|
حوار مع الشاعر الفلسطيني باسم الهيجاوي
منال خميس
الحوار المتمدن-العدد: 2937 - 2010 / 3 / 7 - 16:58
المحور:
مقابلات و حوارات
• كمفتتح للحوار ، نعود الى الماضي،الى العناصر الأولية والجذور… من أي رافد رفدت؟ مم تشكلت؟ وما الذي عزز الاندفاعة الأولى لديك ؟ • وليت الماضي يفرد أجنحة استقبالنا .. ولكننا نعود .. حيث كانت البداية في صفحة النهر الذي مر في المكان .. ولم أكن أتوارى من خشية ما .. فتحت يدي لمجراه .. فعادني كما لو كنت صاحبه في فراش التوجع .. وراقني كما لوكان مشتهاي .. قرأت فيه أناشيد المدرسة .. حيث متعة الانتباه .. توردت وتباهت حين امتدت الى رفوف الكتب الموروثة يداي .. رغم السن المبكرة التي حملتها آنذاك .. قرأت بعض حكايات المنفلوطي وأضع خطاً تحت ( تحت ظلال الزيزفون ) .. وخطين تحت ( الشاعر ) حيث تمنيت لو كان أنا .. هي صورة ملحة يستحم فيها الخيال الصغير .. تماما كما المدينة الفاضلة في رؤية ( ستيفن ) صاحب ( مجدولين ) .. و(ماجدولين ) كانت تقف على بوابة الدار العتيقة .. رسمتُ فيها الشاعر .. وبنيتُ تضاريس مدينتي الفاضلة بين عينيها الواسعتين .. فعرفت لغة العبور المبكر الى منبع النهر .. تعرفت الى وجدان محمود درويش .. وفدوى طوقان وسميح القاسم .. وتوفيق زياد .. لما لهؤلاء من صفة الرمز الذي يتصاعد في أفواه الحاضر القديم آنذاك .. ولكني كنت أقرأ في وجدان الصورة التي كانت .. ولا تزال .. صورة الحاضر القديم المتجدد دائما .. حيث تنام المصابيح على ضفة العتمة .. وحيث السنابل التي تدوسها أقدام الغزاة القادمين من الشاطئ الآخر للبحر .. فعرفت نكهة البوح .. ثم ارتفاع الصوت .. ثم صرخة القصيدة التي خرجت في مخاض الولادة الأولى .. هي البداية التي كانت قبل ميلاد القصيدة .. ذلك أن القصيدة ولدت مع بداية البوح .. ولم تكن بداية الشعر .. ذلك أن الشاعر فيّ كان على قيد الحياة قبل ميلادها .. هناك .. حيث اتهمت نفسي ووجدتها وأنا أتناثر بين يديّ .. وأسألها .. في حضرة النهر .. من أنا ؟ ومن أين تجيء الفراشات الى حقول الزهر ؟ وكيف أراني والمسافة بيني وبيني ؟ فانتشر السؤال .. وكان لي ضجيجه الملتهب في مقهى الجفون .. عراني ذات مساء .. فدخلت عالمه السحري .. ووجدتني أصرخ في وجه امرأة تناثرت على يديها .. ورأتني .. وابتسمت بلا مبالاة .. فرأيت الخيول تتراكض الى منبع النهر .. فصرت الوارث لرحيق الكتب المزجوجة على رفوف مغبرة .. وحين تراكضت خطواتي .. رأيتني أمام أساتذتي الذين أماطوا ما تناثر في طريق جدول صغير .. رفدوه بعطائهم المشهود بما تيسر من حضور الماء .. ليكبر .. ويتسع المجرى نحو المصب في النهر . هي البداية .. ووجه المرأة التي تناثرت على يديها .. ورأتني .. وابتسمت بلا مبالاة .. صار وجه حبيبتي الذي ابتسم ملء حدقتين واسعتين .. وعلى مرمى وردة من القلب .. ثم غاب الى الأبد ..
