|
لماذا لا يصلي ساركوزي وبراون صلوات الاستسقاء؟
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2932 - 2010 / 3 / 2 - 09:43
المحور:
كتابات ساخرة
طبعاً يبدو السؤال بسيطاً، وساذجاً، لكنه صادم في بعض جوانبه بالنسبة لبعض الإيديولوجيين المؤدلجين والمبرمجين سلفاً، غير أن الإجابة عليه تبدو، أيضاً، بمنتهى بساطة وسذاجة السؤال نفسه، لأن معظم الغربيين أولاً، هم من غير المسلمين والعياذ بالله، ولا يصلون ولا يأبهون كثيراً بالطقوس الدينية، وثانياً لأن المطر محض ظاهرة ومنتج لجملة من الظروف الطبيعية والمناخية، ويخضع لقوانين فيزيائية ولا علاقة له بأي غيب، فالله، تبارك وتعالى، لا يرسل الأمطار لقوم ويمنعها عن قوم، وعلى الأخص إن كانوا من القوم المؤمنين الموحدين به، الركـّع السجـّد العابدين الزاهدين القانتين الساجدين له بكرة وأصيلاً. هكذا المفترض. غير أن الافتقار للعلم وللرؤية العلمية، والجهل بآلية هطول الأمطار، وتموضعها الجغرافي والمداري وتوزعها وزمانها ومكانها، لا يحتسب أو يفسر وفق ثنائية الكفر والشرك، ولكن وفق قوانين فيزيائية صارمة تتحكم بالكون، لكن الجهل المطبق يجعل البعض يلجأ للغيب والماورائيات طلباً للمطر، الذي لا ينزل عادة بعد كل صلاة، لا قد يستمر القحط واليباس والتجفاف، وبأكثر، مما كان عليه قبل الصلاة وكما حدث ويحدث في غير مكان من المنطقة الصحراوية الجدباء القحطاء، والعياذ بالله.
لا بل تحمل لنا أنباء العلم وعظمة عقل الإنسان، أن بالإمكان إنزال المطر عبر قنابل "مطرية" خاصة، كما هناك قنابل تمنع سقوط المطر في زمان ومكان ما، كما حدث في دورة الألعاب الأولمبية الأخيرة، في بكين، هذا والله أعلم على أية حال.
وإنها، وبحق، لواحدة من الأسرار الكبرى والمبهمات الغريبات غير المفهومات، أن ينعم الله على قوم الضلالة والكفر والشرك بالله، من "الصليبيين واليهود"، بالماء الوفير العذب الرقراق، والأنهار والبحيرات، ويفيض عليهم بشكل دائم بالأمطار السيلية الـ Torrential Rain كما حدث في فرنسا وغرب أوروبا في اليومين الماضيين، فيما يحرمه ويضن به على ديار الإيمان، والتوحيد، والعبادات القائمة صباح مساء، بحيث يطلبونها طلياً، ويتوسلونها توسلاً من خلال صلوات الاستسقاء. فالمطر الذي ينهمر مدراراً في عواصم الغرب، ومن دون صلوات استسقاء، هو حلم نادر وأمنية من الأمنيات الكبرى في مهبط الوحي وديار الإيمان. ولكن الإنسان لا يعدم الحيلة والله، سبحانه وتعالى، "لا يقطع بحدا"، كما تقول الأمثال، فقد أرسل لبلاد الجفاف والقحط واليباس، رسلاً من نوع آخر، غير الرسل الذين يعرفونهم، هم رسل العلم والحضارة والتمدن، كي يجعلوا من مياه البحر المالحة ماءً عذباً سلسبيلاً يشربه الفقهاء والوعاظ الذين يؤمون في صلوات الاستسقاء، ويدعون بالويل والخراب والفناء على هؤلاء الذين حلّوا لهم المياه، ولكنه سبحانه وتعالى، ولحكمة منه، لا يستجيب لهم على الإطلاق، ويستمر بإنزال المطر على مدار العام في بلاد الكفر والضلال. ولذلك فقد أقام رسل الحضارة والعلم هؤلاء محطات لتحلية المياه الـ Desalination Stations ليشرب منها الوعاظ، في قلب الصحراء وليحولوا، وبفضل العلم فقط وامتلاك ناصيته، الملح إلى سكر، ويا سبحان الله الواحد القهار. ولكن المشكلة التي باتت تعترض المدراء والعاملين والعاملات في محطات التحلية هذه هي إصدار حكم بالموت عليهم جميعاً، باعتبارهم دواويث، وذلك من خلال الفتوى التي أصدرها الشيخ الوهابي الجليل عبد الرحمن البراك، بقتل كل من يرضى بالاختلاط ويختلط بالنساء، والعياذ بالله. فإذا تم قتل كل هؤلاء المختلطين والمختلطات من الخبراء والفنيين والمهندسين، في معامل تحلية المياه وغيرها من المنشآت التي تمد هؤلاء الفقهاء بأسباب العيش والبقاء والهناء والاسترخاء، تطبيقاً لفتوى مولانا الشيخ الجليل، فإن الحياة ستتوقف على الأرض تماماً، فمن أين سيأتي الشيخ الجليل، بعد ذلك، بالماء العذب في الصحراء ليشربه، هنيئاً مريئاً، ويستمر بإصدار فتاويه "التنويرية" للبشرية جمعاء؟ وهلل سيستطيع بعد أن يفنى ويغيب رسل العلم والحضارة هؤلاء، أن يقيم صلاة الاستسقاء في الربع الخالي؟
