|
السلف الصالح والجهل
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2931 - 2010 / 3 / 1 - 11:34
المحور:
كتابات ساخرة
"دحشت" وزارات الثقافة والتربية والتعليم في المنظومة المسماة دولاً عربية، "دحشت" في رؤوسنا، الكثير من الأكاذيب والأضاليل والافتراءات العلمية التاريخية التي تشبه عملية غسل الدماغ الحقيقة لتجميل ذاك التاريخ، وتقديمه بصورة مقدسة وخارقة، لاسيما لجهة تمتع سلفنا الصالح، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، بقدرات علمية استثنائية لم تأت لمثلهم من العالمين، وأنهم هم أساس العلم والحضارة في العالم، هذا مع العلم أنهم يتباهون، في مواضع أخرى، بأن معظمهم كانوا أميين وغير متعلمين، ولم يذهبوا لا لهارفارد ولا لأكسفورد أو جورج تاون وإسكس، ولا حتى للكتـّاب، حيث لم يكن موجوداً، وبكل حسرة وألم، في ما يسمى بجزيرة العرب لا مدارس ولا جامعات ولا أنظمة تربوية ولا تعليمية ولم يكن هناك ما يشير إلى تفوق وتقدم علمي هائل في تلك المنطقة من العالم في ذلك الزمن الآفل، وكانت الناس تعيش على الصدفة و"السبحانية" والبركة والأقدار ولم تكن بقادرة على التحكم بمصائرها وحياتها على الإطلاق حيث كانت السيادة للأمراض والطبيعة والأمية والجهل وكانت الأمراض والأوبئة تفتك بها من دون أن تقدر أن تفعل حيالها شيئاً وتذكر لنا كتب التاريخ عن الطاعون والأوبئة والسل والجدري والهواء الأصفر الذي كان يضرب "بني قومنا"، وتهلك الآلاف منهم من دون أن تقدر الحجامة وبول البعير والدعوات الصادقة أن تفعل معها شيئاً إلى أن أتى أطباء الغرب ورسل العلم الحديث كباستور، وفليمنغ (البنسلين) وإدوارد جينر (الجدري) وكوخ للسل...إلخ، ووضعوا حدا للأمراض الفتاكة التي كانت تفتك بسلفنا الصالح ذات يوم ووقفوا أمامها عاجزين. فقد كانت معظم المعارف والمعلومات السائدة هي سرديات وقصص أسطورية متوارثة ومنقولة جيلاً بعد آخر لا تغني ولا تسمن من جوع، لتجارب بشرية في العيش والحياة، تم الاعتقاد في حينه بأنها ذروة ما توصلت إليه البشرية من اختراعات كالتداوي بالحجامة وبول البعير وآخر العلاج الكي، والقول مثلاً بسطحية أرض، وتفسير الزلازل والبراكين، على أنها تحرك الأرض على قرن الثور العملاق الذي يحملها، وأن السماوات هي سبع طباقاً...إلخ، ليأتي عصر التنوير والثورة العلمية لتفند وتدحض وترمي بكل تلك المعتقدات والمعارف والنظريات والسرديات الأسطورية السائدة بمزابل التاريخ، ويثبت العلم بأن لا وجود لشيء اسمه سماء، ولا سبع سموات طباقاً، ولا من هم يحزنون، وأن هذا الفضاء متناه ولا بداية ولا نهاية له، وأن الأرض هي مجرد كرة غير مسطحة، وتكاد تكون بحجم رأس دبوس في مجرة تسمى درب التبانة، ، هي الأخرى نقطة متناهية في الصغر ورأس دبوس آخر في سلسلة لا متناهية من المجرات التي تتناثر في الفضاء الفسيح اللا متناهي، وكل هذا كان غائباً، وغير معروفاً، أو مدركاً بالنسبة لجهابذة وكبار فلاسفة و"علماء" السلف الصالح، التي كانت أرقى معارفهم تتجلى بالقول بسطحية الأرض والتداوي ببول البعير( لا يزال حتى اليوم تدريس الطلاب بأن الأرض سطحية في الإمارات الدينية العربية، وإلى اليوم يصلون صلوات الاستسقاء طلياً للمطر في نفس الإمارات ولكن الله لا يقبل منهم ذلك، ومع ذلك تبلغ كميات الأمطار نسباً فلكية في قلب أوروبة ومن دون صلوات استسقاء يقوم بها بروان وساركوزي وميركيل وبيرلسكوني). وقدّم العلم بصورة برهانية استدلالية يقينية ملموسة، لا تقبل الجدل، أجوبة على الكثير من الأسئلة الكبرى التي كانت تشغل بال الإنسان، وفسّر الكثير من الظواهر العلمية والطبيعية المبهمة كالزلالزل والبراكين والشروق والغروب والفيضانات والأمطار، التي كانت ترد في عصور الظلام إلى الغيب والأسطورة.
