|
عندما تحل السلطة محل الوطن
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 2934 - 2010 / 3 / 4 - 21:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يبدو أن السلطة في عالمنا العربي حلت محل الوطن، وأصبح نضال الأحزاب والنخب ليس من اجل الوطن بل من أجل السلطة،فليس بعد الوصول للسلطة من جهد إلا للحفاظ عليها. السلطة كأشخاص ومؤسسات وعلاقات سلطوية بين الحاكمين والمحكومين،ليست الوطن، بل أداة تنفيذية لاستقلال الوطن إن كان محتلا ولبنائه إن كان مستقلا ولحمايته إن كان مهددا، ذلك أن هدف كل سلطة سياسية في أي مجتمع هو تأمين المجتمع من المخاطر الخارجية وتحقيق الوفاق والانسجام الداخلي بين مكونات المجتمع،كما أن السلطة أحد مكونات الدولة بالإضافة إلى الشعب والإقليم .وفي جميع الحالات وبغض النظر عن مصادر شرعية السلطة السياسية القائمة يجب أن تكون العلاقة واضحة ما بين السلطة ذات السيادة والدولة والمجتمع ،والانسجام بين هذه المكونات الثلاثة يُنتج ما يسمى الوطن كحاضنة مادية ومعنوية للمواطن وكإنتماء وشعور يحمله معه المواطن أينما حل وارتحل.السلطة وحدها ليست وطنا والدولة لوحدها ليست وطنا ،فالمواطن يخضع لهما قانونيا ولكنهما لا تشكلا انتماء وجدانيا ،وحتى المجتمع قد لا يشكل وطنا لأبنائه في بعض الحالات فكثير من الأفراد يشعرون بأنهم ساكنة وليسوا مواطنيين حيث ينتابهم احساس بالاغتراب الاجتماعي والسياسي في مجتمعاتهم،والتطلع للهجرة للخارج وخصوصا بالنسبة للمثقفين والأدمغة خير دليل على ذلك. في المجتمعات الديمقراطية العقلانية وحيث أن من يتبوء مواقع السلطة منتخبون من المجتمع ويعبرون عن رغباته وتطلعاته ويستطيع الشعب التحكم في ممارساتهم ومراقبتهم وتغييرها بالانتخابات وبضغط الرأي العام الخ ،فإن علاقة تصالحية توجد ما بين السلطة والمجتمع وما بين السلطة والوطن،وبالتالي فإن الأحزاب والقوى التي تتنافس أو تتصارع للوصول إلى السلطة لا تخرج عن إطار المصلحة الوطنية حيث يبقى التنافس والصراع ضمن ثوابت ومرجعيات الأمة ،صحيح أن السلطة تمنح امتيازات وتحقق مصالح للنخب الحاكمة ولا تخلو أحيانا من فساد واستغلال نفوذ، ولكن هذه النخب في المقابل تعمل من أجل المصلحة الوطنية أو الوطن بما هو المشترك بين كل مكونات المجتمع من أفراد وجماعات وثقافات فرعية واحزاب سياسية. أما في العالم العربي ومنذ الاستقلال ونحن نشهد صراعا على السلطة ،وغالبا ،إن لم يكن كليا، صراعا دمويا غير ديمقراطي عبر الانقلابات التي سُميت ثورات وعبر حروب أهلية أو انتخابات شكلية لا علاقة لها بالممارسة الديمقراطية الحقيقية،وكل ذلك كان وما زال يتم باسم الوطن والمصلحة الوطنية أو باسم الدين ،وحتى اليوم فالذين يتمسكون بالسلطة يستقوون بالأجهزة الامنية والجيش ،والذين يتطلعون إلى السلطة عبر العنف السياسي أو الجهادي ،وغالبية الذين يتطلعون للسلطة ويناضلون للوصول إليها موظِفِين خطاب الثورية والوطنية أو خطاب الديمقراطية ،إنما يتطلعون للوصول للسلطة كهدف بحد ذاتها،وهذا ما لمسناه خلال العقود الماضية حيث أن من يصل للسلطة ينسى كل شعاراته الكبيرة عن الوطن والوطنية ويصبح هدفه الحفاظ على السلطة والتمتع بامتيازاتها على حساب الوطن،وهنا نلاحظ كيف أن تضخم السلطة في العالم العربي يتواكب مع انهيار الوطن والدولة الوطنية ،نلاحظ ان نخب السلطة تزداد ثراء وفسادا فيما الوطن ينهار وتصبح الدولة الوطنية محل تساؤل ،من الصومال إلى السودان واليمن والعراق، حتى مصر والجزائر ولبنان ليسوا بعيدين عن أزمة الدولة الوطنية.فهل مفهوم الوطن عند الحوثيين في اليمن هو نفسه عند الحراك الجنوبي أو عند أحزاب السلطة؟هل مفهوم الوطن عند شيعة العراق نفسه عند البعثيين المُبعدين عن السلطة والسياسة ؟هل مفهوم الوطن عند السلفية الجهادية في الجزائر نفسه عند جبهة تحرير الجزائر؟هل مفهوم الوطن عند حركة حماس نفسه عند حركة فتح وسلام فياض؟هل مفهوم الوطن عند تنظيم القاعدة في أي بلد يتواجد بها نفسه مفهوم الوطن عند السلطة واحزابها ونخبها؟