أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم الثوري - حكايتي مع كمبيوتري القديم















المزيد.....

حكايتي مع كمبيوتري القديم


كريم الثوري

الحوار المتمدن-العدد: 2938 - 2010 / 3 / 8 - 09:16
المحور: الادب والفن
    



تصدع من جهاته الاربع حتى تخلت عنه اغطيته ولم يتبق منه إلا واجهته الاماميه تكشف عورة مستديمة لجسد كان يوما يتباهى بهندامه الاسود المتفحم . حفظ عطلاته وعيوبه المصلح الصيني العجوز من كثرة التصليحات لتدارك ما يمكن تداركه وهو يخيرني بحزن شفاف - لا منتمي- عبر آليّة صوته المتهدج وكأنه يخاطب نفسه في البعيد عن جدوى التمسك به لهذه الدرجة المبالغ فيها وقد كان يخجل حين يقبض النقود لإستبدال احشائه المرة بعد المرة فأجيبه مناغيا رغبته الشفافة الدفينة بايماءات وانهزام تقاطع خطوط البصرتُنعِم احزمة اوتاره الصوتية المُتآكلة . يبدو ان صبره وتقبله الأمر نابع من غاية يصعب بمكان ان تفسرها الكلمات المؤدلجة، فاقدة المعنى...
كان قد خيرني مرات باستبداله وتعويضي بجهاز اكثر حداثة بثمن تفضيلي لكني ما خالفت هواي تجانسا مع مملكة تناغمتُ معها بالتدريج حتى تشكلت بكياني . ما فصلته يوما عن محيطه الذي هوغرفة منعزلة وهبتني إياها الصدفة فصيرتها بمواصفات النفي القسري عن مساحة البيت كذلك الحشرات الزاحفة والاوراق المهملة واشياء صغيرة لا اسماء لها وجدت ملاذها الآمن بثنايا وطيات اكتشفتها من خلال دوران المروحة وكأن انسجاما مرده طبائع الاشياء يتشكل بطريقة ماورائية غيبية محضة لها قوانينها الخاصة وإن ما نحسبه عبثا ما هو إلا جهل وعدم اصغاء لحقيقة سعي الاشياء وحثيثها في إدراج معادلاتها كل حسب شاكلته.
الأمر تعدى الكومبيوتر القديم فهو لا يبدو اكثر تكلفة من التصليحات الدورية المتكررة بل عليه إذا ما اراد استبداله مجانسة تركيبة معقدة من الماهيات العصية على الأدلجة الابتدائية وهذا يعني إعادة صياغة مجريات قد تبدو ممكنة لمستطرق ينظر المشهد بين يوم وليلة فيسجل في قائمة بيضاء وصفة طبية وما على المُعاين إلا أن يتبع التعليمات وهذا ما حدث مع اهل بيتي فهي تأتي حسب طبيعة تكوينها النفسي بين الأيام وتقوم بما يلزم ما تحسبه تنظيفات مجبولة عليها وما اعتبره تضخيم الفوضى ب - فوضى خلاقة - فقد عهدت الاشياء في مكانها ولا طاقة بصرية لي باعادة اكتشافات مبتورة لا صلة لها بما لحق فالأمر يتطلب مني وقتذاك صياغة دون بناءات تسبب لي إحراجات كبيرة تحسسني بغربة مفتعلة ونشاز وجودي يسبب الإرباك ويجعلني شبه عاجز عن مواصلة سيرورة ربط - القديم بالقديم المعاصر- .
هو الآخر تعوّد على ما آلت مصائر الأيام يكفيه قدرا مازال معافى بينما مجايليه من الكومبيوترات القديمة قد طواها النسيان وتحولت الى ركام او تم صهرها وتطويرها بما يتلاءم وطبيعة الحاجة اليومية فاستساغ الأمر وراح يُمرن ذكراه بالصبرعلى تقبل الاهانات الغليظة والصفعات المتكررة والطعن والسب والرفس احيانا كيف لا وحال صاحبه نسخة طبق الأصل فيما يستوجب حالات النفي او الاثبات.
لاحظت في الآونة الاخيرة وجود حشرات كبيرة الحجم تنتمي لجنسيات مختلفة تعشش في داخله لم اكتشفها بادئ الامر لصعوبة الرؤيا بسبب بيوت العناكب المتشابكة والذباب والبرغش المعلق في شباكها كمخازن للتغذية مما ادى الى بطء حركته واخراجه انينا مكبوتا مصحوبا بِارتجاج وعتعتة تشبه حركة المولدات ذات السعات المحدودة حينما تتطلب الحاجة زيادة تحميل السحب الكهربائي لذلك اذعنّتْ للأمر الواقع بعد تأجيلات مردها خوف وحذر ورضى بالمقسوم لإسعاف الحالة بالوسائل التي املكها وهذا ما حصل فعلا، ففي ذات يوم مختلف نهضت باكرا واحضرت ما كان مركونا من ادوات تستخدمها