طالب إبراهيم
(Taleb Ibrahim)
الحوار المتمدن-العدد: 2933 - 2010 / 3 / 3 - 08:27
المحور:
الادب والفن
اعتادت أن تأخذني معها للعمل في حقول القرية.
يومها كنت صغيراً ووحيداً، ومازلت وحيداً لأن والدي غادرنا.
ولأنّي صغير، ولأنها أنثى، فقد كنّا نعمل حتى بعد أن يمضي الرّجال،
حتى نحصل على أجرة يوم كاملةً، أقصد أجرة رجل واحد.
الشمس تغزو السّماء، وحرارتها تحرق أذيال العصافير،
والأمواج الصفراء لا تنتهي.
بعد كل ضربة منجل، كانت أمّي تحثني على الحصاد، وأنا أحثّها
على ترك العمل.
تقول لي عندما تتأكّد أنّي تعبتُ، ومللتُ:
"بالله عليك ماما… كل شيء ليس من النّبع راح يخلص.."
سئمت هذه الجملة لكثرة ما كرّرتها، ووجدتُها فارغة
عندما اسودّت قوايَ.
ضربت الأرض بالمنجل، وصرختُ:
"يا ريت يكون من النّبع، كان خلص، بس هادا التعب ما راح يخلص.."
ثم جلست في مكاني أبكي.رفعت ظهرها المقوس، وطوت منجلها حول رقبتها العرقى،
وأرخت طرف تنورتها السوداء من زنّارها القماشيّ.
اقتربت منّي، ومسحت وجهي بكفّها الخشنة، وحتى لا أرى عينيها اللتين تكسرا تعبي، أغمضت عينيّ.
رفعت رأسي، وقالت:
ـ "ماما.. راح علمك علّومه..بتسمع منّي؟!"
لم أرد، وكنت أعرف أنّي سأردّ في النهاية.
كرّرت بصوت دافئ حنون كالتلاوة:
ـ "شو ماما."
بصوتها الرّقيق، بنغمتها الحزينة القديمة قدم الأرض، قالت:
ـ ليك ماما.. اشتغل.. اشتغل.. و اتعب.. واضحك عَ التعب.."
عرفت كيف؟!.. اضحك عَ التعب.."
كبرتُ لحظتها، وما زلتُ كبيراً حتى الآن.ابتسمت، فابتسمتْ.
ووقفتُ، وعدتُ لدائرتي "السّنابلية" تحت وقع نظراتها الإلهية.
عدنا بعد مغيب الشّمس، أنا وأمّي، نزرع طريق القرية ضحكاً
على تعب غبيٍّ، استقرّ في كل ثانيةٍ من جسدينا..
ومن يومها وأنا أضحك على التعب. أضحك على الحزن..
على السّفر.. على الغربة.. على الشّوق.. على السّقوط.. على الموت..
أضحك على الموت وعلى سنوات السّجن الطويلة..!!
#طالب_إبراهيم (هاشتاغ)
Taleb_Ibrahim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