الخ. عندما نتحدث عن السلطة السياسية في الدول الديمقراطية إنما نتحدث عن أجهزة ومؤسسات عسكرية أو مدنية بيروقراطية ثابتة لا تتغير مع كل رئيس أو حزب جديد،وعن نخبة سياسية حاكمة تعمل بتكليف من الشعب لفترة زمنية ثم تتغير لتحل محلها نخبة جديدة ،دورة النخبة أو التداول على السلطة لا يسمح لمن هم في السلطة بترسيخ علاقات مصلحية دائمة حيث يوجد فصل ما بين السلطة والثروة،وبالتالي فإن أصحاب الثروات في الغرب ليسوا أصحاب السلطة السياسية بل من نخب اجتماعية واقتصادية ،أما في عالمنا العربي وحيث لا يوجد تداول على السلطة إلا ضمن نطاق ضيق ،وحيث ان النخب الحاكمة تستمر لعقود فإن إقترانا يحدث ما بين السلطة والثروة ،ولتحمي السلطة المقترنة بالثروة نفسها تلجأ لإفساد كبار رجال الجيش والأجهزة الامنية وقادة الرأي العام من قادة أحزاب ومؤسسات مجتمع مدني ورؤساء تحرير أهم الصحف ورجال دين الخ ،بالمال والامتيازات ،كما تسعى لانتاج نخب جديدة مستفيدة من السلطة القائمة لحمايتها وفي كثير من الحالات تكون نخب عائلية أو طائفية أو إثنية،وتصبح علاقة اعتمادية متبادلة ما بين الطرفين،ويصبح هدف السلطة والنخب التابعة ليس مصلحة الوطن بل الحفاظ على ما بيدها من سلطة لأن السلطة هي التي تضمن حفاظها على مصالحها،وهذه الاطراف مستعدة للدخول بحرب اهلية ليس دفاعا عن الوطن بل دفاعا عن مصالحها ،أو دفاعا عن وطن تضع السلطة مواصفاته ومرتكزاته بحيث يتماها مع السلطة وبالتالي يصبح المساس بالسلطة مساسا وتهديدا لهذا الوطن ،وطن السلطة وليس وطن الشعب. هذا التعارض والفصل ما بين السلطة والوطن الحقيقي,وطن كل الأمة، وتحول السلطة إلى هدف بحد ذاته لدى غالبية القوى التي تتصارع عليها سواء بوسائل ديمقراطية أو غير ديمقراطية،بل وتحولها لعبء على الوطن ،أحيا مجددا الحديث عن المشروع الوطني في العالم العربي ،ليس فقط في الدول الخاضعة للاحتلال – فلسطين والعراق- بل في بقية الدول العربية التي يُفترض أنها انتقلت من مرحلة المشروع الوطني لمرحلة الدولة الوطنية،حيث المُلاحظ ان الدول العربية المستقلة لديها أزمة دولة وأزمة علاقة بين الدولة والمجتمع وبين السلطة والمجتمع وأزمة بين مكونات المجتمع الإثنية والطائفية،بمعنى انها تعاني أزمة وجودية ،وهذا ما يتطلب عقدا اجتماعيا جديدا يؤسس لمشروع وطني جديد. 04/03/2010
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا لا يوجد قانون وطني فلسطيني لحماية التراث؟
-
قراءة متأنية في قضية اغتيال المبحوح
-
السياسة تجسيد سلطوي مكثف للطبيعة البشرية
-
أزمة ديمقراطية أم أزمة مشروع وطني؟
-
الديمقراطية وسؤال الأزمة في العالم العربي
-
العودة للمفاوضات الآن أخطر من استمرارها سابقا
-
الفلسطينيون بين تزايد التأييد الخارجي وانهيار الوضع الداخلي
-
زيارة نبيل شعت لغزة وتعدد مداخل المصالحة الوطنية
-
المشهد الثقافي الفلسطيني بين الأمس واليوم
-
لماذا لا تُثمر الجهود السلمية للرئيس الفلسطيني؟
-
هل فشل ميتشل بمهمته بالفعل؟
-
الأحزاب السياسية الفلسطينية :فشل أم تغير في الوظائف؟
-
خلفيات وأبعاد التحرك الرسمي العربي الأخير
-
كلما تأخرت المصالحة كلما أصبحت اكثر صعوبة
-
وماذا لو امتلكت إيران السلاح النووي؟
-
حصيلة عام 2009: سقوط مراهنات وإضاعة فرص
-
العدوان على غزة كان الأبشع ولكنه ليس الأول
-
تقاسم وظيفي وطني وإستراتيجية وطنية جديدة
-
ماذا أنجزت الأحزاب الفلسطينية حتى تحيي ذكرى انطلاقتها بهذه ا
...
-
حول مطالبة السلطة الفلسطينية بترسيم الحدود والبيان الأوروبي
المزيد.....
-
بعد 45 عاما.. العراق يعتقل قتلة رجل الدين الشيعي محمد باقر ا
...
-
إمدادات الغاز الروسي عبر -السيل التركي- إلى أوروبا تصل لأعلى
...
-
شاهد كيف كان رد فعل أسرة الأسير الإسرائيلي الفرنسي عوفر كالد
...
-
-كلفتنا دموعا ودماء-: تهديد ترامب لقناة بنما يثير ذكريات الم
...
-
الموت يغيّب أسامة الخليفي، أيقونة -الربيع العربي- في المغرب
...
-
تفاقم العنف والاختطاف في اليمن يعصف بالمساعدات الإنسانية
-
دراسة تكشف علاقة الذكريات الغذائية بالإفراط بالسمنة
-
الصحة السودانية: مقتل العشرات في هجوم الدعم السريع على سوق ب
...
-
الحرس الثوري الإيراني يعلن أنه سيكشف عن انظمة صاروخية ودفاعي
...
-
برلماني مصري يطالب الدول العربية بالتوجه إلى مجلس الأمن ردا
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|