محمد عبيدو
الحوار المتمدن-العدد: 2930 - 2010 / 2 / 28 - 14:44
المحور:
الادب والفن
ازدادت اهمية " السينما الهندية الجديدة " الهندية في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات. ومن دون ان تنافس جدياً السينما التجارية شقّت دربها الى الشاشات الهندية وشاركت في المهرجانات المحلية والعالمية، فتبرز اسماء : ساتياجيت راي , مرينال سين , شيام بينغال .غيريش كازارافالي، غوفيند نيهالاني، سعيد ميرزا، رابيندرا دهارماجي، غوتام غوز وآخرون.
مرينال سين مع ساتياجيت راي و ريتويك غاتيك من اهم مبدعي السينما البارعين والمعروفين في عالم السّينما البنغاليّة . وخلال عمله الممتد لخمسة عقود، اخرج سين 27 فيلمًا طويلا، 14 فيلم قصير و 4 أفلام وثائقيّة متنوعة من ناحية جمال التّصوير السّينمائيّ و المحتوًى لكنّ دائمًا عرض فكر تحليليّ عميق و أيديولوجيّة إنسانيّة بالتزام عميق نحو " زمني , فانا ببساطة لا استطيع ان اقفز عنه , وما دام الفقر والجفاف والمجاعة والظلم الاجتماعي هي حقائق سائدة في زمني , فان عملي كمنتج افلام هو ان افهم هذه الحقائق . وربما كان مرينال سين مثلا فريدا عن مخرج هندي ينمو من اخراج افلام غامضة التوجه ورمزية في البداية الى اخراج افلام تصور الواقع الهندي القاسي على نحو دقيق .
مرينال سين من مواليد 14 ايار 1923 في فريدبور، منطقة الآن في بنغلاديش الحديثة . بعد إنهاء مدرسته في فريدبور، جاء سين إلى كالكوتا لدراسة الفيزياء . في كالكوتا، كان متأثّر كثيرًا بالماركسيّة و منضمّ إلى جمعيّة مسرح الشّعب الهنديّ ( آي بي تي إيه ) - الواجهة الثّقافيّة للحزب الشيوعيّ الهندي . في نفس الوقت طوّر اهتمامه الثّابت في السّينما بعد قراءة كتاب عن علم جمال السينما .
عمل مرينال سين أوّل افلامه " نهاية ليل " عام ( 1955 )، ولم يلاقي نجاحا ثم يقدم فيلمه الثّاني " تحت السماء الزرقاء "( 1958 ) الذي اكسبه سمعته في صناعة السّينما البنغاليّة , فيلم بتأثير الواقعية الجديدة يعالج الصداقة بين ربة بيت بنغالية مستقلّة لديها ميول اليساريّة قويّة وبائع متجول صيني في كالكوتا خلال فترة الثلاثينات المضطربة سياسيا . تحت تأثير المرأة ، يطوّر البائع اهتمامه في صراعات مواطنيه البؤساء و ينضمّ إلى حركة المقاومة ضدّ القوّات اليابانيّة عند عودته إلى الصّين . الفيلم بموضوعه الماركسيّ بعلنيّة اصطدم بمشاكل مع الرّقيب و حُظِرَ لمدّة أكثر من شهرين . كان الفيلم شعبيًّا إلى حدّ ما بعد تحريره. فيلمه الثّالث " يوم الزفاف " ( 1960 ) تلقّى أيضًا التّقييم الهامّ و الشّعبيّ .الفيلم يدور في قرية بنغالية قبل و أثناء المجاعة المرعبة لعام1943 التي اودت بحياة 5 ملايين شخص . بنت عمرها 16 سنة تتزوّج رجلاً متوسّط العمر . في البداية تضيء حياته لكنّ الحرب العالميّة الثّانية و مجاعة في بنغال تؤدي بهما لليأس . الزواج يتفكّك . في النّهاية الزّوجة تشنق نفسها .
