حبيب هنا
الحوار المتمدن-العدد: 2935 - 2010 / 3 / 5 - 13:51
المحور:
الادب والفن
9
بجوار الموقد تجلس أم ريتا وطيوف من الذكريات والحنين تحلق أمام عينيها دون جناحين، تتذكر بواكير الصبا عندما كانت تتربع في حضن أمها ووهج الموقد يملؤها دفئاً فقدت طعمه عندما رحلت عن القرية مع ناسها وتبعثروا في أصقاع الدنيا. تتذكر الحاج حامد، شيخ القرية وكبيرها الذي حكم الناس بالحب والمودة والكلمة الطيبة ، عندما سألها ذات مساء على رأس وفد من وجهاء القرية :
- هل أبوك هنا يا بنت ؟
- نعم ، هنا يا عم .. من أقول له ؟
- الحاج حامد ..
قالها بصوت خشن جهوري سمعها الأب من مضافته ، فنهض على عجل يستقبله ويرحب به ، قائلاً قبل أن يصل :
- جهزي القهوة يا صفية !
ولما ذهبت لتجهيز القهوة ، ظل صوت الحاج حامد يطن في أذنيها وعقلها إلى أن عادت بها . وعندما وصلت الباب سمعته يقول :
- إن الولد عطوان ابن الحاج المرحوم عبيد الضامر يطلب يد ابنتك صفية على كتاب الله وسنة رسوله ، وقد اختارني على رأس الجاهة من وجهاء القرية للقيام بهذه المهمة .
صمت لحظة . تشنجت يد صفية على إبرق القهوة . جاءت الأم . رأت المشهد ، سحبت صفية من مكانها بهدوء حتى لا يسمعها أحد من داخل المضافة ، وقبل أن تبتعد بها واصل الحاج حامد حديثه :
- أنت تعرف يا أبا عمران كم هذا الولد عزيز عليّ ، ولولا ذلك لما جئت بهذه المهمة ، فضلاً عن أنك لست بحاجة إلى السؤال عنه كي تطمئن على ابنتك .
- أعرفه حق المعرفة ، فهو من أفضل فتيان القرية وأكثرهم رجولة، ولكن أليس صغيراً بعد يا شيخنا ؟
- لقد تزوجنا أنت وأنا في عمر أصغر منه . أنسيت يا أبا عمران، كنا مازلنا نلعب ونصطاد العصافير ..
- معك حق يا شيخنا ، ولكن دعني آخذ رأي البنت أولاً .
- ومتى كان للبنت رأي يا رجل ؟
- لا ، لست أنا من يفعلها رغماً عن البنت !
- البنت لا تعرف مصلحتها كما تعرفها أنت يا أبا عمران ، ولو جئت إليها تريد أن تبقى عندك أبد الدهر .
- ربما ، ولكن لا بد من رأيها مهما كان الأمر . أمهلني أسبوعاً ، وسأرسل ردي إليك .
- ليس أنا من يقال له هذا الرد ، وأنت تعرف أن البيت الذي أدخله لا يرفض طلبي فيه ..
- أنا لم أرفض يا شيخنا .
تدخل الوجهاء :
- نعم ، إنه لم يرفض يا حاج حامد .
وفجأة علا صوت أم عمران :
- القهوة يا أبا عمران .
تستذكر أم ريتا ، كيف تم الزواج بتفصيله ؟ كيف رحلوا عن القرية بعد أن اشتد عليها القصف وبدأ الموت يحصد أفضل شبابها ؟ وكيف حطوا رحالهم في قرية بيت حانون أملاً في العودة سريعاً؟
ولما أنجبا ريتا، رغم البؤس الذي يكابدانه، طار عطوان من الفرح واستبشر بها خيراً، ثم على غير توقع قال:
- الآن أصبح لدينا من يطالب بحقه في العودة بعد موتنا !
وبات لا يقوى على النوم قبل أن يلقي عليها النظر ويطمئن على نومها..
#حبيب_هنا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