|
لويس ماسينو رجل المعرفة الدينية والعشق الصوفي
علاء هاشم الموسوي
الحوار المتمدن-العدد: 2924 - 2010 / 2 / 21 - 19:27
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ولد لويس ماسينيون في فرنسا عام 1883م وامتدت حياته حتى العام 1962م ، وفي مقدمة الكتاب الذي نشر عن حياته في السنوات الماضية والذي قامت عليه نخبة من المفكرين بإشراف الباحث الفرنسي جاك بيرك نقرأ أن ماسينيون كان يرى المقدس في صميم كل إنسان وكل حياة وكان يعتقد أن علاقة البشرية بالأعالي هي علاقة أساسية، وبالتالي فلا يمكنه أن يتصور وجود مجتمع إلحادي أو مادي بحت، ولهذا السبب فإن تطور المجتمعات الغربية أو قطاعات واسعة منها نحو التصور التكنولوجي والصناعي والوضعي للكون كان يقلقه. وفي قناعته بأن المقدس جزء أصيل من حياة كل إنسان، مثّل ماسينيون جسراً حقيقياً من الفهم الواعي للإسلام والمسلمين، فانفتح بحب على العمق الروحي لهما وإن سبب له ذلك الكثير من المشاكل مع أبناء جلدته الذين ورثوا صورة سلبية جداً عن الإسلام والمسلمين. ويعقد الأب باولو دالوليو مقارنات بين ماسينيون المسيحي وماسينيون المسلم إن جاز التعبير من خلال فهم مترابط ومتوازن للمفاهيم الإسلامية الروحية الأساسية، وبين حياة ماسينيون المسيحية من خلال دراسته وتأمله في التصوف وفي شكل خاص من خلال هذا الترابط الروحي المدهش بين نفسه ونفس الحلاج، وبذلك أصبح ماسينيون رويداً رويداً يعيش مسيحيته انطلاقاً من المفاهيم الإسلامية والتعابير العربية، فمن الواضح مثلاً أن الجهاد الأكبر (جهاد النفس) هو مفهوم موازٍ للسعي في سبيل القداسة والتلمذة على السيد المسيح. كما أن دراسته عن مفهوم (التضحية في الإسلام) توازي مفهوم (النذر) عند الصليبيين في سبيل استرداد القدس، والمطوعة أي سكان الرباط هم كالفرسان الصليبيين سواء بسواء، والمتصوف المسلم الملتزم بالجهاد الأكبر يرادف الراهب الذي يعيش النذور الإنجيلية، كما أن هناك توازياً بين الحج الإسلامي إلى مكة المكرمة وبين الحج المسيحي إلى القدس، وبين مفهوم الإحرام هنا وهناك، فالمرجع والأصل هو إبراهيم الخليل بعلاقته بإسماعيل من جهة وإسحق والقدس من جهة أخرى، وإبراهيم هو أيضاً النموذج الأولي للمهاجر، وكل من يخرج من ذاته في سبيل اللقاء مع الله يعتبر مهاجرا، ومن خلال مفهوم الشهادة والاستشهاد ناصر ماسينيون (دين المحنة) في شخصية الحلاج الذي صنع مكانته العلمية من خلال رسالته لدرجة الدكتوراه التي أعدها عنه بصفته المتوصف الإسلامي الذي أعدمته السلطات المسلمة في بغداد عام 922 م، وقد كان عملاً مهماً بالفعل إذ ظهرت معرفة ماسينيون بالإسلام وآدابه والعالم الإسلامي في القرون الوسطى، عميقة وواسعة. أصبح انشغال ماسينيون بالحلاج وقدره مضفوراً بحياته الدينية الخاصة التي تثورت في شكل غريب إلى حد بعيد من خلال التجربة المكثفة التي مر بها بالقرب من بغداد عام 1908 عندما كان في الخامسة والعشرين من العمر حيث ذهب إلى بلاد ما بين النهرين ضمن بعثة