|
القبيلة العربية الإسلامية والإنسان الأول
صلاح يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 2924 - 2010 / 2 / 21 - 19:19
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كم هو غريب عجيب هذا الكائن المسمى إنسان. لو تخيلنا ولو للحظة مدى الفرق النوعي في حياته، وتصورنا مشهد إنسان الكهوف مثلاً، مع إنسان يسافر إلى القمر ويرسل مركبة إلى المريخ، بين إنسان يعيش على الصيد وتجريب ما تجود به الطبيعة من مذاقات مختلفة للنبات فيرفض هذا ويقبل ذاك وإنسان لديه عشرات الآلاف من الأطعمة والمذاقات المختلفة، الطبيعية أوالصناعية المطهوة بمهارة، لو تخيلنا كل ذلك لاكتشفنا حجم التطور المخيف الذي مكن الإنسان من تحقيق تلك القفزات العجيبة التي تقارب السحر. حياة الإنسان الأول لم تكن جميلة، بل وحشية وقاسية إلى حد لا يمكن الآن للقاريء العادي أن يتخيله. لقد كان الإنسان الأول يعيش تحت قسوة تقلبات الطقس وكم ذهبت منهم أعداد كضحايا للزلازل والبراكين وطوفان البحور والأنهر أو هباء منثوراً في وجه الأعاصير والعواصف العاتية أو طعماً سائغاً للأمراض الفتاكة والأوبئة. كان الليل ستاراً طبيعياً لهجوم الوحوش الضارية عليهم، لذلك كان الإنسان القديم يحب الضوء ويكره مفاجآت الظلام، فقدّس الشمس والقمر واختلق الآلهة التي سوف يرضيها بالأضحايات والقرابين كما يفعل المسلمون حتى اليوم في عيد الأضحى. هرباً من طوفان الأنهر سكن الجبال والمناطق المرتفعة، ودفاعاً عن نفسه ضد الوحوش قام بتدجين واستئناس النار من حرائق الصواعق في الغابات. الإنسان القديم كان يتحين فرصة اشتعال النار في الغابات، فيلتقط شعلة ليضعها في إناء حجري كبير ويقوم كهنة النار بالتناوب على تغذيتها بالحطب لكي لا تخبو على مر السنين !! بعض القبائل القبائل القديمة قدّست النار وعبدتها لأنها كانت توفر لهم الطعام اللذيذ واللحوم المشوية وتقيهم شر الوحوش ليلاً. عاش الإنسان القديم على الصيد فطوّر الآلات الحادة من الحجر لكي يهاجم بها فرائسه ويدافع بها عن نفسه ضد الأعداء من الضواري المفترسة. قانون الطبيعة كان يسري بصرامة، لا حياة للضعفاء !! بعد أن مرت على الإنسان ملايين السنين، اكتشف خلالها الحديد والنحاس ثم باقي المعادن، فأصبح يصنع أدواته الحربية منها. نشبت الحروب بسبب الصراع على مصادر الماء والمراعي بعد أن نجح الإنسان في اكتشاف الزراعة. مع اكتشاف الزراعة تبلورت الملكية الخاصة بشكل واضح، وبدأ الإنسان ينتقل من مرحلة المشاع البدائية إلى مرحلة أكثر تقدماً ولكنها حتماً لم تكن خالية من الآلام، ذلك أن ظهور الزراعة أوجد مبررات وجود طبقات السادة والعبيد. أثناء مراحل الصيد الأولى وقبل اكتشاف الزراعة، كان الإنسان الأول يعيش في قبائل وجماعات تشبه تماماً جماعات الأسود والفيلة والنمور والزرافات. القبيلة كانت توفر الحماية لأعضائها وتزودهم بالغذاء، ولكن حتى الذكور الأقوياء داخل القبيلة كان لهم النصيب الأكبر من الغذاء ومن النساء. الأديان لم تحارب المنطق القبلي، بل سارت على هديه، وتحول الدين بدوره إلى قبيلة كبرى، يتفق جميع أعضاءها على مقدسات ومسلمات ومعلومات بعينها، تصطدم أحياناً مع التطورات العقلانية والعلمية، فالأديان الإبراهيمية، بدءاً من التوراة، نسخت من العقائد القديمة، أسطورة التكوين التي يختلف علماء الأنثروبولجي على مصدرها وأصلها الحقيقي، فمنهن من يعتقد أنها فرعونية، ومنهم من يعتقد أنها زرداشتية فارسية أو سومرية أو بابلية، ومنهم من يجزم بأنها كنعانية، وما زالت البحوث جارية. يشار هنا إلى أن الأديان لعبت دوراً رجعياً ومأساوياً في حياة البشرية، فتسببت في إزهاق ملايين الأرواح واشتعال الحروب الطائفية والدينية، وإعدام المتمردين على العقائد ومسلماتها وجميعهم من عظام المبدعين والمفكرين. مع اكتشاف الزراعة استمر الصيد وإن بوتيرة أقل، ومع اكتشاف الصناعة وطاقة الديزل والكهرباء، تعاظمت قوة الزراعة الآلية لكي تواكب تلك الزيادة الضخمة في عدد الأفواه، خاصة تلك الأفواه غير المنتجة التي تعيش عالة على الشعوب الأخرى، بينما لا يخجل مثقفوها الأغبياء من الحديث عن مجد ضائع. القبيلة التي كان يعيش في كنفها إنسان الكهوف المتوحش بدوره، استمرت وتغير