسمي نهب ثروات سكان العالم الثالث:
- شيّد العالم الغربي نهضته الصناعية عندما سرق البترول العربي و الإفريقي في أوائل القرن العشرين.
- استنفذ مناجم المستعمرات من ذهب و حديد و رصاص و فسفاط و غيرها.
3. الإرهاب الغربي الرسمي لوث بيئة العالم الثالث:
- أقامت فرنسا الاستعمارية تجاربها النووية في صحراء الجزائر و ما زالت تواصل هذه التجارب في مستعمراتها مثل غينيا الجديدة.
- لوّث المستوطنون الأوروبيون التربة الفلاحية للمستعمرات بالأسمدة الكيميائية في الزراعات الكبرى.
4. الإرهاب الغربي الرسمي سرق آثار العالم الثالث:
- سرق المستعمرون الأوروبيون من فرنسيين و أنقليز و ألمان ملايين القطع الأثرية من مصر و تونس و أمريكا الجنوبية و ما زالوا يعرضونها دون حياء في متاحفهم.
5. الإرهاب الغربي الرسمي همش الرموز الثقافية لسكان العالم الثالث:
- استبدل اللغة الأصلية بلغة المستعمر و ترك بعد رحيله ثنائية قاتلة للإبداع في مجال الثقافة و العلم.
- شوه تقاليدنا في اللباس و البناء و النظام الغذائي و الأثاث و فرض علينا تقاليده الخاصة و ربطنا برباط متين إلى اقتصاده و لم يترك لنا منفذا لبناء اقتصاد حر و مستقل.
6. الإرهاب الغربي الرسمي ساهم في انقراض البذور الزراعية المحلية في العالم الثالث:
كنا نحصد و نحتفظ ببعض المحصول الجيد من بذور القمح و الدلاع و الجزر لنزرعها العام الموالي أما اليوم ففلاحونا مجبرون عل شراء البذور من الغرب كل سنة و بأثمان باهظة. أصبحنا نستورد نباتنا من الغرب, نبات لا يلائم بيئتنا و يكلفنا الكثير من الأدوية و الأسمدة. من الطرائف أن استراليا أخذت بذور "الفصّة القابسية" [نبات أخضر يستعمل علفا للحيوانات] و طورتها وراثيا و أصبحت تبيعها لنا بنفس الاسم "الفصّة القابسية" لكن صنع استراليا.
7. الإرهاب الغربي الرسمي هجّر علماء العالم الثالث:
أغرى الغرب علمائنا بالمال و الجاه و النجاح فهاجروا بالآلاف و استقروا و أنتجوا في الغرب و للغرب مثل أحمد زويل و فاروق الباز من أصل مصري و محمد الأوسط العياري التونسي و آلاف الأطباء العرب في أوروبا و أمريكا. نحن نكوّن و هم يجنون ثمرة تعليمنا.
8. الإرهاب الغربي الرسمي استغل اليد العاملة المحلية في العالم الثالث:
جاء الغرب أساسا طامعا في ثرواتنا البشرية و المنجمية. فماذا تنتظر يا ترى من طمّاع متعلم؟ شغّل الآلاف من عمالنا بأجور بخسة في شركاته ببلادنا و في بلاده و ما زال إلى الآن يستغلهم و ينكر حقوقهم و يصفهم بأحط الأوصاف العنصرية.
9. الإرهاب الغربي الرسمي اتخذ من ملايين شباب العالم الثالث وقودا لحربه ضد فيتنام و ضد هتلر:
لا يكفي أنه استعمرنا بل جند شبابنا في جيوشه لمحاربتنا و للزج بهم في أول الصفوف في حروب لا تهمهم لا من بعيد و لا من قريب. استعانت فرنسا بآلاف الجنود التونسيين و الجزائريين و المغاربة و الأفارقة حتى تحرر نفسها من النازية و اليوم لا يذكرون سوى فضل أسيادهم الأمريكان و يعطون جرايات هزيلة لهؤلاء المرتزقة من العرب و الأفارقة.
