|
ممانعة أكل عليها الدهر وشرب
سعيد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 2940 - 2010 / 3 / 10 - 07:19
المحور:
القضية الفلسطينية
((مابين السطور))
لم تعد الكلمات الجوفاء والشعارات الصماء تنطلي على امتنا العربية والإسلامية عامة، وشعبنا الفلسطيني الذي حباه الله بالرباط في الخندق الأمامي خاصة، لقد بات فرز الهزل عن الجد، والغث عن السمين، والزيوان عن القمح، لايتطلب أكثر من مطابقة القول بالعمل ، وقياس الأمور على محكاتها العملية في المعتركين السياسي والعسكري، لا على المنابر الفضائية بالخطب العصماء، والتي ماعاد يرق لها قلب المواطن العربي الدامي، والذي شبع شعارات وخطابات من أمراء ربطات العنق ليفصلوا الأشياء على مقاس هزلياتهم، ويخلطوا الحق بالباطل لينتجوا بألسنتهم المحترفة أوطان محترقة، وطلاسم منحرفة ليقدموها كوجبات مسمومة للمتلقي العربي الذي أصبح يتقزز من هول التناقض بين الشعار والممارسة،لدرجة ان السحرة السياسيون بلعبة الثلاث ورقات المتهرئة لايكلون ولا يملون من ترديد اسطوانة الممانعة التي أكل عليها الدهر وشرب، فكفى استخفاف بعقول شعوب غرقت في محيط من الإحباط لما يتردد على مسامعها من ابتذال سياسي يحمل في طياته كل معاني العبث والاحتيال.
الممانعة ليست مجرد اعتراض والسلام، لان الاعتراض بمفرده ليس بكافي لمواجهة الخصم أو العدو، فالاعتراض على المفاوضات المباشرة بنفس الخطاب للاعتراض على المفاوضات غير المباشرة لا اعتراض عليه، إنما يفترض ان يعني ان المطلوب لا مفاوضات هذا في حال وطيس المعركة وأزيز الرصاص وهدير الدبابات وزحف والتحام الجيوش بمعنى المواجهة، أما لا مواجهة ولا مفاوضات يعني ببساطة القبول بالمعادلة المقيتة وعنوانها تواصل العدوان وتواصل الاحتلال وتواصل الغطرسة كما في حال الصراع العربي الإسرائيلي عامة والصراع الفلسطيني الإسرائيلي خاصة، فممانعة بالمسمى دون ان يرافقها مقاومة حقيقية فهذا يعني استخفاف بكل القيم الوطنية، والتسليم بواقع الهمجية الصهيونية.
فعندما نعلم ان المفاوضات المباشرة مرفوضة بسبب غطرسة العدو ، وكي لا تكون غطاء لواقع العدوان، والغير مباشرة مرفوضة بسبب استمرار الصهاينة بأيدلوجية الاغتيال والحصار والتهويد والاستيطان والاعتداء على المقدسات ، فهذا شيء مقبول في حال مواجهة كل صور العدوان بمقاومة حقيقية وليس مقاومة بالخطب العصماء وبفزلكات أمراء الفضائيات ليطلوا علينا بربطات العنق الباريسية فرحين بمكياج وإضاءة الاستوديوهات المسرحية ليتلوا علينا ما تيسر من الشعارات الشعرية الشاعرية كمن يغني في بيت عزاء، ممانعة ورفض مفاوضات يعني سقوط كل المسميات والشعارات المتعلقة بالسلطة وما تبعها من شرعيات هي في الأول والآخر نتاج معترك مفاوضات، مقاومة ورفض مفاوضات يعني مقاومة بالزند والزناد بما ينسجم ومصداقية مايلوكه اللسان الطليق عندما يحلق بالمتلقي في سماء زوال الكيان الإسرائيلي ، والذي أصبح الشعار الغالب على طبول الشعارات الجوفاء التي تفتقر إلى مصداقية الفعل في حدود سنزيل الكيان الإسرائيلي فيما لو أقدم على أي عدوان!! وكأن الكيان الإسرائيلي كيان مسالم لا يحتل الأراضي العربية ولا يخترق الحدود البرية والجوية والبحرية ليل نهار، ولا يضرب في أعماق العواصم العربية، ليشدوا على مسامعنا عرابي الإزالة والشطب للكيان عن الخارطة، وربما أصبح المواطن العربي بخبرته الحقيقية يعي ان ذلك الشطب من قوى الممانعة ومنابعها الإقليمية تعني شطب اسم "إسرائيل" عن الخارطة الورقية واستبدالها باسم فلسطين لتصب هكذا فلسطين محررة وكفى الله المؤمنون شر القتال!!!
