أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - أوري أفنيري - العدل، الغاز والدموع















المزيد.....

العدل، الغاز والدموع


أوري أفنيري

الحوار المتمدن-العدد: 890 - 2004 / 7 / 10 - 04:50
المحور: القضية الفلسطينية
    


كان من الممكن، وسط الهدوء والوجوم الذي ساد قاعة المحكمة، سماع زفير وقع المفاجئة على عشرات الحاضرين، حين تلا القاضي أهرون براك قرار محكمة العدل العليا بشأن الجدار الفاصل، عندما وصل إلى الكلمات: "لم يتصرف القائد العسكري بشكل مقبول كما هو متوقع".

في تلك اللحظة أدرك كل الحاضرين في القاعة، ومعظمهم من نشطاء السلام، أننا قد انتصرنا.

قبل أربعة أيام، لم يكن أي منا ليحلم بذلك. كنا بعيدين كل البعد عن ذلك الهدوء الشاعري الذي ساد مبنى المحكمة الأنيق: بعد جغرافي وصل إلى عدة كيلومترات، وبعد نفسي من آلاف السنين الضوئية.

كنا نركض من خلال ضباب الغاز، نختنق، ندمع ونسعل، في مركز بلدة الرام.

بدأ ذلك في جو ودي، فقد وصلنا بقافلة من الحافلات، نشطاء سلام من مختلف أنحاء البلاد، للنتظاهر بمعية سكان الرام ضد الجدار، عشية إصدار قرار المحكمة العليا.

كنا نتوقع أن يتم توقيفنا في الحاجز على مدخل الرام. لم تكن المظاهرة سرية، فقد أعلنا عنها مسبقا في الصحف. كنا مستعدين للهبوط من الحافلات بسرعة واجتياز الحاجز مشيا على الأقدام. ولذلك فوجئنا حين علت الابتسامات على وجوه أفراد حرس الحدود المرابطين على الحاجز. وقد كان شرطي حرس الحدود الذي صعد إلى الحافية مشجع جدا. "هل تعلمون إلى أين تتوجهون؟" سأل بدفء. عندما أجبنا بالإيجاب، تمنى لنا "يوما موفقا" وأشار إلينا بمواصلة طريقنا.

آلاف الفلسطينيين المحليين انتظرونا في مركز بلدة الرام. كانت النية أن نسير معا في الطريق الرئيسي، على امتداد الجدار المخطط له، الذي يهدف إلى بتر اكتظاظ الفلسطينيين هناك. لقد تم وضع ألواح الباطون الضخمة المعدة لبناء الجدار في المكان، إلى جانب خط امتداده، تنتظر اللحظة التي ستبطل فيها المحكمة سريان مفعول أمر المنع الاحترازي الذي أعاق البناء.

كان من شأن المظاهرة أن تكون سلمية بطبيعة الحال. وإثباتا لذلك: مشينا في الصف الأول، تتشابك أيدينا، رجل دين مسيحي أورثذكسي، أحد الشيوخ المسلمين البارزين، أعضاء كنيست وأعضاء البرلمان الفلسطيني في الحاضر والماضي ووجهاء البلدة. وقد مشت في المقدمة فرقة البلدة الموسيقية.

تم تجهيز خمس مطارق مسبقا، كخطوة رمزية، وبعض المتظاهرين كان عليهم استخدامها لطرق ألواح الباطون الموضوعة هناك.

واصلنا سيرنا بهدوء في الشمس الحارقة. وفجأة ظهرت أمامنا مجموعة من أفراد حرس الحدود على قمة التلة المقابلة للشارع. قبل أن نستوعب ما حدث، أطلق علينا وابل من القنابل المسيلة للدموع، واحد اثنان، ثلاثة، العشرات. بلحظة واحدة كان ضباب من الغاز يلفنا، بيحث غطى أيضا أي طريق للهرب.