10. الإرهاب الغربي الرسمي زوّر عملة العالم الثالث:
يتعامل جل العالم تجاريا بالدولار و هي عملة الولايات الأمريكية المتحدة (على البغي و الطغيان). تطبع الخزينة الأمريكية كل عام ملايين الأوراق النقدية دون رصيد من الذهب يضمنها في البنوك. تشتري منا بضاعة حقيقية و تعطينا مقابلها عملة مزيفة لكن قانونية بحكم ختم البنك المركزي الأمريكي عليها. هذا البنك "المحترم" هو المزوّر العالمي الرسمي المتحكم في صندوق "النهب" الدولي الذي يتولى تخطيط سياسات الأنظمة التابعة لأمريكا. المواطن الأمريكي الواحد يشتري ثلاث سيارات بأموالنا و يملك منزلين بمدخراتنا و يجول العالم ببطاقة بنكية ندفعها نحن ديونا. و لأن الدولار مزوّر و ليست لم قيمة مادية حقيقية و لأن الثروات بالدولار خارج الغرب كلها وهمية لذلك تنهار سوق "دبي" في الإمارات العربية المتحدة (على التبعية للغرب) في لحظة من الزمن.
بعد هذه المقدمة المختصرة غير الشاملة, أسأل من هو الإرهابي؟ نحن أم هم؟ الجواب واضح, طبعا هم. إرهابهم ممنهج, تقف وراءه دول و جيوش و حكومات و برلمانات "ديمقراطية" و منظرون و علماء و أحزاب مسيحية و يهودية و ليبرالية و اشتراكية و شيوعية. إرهابنا ناتج عن ردود أفعال فردية و محدودة في الزمان و المكان. إرهابهم يحمي شعوبهم و يذبح شعوبنا. إرهابنا يقتل الآلاف منا عرب و مسلمين في العراق و باكستان و اندونيسيا و الشيشان و أفغانستان لذلك تتمثل مأساتنا نحن العرب و المسلمين أننا مستهدفون من إرهابهم و من إرهابنا أيضا. إرهابهم محترف و إرهابنا هاوي. إرهابييهم يوسّمون لا بل يمنحون جوائز نوبل مثل "بييريز" و "رابين" و "أوباما". إرهابيينا يشنقون و يعذبون في سجن "قوانتنامو" و في السجون العربية. إرهابهم ما زال يحصد الملايين على مدى خمسة قرون و يحتل الدول مثل فلسطين و العراق و أفغانستان و الصومال و يدجن الأنظمة لخدمة مصالحه مثل النظام الأردني و المصري و السعودي و اليمني و الخليجي و الباكستاني. حادثة عمر فاروق عبد المطلب المشكوك فيها انتشرت و نوقشت في كل القنوات خاصة العربية منها مثل الجزيرة و العربية أما قتلانا, فلا تذكرهم الفضائيات الغربية إلا كحادث مؤسف, مدنيين أبرياء يصلبون بدم بارد في العراق و فلسطين على أيدي 20 ألف من المرتزقة من شركة "بلاك ووتر" الأمريكية, تتمثل مهنة هؤلاء المرتزقة في القتل مع سابق الإصرار و الترصد. حتى مفكرينا و محللينا السياسيين و مثقفينا يسمون إرهابهم حقوق إنسان و يضفون عليه مسحة ثقافية فكرية اقتصادية تجمله.
خلاصة القول, أنا أدين و بوضوح و شدة إرهابهم و إرهابنا لكن أرى أن إرهابنا هو وليد إرهابهم و أرى أن الحل يكمن في تغيير سياساتهم لا في تغيير ديننا و ثقافتنا و تقاليدنا مع الإشارة أنني أؤمن بغربلة تراثنا بأيدينا لا بأيد الحكام الغربيين.
#محمد_كشكار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