زوجي في الغسيل ودون ان استشيرها خشية من تهميشاتها، مزجت شيئا من القاصر بمحلول اخضر مع قليل من الماء ورحت ازيل التراكمات الطفيلية ومخلفات متصلبة علاوة عن انتزاعي لبيوت العناكب وقد استغرق ذلك اكثر من ساعتين اراوح محلي حتى بانت تباشير لونه الفضي الذي يتباهى وسط مملكة الكهربائيات، تركته نصف يوم يتشمس في الهواء الطلق اتفقد لمعانه وهروب الرطوبة منه حتى حان وقت التركيب فاعدت كل شيء الى وضعه الطبيعي وثمة إحساس مردّه ان الحالة الجديدة له سوف تفقده صداقتي المستشرية في دمي وهذا ما حصل تحديدا...
تم تشغيل الجهاز بصورة طبيعية اختفت على إثرها بعض الاصوات النشاز فالمروحة اصبحت اكثر سرعة ولم تطلق انين استغاثة كسابق عهدها كذلك سرعته قد تحسنت قليلا ، تراقصتُ بحذر بالتطور المباغت الذي لم احسب له حسابا يوما من الايام متخطيا حاجز الانكسار الذي انتقلت عدواه لنفسي. غابت علامات التأقلم معه وكأني ارتكبت جريمة أُحاسب عليها فرحت اتفقد نفسي فيما إذا كانت بحاجة الى ترميم إسوة بالجهاز فكان أن اعدت النظر بما حولي فوجدت أن العملية مازالت ناقصة فقمت بمعاينة بصرية تشكل نمطا مهما من عالمي فسارعت انظف هنا وارتب هناك واعلق لوحة كانت مهملة في مكان مناسب برؤية وتفحص حتى تبدلت احوال الغرفة بالكامل وصارت كائنا اخرا لا يمت لتاريخي الشخصي بصلة ومن هنا كانت الطامة الكبرى فقد انتقلت عدوى التجديد الى محيط بيتي وغدوت اكثر ميلا وبقوة لخلق اسباب وهمية اتشاجر بها مع زوجي واطفالي بحجة التغيير ومتطلبات المرحلة استجابة لتغير تحسست نشوته وإن كان في الوقت الضائع، ومنذ ذلك اليوم المشؤوم الذي قمت فيه بتنظيف الكومبيوتر إلى يومنا هذا، اختل كياني بالكامل فقد ركبني - رحمان البياض- وخالفت هواي القديم الرضا بالمقسوم وصرت اكثر ترافة ونرجسية نظيف الملابس معطر طوال اليوم التفت لكل شاردة وواردة اعاينها بشغف المُريد، نزق في تعاملاتي شكاك في كل صغيرة و كبيرة استخف بمن حولي لدرجة الاشمئزاز إذا ما صادفت ما يخالف هواي حتى حانت الفرصة المواتية لاستبدال الكومبيوتر القديم بالرغم من كونه مازال يعمل افضل من السابق فقد تغيرتُ بما يكفي وصرت قادرا على اتخاذ القرارات السريعة تماشيا مع المستجدات الجديدة من دون أن اسأل نفسي حتى...
****
في خطوة جسورة لم احسب حسابها نقلت الكومبيوتر الى المصلح الصيني العجوز وقذفته بوجهه مباهيا : اليك هذه الحديدة الصماء البالية ابتسم مازحا: يبدو أنه توقف الى الأبد اجبته بالنفي معللا فعلتي باستغنائي عنه نهائيا، نظرني باستغراب وفيما كنت موليا ظهري باتجاه العودة كان الكومبيوتر يبكيه طفل يتيم ويستغيث والدموع تنهال من عينيه بعد ان فقد صديقه الحنون بينما راح المصلح الصيني يفككه قطعة قطعة ويرميها باتجاهات اكوام الركام المستعمل وهو يدردم ويسب الزمن الجديد بما حمل ...

كريم الثوري



#كريم_الثوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اصبعي منقع بالورثة 2
- حوار مع كلب عراقي 2
- اصبعي منقع بالوراثة
- مهر حواء
- الجمال ومدلول القبح في الجميل
- الديمقراطي الأخير
- الموت الذي تفرون منه
- انا منافق اذن انا موجود3
- رسالة نصية الى صديق العمر علي السعدي : دعك من السياسة واكتب ...
- ادم وعقدة التكوين
- خلود المطلبي في دور الراهبة
- بائع الاوهام
- انا منافق اذن انا موجود2
- انا منافق اذن انا موجود
- ماله هو من دون سائر الخلق
- السواد يالوني المفضل
- 3 دجاجات ...وديك ؟
- اول الكلام آخره
- رحلة الملتاع في عراق الجياع
- متى تكسر أنياب التماسيح


المزيد.....




- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم الثوري - حكايتي مع كمبيوتري القديم