يوسف ليمود
الحوار المتمدن-العدد: 2935 - 2010 / 3 / 5 - 16:15
المحور:
الادب والفن
ارتبط اسم جبران خليل جبران، في الوعي الجمعي، من خلال كتاباته، بفكرة الروح. إنه، في نظر مريديه، الشاعر النبي. وحتى بالنسبة للبعض، الذين انتبهوا لجبران الرسام، فإن أعماله التصويرية لا تخرج عن هذا المعنى: الروح، رغم أن الجسدانية تُغرِق لوحاته التي عبّر فيها عن فلسفته ونظرته في الوجود. لم يجد جبران سوى الجسد مطيّةً يركّب عليها مفاهيمه الروحية طار بها إلى الأعلى وغاص بها في الأسفل. بل إنه لم يجد سوى العري شكلاً يقترب، من خلاله، مما أراد أن يقول. إنّ مسحة من قوة أجساد ميكيلانجلو، وعنفوان أجساد رودان، ونفحة من دافينشي، وحسّا من الرسومات المائية لوليم بليك، لَيطوفون بأجساد جبران التي يمكن أن نقرأ، من تضاريس عريها، نوعاً من انشطار في هويتها الجنسية إذ هي بين بين، نوع من جنس محايد، رغم وضوح الفروق في التضاريس التي لجسد المرأة وتلك التي للرجل. هذه الكتل اللحمية تشتهي وتتوق إلى ما كان ينبغي أن يكون في يدها، سواء أكان اللذة الحسية البالغة الكمال والرضا، أم عوالم الروح والماورائيات التي يتوق الجسد إلى التحرر من ثقله والوصول إليها خفيفاً. لذا، وبشكل غير واع ربما، تؤكد أعمال جبران التشكيلية على الجسد كحيز للروح، بل كحيز روحاني، كما، في الوقت ذاته، لم يكن للروح أن تكون لولا ذلك الوعاء المرهف الخطوط والتقاسيم الذي هو الجسد.
عالم الصورة أكثر انفتاحاً على تعددية المعنى من عالم اللغة، كما أن رمزيته يمكن أن تكون أكثر انغلاقاً على ذاتها من اللفظ. الكلمة، بطبيعتها، تشير إلى معنى محدد، حتى وإن تعددت معانيها فإنها تنحصر في تلك المعاني. لكن الشكل، بتحريفاته والأجواء التي يدخل فيها والفراغات التي يخلقها ويتفاعل معها، يترك مساحة عريضة وحرةً، غامضة ولا محددة في نفس الناظر المتأمل. من هنا فإنه يمكن الفصل بين جبران الشاعر وجبران الرسام، حيث الأخير يقول بفرشاته ما لا يستطيع أن يقوله بالكلمة. ومن هنا أيضا تظهر الحاجة لإعادة النظر في قراءة جبران عبر ما رسم وصوّر، بمحاولة نسيان جبران الشاعر والفيلسوف، ولو لوقت النظر في أجساده وتشكيلات هذه الأجساد الطافية كالزبد بين صخرتين: روح وجسد.
#يوسف_ليمود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