|
العصابة
غالي المرادني
الحوار المتمدن-العدد: 2935 - 2010 / 3 / 5 - 10:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إنّ المتابع لموقع (الحوار المتمدن) في الأشهر القليلة الماضية لابد وأنه قد لاحظ تلك الموجة القوية من المقالات لكُتّاب لم يكن لهم من همّ إلا مهاجمة الإسلام والمسلمين بشكل خاص. ولا يمكن للمرء الذي قرأ بعضاً من تلك المقالات إلا أن يخرج بنتيجة مفادها أن الهدف الوحيد من كتابة مقالات كهذه هو الإساءة للإسلام والمسلمين والسخرية من رسولهم الكريم والاستهزاء بكتابهم العظيم. ومع أن مبادئ الدين الإسلامي تنهى بشكل قاطع عن السخرية من معتقدات الآخرين وأنبيائهم، ومع أن أحد أركان الإيمان في الإسلام هو الإيمان بالأنبياء السابقين وكتبهم إلا أن بعض المسلمين قاموا أيضاً بكتابة مقالات تسيء للمسيح عيسى عليه السلام وللمسيحيين عموماً بالطريقة الساخرة المستهزئة نفسها مع أن القرآن الكريم قد كرم عيسى عليه السلام تكريما كبيرا.
وحتى لا يسارعَ البعض -ممن قد يسيئون فهم الغرض من هذا المقال- إلى الدفاع أو الهجوم قبل أن يكملوا قراءة المقال، لابد لي أن أوضح أنني لا أوجه هذا المقال لأصحاب الأقلام المحترمة الذين ينتقدون ما في الأديان من خرافات بشكل عام دون استهداف لدينٍ معيّن، ودون استخدام أسماء مستعارة؛ بل هو موجه لتلك العصابة من شذّاذ الآفاق الذين لا يجدون في الأديان أدنى ميّزة إيجابية لتذكر في مقالاتهم التي تُنشر بأسماء مستعارة أو بأسماء يختارونها بعناية إمعاناً في المزيد من الإساءة. وربما لهذا السبب اتخذت إدارة (الحوار المتمدن) في اجتماعها الأخير إجراءات جديدة فيما يتعلق بقواعد نشر المقالات والتعليقات أيضاً، إضافةً إلى المطالبة بالحصول على نبذة مختصرة عن كُتْاّب (الحوار المتمدن) ووسيلة الاتصال بهم للتأكد من هويتهم، مما سيسهم برأيي في الحد من نشاط تلك الفئة العبثية العابثة ويقيّد محاولاتهم الخفيّة في الغش والخداع والانتحال والاحتيال.
إنّنا لو التمسنا الأعذار لهؤلاء، أو حتى غضضنا الطرف كلياً عن تصرفاتهم المشينة هذه، فإن الحقيقة لن تتغير؛ وهي أنهم -وإن أحسنّا الظن بهم- ليسوا أتباعاً مخلصين لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم أو لرسالة المسيح عليه السلام. ونحن نستغرب حقيقة الدوافع التي تبرر لهم هذه التصرفات، لإننا حين نراجع الإنجيل سنجد أن المسيح عليه السلام ينصح حوارييه بالإحسان حتى لأعدائهم:
سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا. وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ. مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْكَ فَلاَ تَرُدَّهُ... سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ. لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ ذلِكَ؟ وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ، فَأَيَّ فَضْل تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا؟ فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ. (متى 5:38-48)
فلماذا لا تتبع تلك الفئة هذه التعاليم؟؟ ألم يسمعوا كلام المسيح حين قال لهم: أَنْتُمْ أَحِبَّائِي إِنْ فَعَلْتُمْ مَا أُوصِيكُمْ بِهِ (يوحنا 15:14) اذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. (متى 28:19-20) ولماذا لا يعملون بوصايا المسيح عليه السلام إن كانوا حقاً من أتباعه المخلصين؟؟؟
وفي الجهة الأخرى وحين نقرأ القرآن العظيم فإننا لا نجد أيضاً ما يبرر تصرف تلك الفئة التي أساءت للمسيحيين ولإنجيلهم. بل على العكس من ذلك تماماً، فالله تعالى يقول:
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ فصلت (35)
ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النحل (126)
وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ العنكبوت (47)
فالقرآن يدعو بوضوح لمجادلة غير المسلمين ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة وبمقابلة الإساءة بالإحسان... كما أنه قد وضّح الطريقة التي يجب من خلالها التعامل مع من يستهزءون بالقرآن إذ يقول تعالى:
إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ النساء (141)
وهو هنا لا يأمرنا بسبهم وشتمهم أو معاملتهم بالمثل، و لا يأمرنا حتى بمقاطعتهم، بل يأمرنا بعدم الجلوس معهم إلى أن يخوضوا في حديث غيره. وقد بيّن الله هذا المبدأ في آية أخرى إذ يقول تبارك وتعالى:
وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ الأنعام (109)
وفي وصف المسلمين الأبرار المخلصين يقول القرآن المجيد:
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ البقرة (178)
آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ البقرة (286)
هذه هي المبادئ الإسلامية التي أكدّ عليها القرآن الكريم.. وهي لا تختلف كثيراً عمّا جاء على لسان المسيح عليه السلام. أما ما يصدر عن البعض فهو ليس من الإسلام في شيء ولا من المسيحية أيضاً. وكما قلنا سابقاً فإن الأديان بريئة مما ينسبُ إليها بعض أتباعها المنحرفين الذين لا يبرعون إلا في تكريس التعصب والعنصرية والكراهية ضد أتباع الديانات الأخرى بدلاً من أن يزرعوا بذور المحبة والألفة بينهم، ولهذا تجدهم يكتبون مقالاتهم بأسماء مستعارة لأنهم يعرفون في قرارة أنفسهم الغرض الحقيقي من كتابة تلك المقالات ويعرفون سابقاً النتائج التي ستترتب عليها. والحقيقة أن هذا تصرف طبيعي من جانبهم، فهل هناك عصابة من اللصوص أو شذاّذ الآفاق تصرِّح عن نفسها علناً!!
#غالي_المرادني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اِحْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ تعقييبات على الت
...
-
اِحْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ
-
3-عن الإسلام والجهاد والقتل باسم الدين
-
2-عن الإسلام ورسول الصحراء البدوي
-
ما بين إسحق نيوتن وكامل النجار
-
1- عن الإسلام والأخطاء النحوية في القرآن
-
لماذا خلق الله الألم؟؟؟ 3
-
لماذا خلق الله الألم؟؟؟2
-
لماذا خلق الله الألم؟؟؟ 1
-
الماركسية، والمزيد من التناقضات
-
الماركسية.. تناقضات متأصلة
-
دين الله.. دين الكهنة.. والتشريعات البشرية
-
العلمانية في ميزان العقل
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|