غير أن الجديد في صلوات الاستسقاء، هو أن بعض العرب، وفهلويهم الشطار، قد استغل التقدم التكنولوجي الهائل الذي وفره علم الأرصاد الجوية الحديث الـ Meteorologyأو الـ Weather Forecasts ، حيث أصبح من خلاله بالإمكان التنبؤ بالطقس ولعدة أيام وأسابيع قادمة، لذا يعمد هؤلاء إلى الاستعانة بموظفي الأرصاد الجوية ليسألونهم فيما إذا كان هناك أمطار قادمة، فإذا تم الرد بالإيجاب، يقوم الشطار بالدعوة لصلوات استسقاء، قبيل الموعد بيوم أو يومين، ليبدو الأمر وكأنه معجزة، وكما حصل في أكثر من مكان، وتحصل "المفاجأة، والمكرمة وشفاعة طويلي العمر عند ربهم وتهطل الأمطار، وفق التنبؤات المبنية على القراءة الإحداثية العلمية، وليس وفق صلاة الاستسقاء، ويصفق القوم فرحين طربين، ويخرج الوعاظ مبتهجين ليدللوا على "كرامات"، طويلي العمر، ومكانتهم السامية عند ربهم، الذي لا يرد لهم طلباً، هكذا بكل بساطة. بينما، وفي نفس الوقت، الذي يكون فيه ساركوزي، وميركل، وبراون، وبيرلسكوني، يرفعون الأنخاب، والمنكر، من الواين والويسكي و"التاكيلا"، والذي منه، والعياذ بالله، في قمة الاتحاد الأوروبي، أو سواها، ودون أن يقوموا بأية صلوات أو ابتهالات، يكون وابل الأمطار في الخارج يهطل على الأرض من السماء، ليل نهار، وبنسب عاليه، ليكسب الأرض خصوبة، وجمالاً، واخضراراً، وتنبت المحاصيل، والأشجار والثمار التي يتم تصديرها لاحقاً لديار الإيمان، وتعرض بشكل أنيق في "المولات" والمراكز التجارية في هذه الديار، التي يبدو أنه لم يعد ينبت فيها إلا "بذور" التكفير والكراهية والحقد وفتاوي التهريج والإرهاب.
لا حاجة للأوروبيين والغربيين، عامة، لإقامة صلوات الاستسقاء، لأن القضية محض طبيعية، وعلمية، وتتعلق بجملة من العوامل المناخية التي تجعل من هذا الإقليم ماطراً، أم لا؟ كما لا حاجة لصلاة الاستسقاء في ديار الإيمان، لأن القضية لو كانت تتعلق بالصلوات، والدعوات، وتعاويذ الفقهاء، لكانت هذه البلاد ستنعم بفيضانات وسيول تغرق العباد والجماد، نظراً لكثرة التعبد والصلوات، ولكن هذا لا يحصل، البتة، وهنا المعضلة والسؤال، وكل الحمد والشكر لله، وجازاهم الله خيراً، على كل حال.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل مشيخات الخليج عربية، أولاً، حتى يكون خليجها عربياً؟
-
السلف الصالح والجهل
-
الشيخ البراك: كلكم دواويث بإذن الله
-
العرب ومحاولة السطو على اسم الخليج الفارسي
-
أهلاً أحمدي نجاد
-
هل تراجعت العلمانية في سوريا، حقاً؟
-
فضيحة للموساد أم فضائح بالجملة للعرب؟
-
تاريخ وحضارة تندى لها الجباه 3
-
تاريخ وحضارة تندى لها الجباه2
-
تاريخ وحضارة تندى لها الجباه
-
مأزق الإخوان المسلمين: لا حل إلا بالحل
-
الموساد: غلطة الشاطر بألف
-
هل حسن نصر الله أحمد سعيد؟
-
زلزال الخليج القادم
-
هل يحاكم سفاحو البدو الكبار بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية؟
-
ما أحوجنا لثقافة الحب...ما أحوجنا لفالانتاين!!!
-
هل هم عرب اعتدال، فعلاً؟
-
سيرك الفتاوى الدينية
-
لماذا يخاف العرب والمسلمون من العولمة؟
-
خطر الأدمغة أم خطر المؤخرات؟
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|