أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بثينة رفيع - من مذكرات طفل محاصر ( لن أنساك يا صديقي )














المزيد.....


من مذكرات طفل محاصر ( لن أنساك يا صديقي )


بثينة رفيع

الحوار المتمدن-العدد: 2922 - 2010 / 2 / 19 - 01:14
المحور: الادب والفن
    


عرفته بسنوات مبكرة من طفولتي .. كنا نلعب سوياً بأزقة مخيمنا الضيقة ، نركض خلف طائرات ورقية لا ندري أين تختفي وهي تعانق سماء وطن يغترب فيه كل شيء حتى إنسانه ويضيع مثل كل أحلامنا؟ .. أياماً قضيناها كالضوء التائه بين فراشات تراقص نشوة حياة ذبل الأخضر في عينها .. نتسلق الأسوار العالية للبيارات المحيطة بمسكننا .. نرمي أحجارنا الصغيرة ببركة ماء عالقة أمام بيوتنا .. نتقاسم الألم .. نبض الشمس وهو يندس بعروقنا ونتسمر أمام خوف يغتصب مدينتنا كان يلح علي دوما أن أخلع نعلي وأمشي حافي القدمين لتكون خطانا أسرع ، هو سلوك تراه أمي سيئاً وتوبخني عليه كثيراً .. لكنه أصبح عادة محببة لي ، وها أنا كما عهدتني خطاي تسابق الريح تترك خلفها ظلاً من حنين يطحن ارتحال الغصة بحنطة صمتي .. يلقيني .. خلف لهاث أنفاسك متعبا كأقحوانة خانها عطرها ، لم يكن له أصدقاء .. كنت أنا تقريبا صديقه الوحيد , أما اسمه فلن أبوح به لأحد سيبقى لي أناجيه بوحدتي .. لا أخاف أن تسرقوه مني فهو مجرد اسم يحمله أغلب أطفال بلادي ويتركونه مع رقم على لائحة شهداء طويلة .. عندما أتذكر أنه لن يطرق بعد ذاك اليوم باب بيتنا بيده الصغيرة أكاد أصاب بالجنون .. أنادي عليه بصوت عال لا يسمعه سواي .. أشعر بشرايين عيني تتقطع دون أن تمحو صورته منهما ، كيف نموت صدفة يا صديقي بحادث عرضي ولا نعي لماذا نحن فقط ضحايا السلاح المكدس والفلتان الأمني؟! أعلم أنك لن تراني أو تسمعني لكن طيفك يسبح بروحي .. يغفو بين طيات صفحات كتابي المدرسي , يحفر ابتسامة على أوراق دفاتري ينام على مقعدي بين أقلامي .. ثم يهرب من الألوان مهزوما تاركا أسئلتي نازفة مثل الجراح العتيقة .

ما الذي أعادك لبقعة الموت ؟ ألم تقل أنك جائعٌ .. غادرت أمام ناظري لبيتك أقفلت خلفك الباب .. وقلت أراك بالمساء ؟ وبعدها غبت ها هنا كالذبيحة بين الدماء وأكوام الأشلاء .. أعترف لك أني لم أستطع بالبداية أن أراك لكني ركضت رغما عنّي لجسدك لأقول لهم : كذبتم.. صديقي لم يمت ، غافلكم كما كان يعبث معي ونحن نلعب لعبة اليهود والعرب فنحمله على ظهورنا كالشهداء .. لكن الدماء لا تكذب يا صديقي .. فكيف وهي دماؤك ، هل سأغلق عيني وأنام بفراشي الدافىء وأنت تنام نومة اللحود تحت رمل بارد ؟

أتدري ! كل عام يمر وأكبر فيه أتخيلك تكبر معي أرى ملامحك الحزينة على جدران كل شارع أمر به .. أحس بأنفاسك تعانقني تلتف حول عجزي تشتعل في بكائي .. تعتق كل عصافير الدمع في عيني لتنقر قمح وجعي .. لا تغب يا صديقي ، لازلت بانتظارك نحلم سويا بربيع لم تره غزة منذ رحيلك .. نغافل الشقاء وفقرنا وحصاراً تسمر بصدورنا .. ونهرب خلف نجمنا المسافر لوطن لا يعرفه سوانا .. نبتل بأمطاره الناعمة ونورق من ورد لازال أحمر .. نحفره من البحر إلى النهر وجها لقمر الجليل , أدرك أنه وطن كالخرافة والأغاني النابضة .. وأدرك أنها أمنية لا تمزق عراء رمل نفترشه ببيوتنا البائسة ولا ننام على سواه .. ولا توقظ حتى الخواء وهو ينسحب يائسا من حلبة مصالحة فتح وحماس.. لكنها الأحلام يا صديقي لابد لها أن تنهض من وحل أسود لتستريح قليلا على قارب فرح يتيم يبحر بعيداً عن لجة الموت المكدس بوطننا دون شراع وأغنية .. دون شراع وأغنية .



#بثينة_رفيع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذاكرة بحر
- ورقةٌ من غزّة
- عائدةٌ من حيثُ لم أذهبْ
- لماذا يا أبي
- ظلالُ رحيلٍ
- لوحةٌ فلسطينيةٌ ليستْ للذكرى
- مرافئُ جرح
- المسافة بين معبر رفح والحوار الوطني
- في زمن الردة
- تراب يواسيك
- حديد عتيق لأطفال فلسطين
- عام من الحصار
- عندما تنام دمشق
- اليسار الفلسطيني بين التبعية والتهميش
- فلسطين .. مساحة من دماء
- حزيران ذاكرة جرح لا يموت
- الطبقة العاملة تذهب إلى الجنة


المزيد.....




- كازاخستان.. الحكومة تأمر بإجراء تحقيق وتشدد الرقابة على الحا ...
- مركز -بريماكوف- يشدد على ضرورة توسيع علاقات روسيا الثقافية م ...
- “نزلها حالا بدون تشويش” تحديث تردد قناة ماجد للأطفال 2025 Ma ...
- مسلسل ليلى الحلقة 14 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- فنانة مصرية تصدم الجمهور بعد عمليات تجميل غيرت ملامحها
- شاهد.. جولة في منزل شارلي شابلن في ذكرى وفاة عبقري السينما ا ...
- منعها الاحتلال من السفر لليبيا.. فلسطينية تتوّج بجائزة صحفية ...
- ليلة رأس السنة.. التلفزيون الروسي يعرض نسخة مرممة للفيلم الك ...
- حكاية امرأة عصفت بها الحياة
- زكريا تامر.. حداد سوري صهر الكلمات بنار الثورة


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بثينة رفيع - من مذكرات طفل محاصر ( لن أنساك يا صديقي )