|
رأي محكمة العدل الدولية في جدار الفصل العنصري: انتصار للشرعية الدولية والقانون الدولي
سليم يونس الزريعي
الحوار المتمدن-العدد: 893 - 2004 / 7 / 13 - 07:42
المحور:
القضية الفلسطينية
رغم كل الضغوط التي مارستها الإدارة الأمريكية ، والكيان الصهيوني وكذلك العديد من الدول الأوربية للتأثير على قرار محكمة العدل الدولية، أولا إن لجهة اختصاصها ، وثانياً إن لجهة صلاحيتها في إبداء الرأي القانوني في موضوع الجدار، نظراَ للتباين في وجهات النظر ، حول التكييف القانوني ، للموضوع المقترح عرضه على محكمة العدل الدولية، فقد انتصرت محكمة العدل الدولية للقانون الدولي ولمبادئ العدالة والإنصاف ، وقالت كلمتها في قضية جدار الفصل العنصري الذي تقيمه الدولة العبرية على الأراضي الفلسطينية التي احتلتها عام 1967 .
وهي بذلك تؤكد مبدأَ قانونياً هاماً، من أنها الأداة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة ، وأن ولايتها تشمل جميع المسائل المنصوص عليها بصفة خاصة في ميثاق الأمم المتحدة أو المعاهدات والاتفاقيات المعمول بها، الذي يخولها وفق نص المادة السادسة والثلاثين من نظامها الأساسي، البت في أي مسألة من مسائل القانون الدولي وكذلك التحقيق في الوقائع التي إذا ثبتت كانت خرقا لالتزام دولي .
وقضية جدار الفصل العنصري الذي تقيمه الدولة العبرية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ، يمثل نموذجا للتعدي الصارخ على قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي ، التي تعتبر الضفة والقطاع أراض تحت الاحتلال ، لا يجوز لسلطة الاحتلال أن تغير من طبيعتها .
الجدار: سياج أمني أم حدود سياسية : لقد عملت كلا من الإدارة الأميركية والدولة العبرية على تسخير كل وسائل الضغط والدعاية من أجل عدم عرض قضية الجدار على محكمة العدل الدولية ، بل وفي محاولة التأثير على المحكمة ، على اعتبار أن الجدار مسألة سياسية ، تحت دعوى أن عرض موضوع الجدار ، قد يعطل الجهود التي تبذل لإيجاد تسوية سياسية لموضوع الصراع العربي الصهيوني .!!! إلا أن الواقع الملموس كفيل ودون عناء لدحض كل الادعاءات الأميركية ـ الإسرائيلية ، لأنه في الوقت الذي يستمر فيه العمل في الجدار ، تواصل آلة الحرب الصهيونية عمليات القتل والتجريف والتدمير والمصادرة وبشكل يجعل الحديث عن " عملية سلام " مجرد أكذوبة ، لا يمكن أن تنطلي أو يصدقها أحد .
وكون الإدارة الأميركية والدولة العبرية يعيان تماما أن محكمة العدل الدولية خارج نطاق السيطرة الأميركية ، الأمر الذي لن يمكنها من ممارسة "امتياز حق الاعتراض" ، المكرس لها في مجلس الأمن ، فقد حاولت إبعاد موضوع الجدار عن القضاء الدولي ، لأنه كفيل عندها بكشف زيف الادعاءات الأميركية حول حرصها ودفاعها عن الشرعية الدولية والقانون الدولي ، إذا ما صدر حكم القضاء الدولي بعدم شرعية وقانونية الجدار، وهو الأمر الذي سعت بكل الأساليب لتفادي حدوثه.
ومن ثم فإن الحديث الأميركي ـ الإسرائيلي بعدم اختصاص المحكمة يستهدف تجريد القضية من أبعادها القانونية بذريعة أن الجدار له بعد أمني فقط ، ولو كان ذلك صحيحا لحرص الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية على أن يقام الجدار داخل ما يسمى بالخط الأخضر، حتى يتم تجنب التعدي على حق الشعب الفلسطيني ومن ثم مخالفة القانون الدولي .
ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن فكرة الجدار ليست وليدة شرط الانتفاضة كما يريد أن يوحي بذلك الكيان الصهيوني ، بل إن تلك الفكرة قد جرى تداولها ونقاشها على أوسع نطاق داخل المؤسسة السياسية العسكرية الصهيونية ، ُبعيد احتلال الضفة والقطاع عام 1967 ، وكان أول من طرحها " بنحاس سبير " الذي اقترح حدودا قابلة للدفاع عنها ، فيما كتب " دوري جولد " كبير مستشاري شارون " إن الجدار الفاصل سيتطور كي يصبح سوراً سياسياً دائماً" .
الجدار الفاصل : معطيات ونتائج :
يخترق جدار الفصل العنصري مناطق الضفة المحتلة عام 1967 بطول 650 كيلو متر وبعمق يتراوح بين 23 ـ 300 كيلو متر، حتى تتمكن الدولة العبرية من ضم 75 مستوطنة مقامة في أراضي الضفة الغربية إلى نطاق حدود الكيان الصهيوني، لكي تكون امتدادا إلى المناطق المحتلة عام 1948 ، مصادرة بذلك ما يزيد على45 في المائة ، من مساحة الضفة البالغة 5500 كيلو متر مربع بما فيها القدس ، يقطنها ويملكها 108918 مواطن فلسطيني . ولتنفيذ مخطط الضم ، قامت قوات الاحتلال بتجريف ما مساحته 229 ألف دونم من الأراضي الزراعية ، واقتلعت 100 ألف شجرة زيتون ، كما صادرت 165 ألف دونم لصالح بناء الجدار ، وفي الوقت نفسه فقد تم الاستيلاء على حوض المياه الغربي ، وهو أهم أحواض المياه الجوفية في الضفة ، وكذلك على40 بئرا تقع بين الجدار الفاصل وما يسمى بالخط الأخضر ، كانت تستغل لاستهلاك 32 ألف مواطن فلسطيني .
ويمتد الجدار في مرحلته الأولى مسافة 360 كيلو متر ، و45 كيلو متر في مرحلته الثانية ، بعرض يتراوح بين 80 ـ 100 متر ، وبارتفاع 8 أمتار ، وهو مكون من أسلاك شائكة لولبية تمثل العائق الأول في الجدار ، يليه شارع مسفلت بعرض12 متر لتنظيم عمليات المراقبة والاستطلاع ، ثم شارع مغطى بالتراب والرمل الناعم بعرض 4 أمتار ، لكشف آثار الأقدام ، ويأتي بعد ذلك الجدار ، وهو جدار أسمنتي ارتفاعه 8 أمتار يعلوه سياج معدني إلكتروني بارتفاع ثلاثة أمتار مركبة عليه أجهزة إنذار إلكترونية وكاميرات , وأضواء كاشفة ، كما عمد جيش الاحتلال إلى تثبيت رشاشات بالجدار ذات مناظير ، عبارة عن كاميرات تلفزيونية صغيرة يمكن التحكم بها من موقع المراقبة عن بعد .
وعلى ضوء هذه المعطيات يكون الجدار قد قطّع أوصال الضفة من خلال وضع الفلسطينيين في معازل، كبيرة تمتد من شمال الضفة إلى جنوبها ، مصادرا بذلك أي إمكانية للتواصل الجغرافي ، وضرب البنية الاقتصادي للمجتمع الفلسطيني ، وذلك كله يصب في سعي الدولة العبرية لخلق وقائع على الأرض ترسم من خلالها حدودها الراهنة والذي بدوره ينفي أي مقومات موضوعية مستقبلية للدولة الفلسطينية .