أثرية، وأثناء هذه المهمة ألقت السلطات العثمانية القبض عليه للاشتباه به جاسوساً وأرسلته مخفوراً إلى بغداد بالقرب من موقع (سلمان باك) حيث تنتصب بقايا قصر ساساني دمره الفاتحون المسلمون في الماضي، أحس ماسينيون تحت وطأة الخطر المهلك أنه في حضور وحي ما، لقد هزّه الأمر حتى العمق وتحول من كاثوليكي ينقصه الإيمان إلى ورع كبير مؤمن متحمس، وصار هذا الشكل المكثف من الكاثوليكية وصوفية الحلاج غير قابل للتمييز في ما بعد، لم يكن الحلاج مجرد شخصية تاريخية فقط بالنسبة الى ماسينيون، بل الشكل البدائي لأعمق تجربة يمكن أن يتوق إليها البشر، حتى أن الإسلام نفسه في شكل غير مرجح بما فيه الكفاية اندمج في ذهن ماسينيون مع الكاثوليكية الزاهدة التي خبرها بتشديدها على المعاناة وعلى الانعتاق عبر المعاناة. ويمكن القول إن شخصية الحلاج، لا بل نظرة ماسينيون الى شخصية الحلاج هي التي تعطينا مفاتيح فهم تطور ماسينيون الروحي، ولا بد من ذكر عبارة الحلاج (أنا الحق) لفهم الرابط في تأمل ماسينيون بين التصوف الإسلامي وبين تبنيه آراء غاندي في ما يخص الجهاد في سبيل الحق واللاعنف ، والحلاج هو الصوفي الذي أراد أن يعطي حياته الروحية وشهادته أبعاداً اجتماعية تخص الجماهير والدولة ولا تخص فقط نخبة من المختارين. كما لاحظ ماسينيون أن هناك ترادفاً بين عفة الراهب في المسيحية وبين الامتناع عن العلاقة الجنسية أثناء الحج في الإسلام، فممارسة الخلوة في الإسلام تتطلب العفة وهذا ما نلاحظه عند الحلاج حيث عاش العفة التامة فترات طويلة من حياته. وعلى كل حال، فإن عفة القلب شرط اللقاء بالله إذا كانت أسرارنا بكراً، وإننا نجد ماسينيون يتأمل في ذهاب الحلاج لخدمة رسالة الإسلام، إلى ما وراء حدود دار الإسلام وقلاع المرابطين، حيث عاش جهاده مرتين بالذهاب إلى الهند وأيضاً مرتين في جهاده بالحج. فالاستشهاد جهاد في سبيل الله يرادف تماماً أضحية الحج حيث ان الصلاة وقت الحرب ركعتان وصلاة وقفة عرفات ركعتان، كما أن (صلاة العاشق ركعتان لا يصح وضوءهما إلا بالدم) على حد ما قال الحلاج وهو مصلوب.
#علاء_هاشم_الموسوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدراية الفردية والاجتماعية
المزيد.....
-
رئيس الوزراء الفرنسي يدعو النواب لـ-التحلي بالمسؤولية- وحكوم
...
-
سوريا.. مدى تهديد فصائل المعارضة وتحركاتها السريعة على بقاء
...
-
أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم يعاقب إسرائيل
-
هل فعلا يجب شرب 8 أكواب من الماء يوميا؟
-
نصائح لتعزيز منظومة المناعة في الشتاء
-
مصر ترفع اسم ابنة رجل أعمال شهير من قائمة الإرهاب
-
عيد البربارة: من هي القديسة التي -هربت مع بنات الحارة-؟
-
من تاباتشولا في المكسيك إلى الولايات المتحدة.. مهاجرون يبحثو
...
-
منطقة عازلة وتنازل عن الأراضي.. كيف يخطط ترامب لإنهاء الحرب
...
-
رغم العقوبات على موسكو.. الغاز الروسي مازال يتدفق على أوروبا
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|