|
صورة الرئيس في الإعلام الكردي
عبدالكريم عمر
الحوار المتمدن-العدد: 891 - 2004 / 7 / 11 - 08:39
المحور:
القضية الكردية
إن صورة الرئيس الكردي ,المرسومة إعلاميا والتي تعاد إنتاجها يوميا في الوسائل الأعلم الكردية٫ تفصح عن سمتين أساسيتين لهذا الإعلام. الأولى: خضوع الإعلام الكردي لمفاهيم القبلية التي سادت المجتمع الكردستاني لعصور طويلة٫ والتي تسلم بوجود شيخ القبيلة وحاشيته في قمة الهرم القبلي يتمتعون بمطلق السلطة في حكم القبيلة و أدارتها. أما السمة الثانية: فهي امتداد للأول٫ وتمثلت بخضوع الإعلام الكردي للأيدلوجيات الحزبية التي تأثرت بالأفكار الستالينية والكليانية التي سادت بقاع واسعة من الشرق خلال القرن الماضي. تلك الأفكار التي نهضت على مفاهيم غير واقعية حول دور القائد في الحزب والمجتمع. من قبيل ”القائد الضرورة، ”المفكر كلي القدرة كلي المعرفة” وغير ذلك من المفاهيم الغيبية.
إن علاقة الإعلام الكردي بالقادة الكرد هي امتزاج لهاتين السمتين ولكن اخطر ما تتسم به هذه العلاقة هو إنها تسير بمنحى شبيه بالذي تطورت فيه علاقة الإعلام بالحكام٫ في أنظمة الحكم الديكتاتورية٫ لدى الأمم المجاورة للكرد. والتشابه أحيانا يصل إلى درجة التناسخ. فمظاهر هذا التشابه تتجلّى٫ كما كان الأمر عليه في أي إعلام ديكتاتوري٫ في إظهار نشاطات القائد الرئيس٫ الأمين العام٫ والملهم لدى البعض٫ كفاتحة ٫للأنباء و بادئة لكل النشرات الأخبارية٫ سياسية منها وحتى الثقافية و الرياضية. فما إن يستقبل القائد شخصا٫ سواء أكان هذا الشخص رئيس دولة٫ شيخ عشيرة٫ سفير حكومة٫ إمام مسجد أو كائنا من كان٫ حتى غدت كل ما عداه من الوقائع والأحداث ٫رغم جدتها في الزمن ٫أو شدّة ما احتوتها من١لأهمية والمحن٫ ثانوية ـ بالمقارنة مع أخبار الرئيس ـ في أهميّتها و تالية في ترتيبها.وما أن تفوه القائد بكلام٫ في أي موقف كان أو مكان٫ حتى تبوأ بعض من الإعلاميين الكرد منابر المديح و بدؤوا بالبحث عن مكامن الحقيقة ودلائل العظمة في ما قاله القائد وما عناه. و صورة العلاقة بين قادة الكرد وإعلامهم تبدو اكثر جلاء وفجاجة في القنوات الإعلامية الأكثر جماهيرية٫ اعني بها القنوات التلفزيونية الكردية.
وفي هذا السياق لابد من الإشارة بأن القنوات الإعلامية التي يملكها الحزب العمال الكردستانى و مفرزا ته اللاحقة قد تفوقت في هذا المضمار على زميلاتها الأخريات٫ لسبب بسيط هو أن صورة الرئيس ٫لديهم ٫تفوق في بهائها و عظمتها صورة أية شخصية توتاليتارية لدى أنظمة الحكم الديكتاتورية للأمم المجاورة للكرد. لا بل إن القائد كان ولا يزال في ذهن هذا الإعلام شاغلا مرتبة الإله٫ والإله كان هو الأول دوما٫ والمجادلة في كل ما يتعلق بالقائد٫ بالرغم من أن القائد هنا هو حاكم من المفترض انه لا يزال في طور التشكيل٫ هو سلوك من شأنه خدمة لعدوٍ ما٫ وخيانة للقضية.
وحتى تكون الصورة واضحة وكي لا يبدو الكلام مجرد اتهام٫ سأورد أمثلة على سلوك الإعلام الكردي في تعامله مع الخبر.ولابد من التأكيد هنا بأن المتتبع لهذا الإعلام ليس بحاجة للأمثلة كبراهين. إذ إنها كثيرة ويومية تثير غالبا القرف والاشمئزاز.
يوم03/03/04 كان يوما دمويا في العراق. عدة انفجارات و عمليات انتحارية استهدفت مدنيين عراقيين كانوا يمارسون شعائرهم الدينية في ذكرى العاشوراء. حصيلة الانفجارات كانت عشرات القتلى والجرحى. هذا الخبر احتل مكان الصدارة في كل الوسائل الإعلام العالمية٫ بسبب فظاعة الجريمة بذاتها من جهة٫ ومن جهة أخرى لما توقّعه المحللون من نتائج و فتن طائفية محتملة في العراق. في ذلك اليوم كان الخبر الأول في تلفزيون كردستان٫ القناة التلفزيونية المملوكة من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق٫ هو إن السيد مسعود البارزاني استقبل وفدا من اليزيديين الكرد في مقر إقامته.وجاء خبر مجازر كر بلاء والكاظمية تاليا في سياق النشرة الأخبارية. بالرّغم من أن مجازر يوم عاشوراء٫بكل المقاييس السياسية والإعلامية بدت٫ حينه٫ من الأمور الأكثر أهمية و تأثيرا على العراق عامة بما فيها كل ما يخص المسألة الكردية.