ولأن بناء الجدار في أراضي الضفة الغربية يمثل انتهاكا صريحا لكافة المواثيق والأعراف الدولية خاصة قرار الأمم المتحدة بتاريخ 21/10/2003 الذي يدعو الكيان الصهيوني إلى وقف وإزالة الجدار المقام في الأراضي الفلسطينية ، بما في ذلك أجزاء داخل القدس الشرقية ، وأمام رفض الكيان الصهيوني الرضوخ للإرادة الدولية ، ولتجنب حق الاعتراض الأمريكي في مجلس الأمن ، فقد أحالت الجمعية العامة للأمم المتحدة ، موضوع الجدار إلى محكمة العدل الدولية باعتبارها جهة الاختصاص القضائي والقانوني ، لأحذ رأيها الاستشاري فيما يتعلق بشرعية وقانونية الجدار ، بعيدا عن تعسف الإدارة الأمريكية في استخدام حقها في الاعتراض في مجلس الأمن على أي قرار يدين الكيان الصهيوني ، جاعلا من الدولة العبرية كيانا فوق القانون والشرعية الدولية .
محكمة العدل الدولية : قرار تاريخي : ولأن حق الاعتراض الأمريكي حدوده مجلس الأمن ، وأن لا سلطان لأي دولة على ضمير محكمة العدل الدولية ولا على قضاتها ، سوى موضوعية القضية محل النظر ، فقد سعت الإدارة الأميركية والكيان الصهيوني جهدهما ، بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى ، منع تحويل قضية الجدار إلى محكمة العدل الدولية، لانعدام قدرة الإدارة الأمريكية على استمرار ممارسة دورها في حماية الكيان الصهيوني ، الذي لم يلتزم منذ زرعه في فلسطين بأي قرار دولي .
ومن هنا فإن قضاء محكمة العدل الدولية يمثل انتصارا لقواعد القانون الدولي وللشرعية الدولية في مواجهة الهيمنة والتسلط الأميركي ، الذي شكل ولا يزال سياج حماية لكل التصرفات غير الشرعية للكيان الصهيوني على امتداد الستة عقود الماضية .
فمحكمة العدل الدولية في حكمها كشفت وأكدت حقوقا للشعب الفلسطيني ، وفي الوقت نفسه فرضت التزاما على الكيان الصهيوني والمجتمع الدولي ، بحيث تعدت ما يمكن أن يقال من أن رأي المحكمة استشاري فقط .لأن طلبها من كل دول الأمم المتحدة القيام بإجراءات فاعلة فعليا لوقف بناء الجدار يتجاوز كونه رأيا استشاريا " كل الدول من واجبها عدم الاعتراف بالوضع غير القانوني الناجم عن بناء الجدار ، وعليها الامتناع عن تقديم المساعدة أو العون في الإبقاء على هذا الوضع " .
بل إن محكمة العدل الدولية ، حمّلت الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن باعتبارهما جهة الاختصاص في حماية الأمن والسلم الدوليين ، مسؤولية البحث في الخطوات اللازمة لإنهاء الوضع غير القانوني ، الناجم عن بناء الجدار ، وبإشارة ذات دلالة وجهت إصبع الاتهام إلى دور الإدارة الأميركية الراعي للكيان الصهيوني الخارج على الإجماع الدولي والشرعية الدولية بالقول " إن مجلس الأمن لم ينفذ مهامه بسبب صوت سلبي لدى التصويت على قرارات متعلقة بالجدار " ، وفي الوقت نفسه أكد القرار على عدم مشروعية المستوطنات المقامة في الأراضي المحتلة عام 1967 باعتبارها تمثل انتهاكا للقانون الدولي .
فالنص في القرار على اعتبار الكيان الصهيوني يمثل قوة احتلال ، يُلزمها بالضرورة ، وبمقتضى القانون الدولي واتفاقيات جنيف بمسؤوليات هذا الاحتلال ، ولذلك فإن قوة الاحتلال ملزمة " بمقتضيات المعاهدات التي تضمن الحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية ، وأن لا تقيم أي حاجز يحول دون تنفيذ هذه الحقوق " .