بعد " يوم الزفاف " ، اخرج سين خمسة أفلام أخرى لكنّ ايا منها لم يكن مثيرا للاهتمام فيما يخصّ الشكل و المضمون . في هذه الاثناء كان سين قد تعرف جيدا على التطورات في السينما الاوربية فراح يجرب وسائل جديدة وبستخدم لغة جديدة بنضج وتمكن عظيم وقدم عام ( 1966 ) فيلم " الاخوان " الماخوذ عن رواية شهيرة للكاتب " باينراهي " . ويلاقي سين صعوبات بالغة لإيجاد المنتجين لمشاريعه . في عام 1969، قدّم طلبًا لقرض من شركة تمويل الفيلم المشكّلة حديثًا (إن إف دي سي ) و تمكّن من الحصول على الاعتمادات لفيلمه القادم . النّتيجة كان بهفان شوم ( 1969 )، وفيه اختلاف جذريّ عن أفلام سين السابقة و السينما الهنديّة المعتادة لتلك الفترة . يخبر الفيلم قصّة بهفان شوم ( جسده بتألق أتبال دت )، عجوز بيروقراطيّ و صارم . تربى على العادات الاستعمارية , ويعتقد انه اقوم اخلاقا من الاخرين حتى انه عندما وجد ابنه قد ارتكب جنحة تافهة سرعان ما طرده كمن عمله . ودون ان يدري فان تصميمه القوي ومواقفه الرتيبة قد جردته من الصفات الانسانية .وفي النهاية , وبعد ان احس بالملل من الروتين المكتبي , قرر ان ان يخرج في اجازة قصيرة لصيد سمك البط في شاطئ بعيد في كوجارات . وهناك انفتح امامه عالم جديد , فلاحون بسطاء وعربات تجرها الثيران تصك العظام واخيرا فتاة ريفية ذات جمال ساحر اسمها غوري تتسلل الى قلبه . واكثر من ذلك , فهي زوجة رجل كان على وشك ان يصرفه من الخدمة لانه يقبض الرشاوي الصغيرة , ولكن روحها المرحة وشباها المتدفق سحراه وجعلاه يدرك ان في الحياة اشياء اخرى غير النظام القاسي . لقد قامت فتاة شابة بتدجين هذا البيروقراطي المرعب . يعالج الفيلم هذا التّحوّل خلال طريقة سّينمائيّة مبتكرة. . الفيلم هو العمل السّينمائيّ الأوّل لأميتاب باتشان .
بعد نجاح بهفان شوم، عمل مرينال سين سلسلةً من الأفلام الّتي أنشأت سمعته كمخرج أفلام سياسيّة بميول ماركسيّة : المقابلة ( 1970 ), كالكتا 71 ( 1972 ) و الفدائي ( 1973 ) الآن هب معروفة كثلاثيّة كالكوتا – نلاحظ فيهم التجريب السّينمائيّ المشبع بالأيديولوجيّة الماركسيّة . استخدام الهياكل القصصيّة الغير تقليديّة و الطّرق السّينمائيّة المتأثّرة كثيرًا بجان - لوك غودار لتصوير الأوقات العنيفة و المضطربة لكالكوتا في السّبعينيّات.في فيلم المقابلة خلق جديد ورائع للبيئة المعاصرة لكالكوتا باضطرابها وتشوشها وفوضاها وتأثير كل ذلك على حياة الفرد العادي . وفي الكورس ( 1974 ) ينقل التأثير من الفرد الى الشرط العام .
بالرّغم من أنّ أفلامه تظهر نموّ الأفكار من الماركسيّة, الوجوديّة, السّرياليّة, التّعبيريّة الألمانيّة , اللّغة الفرنسيّة الحركة الابتكاريّة و الواقعية الجديدة الإيطاليّة، في تفاصيلهم الأسلوبيّة، هذه الأفلام في كثير من الأحيان تضاهي سّينما وودي ألن. مثل سينما ألن، سينما سين بمعظمها، لا توفّر النّتيجة الحاسمة أو النّهاية السّعيدة ( بخلاف كثير من أفلام معاصر سين المعروف ساتياجيت راي). في كثير من أفلام سين اللاحقة، الجمهور يصبح مشاركًا في عمليّة تطوّر الحبكة . يدعو المخرج و يستفزّ الجمهور الى عمليّة متقاسمة لتشكيل النّتائج المتعدّدة الّتي هي في نفس الوقت فريدة و مختلفة ..
كان سين قد بدأ يلفت الانظار آنئذ , وكانت الجوائز تنهمر عليه .ان التزاماته الاجتماعية وروحه الخلاقة واستخدامه للسينما كأداة للتغيير , كل هذه الامور جرى الاعتراف بها . ومع اهتمامه الجديد في الشرط الانساني والشخصيات الحقيقية ( من لحم ودم) اصبح لديه اهتمام بالحكايات المصقولة واصبحت افلامه تحمل مواضيعه المعتادة : القمع والظلم والحرمان التي يعاني منها افراد الطبقة الوسطى والدنيا .
. عام 1977 اخرج فيلمه " حكاية قرية "وهو قصة رمزية سياسية بارعة تتعلق بوضع ولاية جنوبية هندية تروي قصة فلاح شبه مجنون يرفض الاستمرار بالعمل ويعلق " بان العمل في هذا النظام الفاسد بمثابة ان يخدم هذا النظام " , ويتزوج ابنه من فتاة شابة تعمل كعاملة ولكنها تموت وهي تضع مولودها ويتسول الاب والابن لجمع المال لاحراق جثتها لكنهما يبذرانه على الشراب . يعتبر " حكاية قرية " واحدا من اكثر افلامه نضجا , وقد عززه باسلوب بصري هائل .