نمط حياتها، ولكنها ضعفت وتفككت بعد الثورة الصناعية في العالم المتقدم، فأصبح القانون يوفر الحماية للجميع بدلاً من قانون القبيلة، وانشغل الإنسان المعاصر بالصناعة والزراعة المتقدمة والتجارة العابرة للحدود، وكلما ازداد تقدم الصناعة لكما أصبحت القبيلة أكثر هشاشة حتى تلاشى وجودها تماماً مع فلسفة الحريات الفردية وقيم احترام الكفاءة والوقت. حتى العائلة أصبح وجودها ليس جوهرياً ولا أساسياً في حياة الإنسان في المجتمعات المتقدمة، وأصبح كل شيء يسير ويتواءم مع قيمة الإنسان الفردية ومنظومة حقوقه التي تطورت وأصبحت لها وثيقة عالمية صدرت عن الأمم المتحدة عام 1948. المجتمعات العربية المعاصرة ظاهرة معقدة جداً، فمن أفراد هذه المجتمعات من استطاع تحصيل العلم واستيعاب الحداثة بدرجة ما وهذه نخبة قليلة، بينما ظلت الأغلبية تحيا حياة القبيلة ومنطق الإنسان الأول حتى وإن ركبوا السيارات والطائرات واستخدموا الموبايلات. من مظاهر استمرار القبيلة ومنطق الإنسان الأول، منطق الوحشية والعنف، مجتمع الصيد والحروب القبلية، هو تلك الأسماء التي يعشق بعض العرب والمسلمين إطلاقها على أبنائهم حتى الآن، مثل ( نمر، وفهد وصقر وذيب وعقاب وضرغام وليث .. إلخ )، وكلها كما نلاحظ هي أسماء حيونات ضارية ومفترسة. إنها الرغبة في الافتراس والصيد والغزو وتعبيرٌعن شهوة القتل الدفينة. حتى جملة الأمثال العربية لا تخلو من أمثال مثل " إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب "، وهو مثل شائع ويستخدمه العرب لتقوية عزيمة أبنائهم على ممارسة العنف والقتال في مجتمع متوحش بطبيعته حتى وإن استخدم الميكروييف !! مجتمع الدين هو امتداد لمجتمع القبيلة، وهو مبني على التوحش والافتراس والظلم، فشيخ القبيلة هو الأقوى جسدياً، وهو الأكثر فروسية وفتكاً، وله تكون جميع الامتيازات كما أشرنا من قبل، أما الضعفاء فتهدر حقوقهم، وهكذا كان الأنبياء والكهنة والرهبان وما زال شيوخ الإسلام، يستحوذون على حصة الأسد والليث والنمر والفهد والصقر في الفيء والغنائم والمسروقات والمنهوبات والنساء. إن عقلية الغزو الحربية التي كانت القبيلة تعتمدها لتوفير الطعام على حساب القبائل الأخرى الأضعف منها، هي ذاتها التي انتقلت إلى الدين الإسلامي الذي برر منذ ساعاته الأولى غزو الأمم الأخرى لتغيير عقائدها ونهب خيراتها وسبي نسائها.
شكراً للمتابعة
#صلاح_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دعوة إلى نبذ عقيدة الإسلام !
-
عن الأصل الجنسي للحجاب في الإسلام
-
نعم للجدار المصري !!
-
هل حقاً أن القناعة كنزٌ لا يفنى ؟؟!
-
ما بعد زلزال نادين البدير: هل ثمة زلازل نسائية أخرى قادمة ؟؟
...
-
نادين البدير بشائر ثورة قادمة !
-
هل ينتهي الإسلام ؟؟!
-
الإسلام والمجتمع المدني مرة أخرى
-
من شموع البابلي إلى شموع الحوار المتمدن
-
الإسلام والمجتمع المدني
-
كم تكلفنا صلاة المسلمين ؟؟!
-
في وجوب حظر تعليم وتداول القرآن !
-
الرؤية الشرعية لمكافحة انفلونزا الخنازير !
-
ملاحظات حول قانون العقوبات في الحوار المتمدن
-
أكاذيب التفسير العلمي للقرآن
-
الثالوث المقدّس في عقيدة المسلمين
-
تفاعلات الزملاء والقراء مع مقال قثم بن عبد اللات
-
قثم بن عبد اللات – حول ضرورة الحجر على نبي الإسلام !!!
-
من إبداعات العقيدة الإسلامية - الملائكة العشر !
-
في نقد العقيدة الإسلامية
المزيد.....
-
وسط شائعات باستنشاق مواد كيمياوية.. -إحاطة سرية- بالكونغرس ع
...
-
محمد أوسو في دمشق بعد سقوط بشار الأسد
-
محكمة فرنسية تؤيد إدانة ساركوزي في اتهامه بالفساد واستغلال ا
...
-
اليوم العالمي للغة العربية.. لغة الضاد يتحدث بها نصف مليار
-
الناشطة السعودية لينا الهذلول تنتقد -قمع- حكومة بلادها للمعا
...
-
زيلينسكي وقادة أوروبيين في بروكسيل لبحث الحرب في أوكرانيا
-
صدور حكم نهائي ضد ساركوزي بحمل سوار إلكتروني لمدة عام
-
-رويترز-: الدول الأوروبية تناقش إمكانية إرسال حوالي 100 ألف
...
-
خريطة للأراضي الروسية الواقعة في دائرة استهداف الأسلحة الغرب
...
-
السفير الروسي ببريطانيا: صاروخ -أوريشنيك- أجبر لندن على اتخا
...
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|