|
مراكز نشر الوعي في الوطن العربي .. الى أين ؟
حامد حمودي عباس
الحوار المتمدن-العدد: 2934 - 2010 / 3 / 4 - 12:25
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
القوى الناعمه ، تسمية يطلقها ذوو الاختصاص على شتى انواع النشاطات الفكرية ، والساعية من خلال انتشار فعالياتها الى نشر الوعي الثقافي عموما من خلال نشر كتاب أو عرض مسرحية ، أو ترويج فلم سينمائي هادف ، الى بقية الاسهامات الاخرى مما يعتبر ابداعا انسانيا نافعا من شأنه أن يحرك ، أو يحاول تحريك ، الوعي لدا الجماهير المتلقية وباتجاهات قد تكون مفيدة ، أو لا تكون . هذه القوى ، والتي تشكل العصب الحساس في ضمير الشعوب. . تبدو هي الاكثر تأثرا بما يحل في الوقع الاقتصادي العالمي من أزمات .
ومبلغ تأثر تلك القوى بالواجهات الاقتصادية المضطربة ، سواء على النطاق المحلي أو العالمي ، يتحدد ، وتبدو ملامحه واضحة للعيان ، عندما يتعلق الامر بما يقدم لمصادرها من تمويل مالي يعتبر من ظروريات وجودها على الساحه .. ففي الوقت الذي بدأ العالم برمته يتحرك وبوتيرة متسارعة ، لانقاذ ما يمكن انقاذه ، من المؤسسات المالية المشرفة على الانهيار بسبب الازمة التي اصيب بها النظام الرأسمالي العالمي مؤخرا ، فان القوى الناعمة ، والمتظررة هي الاخرى من نتائج تلك الأزمه ، لم يلتفت لها احد بسبب عدم ضمان مردودها الاقتصادي ، وعدم رواج عملية تسويقها وبقوة عرض مفيده .. وأنا هنا اتحدث فيما يخص منطقتنا العربية بالتحديد . . حيث أن مؤسسات الاستثمار ، سواء المحلية منها او العالميه ، لم تعد لها ثقة بعينها ، من ان أية فعالية ثقافية او فكرية في العالم العربي سيكون لها مردودها الاقتصادي بما يعيد لتلك المؤسسات رأسمالها مضافا اليه ما تصبو اليه من ربح .
إن أية نظرة تعتمد على ما يوفره الواقع الثقافي في البلدان العربية ، ستوصل الباحث الى أن الحياة الثقافية لدا شعوب هذه البلدان ، قد سادتها ظاهرة الانحدار وبشكل مريع ، بل ان تراجعا مستمرا لا زال يشكل ملامح جل النشاطات المتعلقة بنشر الوعي ، كونها أصبحت تجابه مصدات منيعة تتمثل بالعزوف عن القراءة عموما في اوساط المجتمعات العربية ومن كافة المستويات .. وكردود فعل طبيعية لهذه الظاهرة غير الطبيعيه ، راحت مكتباتنا الخاصة ، متخصصة بعرض كتب فنون الطبخ ، وتعليم الصلاة ، وفك طلاسم السحر، ومنذ زمن ليس بالقصير ، في حين اغلقت المكتبات العامه ، والعامرة بالكتب الجادة ، ابوابها لقلة الوافدين لزيارتها الى حد كبير .. وحصلت قطيعة شبه تامه ، بين واقعنا الثقافي وما ينضح به الفكر العالمي المتجدد ، ناهيكم عما نعانيه من نقص حاد في مجالات العطاء العلمي المتخصص ، واعتمادنا كليا في هذا الجانب ، على ما يقدمه لنا الغرب المتطور .
من هنا ، فان مؤسساتنا الثقافية ، أضحت بعيدة عن اهتمام المستثمر ، أيا كانت جنسيته ، بسبب الضمور الحاصل في اوصالها ، وابتعادها عن المواقع المؤثرة في وعي الجماهير .. وبذلك فقدت تلك المؤسسات ، المحرك الرئيسي لفعالياتها من حيث الدعم المادي باعتباره الاكثر تأثيرا في عملية دفعها الى أمام .