أما ان نتغنى بالمقاومة المشروطة بتفعيلها في حال وقوع عدوان جديد، ونؤجلها مع استمرار العدوان تحت أي مبررات كأعذار زائفة، إنما تعني الحفاظ على السلطة والكرسي الذي ولدت من رحم المفاوضات المباشرة وغير المباشرة،أما ان تتوقف المفاوضات المباشرة والغير مباشرة ومثلها تتوقف المقاومة، فماذا إذن؟ ماذا نريد؟ وماذا لانريد؟ فالمفاوضات معترك سياسي ، والمقاومة معترك عسكري، والبديل الموضوعي لطغيان إحداها على الآخر وطمسه، هو مفاوضات ومقاومة، واكرر مقولتي الذي أطلقتها منذ سنوات طويلة ومازلت وسابقى أكررها"سياسة دون مقاومة تعني صفر، ومقاومة دون سياسة تعني صفر وأدنى"، فلا جدوى من مقاومة دون سياسة تستثمرها، ولا جدوى من سياسة دون مقاومة تعززها.
فكيف لدول تمارس المفاوضات الغير مباشرة مع الكيان الإسرائيلي، ثم يصدر عن قيادتها بتصريحات رسمية الاعتراض على المفاوضات الغير مباشرة من الطرف الفلسطيني مع الكيان الإسرائيلي ويطلق عليها دول ممانعة، وكيف لدول تربطها علاقات حميمية مع الكيان الإسرائيلي دون ان يمارس مواطن فيها شرف المقاومة ولم يسقط لها شهيد واحد في أي مواجهة ولا تذكر على خارطة الصراع العربي الإسرائيلي، وفي نفس الوقت تلبس ثوب الممانعة، فلا معنى للاعتراض على المفاوضات الغير مباشرة في حال انعدام البديل وهو المقاومة واستنفار الجيوش، أما حالة اللاحرب واللاسلم إنما تعني الاستسلام والتسليم بالأمر الواقع على استحياء أو حتى دون حياء.
والغريب في الأمر عند الحديث عن الشرعيات والسلطات، وفي نفس الوقت يتم تعليق أو تجميد المقاومة مع استمرار العدوان والتهويد والتدنيس والحصار الصهيوني، فلا مفاوضات سلام ولا حروب ومقاومة لردع العدوان ويصدحون ليل نهار بالممانعة الجوفاء، فأي ممانعة عرجاء هذه، والبعض البرجماتي يتمسك بخيار السلام الاستراتيجي، والبعض البرجماتي الآخر يتمسك بتصريحات التحرير والمقاومة عن طرف اللسان وأرضه محتلة وسيادته منتهكة ويمارسون المفاوضات الغير مباشرة والعلاقات المباشرة وما خفي أعظم ومن ثم يطلقون عبر المنابر الفضائية صواريخ الممانعة في مواجهة الآخر دون مواجهة العدو، فالجميع يعتبر نفسه برجماتي"واقعي" أما اللاواقعية والعبثية بعينها حين يكون الوضع لامقاومة غير مقنعة، ولا مفاوضات بمبررات تتطلب بدائل، وأدنى تلك البدائل خلع البزة السلطوية وكذلك المسميات التي هي إفراز مفاوضات، وارتداء بزة الحرب والمقاومة وممارستها ، دون الاكتفاء بالشعار مقاومة وعلى الأرض لامقاومة، ولا مفاوضات وعلى الأرض من الصمت ماهو أدهى وأمر من المفاوضات، فهذه ليست ممانعة بقدر ماهي إن جاز التعبير استهبال.
فقد نتفهم بان تندلع المقاومة بالحجر والبارود والصاروخ قبل اليافطة والشعار والتصريح، لان الصهاينة يصرون على استمرار الحصار والعدوان والاحتلال، حينها تكون المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة ذات قيمة وجدوى، أما ما لايمكن فهمه أو التسليم به بعيدا عن المنطق ان يتم الإعلان على رؤوس الأشهاد بان لامقاومة حرصا على المصلحة الوطنية، وحتى الوصول إلى مستنقع المحرمات بمجرد الرد على جديد العدوان، أو حتى عدم الرد على الاغتيال والحصار والتهويد والاستيطان، تحت مسمى العبثيات والتبريرات الممجوجة"نزع الذرائع، فحين يكون العدوان مستمر ومتواصل فأي ذرائع تلك التي يتم الحديث عنها، فأي ممانعة باستثناء الشعار؟ واي مقاومة باستثناء الشعار؟ ومازلت أقول بان المقاومة ليست بديل عن المفاوضات ولا المفاوضات بديل عن المقاومة واي اختلال في ميزان هذه المعادلة إنما تكون النتيجة صفرية في حال طمس أي منهما للآخر، فما بالنا بالقول والفعل ان لا مقاومة ولا مفاوضات.
