|
أطول وأسوأ قصيدة في الشعر العربي الحديث ( 5 ) – لمن العالم ؟
منذر مصري
الحوار المتمدن-العدد: 892 - 2004 / 7 / 12 - 06:10
المحور:
الادب والفن
25- أمّا ما شاهدتُه هذه الليلة فلم يكن له سيمياء المنامات لم يكن له سحنة الأكاذيب لقد رأيتُ بأُمِّ عيني ما كنت أرفض تصديق أني أراه حتّى لو قام الرفيق ستالين من مقرِّ قبره الأخير تحت جدار الكرملين الذي يبدأ بعد دوره في الهدم ورمى المنجل الذي كان يحمله معه دائماً ويستخدمه في كلِّ شيء من تقشير التُّفَّاح إلى حلاقة الرؤوس بأنواعها أمّا رؤوس البصل بالتحديد فقد كان يؤثر مثل كلِّ فلاحٍ أُممي في العالم تَهشيمها بقبضته ومدَّ يده إلى شعار الشيوعية المعلق أينما ذهب فوق رأسه وأخذ بدلاً عن منجله ذاك أخته التي هبطت إلى المدينة وعملت في مصانع الحديد الرفيقة المطرقة ثم جاء إليَّ بشحمه ولحمه وشاربيه الكثَّين ووراءه كلٌّ من خليفتيه بابا خروشوف الَّذي آمنَ قولاً وفعلاً بأن الحرب الحقيقية بين الاشتراكية والرأسمالية تجري في المطبخ باذلاً كلَّ جهدِه لتحقيق شعار وجبة العشاء جيدة لجميع أفراد الشعب هذا باعتباره عن حقّ ثاني طباخٍ حكَم الإتحاد السوفيتي وبريجينيف من اضطر آخر أيّامه أن يستقبلَ ضُيوفه في مكتبه بدل استقبالهم حسب التقاليد الدبلوماسية على أرض المطار وذلك لأنَّه كان لا يزال يعمل بسلكٍ موصولٍ بالتيَّار الكهربائي قصيرٍ نسبياً فتقنية القيادة عن بعد لم تكن حتى تاريخه قد استخدمت في الأغراض السلمية وأخبرني ستالين طبعاً فأيٌّ منهما يجرؤ أن يتكلم في حضرته بأنَّه ذاهبٌ مع الشَّباب مباشرةً لهدم برلين عفواً يقصد جدار برلين نعم ... ما كنت لأصدق ما كانت تراه أربعُ عيوني حتى لو حلمت به عشرة ليالٍ متتالية قبل وقوعه وكأنَّ عزولاً كتب لي كتابةً عند شيخٍ يخاوي الجِنَّ أو حاسداً أصابني بعين فلقد رأيت قبل أن تدخل جوفي قطرةٌ واحدةٌ من هذا العسل الممدَّد كيف كان الألمان أبناء جنود الإس إس إس والضُّباط القادة والفيلد ماريشالات ثعالب الصَّحراء وذئاب الثَّلج وأسماك قرش البحار الأسطوريين أنفسهم ذكوراً وإناثاً شيباً وشبّاناً يقفزون على ظهر الجدار كالقرود ولا ينفكون ينهالون عليه بالفؤوس والمطارق وآلات الحفر الرجّاجة ليقطِّعوه فرماً فرماً ويمزقوه إرباً إرباً والجدار لا يحرك ساكناً وعندما يشفون غليلهم وينجحون في تفتيت قطعةً منه ولو بحجم الكفّ تراهم يتعانقون مثل عشّاقٍ بعد طول غياب وهم في ذات الوقت يضحكون ويبكون ويبكون ويضحكون ثم خشية الملل من تكرار مشاهد العناق هذه التي لا أدري لماذا لم تتطوَّر كما كان ينبغي إلى مشاهد جماعٍ كاملة أتحفونا ببعض الصُّور السَّوداء والبيضاء من الأرشيف البالغ القدم والتي أحتفظ بها طوال هذه السنين انتظاراً لهذه المناسبة