ترى مالذي حصل .. وما هي الاسباب المباشرة وغير المباشره ، لكل هذا التردي الثقافي ، وازدياد وتائر التراجع في مديات الوعي لدا الفرد في منطقتنا ، الى الحد الذي اصبح فيه ، تعاطي الثقافة نوع من أنواع البطر غير المقبول ؟ .
يقول الكاتب السعودي ابراهيم البليهي ، في معرض حواره مع مقدم برنامج إضاءات التلفزيوني المعروف ، ما مضمونه ، بانه من سمات التردي الثقافي العربي ، هو افتقار أغلب الكتاب والباحثين العرب لوسائل التواصل مع الفكر الحديث ، فعمدوا الى البحث في بطون كتب التراث القديمه ، كالعقد الفريد والاغاني وسواهما لتفسير ظواهر الحياة الحديثة وتحديد معالم المستقبل .. فكما أن المتتبع الواعي لا يرغب في حياته الحاضرة على ركوب الحمار في تنقله اليومي ، ورغبته في استخدام مكتشفات العلم الحديث لوسائل النقل ، فانه عليه ، أن يركن الى الاستفادة في خلق وعيه الجديد من ذات الاوساط المتقدمه ، والتي وفرت له ما يجعله يتنقل بين بقاع العالم في ساعات قليله .
إذن .. فنحن امام طرفين من محاور البحث ، علينا أن نختار من بينهما ما يوصلنا لغاياتنا في بناء حضارة جديدة ، الاول هو ذلك الارث الثقيل مما تركه لنا الاوائل من فكر ازدحمت به بطون الكتب ، وحيكت من خلاله آلاف الافكار المبنية على أسس كانت في حينها صلدة تحمل من يقف عليها دون ان تنهار ، ثم أضحت ضعيفة الهيكل ، لا تقوى على مواصلة الصمود امام سيل يتدفق بغزارة مما تفرزه الحضارات المتجدده .. والثاني هو ما نلمسه من توجهات تعتمد المنطق اسلوبا ، وتحترم قدرات الانسان العقلية ، فتهبه حق التفكير واستنباط نتائج تفكيره ذاك ، ومقارنتها بما يفرزه عقل الاخر للخروج بنتائج يفرزها الواقع لا الخيال .. نتائج تبدو مستقلة تماما عن كل افرازات الماضي البعيد ، ولا يقدس فيها رأي لأحد على حساب أحد ، ولا يحتل فيها المقدس مكانة تبيح له صد العقل ، ومنعه من ان يأخذ مداه الطبيعي في تغطية محيطه بافرازات نشاطه الابداعي المتواصل .
إن أية محاولة للجمع بين الاسلوبين ، الاعتماد على ماهو قديم وماهو جديد في استقراء شؤون الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصاديه ، لهو من دواعي الاستخفاف بالعقول ، سيما وانه سيؤدي في نهاياته المحتومه الى تغليب معطيات الماضي على الحاضر من الافكار .. وهذا ما عمد له الكثير ممن سعوا الى تجميل إرثنا المنقرض ، حينما حاولوا مجانسته قسرا مع ما يجري من زحف متسارع لاركان بناء الحضارات المتقدمة في العالم .
وتأسيسا على ما تقدم ، فانني أرى دائما ، بأن البقاء في ذات المحور ، والذي يبقينا ندور في مكان واحد ، ننبش إرثا ميتا من الافكار والاحداث ، لكي نثبت لانفسنا أو لغيرنا ، صحة او عدم صحة مذاهبنا الفكرية عموما ، هذا البقاء ، هو الذي جعل من حاضرنا يتيما بحق ، وهو الذي سلب منا القدرة على معرفة ما ينتظرنا من مصير وعلى مدى الاجيال القادمه ، وهو الذي ادى أيضا الى ان تكون محصلة القوى الجاذبة الى الخلف في حياتنا ، اكبر عزما من تلك القوى الدافعة الى امام كما هو الحال عند بقية الامم المتقدمه .