وبذلك فإن المحكمة في سياق قرارها تقضي برد كل الحجج الأمنية التي تذرع بها الكيان الصهيوني ، من أجل إقامة الجدار ، معتبرة أن بناء الجدار يمثل " انتهاكا بموجب القانون ، ولا يمكن تبرير بناء الجدار بالضرورات العسكرية أو متطلبات الأمن القومي أو النظام العام "، وحدت المحكمة صور تلك الانتهاكات للقانون الدولي التي أقدمت عليها الدولة العبرية ، ببنائها جدار الفصل العنصري في النقاط التالية : ـ يعد بناء الجدار " بمثابة ضم للأراضي الفلسطينية " المحتلة . ـ الجدار " يعوق حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير " . ـ جدار الفصل العنصري " يعيق حرية تنقل الفلسطينيين وحقهم في العمل والصحة والتعليم ".
وفي سبيل تأكيد وترسيخ قواعد القانون الدولي خطت محكمة العدل خطوة هامة من خلال الطلب بشكل واضح وصريح ، ليس فقط بإزالة الجدار ، ولكن بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بالفلسطينيين جراء بنائه ، عملا بالقاعدة القانونية التي تقول ، كل من تسبب في ضرر للغير ملزم بجبر الضرر .
فالاحتلال ملزم قانونا بأن يوقف على الفور أعمال البناء " إسرائيل ملزمة بإصلاح كل الأضرار التي سببها الجدار على أرض فلسطينية محتلة ، بما في ذلك القدس الشرقية وما حولها " ، والدولة العبرية " ملزمة أيضا بتقديم تعويضات عن الأضرار التي لحقت بجميع الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين " .
وماذا بعد : إن قرار محكمة العدل الدولية يمثل محطة هامة في إطار الصراع المفتوح متعدد الأشكال مع الكيان الصهيوني ، خاصة وأنه لا يمكن لأي قوة أو جهة دولية أن تشكك في قانونية وصدقية وشرعية حكم أو رأي محكمة العدل الدولية . ومن ثم فإن موقف الاتحاد الأوربي ، الذي عبر عنه المتحدث باسم المفوضية الأوربية " أن حكم محكمة العدل الدولية بشأن الجدار ، يؤكد فيما يبدو خرق إسرائيل للقانون الدولي " لا يمكن فهمه إلا في هذا السياق .
وبالتالي فإن إمكانية محاصرة الدولة العبرية على صعيد دولي ارتباطا بذلك الحكم يشكل مدخلا هاما لمعركة قانونية سياسية ، من سيقف ضدها سيكون بالضرورة في الموقف النقيض من الشرعية الدولية والقانون الدولي. ولعل ذلك أول نقاط ضعف الموقف الأميركي الذي بادر بالتحذير من استغلال قرار المحكمة من الجانب الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني .
إنها معركة الشرعية الدولية والقانون الدولي ، ضد من ينتهك القانون والشرعية ، وهو ميدان ، ميزان القوة فيه هي للحق والعدل وقواعد القانون الدولي ، لا لطائرات الأباتشي ودبابات الميركافاه " والفيتو الأميركي" وبالتالي فإن الحكم بعدم شرعية الجدار وبضرورة إزالته ، يجب أن تكون البداية من أجل إزالة جدار الفصل العنصري مقدمة لكنس الاحتلال كل الاحتلال .
#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أحياء ...أموات
-
الفجر يأتي... ولومتأحراً
-
الفجر يأتي ... ولو متأخراَ
-
الدم الغض ... وأضعف الإيمان
-
اللغة والمفاهيم : بين شرط اللحظة وشرط الحق والتاريخ
-
المبادرة الأمنية المصرية: بين النوايا الطيبة وإرادة شارون
-
استفتاء الليكود : غير الشرعي يستفتى ...على غير المشروع
المزيد.....
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
-
نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا
...
-
-لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف
...
-
كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي
...
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|