كما قدم العلم والاختراعات والإبداعات الحديثة، التي لا علاقة للغيب والأسطورة والفكر السردي بها، نقول قدم اختراعات وإبداعات تشبه إلى حد كبير كبير السحر الذي لا يمكن تخيله أو تصديقه بالنسبة لسلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليه. وكانت اختراعات من مثل الطيران، والسيارة، والهاتف، والراديو، والكهرباء، والتلفزيون، والموبايل والكومبيوتر والإنترنت ........إلخ، بكل صدق قفزات بشرية هائلة قلبت حياة الإنسان بصورة جذرية ونوعية ووضعته على مسارات لم يكن يتوقعها أو يتخيلها أحد من السلف الصالح، رضوان الله تعالى أجمعين، وغيـّرت، إلى حد كبير، حياه وطريقة تفكيره ونمط معيشته إلى الأبد. فلم يكن متخيلاً ، مثلاً، وأبداً بالنسبة لـ"أجدع"، عالم من علماء السلف الصالح ولم يخطر ببال أكثرهم عبقرية، أن يكون هناك جهاز مثل الموبايل تستطيع أن تتكلم فيه من قرية في نائية في جبال اللاذقية، مع صديق أو أخ في ملبورن، أو لوس أنجليس، ويوهانسبيرغ، ولو قال أحد بذلك لأحد من السلف الصالح، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، لاتهموه بالزندقة، والتخريف، والردة والجنون، وأقاموا عليه الحد وقطعوا رأسه، نتيجة لمحدودية دماغهم وعلومهم البسيطة وجهلهم العلمي الفظيع وعدم قدرتهم على التنبؤ بهذه العلوم العظيمة، حيث كانت جل معارفهم لا تتجاوز السيف والترس والغزو والحجامة وبول البعير وكيفية سبي نساء القبيلة المجاورة واعتنام تيوسها وبعيرها. ولو قلت لأحدهم بأن عشرات الأطنان من الحديد ستطير في الجو ناقلة معها مئات المسافرين، لتقطع آلاف الأميال وتضعك على شاطئ المتوسط في نيويورك بساعات، لا تهمك بالجنون والتبدع المكروه، وسمل عينيك، وقال لك بأن هذا بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ولو قلت له بأن عشرات آلاف الأطنان من الحديد العائم ستصبح مطارات في البحر كحاملات للطائرات، وستنقل بواخر عملاقة أخرى من الحديد الصلب آلاف الحاويات التي تحتوي على الطعام والغذاء وألعاب الفيديو والدشاديش والعقالات والنعال والفياغرا من الصين لأرض الحرمين، أي لخير أمة أخرجت للناس، لاتهمك الضلال وبالفساد في الأرض، ونفاك إلى صحراء الربذة فوراً، ومن دون أي تردد، واعتبر بأنك "تأكل" بعقله حلاوة وتقص عليه قصة من قصص شهريار وشهرزاد المحرمة شرعاً، وقصص إبليس والعفاريت والثعبان الأقرع والجان. ولو قمت بحل مسالة في الرياضيات المجردة أمام أي منهم لاتهمك بترديد طلاسم القوم الكافرين المشركين، وحكم عليك بسمل وفقء العينين.
لقد كشفت الاختراعات العلمية الحديثة كم كانت معارف أجدادنا العظام الأولين "تبع الحضارة" إياها، محدودة وضئيلة متواضعة وبائسة وضحلة وليست ذات شأن ولا يعتد بها، ومهما بلغت في حينه من حالة تقديسية ويقينية مطلقة، وأماطت التطورات العلمية اللثام عن جهل فظيع تمتع به سلفنا الصالح رضوانه تبارك وتعالى عليهم أجمعين. فقد حلت محل ذلك كله معارف وعلوم جديدة لا يرقى إليها الشك، والعالم المعقد هذا الذي نعيشه اليوم يسير اليوم على إيقاعها ووفق قوانينها وحسب. فحركة الطيران، والبواخر، والبورصات والمستشفيات والتنقل كل ذلك يسير بتقدير العلم العظيم الذي توصل العقل النقدي الديكارتي الغربي المتحرر من أسر الغيب والماورائيات والخرافات الكهنوتية، وليس العقل المكبل الأسير المسكون بالأساطير والوساوس الغيبية والفيروسات الخزعبلاتية الضحلة القاتلة.
إن كل الاختراعات الحديثة والعلوم الهائلة الباهرة التي قدمتها البشرية عبر هذه الاكتشافات العلمية الحديثة، تظهر بما لا يدع مجالاً للشك، كم كان سلفنا الصالح، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وعلماؤه، جهلة بأبسط الأشياء، وبأنهم كانوا بكل بساطة، لا يعرفون أي شيء، عن أي شيء. وبالتالي كم هي وضيعة وتافهة وآثمة وخاطئة كل تلك الجهات الوصائية التربوية والثقافية التي تسلطت على عقولنا وحشتها بالأضاليل، بل كم كانت مؤامرتها دنيئة على عقولنا الغضة والطرية البريئة حين ربطت حين حاولت أن تحشو رؤوسنا بـ"شوية" خزعبلات وأضاليل، نسفها العلم الحديث من الجذور، وصارت في حكم الزمن والتاريخ.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشيخ البراك: كلكم دواويث بإذن الله
-
العرب ومحاولة السطو على اسم الخليج الفارسي
-
أهلاً أحمدي نجاد
-
هل تراجعت العلمانية في سوريا، حقاً؟
-
فضيحة للموساد أم فضائح بالجملة للعرب؟
-
تاريخ وحضارة تندى لها الجباه 3
-
تاريخ وحضارة تندى لها الجباه2
-
تاريخ وحضارة تندى لها الجباه
-
مأزق الإخوان المسلمين: لا حل إلا بالحل
-
الموساد: غلطة الشاطر بألف
-
هل حسن نصر الله أحمد سعيد؟
-
زلزال الخليج القادم
-
هل يحاكم سفاحو البدو الكبار بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية؟
-
ما أحوجنا لثقافة الحب...ما أحوجنا لفالانتاين!!!
-
هل هم عرب اعتدال، فعلاً؟
-
سيرك الفتاوى الدينية
-
لماذا يخاف العرب والمسلمون من العولمة؟
-
خطر الأدمغة أم خطر المؤخرات؟
-
شيطنة سوريا
-
انتهى زمن العربدة الإسرائيلية يا ليبرمان
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|