وكحصيلة حتمية لما نحن فيه من تردي ، جراء هذا الارتباط المجحف بالماضي والاقتداء بسير السالفين من ألأجداد الى حد الثماله ، فقد ماتت عندنا القوى الناعمه .. واصبحت لا تمثل في واقعها ابعد من تكرار ممل ، تلاك من خلاله احداث تشبعت عيوننا وادمغتنا بما افرزته من معاني .. فتجدنا نشاهد ذات الافلام المكررة يوميا ، ونقرأ ذات الكتب ، وتتكرر من حولنا وبشكل ممجوج ذات المعطيات الفكرية المعجونة بالمصطلحات السياسية القديمة الحديثه .. وبات فرسان الخطابة لا يبرحون اماكنهم من على شاشات التلفاز ، وهم يمطروننا بجمل مرصوفة الكلمات لم نعثر على غيرها في احاديثهم ولعقود مضت ، دون احداث أي تغيير منظور في حياة الناس .
هكذا ، وبهذه الطريقة ، نفقت قوانا الناعمه ، لتصبح جثثا هامدة لا حراك فيها ولا حياة ، ولكونها بدت عاجزة عن العطاء النافع ، وأظهرت عدم قدرتها على احتلال مكانة مرموقة في سوق الاعلام ، فقد تخلى عنها المستثمرون ، وبذلك غاب عنها الدعم المادي الضروري لتصبح بلا غطاء ولا مسوغ .. وما بقي منها ماهو الا عارض لأجندة خاوية المعاني ، يغرد من خلالها اصحابها خارج سرب البشرية المتحضره ، ومصيرها حتما سيكون الى الانكفاء ، ومن ثم الزوال .
#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بغداد ... متى يتحرك في أركانها الفرح من جديد ؟
-
أفكار تلامس ما نحن فيه من أزمه
-
نحن والتاريخ
-
بعيدا عن رحاب التنظير السياسي
-
حينما يصر أعداء العلمانية على رميها بحجر
-
عمار يا مصر ... 2
-
عمار يا مصر
-
نذور السلطان .. 5
-
ما لا يدركه الرجال .
-
نذور السلطان ... 4
-
نذور السلطان ..3
-
نذور السلطان ..2
-
نذور السلطان
-
الإمساك بأمجاد الماضي ، وحده لا يكفي .
-
رساله مفتوحه إلى السيده بيان صالح
-
رسالة مفتوحه إلى السيده بيان صالح .
-
إرفعوا أيديكم عن المسيحيين في مصر والعراق !
-
أفكار من أعماق الذات
-
حقوق النساء ، وإستحالة الحضور مع الواقع العربي الراهن .
-
إبحار في مشاعر أنثويه
المزيد.....
-
تصعيد روسي في شرق أوكرانيا: اشتباكات عنيفة قرب بوكروفسك وتدم
...
-
روبيو يلتقي نتانياهو واسرائيل تتسلم شحنة القنابل الثقيلة
-
مئات يزورون قبرالمعارض نافالني في الذكرى السنوية الأولى لوفا
...
-
السيسي يلتقي ولي العهد الأردني في القاهرة
-
بعد حلب وإدلب.. الشرع في اللاذقية للمرة الأولى منذ تنصيبه
-
إيمان ثم أمينة.. ولادة الحفيدة الثانية للملك الأردني (صور)
-
السعودية تعلق على الأحداث في لبنان
-
إسرائيل تتسلم شحنة من القنابل الثقيلة الأمريكية بعد موافقة إ
...
-
حوار حصري مع فرانس24: وزير الخارجية السوداني يؤكد غياب قوات
...
-
واشنطن وطوكيو وسول تتعهد بالحزم لنزع نووي كوريا الشمالية
المزيد.....
-
Express To Impress عبر لتؤثر
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
المزيد.....
|