يوم ٦/2/ 04 احتلت عدة أخبار صدارة النشرات الأخبارية في الإعلام العالمي. عالميا٫ رئيس إحدى الدول مات في حادث انفجار طائرة٫ والحادث كان ما يزال غامضا. على الصعيد الإقليمي٫ كان كشف الحكومة الليبية عن برامج التسلح لديها٫ والتقارب بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية مفاجأة سياسية استدعت الدهشة والكثير من الأهمية في الإعلام العالمي. ولكن الخبر الأول في النشرات الأخبارية لذلك اليوم ٫ في تلفزيون “كورد سات “ القنال المملوكة من قبل الاتحاد الوطني الكردستاني٫ كان :هو أن السيد جلال الطالباني ٫ الأمين العام لذلك الحزب٫ قد استقبل موظفا من السفارة التركية٫ في مقر إقامته في بغداد. والأخبار الأخرى جاءت ثانوية بالنسبة إلى هذا الخبر.
والسؤال هو: لماذا سلك الإعلام الكردي٫ مســـلك الإعلام الديكتاتوري٫ خاصة الإعلام البعثي٫ في تعامله و صــياغته للأحداث؟ لماذا يتجه الإعلاميون الكرد نحو تســــــــخير إمكاناتهم و معارفهم خدمة للمؤسسات الحزبية أو العشائرية في المجتمع الكردي؟
لعل الإجابة على هذه الأسئلة تكمن في أن الإعلام الكردي لا يزال بمجمله إعلاما حزبيا. والأحزاب الكردية لاتزال٫ في بنائها التنظيمي والأيدلوجي٫ تتبع المركزية الهرمية. وكل المؤسسات التابعة لهذه الأحزاب تخضع٫ بحكم هذه المركزية٫ لما يريده القائد٫ أو الحاكم إذا ابتغينا الدقة. وصورة الرئيـس٫ التي أشرنا إليها سابقا٫ في الإعلام الكردي٫ هو تمويه من الإعلاميين وكأنهم يوظفون مهاراتهم لخدمة الحزب و قائده. لكنها٫ في واقع الحال٫ محاولة غير نزيهة لكسب ما أمكن من منافع مادية وشخصية أو درء ما أمكن من الخسائر التي قد تنتج عن أي موقف يتسم بالاســــتقلالية والانحياز نحو الحقيقة التي قد تتعارض مع مواقف الحزب أو العشيرة. ولان الإعلام الكردي هو إعلام حزبي فإن الصراعات والخلافات الحزبية داخل المجتمع الكردي انعكــست على “صورة الرئيس” في هذا الإعلام. كلٌ في تناوله للأخبار والأحداث يعطي الأهمية الكلية لرئيــــس حزبه ويغّيب أي دور للآخرين, ذلك حسب قاعدة انصر أخاك ظالما أو مظلوما. الأمر الذي نلاحظه يوميا في القنوات الإعلامية للحزبين الرئيسيين في كردستان العراقية. اعني بهم الحزب الديمقراطي الكردستاني ولاتحاد الوطني الكردستاني.
إضافة لذلك٫ ثمة الكثير من العاملين في الوسائل الإعلام الكردية ممن اكتسبوا ســــلوكية الخنوع والاستسلام لا رادة القادة والسياسيين في ظل الأنظمة الديكتاتورية التي سيطرت على كردســــتان.هؤلاء يتمتعون بمهارة تقنية مكنتهم بسهولة من تبوء مراكز مهمة في الإعلام الحزبي الكردي. ساعدهم في ذلك افتقارهم للقيم الثقافية الحرة واستعدادهم الدائم لعرض مهارتهم كســــلعة يمكن مقايضتها بأية منفعة مادية. أولئك يتعاملون مع القادة الكرد تعاملهم قبل ذلك مع ديكتاتوريي الدول المســـــيطرة على الكرد٫ انهم معتاد ون على خدمة الحاكم مهما كان شـــــكله أو هويته. و معتاد ون على المباراة في إنشاء المديح للقادة والديكتاتوريين.
وعلى الرغم من إن الأحزاب الكردية ذات المركزية الهرمية لم تتأكد بعد من تفردها بالسلطة في كردستان,
وربما بسبب ذلك فإنها لم تتحول بعد إلى أجهزة عسكرية خاضعة لمصلحة الشريحة الحاكمة.على الرغم من ذلك, فان الإعلام الكردي قد تحول مبكرا إلى أبواق تصيغ الواقع وفق سياسة الأحزاب وأهوائها.
* عبدالكريم عمر
#عبدالكريم_عمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما هو نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية؟
-
كيف ستؤثر مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت على حرب غزة ول
...
-
إسرائيل تقصر الاعتقال الإداري على الفلسطينيين دون المستوطنين
...
-
بين فرح وصدمة.. شاهد ما قاله فلسطينيون وإسرائيليون عن مذكرات
...
-
عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدا بحرب الإبادة في غزة ولبن
...
-
2024 يشهد أكبر خسارة في تاريخ الإغاثة الإنسانية: 281 قتيلا و
...
-
خبراء: الجنائية الدولية لديها مذكرة اعتقال سرية لشخصيات إسرا
...
-
القيادي في حماس خليل الحية: لماذا يجب علينا إعادة الأسرى في
...
-
شاهد.. حصيلة قتلى موظفي الإغاثة بعام 2024 وأغلبهم بغزة
-
السفير عمرو حلمي يكتب: المحكمة الجنائية الدولية وتحديات اعتق
...
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|