• شعر المعتقلات لم يثيت وجوده فلسطينيا من الناحية الفنية حيث طغت عليه الشعارت واالصراخ ماذا تقول في ذلك؟ وكيف تقيمه الآن ؟ • الأدب .. وان اختلف المكان والزمان .. هو الأدب أولا .. وأدب المعتقلات هو أدب كسائر الآداب الأخرى .. لكن سمات المكان فيه تمنحه بعض التميز .. حيث الصرخة الجامحة الجارحة الصاعدة من أتون المعاناة وطبيعة الهم .. غير أن الأديب هو الأديب ايضاً .. والأديب المصاب بحالة الأدب .. لا أشك في قدرة أدبه من ناحية السمات الفنية لعمله .. اما سحب الحالة على كل الأعمال ( الأدبية ) في الاعتقال .. فهذا ما أختلف معك فيه .. حين نسلك طريقا للشعر .. أقول .. ان شعر المعتقلات لا يتسم بالسمات الفنية للعمل الشعري .. وشعر الانتفاضة كذلك .. وشعر المقاومة كذلك .. وشعر الحاضر كذلك .. ولكن أي شعر هذا الذي لايتسم بسمات فنية مما ذكرنا ؟ انه الشعر الذي لا يكتبه او ينظمه الشاعر .. فلكي تقول شعراً .. ينبغي أن تكون شاعراً .. ولكي تكون شاعراً .. ينبغي أن تكون مصاباً بالشعر .. سواء كنت في المعتقل أو في الحرية .. سيان .. وصراخ القصيدة في المعتقل .. هو كصراخ القصيدة من مكان آخر .. لكنه هنا .. في الحالة الاعتقالية .. جاء مجبولا بهم المعاناة التي يعيشها الشاعر منتشراً في أصوات اخوته ورفاقه خلف القضبان .. لشعر المعتقلات ثمة روح صارخة وحالمة .. ثمة وهج يتصاعد .. وينتصر على هراوة السجان ومستنقع حالته المظلمة .. ورفرفة القصيدة .. يمنحها تخطي جدران الاسمنت وأسوار السجن الموبوءة بالحراس .. لتطير الى هناك .. لتغني على الأشجار المرتفعة .. أناشيد الحرية للوطن .. ولكن .. لقد قيل .. ولم يزل القول : اذا الشعر لم يهززك عند سماعه فليس خليقاً أن يقال له شعرُ
• الحالة الثقافية في جنين تعاني من ركود كامل بعكس رام الله وغزة لماذا برأيك؟ جنين مدينة صغيرة .. بمحتوياتها المنزلية .. وماكياجها .. وفساتين بناتها .. وسهراتها الليلية .. وطاقاتها الاندفاعية أيضاً .. غير أنها تستفز العديد من الفعاليات البعيدة عن تسليط الضوء الاعلامي .. وتصدّر عناوين ( المانشيت ) في الصحافة المحلية .. مما جعلها تحمل سمات هذا الدور المهمش ..
* لا نجد لك حضورا في الصحف الورقية .. معظم نتاجك الحالي موجود في المواقع الاكترونية ..مالذي يجذب الأدباء إلى ذلك ؟ وما رايك بثقافة الانترنت ؟ هل ستؤذي ثقافة الورق وتحد من مساحاتها ام لا؟ ثقافة الانترنت في تصاعد مدهش .. ولها طاقات مثيرة في الانتشار والتواصل .. وطقوسها الخاصة .. تجعل مفاهيم التجديد تتميز عبر لياقة المخيلة للشاعر أو الأديب بشكل عام .. حيث الحرية اللانهائية لمخيلة تستجيب .. والنشاط الذي يشهده هذا الميدان يتنامى .. ويحتل أمكنة تميزه عن النشر في الصحافة الورقية .. فسرعة الوصول والانتشار في مساحات متسعة .. وتزايد أعداد القراء .. والتميز الشكلي للنصوص المنشورة .. هي مغريات تدفع بهذا الاتجاه .. غير أن هذا المجال بطقوسه الخاصة .. وعلى الرغم من أن السنوات القادمة ستشهد تطورات أخرى تشير الى اتساع هذا المجال على حساب مجال الثقافة الورقية .. الا أنه .. باعتقادي .. لا يمكن أن يكون البديل بالضرورة .. فمتعة القراءة في كتاب ما والتفاعل معه ( وخير جليس في الزمان كتاب ) .. لن تتوفر في قراءة قرص مدمج أو تصفح موقع ألكتروني أو حتى القراءة في نفس الكتاب حين ينشر الكترونيا .. ناهيك عن المتطلبات اللازمة للوصول الى ثقافة الانترنت ..
* نصوصك تطفح بمرارة كبيرة وتغلب عليها مسحة رومانسية واضحة و الوطن بمشاكله وهمومه الكبيرة لا يغادرك الا تشعر برغبة في هرب ما او اجازة ما ؟ وهل يهرب المرء من ذاته ؟ ولو أجيز لنا ذلك .. فهل سنستمتع بالرغبة في نكهة اجازة لا نجد أنفسنا فيها؟ ان الوطن يا صديقتي الطيبة .. بما يحمل من صفات .. هو النبض الذي تستمر به الحياة .. وهو صهيل البقاء الذي يتسرب في شقوقنا الداخلية كما يتسرب الماء في شقوق الأرض العطشى .. أيها الوطن .. أنت الأغنية التي صحوت على أنغامها في المهد .. وأنت الضوء الذي أضاء طريق الحياة .. أيها الوطن .. أنا لولاك يتيم ..