تفرقنا إلى كل حدب وصوب، ولكن قنابل الغاز استمرت في الانفجار من حولنا. ومن نجح في الوصول منا إلى مركز البلدة هوجم بالغاز وخراطيم المياه والعيارات المطاطية. أصبح المكان أشبه بميدان معركة حقيقي - ضباب من الغاز وأصوات انفجارات القنابل الصوتية – إطلاق النار، صفير سيارات الإسعاف الفلسطينية، صناديق مشتعلة على امتداد الطريق، لافتات متروكة، وحوانيت مقفلة. عندما بدأ رجال الإسعاف الأولي يركضون حاملين المحامل باتجاه سيارات الإسعاف، ظهر صبية من الأزقة وبدأوا بقذف الحجارة باتجاه أفراد حرس الحدود. بين الحين والآخر، انقض علينا عدد من أفراد حرس الحدود، وقبضوا على المتظاهرات والمتظاهرين وجروهم إلى سيارات الجيب المصفحة. اشتعلت النار في إحدى سيارات الإسعاف. ومتنكرون بزي عربي يشهرون المسدسات، يضربون الناس ويسحبونهم على الأرض.

لقد استمر ذلك أكثر من ساعتين. كل ذلك الوقت كان يراودني سؤال: ما الذي حدث؟ لقد كان من الواضح أننا وقعنا في كمين مخطط له مسبقا. ولكن ما الهدف من ذلك؟

في طريق عودتنا سمعنا الأخبار في الراديو حيث أعلن الناطق بلسان حرس الحدود بأن أفراد حرس الحدود قد هوجموا من قبل المتظاهرين، الذين قذفوا باتجاههم البلطات والمطارق. بدأ الجميع في الحافلة يضحكون.

لقد حل اللغز بعد يومين في المحكمة حين نظر القضاة في قضية الرام. لقد طالب محامو الحكومة بإلغاء أمر المنع الذي يؤخر بناء الجدار في بلدة الرام. لقد كان ادعاؤهم قاطعا: قبل يومين هاجم متظاهرون أفراد شرطة حرس الحدود الذين يقومون بحراسة المعدات في المكان. لقد تعرضت حياة أفراد الشرطة إلى الخطر. ولذلك، وبهدف الحفاظ على حياة رجال الشرطة أمام المتظاهرين الأشرار (نحن)، يجب الإسراع ببناء الجدار.

يبدو أن القاضي براك لم يقتنع بذلك. وقد أعلن أن المحكمة ستقوم يوم الأربعاء بالنطق بالحكم حيث سينطبق هذا الحكم على امتداد الجدار كله وبطبيعة الأمر على منطقة الرام.

وقد أصدرت المحكمة يوم الأربعاء قرارها بالفعل الذي أدى إلى دهشة كبيرة. لقد علمنا مسبقا أن المحكمة لا يمكنها إصدار قرار يقضي بأن بناء الجدار ممنوع بتاتا، فمثل هذا القرار من شأنه أن يشكل تحديا للحكومة والجيش والإجماع الوطني. لم نتوقع أيضا إصدار قرار يقضي بأن يقام الجدار على امتداد الخط الأخضر. لقد اعتقدنا بأن المحكمة ستقرر إزاحة الجدار بعدة كيلومترات هنا وهناك. إلا أن قرارها ذهب إلى أبعد من ذلك: ستلزم المحكمة بإجراء تغييرات كبيرة على امتداد الجدار كله البالغ 750 كيلومترا بهدف إبعاده عن القرى الفلسطينية وعن أراضيها.

لقد قبل القضاة من الناحية العملية الادعاءات التي صرحنا بها في عشرات المظاهرات الصاخبة: (أ) أن امتداد الجدار يتعارض والقانون الدولي، (ب) أنه يدمر نسيج حياة السكان الفلسطينيين ويحوّل حياتهم إلى جحيم (ج) أن هذا الامتداد لا ينجم عن حاجة أمنية، بل هو نتيجة النية في توسيع المستوطنات وضم مناطق كبيرة إلى إسرائيل وتهجير الفلسطينيين وتطهير المنطقة منهم.

لقد مشى القاضي براك الذي ترأس هيئة القضاة على حبل رفيع، فقد تحدى المؤسسة العسكرية كبيرة التأثير وجزءا كبيرا من الرأي العام من جهة، وفي الوقت ذاته أراد الحفاظ على سمعته الطيبة في المحافل القضائية الدولية.