فلا يعقل كذلك ان يكون الحفاظ على وتيرة الانقسام كتغذية لتلك المناكفات، لتتوقف المقاومة وتتوقف المفاوضات، ويتم تكريس انجاز الانقسام الكارثي!! الذي لا يستفيد منه ومن وقف المقاومة ووقف المفاوضات سوى العدو والعدو فقط وقلة ممن تكمن مصالحهم في إخراس صوت المصالحة وإخراس صوت المقاومة وإخراس صوت المفاوضات ثم ينعتون ذلك بالممانعة، فمن المهم ان نعلم ان الصهاينة هم الجهة الوحيدة التي تكمن مصلحتها في وقف المقاومة ووقف المفاوضات واستمرار الانقسام، وليغني كل ممانع على ليلاه، فالممانعة بهذا المفهوم الهش السطحي الذي لايتجاوز التصريح والشعارات الجوفاء قمة المهزلة الوطنية، فلا يعقل ان يتم استخدام اختراع الممانعة دون مقوماتها وقوامها الحقيقي كسيف مسلط للنيل من الخصم السياسي، سواء لحساب أجندات حزبية ورفض الآخر أو لحساب أجندات عربية وإقليمية الخاسر الوحيد فيها هو الفلسطيني والمتضرر هو القضية، فالمقاومة ليست جريمة والمفاوضات ليست جريمة والممانعة بهذا المفهوم السلبي السطحي المتناقض بين القول والفعل ليست بطولة، إنما ممانعة مبتذلة ممجوجة أكل عليها الدهر وشرب، وانهي مقالتي هنا بعنوان مقالة سابقة"كل ممانعة وانتم اعتدال".
#سعيد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بطاقة محبة ووفاء في خماسية ذكرى الشهداء,, فلسطين ولبنان
-
طبول الحرب وخديعة النفي والتأكيد
-
فقه الثرثرة السياسية وزحف الأزمات الإقليمية
-
سلاح الإرهاب السياسي وحصانة مجرمي الحرب
-
لا ضمانات مع استمرار الاستيطان
-
العرابة الصهيونية كلينتون,,, والدبلوماسية العرجاء
-
-1/1/65 ,,, حتى يغيب القمر-
-
الجدار,, وفتاوى دينية,, في,, خدمة أجندات سياسية
-
أبعاد مجزرة نابلس- غزة وتداعياتها
-
لبيك ياجميلة بو حريد,,لبيك يا أخت الرجال
-
صفقة الأسرى وخطورة مرحلة كسر العظام
-
الحوثيين وحسابات المواجهة الإقليمية
-
أبو مازن,, قوي بشعبه,, للأحمق ليبرمان
-
المقاومة الفلسطينية والتماهي مع الإستراتيجية العربية
-
هل تنزلق إيران لمصيدة صعده
-
التهويل الإعلامي الإسرائيلي لسلاح المقاومة,,,إلى أين؟
-
الحوثيون ومصير المرتزقة,, سقوط رهان الانفصال
-
عرفاتيون حتى النخاع
-
النفير النفير يا عمالقة الفتح,, فقرار القائد إرهاصة ثورة
-
الإرادة الفلسطينية في مواجهة الإدارة الأمريكية
المزيد.....
-
أوكرانيا تعلن إسقاط 50 طائرة مسيرة من أصل 73 أطلقتها روسيا ل
...
-
الجيش اللبناني يعلن مقتل جندي في هجوم إسرائيلي على موقع عسكر
...
-
الحرب في يومها الـ415: إسرائيل تكثف هجماتها على لبنان وغزة
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام تسفي كوغان في الإمارات ب
...
-
اتفاق الـ300 مليار للمناخ.. تفاصيله وأسباب الانقسام بشأنه
-
الجيش اللبناني: مقتل جندي وإصابة 18 في ضربة إسرائيلية
-
بوريل يطالب بوقف فوري لإطلاق النار وتطبيق مباشر للقرار 1701
...
-
فائزون بنوبل الآداب يدعون للإفراج الفوري عن الكاتب بوعلام صن
...
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
مصر تبعد 3 سوريين وتحرم لبنانية من الجنسية لدواع أمنية
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|