موثَّقة بالتواريخ والأسماء والوجوه عن المراحل الأولى لبناء الجدار أتبعوها بأفلامٍ حيّة صورت بشكل متقطِّع عن أناسٍ حاولوا فيما مضى الطيران من فوقه أو حفر الأنفاق من تحت أساساته وكيف بعد أن أحبطت محاولاتهم نقلوا إلى المشارح على حمالاتٍ ميدانيةٍ خفيفة ومن ثم إلى المقابر أمّا من سلمت جثمامينهم إلى ذويهم فقد وضعوأ في توابيت مُرصَّصةٍ مُنع أيٌّ كان حتى الأُمَّهات من فتحها وتوديعهم أبنائهم بنظرة وذلك بعد أن أدَّى الجنود واجبهم الوطني كاملاً منفذِّين الأوامر الحرفيّة باصطياد الطَّائرين كالعصافير والزَّاحفين كالجرذان وإطلاق النّار كيفما اتفق على كلِّ مهووسٍ لعبت بعقله الأضاليل الغربية وأزاغت عينيه وهي تضيء مرتين بالأحمر ومرّة بالأزرق ومرةً تنطفئ ثم تعود لتضيء لوحات إعلاناتها فراح يلقي بنفسه لا يلوي على شيء فوق الأسلاك المكهربة حول الجدار . 26- جدارٌ واحدٌ كهذا صدِّقْ استطاع تقسيم أمَّة بل استطاع تقسيم العالم وكان بمقدوره لو أُتيح له أن يُتابع عمله على خير وجه أن يرفع الكرة الأرضية إلى صدره ويشُقَّها بالسكين من القطب إلى القطب وأقسم لك وأنا ألطم ثديي الأيسر بقبضة يدي وأدعها هناك فوق قلبي بأنّه يوجد ألف جدار مثله في العالم واحدٌ منها أشدُّ علواً وأشِدُّ ثخانةً في رأسي ولا داعٍ للحلفان أني أستطيع أن أراه في المرآة وأتحسسه بأصابعي كما أنّه في بيتي جدارنٌ لم أستطع يوماً تعدادها هذا واحدٌ وهذا اثنان وهذا خمسةٌ وهذا عشرة ولدي بابٌ ذو أربعة أقفال أعلاها رتاجٌ حديدي إذا أنزلته لا أحد من أهل بيتي يستطيع رفعه غيري علماً أن جاري في الباب المقابل هو أخي وكل سكان بنايتِنا الّتي عمَّرها أبي من أفراد عائلتي ما عدا الطّابق السُّفلي تحتلُّه أرملة شهيد مع بناتها لم يستطع أبي إخراجهن من بيتهم لتحويله لمحلات تجارية أُسوةً ببقيَّة الطوابق الأرضيَّة في حيِّنا بسبب القوانين التي تقف مكتوفة الأيدي ومتباعدة الساقين أمام هذه الحالة إضافة للدَّوافع الإنسانية المعروفة لأنَّ أب أطال الله لحيته يصدِّق أنِّه إبراهيم آخر جاء من اللاَّ مكان بناءَ على وعدٍ أقامه معه الربّ كتبه له بسبابته التي تقدحُ شرراً على لوحِ من الخَشَب وبحروفٍ نارية بأن يُقيمَ له في هذه الوهاد مملكةً وأن يكون له سلالة وذريَّة وكون جَدِّي قد جاء من مصر إثر جائحة جوعٍ أو مرض ولقب نتيجة ذلك بالمصري فإنَّ هذه الواقعة المثبتة في دوائر الأحوال الشخصيَّة تقلب نبوءته عقباً على رأس لكنه يعتبرها خروجاً ثانيأً وعبوراً عجائبياً آخر ويزيده هذا إيماناً بقداسة قضيته وأنا حيالَ هذا الخبل العظيم لا أستطيع أن أفعل شيئاً غير أن أُكمِلَ احتفالي بسقوط بسقوط جدار برلين وأكرع هذه الزُّجاجة علها تكون الأخيرة والقاضية قبل أن أفاجأ بمياه بركة السعادة التي وجدتني أخبص فيها تندفع كسيلٍ إلى البالوعة قبل أن يتحول عرسي إلى مناحة لأن عروسي آثرت الانتحار على الزَّواج منِّي ويجب عليَّ الآن أن أصلِّي وأدعو اللَّه أنا الّذي لا أعرف كيف أصلِّي واللَّه الذي يبدو وكأنَّه بات لا يفهم العربيَّة الَّتي اختارها مِن بين آلاف الألسن لتكون لغة آخر ما يريد أن يقوله لنا اللَّه الذي يدير لنا أذنه الصَّمّاء ويدير لغيرنا آلاف آذانه المرهفة اللَّه ... اللَّه ومَن غيره تريد مِنِّي أن أَدعو مَن غيره تريد منِّي أن أسترحم أن لا يستحيل ما رأيته بكلتا أُذنَيّ وما سمعته بكلتا عَينَيّ إلى أحد أنواع هلوساتي المعهودة التي أعاني منها كلما طال مكوثي وحيداً دون أن يطرق أحدٌ بابي أو يسأل عنِّي بالهاتف أن لا تنتهي قصيدتي هذه أغنيتي هذه إلى شخير أن لا يأتي مباشرةً بعد ذهابك أيُّها الصديق وكأنَّك لا سمح اللَّه أنت مَن أرسلهم أربعة عشر أو خمسة وعشرون عنصراً من أخوة الماء والهواء والتراب والنار ويتوزَّعون شاهرين أسلحتهم الخفيفة والمتوسطة وفق خطَّة اقتحامٍ مدروسة أمام مدخل البناية وعلى سطحها وعلى طول الدَّرج قبل أن يقرع أحدهم بكلِّ هدوءٍ بابي . ـــــــــــــــــــ انتهى الجزء (5 ) ويتبعه الجزء ( 6 ) الأخير
#منذر_مصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أطول وأسوأ قصيدة في الشعر العربي الحديث (4 ) - لمن العالم ؟
-
أطول وأَسوأ قصيدة في الشعر العربي الحديث ( 3 ) لِمن العالَم
...
-
أَطول وأَسوأ قصيدة في الشِّعر العربي الحديث: ( 2 ) - لِمَن ا
...
-
أطول وأسوأ قصيدة في الشعر العربي الحديث: ( 1 )
-
شيء ضاع مني
-
عُذراً محمود دَرويش: ليس بِمُكنسة بل بِمِكنَسَة
-
القَصيدة المحرَّمَة - 4 من 4 )
-
القَصيدة المُحرَّمة - 3 من 4
-
القصيدة المُحرَّمة - 2 من 4
-
القصيدةُ المُحَرَّمَة : ( 1 من 4 ) ـ
-
السِّيرك
-
السِّيرة الضَّاحِكة للموت
-
سوريا ليست مستعدةً بعد لأحمد عائشة
-
ردٌّ على ردٍّ عمومى على رسالة خصوصية 3 من 2
-
ردّ عمومي على رسالة شخصية 2 من 2
-
ردّ عمومي على رسالة شخصية 1 من 2
-
طراطيش حول الشراكة الأوروبية السورية
-
أنا وهمنجويه ودانتي والمِقص
-
قَصيدةٌ واحِدَةٌ كَتَبها محَمَّد سَيدِة عنِّي مُقابل10قَصائد
...
-
مَاذا جِئتَ تَأخُذ ؟
المزيد.....
-
Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي
...
-
واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با
...
-
“بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا
...
-
المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
-
-هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ
...
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|