أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شجاع الصفدي - وعاد لينتظر














المزيد.....

وعاد لينتظر


شجاع الصفدي
(Shojaa Alsafadi)


الحوار المتمدن-العدد: 2923 - 2010 / 2 / 20 - 06:10
المحور: الادب والفن
    


في صالة المطار الفارهة ، والطائرات تبدو من النافذةِ كالرخّ يأتي ويحط الرحال ليحقق أسطورة لم تتعدَ يومًا بحر الخيال .
يجلس كلاهما بصمت ، لا يقدم أيهما على النظر في عينيّ الآخر ، حتى لا تنهار الحواجز التي تعاظمت رغم اللقاء المنتظر .
يبادرها الحديث ليكسر حدة الصمت :

- سأشرب شيئا مثلجًا ، ما رأيك ببعض العصير ؟
تومئ برأسها إيجابا ثم تهمس بصوتٍ خافتٍ تخشى أن يسمعه :

- ستفوتني الطائرة .

يبتسم .. ويطلب العصير ويعود سريعًا للطاولة ، ينظر لعينيها :
-أضعتُ لأجلك مشوار حياتي كلها ، لن تكون كارثةً لو فاتتك من أجلي رحلة واحدة .
-لا تبدأ باللوم ، أرجوك ، لقد بادرت بالرحيل قبل أن تمنحني فرصةً لأسمو بذاتي وأتخذ قرارًا حاسمًا يصنع المعجزة .
- لم يعد اللوم مجديًا ، فقبل الرحيل دستِ بقدميكِ كل سنبلةٍ نبتت على جانبي القلب ، وكأنكِ تخشين تعاظمها !.
- كنت تمثل دور الولد العابث ، تلهو في غابات الحياة ، تعشق الموت والخطر ، وتصنع أفخاخ الكلام ، وحين جابهت ذلك ، هزمتُ أمامك .

تمسح شيئا أشبه بالدمع عن خدّها وتأخذ شهيقًا بعمق وكأنها تستجمع قواها :

- ماذا تريدني أن أفعل الآن بعدما أوغلنا في الرحيل ؟
- لا شيء .
- أتذكر مرةً حين قلتَ لي : نحن من نصنع النقصان في الأشياء والأماكن ، وكنت أنا الشجرة وأنت الأرض الخصبة المعطاءة ؟
- لم أعد كذلك .
- بل أنت كذلك ، لا تجادل ، أنت تكابر كعادتك لئلا تعترف بوجوب الرحيل رغم هذا الحب .
- لم أعد أقوى على الجدل .
- هل يجب أن أنتزع اعترافك انتزاعا ؟

يبتسم بشيء من سخرية حزينة

- ستمارسين دور المحقق العربي إذن ؟
- بل سأتركك تعترف وحدك بما تريد .
- أأعترف بما دوّنته منذ أعوامٍ لديكِ ؟
- التهمة جاهزة ، الحكم جاهز ، والزنزانة أيضا ... يا حبيبي .
- قوليها ثانية .

يحمر وجهها خجلا

- لا تعبث ، أكمل فالوقت يداهمنا .
- قلتُ ما لديّ ، كل ما لديّ ، فاحكمي بما شئتِ .
- ليس قبل أن تعترف .
- لن أعترف إلا بما شاء الهوى .
- سأنتزعه من قلبك إذن .
- ها أنتِ تمارسين دور المحقق العربي بجدارة الآن .
- وماذا يفعل المحقق غير العربي ؟
- المحقق غير العربي يباشركِ بما لديه ، ثم يسمعك ، ويرى ردة فعلك ويتعامل من خلالها .
أما المحقق العربي فيكون لديه كل شيء عنك ويطلب منك أن تخبريه بما لديه ، فلا ينال شيئا جديدًا ذات أهمية .
- حسنا ، سأمارس دور المحقق غير العربي .

تُعدّل من جلستها ، ترتشف بعض العصير مشيحةً بوجهها للناحية الأخرى خشية أن يعلق كعادته بشيءٍ يجعل وجهها يحمر خجلاً ، وقلبها يخفق حبًا .

- لنبدأ إذن ؟
- يجيبها بابتسامة .
- طبعا بكل أدب واحترام سأطلب منك الجلوس
هل أعزمك في التحقيق على فنجان من الشاي ، أم أن الأجانب لا يفعلونها ؟
-ممكن جدا
-وما السكر ؟
- حضورك .
- ....
- أتأذن لي المحققة قبل الكلام بإجراء اتصال هاتفي ؟
-بمحامٍ للدفاع ؟
- بل بحبيبتي .
- وماذا ستقول لها ؟
-سأخبرها أنّي سأعترف .
- حسنا ، لك ذلك .

يمسك بالهاتف ويطلبها ، فتجيب ، فيبدوان كمجنونين :
-حبيبتي ، أنا بين يدي المحقق ، يطالبني باعتراف واضح بشأنك ، أتسامحينني إن أخبرتهم عنكِ وعن هوانا ، وأخبرتهم عن وخز البنادق التي قطعت طريق اللقاء ، وتقاليد النخاسة ، وحدود النزيف ؟
- إن كان في ذلك نجاة لك ، فافعل .
- لكي أنجو فحسب ؟
-وأشياء أخرى .
- أأخبرهم عن لوعة السفر ، عن جنون العاشقين ، والاحتراق في لظى البعد والأشواق؟.
- أخبرهم عن حرقة قلبي في غيابك .
-أأعترف بكل ذلك ؟
- اعترف ، وسأعترف بدوري أنّي من حرّضتهم على انتزاع اعترافك .
-لن أعترف ، لأني فعلت أجمل ما يمكن ارتكابه .
-أحب ارتكابك لكل شيء ، أحبك حتى في خطاياك .

صوت أنثوي هادئ يقطع مناجاتهما ، يعلن عن اقتراب موعد الإقلاع .

-يهمس : ستفوتك الطائرة .
- إنّي مسافرةٌ لديك ... وارتخت يدها الممسكة بالهاتف .
بقي في مكانه متسمرًا ، تقتله اللحظة ،ويقتله الانتظار الطويل الذي يتربص بقلبه.
كفكفت دمعًا سال على وجنتيها ، حملت حقيبتها الصغيرة ، ومضت نحو مجهول.
طارت في السماء وتركت له قلبها ، جواز سفر .



#شجاع_الصفدي (هاشتاغ)       Shojaa_Alsafadi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جامعة فلسطين الدولية وسنوات الضياع
- تغطية للجلسة الثانية من ملف القصة القصيرة جدا بغزة
- اسمي - أريدُ-
- ندوة عن القصة القصيرة جدا في غزة برعاية ملتقى الصداقة الثقاف ...
- كقمحٍ يفرُّ نحو الرحى
- غزة بين مصر والجزائر
- بعدك كسرنا سلّم الأحلام
- بين مطرقة التنحي وسندان المرحلة
- عاشقٌ يرثي ظلّه
- صرخة من سجن هشارون
- عتب حول مفاهيم الأدب
- على صفحة الطريق
- ذلك الإرث الثقيل-لروح درويش في مرور عام على غيابه
- ظلّان / نص نثري
- بين ضفتيّ النثر والشعر
- صدور مجموعة شعرية جديدة للشاعر شجاع الصفدي
- زائرٌ غريب
- تحت مظلةِ هدنةٍ غير واضحة
- كفاك ترحل وأنا فيكَ باقيةٌ كنسيج الذاكرة
- بضع أسئلةٍ عابرة


المزيد.....




- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شجاع الصفدي - وعاد لينتظر