دخل مرينال سين في طور الابداع الناضج في مهنته . الأفلام مثل إك دن براتيدين ( 1979 )، أكالر سانداني ( 1980 )، تشالتشيترا ( 1981 )، خاريج ( 1982 )، خانداهار ( 1983 )،الخرائب ( 1984 ), إك دن أتشاناك ( 1989 ) و ماهابريثيباي ( 1991 ) يستكشف عبرها التّوتّرات و التّناقضات المتأصّلة في وجود الطّبقة الوسطى البنغاليّة . في هذه الأفلام يتجنّب التجرييبه الطّليعيّة المبكّرة و يكيّف أسلوبًا ملتزمًا أكثر باسر أخلاقيّ، أخلاق و تناقضات الطّبقة الّتي شكّلت الواقع المدنيّ البرجوازيّ في كالكتا .
( بحثًا عن مجاعة ) عن طاقم فيلم متحرّر يساريّ يجيء الى قرية نموذجيّة لتصوير فيلم عن مجاعة بينغال عامي1942-43 و يبقى في قصر زامينداري القديم المسكون فقط بشيخ محتضر فقط و زوجته المخلصة – ادت الدور بشكل رائع بسيناتور جيتا زوجة مرينال سين باستخدام ، سن في هذا الفيلم المتعدّد الطّبقات يحقّق في سياسة المجاعة، خطّ التّقسيم المدنيّ الرّيفيّ الّذي يشكّل مواقف القرويّين المختلفين نحو وحدة الفيلم، الغموض الأخلاقيّ لليسار المتحرّر و بالطّبع السّحر و فرحة عمل الأفلام . فاز الفيلم بالجائزة القوميّة لأفضل فيلم و أيضًا جائزة أفضل مخرج . و فاز بالدّبّ الفضّيّ في مهرجان برلين السّينمائيّ 1980 . خاريج (أُغْلِقَتْ القضيّة) الشعور الكبير والعميق بالذّنب، القلق و نفاق عائلة خاصّة من الطّبقة الوسطى تتأثّر بالموت المفاجئ والغامض لخادمهم الصّغير بسبب الاختناق بغاز اكسيد الكربون الكربون الاحادي وهو محبوس ينام في مطبخ العائلة السّيّئ التّهوية . الفيلم الّذي تألّق فيه أنجان دت و ماماتا شانكار في أدوار البطولة فاز بجائزة لجنة التّحكيم في مهرجان كان السينمائي 1982 .
كثير من أفلام سن بمرحلة متأخّرة تُمَيَّز بخطّ قصصيّ قليل يتّحد شكل جملي خاص . البداية ( 1986 )، تمثيل ناسيردين شاه، أم بري و شابانا عزمي تصوير قويّ لامرأة الرجل الأبديّة و نزاع العشاق عبر المنظر الفارغ لصحاري راجاسثان . أنتارين - المنعزل ( 1993 ) ، يصف حياة رجل وامرأة وحيدين ويعيشان عزلة قاتلة يلتقيان معًا بصورة غير متعمّدة خلال مكالمة تحب المراة الاتصال في منتصف الليالي , ولم يكن ذلك الرجل غير ودي. لم يعرف ايا منهما من يكون , وتدورالايام ويزداد الكلام . وتبدا لعبة غير مألوفة هي بطيئة ولكنها محتمة , محتفظين لانفسهم بمسافة غير محدد في عاصمة غير منظمة , بنى الرجل والمرأة عالمهم الغريب .
لم يتوقّف مرينال سين عن التجريب بوسائله الخاصة. في أفلامه اللاحقة حاول التّحرّك بعيدًا عن الهيكل القصصيّ و عمل حبكات رفيعة جدًّا . بعد توقف طويل لثمانية سنوات، في سنّ الثمانين، قدم فيلمه الأخير، أمار بهبان، في عام 2002 . قصّة عائلة مزارعة مسلمة فقيرة سين يعود إلى انشغاله السّابق بالفقر و الاستغلال
تلقّى مرينال سين و أفلامه الجوائز في المهرجانات السّينمائيّة القوميّة و الدّوليّة العديدة مثل كارلوفي فاري، كان، فينيسيا، برلين , موسكو , مونتريال, شيكاغو، و القاهرة. عروض أفلامه قدمت تقريبًا في كلّ المدن الكبيرة للعالم . أيضًا قد تلقّى عدد من درجات دكتوراة فخريّة من الجامعات المختلفة، الهند و بالخارج . مرينال سين اُنْتُخِبَ أيضًا كرئيس الاتّحاد الدّوليّ لجمعيّات الفيلم .
#محمد_عبيدو (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