قبل سنوات عديدة أجريت معه لقاء مطولا وقال لي في حينه شيئا ما زال مطبوعا في ذاكرتي: "لا تملك المحكمة فرقا عسكرية. فقوتها ترتكز على ثقة الجمهور. ولذلك لا تستطيع المحكمة الابتعاد عن الجمهور أكثر مما يجب". لقد أثبت هذا الأمر هذا الأسبوع مرة أخرى: لقد ذهب براك إلى أبعد من ذلك ولكنه علم في أي نقطة عليه التوقف: في منتصف الطريق بين امتداد الجدار المخطط له والخط الأخضر. لقد تلقى المساعدة من "مجلس السلام والأمن"، وهو مجموعة من الضباط الكبار المتقاعدين، دعاة السلام، الذي اقترحوا امتدادا بديلا.

براك علم جيدا أنه يعرض نفسه إلى خطر كبير: إذا تم تنفيذ عملية انتحارية كبيرة داخل إسرائيل فسيذنّب اليمين المتطرف المحكمة.

وقد قيل هذا الأمر بالفعل بعد دقائق معدودة من إصدار القرار حيث قال الميجر جنرال (احتياط) داني تيرزا، وهو ضابط يعتمر الكيبا ومسئول عن إقامة الجدار في وزارة الدفاع، بأن قرار المحكمة سيؤدي إلى قتل اليهود. لم يتم إقصاء هذا الرجل عن منصبه، لا سمح الله على الفور – فقد اكتفى وزير الدفاع بتوبيخه.

أما أريئيل شارون فقد كان راض عن هذا القرار على ما يبدو. صحيح أنه ستكون هناك حاجة لإعادة تخطيط امتداد الجدار، وهو أمر منوط بمصاريف كبيرة وبتأجيل كبير. إلا أنه من المتوقع أن تجمل المحكمة الدولية في هاغ، بعد أسبوع، رأيها حول الجدار وستتحول القضية إلى هيئة الأمم المتحدة. ستدعي حكومتا إسرائيل والولايات المتحدة عندها: أن المحكمة الإسرائيلية قد صححت العيوب.

على الجيش أن يحدد امتدادا جديدا في حي الرام وفي سائر ضواحي القدس على حد سواء. كلني أمل أن يبتعد أيضا عن الطريق التي أجرينا فيها المظاهرة يوم السبت المنصرم، فليس بنيتي أن أستنشق المزيد من الغاز هناك.



#أوري_أفنيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذهب الزرزور إلى الغراب…-
- أضرار نفسية غير مرتجعة
- فليشربوا من بحر غزة
- طومي والجدة
- اغتصاب رفح
- بوشارون: العد التنازلي
- المسخ الذي تصدى لصانعه
- فأنونو: السر الدفين
- جلد شارون، وجلد بوش المرقط
- الأرز المر (2) أو: مسيرة الحماقة
- رسالة إلى عرفات
- ثلاثة جنرالات وقديس واحد
- كل الاحترام، يا أصدقائي
- روميو الفلسطيني
- طالما ظل الجيتو في القلب
- الدب الراقص
- نعم سيدي الوزير!
- إلى غزة!
- إكليل الأشواك
- رجل أسكيمو في البنطوستان


المزيد.....




- في ظل حكم طالبان..مراهقات أفغانيات تحتفلن بأعياد ميلادهن سرً ...
- مرشحة ترامب لوزارة التعليم تواجه دعوى قضائية تزعم أنها -مكّن ...
- مقتل 87 شخصا على الأقل بـ24 ساعة شمال ووسط غزة لتتجاوز حصيلة ...
- ترامب يرشح بام بوندي لتولي وزارة العدل بعد انسحاب غايتس من ا ...
- كان محليا وأضحى أجنبيا.. الأرز في سيراليون أصبح عملة نادرة.. ...
- لو كنت تعانين من تقصف الشعر ـ فهذا كل ما تحتاجين لمعرفته!
- صحيفة أمريكية: الجيش الأمريكي يختبر صاروخا باليستيا سيحل محل ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان مدينة صور في جنوب لبنا ...
- العمل السري: سجلنا قصفا صاروخيا على ميدان تدريب عسكري في منط ...
- الكويت تسحب الجنسية من ملياردير عربي شهير


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - أوري أفنيري - العدل، الغاز والدموع