• كتبت وأنت بالمعتقل ، ومن ثم كتبت من خارج المعتقل .. هل اختلفت طقوس الكتابة لديك؟ لا أشك .. أن طقس الكتابة حين يندف ثلجه على أوراقي .. يتكأ على جدار المكان .. فللكتابة ما عليها من مؤثرات .. تنسج كلماتها تبعا للمشهد .. ومشهد السجن وطقوسه .. يمنح الكتابة ما تراه من صلافة السجان .. وأسلاك تلف المكان .. وقضبان .. ووجوه مغبرة .. وحنين رسائل .. والكتابة خارج المعتقل .. قد لا تثير فروقا متسعة عن داخله .. ذلك أن السجان واحد .. والسجن أكبر .. والهم لا يزال يعتمل في الذاكرة ..
• لماذا يكتب باسم الهيجاوي ؟ أكتب لكي أبصرني .. وأجدني .. وأجددني .. أكتب لكي لا أهترئ ..
• وما كانَ صوتُكِ غيرَ حكايا … أين هي ؟ وماذا تعني لك ؟؟ أقصد المرأة لم أكن أعلم .. كانت الينابيع هي أول النهر .. والسماء هي أول الينابيع .. هو ما رأيت .. والحلم ؟ كنت نائماً لكي أرى .. شهدت اليقظة .. حين أتاني صوتها في مراهقة مبكرة .. وصحوت .. شهدت الدهشة .. حلمت .. فتحت نافذتي .. وألقيت التحية للمشهد الدموي .. هي هي .. هي أول الينابيع .. وهي غيمتي التي اكتظت بي وبها .. وأبحث عنها في لغة دافئة .. ونشيد أستبيح به الوصول .. لعل أطفالاً بلون الفراش .. يصلون الى الصدور بعد اللحظة المهاجرة ..غير أني لم أزل في غفوتي .. أصارع ما خلفته الريح من بقاياي .. أكتظ بصراخ عفوي .. يهمس لي .. يتورد حين أحضر محفل الأرواح .. فتنكمش أصابعي حين أتدثر ببرد الليل .. وتمد خيوطها في العتمة .. ربما لأن الطريق لم تطل من النافذة بعد .. لربما المسافة التي تتسع .. فتقتل الدهشة في الدم .. ربما .. ربما .. غير أنها حاضرة بصور أخرى لربيع دائم التجدد .. في الأم والأخت والرفيقة والصديقة ..
* تكتب القصة القصيرة والقصيدة اين تجد نفسك فنيا ؟ • في المجال الذي أجد نفسي فيه حاضرا ..
• هل اقتربت من عالم الجنون والروعة المسمى رواية؟ • حاولت .. اقتربت .. لم أصل ..
• ما جديدك القادم ؟ • في انتظار الفجر .. مجموعة شعرية نظمت في سجون الاحتلال ..
#منال_خميس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار التناظر ولادة أدبية بلون إبداعي جديد
-
كهواء على أطراف أصابعه
-
عبدالسلام العطاري : أنا عابر سبيل أبحث عن ظل أتفيأ به من شمس
...
-
كلاهما جسد .. كلاهما قربان
-
حوار مع الشاعر سامح كعوش
المزيد.....
-
إيران تعلن البدء بتشغيل أجهزة الطرد المركزي
-
مراسلنا في لبنان: سلسلة غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. قرارت لجامعة الدول العربية دعما
...
-
سيناتور أمريكي: كييف لا تنوي مهاجمة موسكو وسانت بطرسبرغ بصوا
...
-
مايك والتز: إدارة ترامب ستنخرط في مفاوضات تسوية الأزمة الأوك
...
-
خبير عسكري يوضح احتمال تزويد واشنطن لكييف بمنظومة -ثاد- المض
...
-
-إطلاق الصواريخ وآثار الدمار-.. -حزب الله- يعرض مشاهد استهدا
...
-
بيل كلينتون يكسر جدار الصمت بشأن تقارير شغلت الرأي العام الأ
...
-
وجهة نظر: الرئيس ترامب والمخاوف التي يثيرها في بكين
-
إسرائيل تشن غارتين في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بعشرات
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|