جعفر المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 2921 - 2010 / 2 / 18 - 07:01
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
ما تزال الحرب التي أشعلتها لجنة العدالة والمسائلة قائمة, أما التداعيات التي سوف تترتب عليها فستكون اخطر بكثير مما قد طفى منها على السطح حاليا.
إن النتائج تقوم على مقدمات, وحينما يكون بالمقدور تشخيص المقدمات, ماهية وأهداف, فإن تقدير النتائج لن يكون صعبا على الإطلاق.
منذ اليوم الأول للحملة ضد المطلك قلت إن الحملة لا تستهدفه شخصيا ولا تستهدف مجموعته بالتحديد وإنما تستهدف التجمع الذي أنضم إليه, مثلما تستهدف بشكل أوسع كل القوى التي ظهر أنها تشكل النقيض للقوى الحاكمة, والتي بامكانها أن تقترب من بعضها بعد الانتخابات لكي تكون قادرة على تجميع العدد المطلوب من الأصوات اللازمة لتشكيل الحكومة الجديدة.
لم يكن المطلك مخيفا إلى هذا الحد, وما كانت التصريحات التي اعتمد عليها قرار إبعاده خارجة عن السياق, فقلد ظل الرجل صاحب صوت عالي في أكثر المسائل حساسية, من الموقف ضد الاحتلال إلى الموقف من عروبة العراق إلى قضية تقربه من البعثيين. وأعترف إنني بالرغم من إختلافي مع بعض مواقفه, أو مع حدة التعبير عن بعضها الآخر, لا يمكن أن أنكر إن المطلك كان قدم خدمة كبيرة للعملية السياسية وللنظام " الديمقراطي " وإن الحكومة الحالية بفروعها الرئيسية الأربعة, من أكراد ومجلس ودعوة وتوافق كانوا قد إستفادوا منه أكثر مما إستفاد منهم, فلقد قتل الإرهابيون أخاه, إذ كان يهمهم جدا أن لا تهرع شخصيات مثله لكي تتعاون مع الحكم الجديد. لذلك هدم المطلك ومن مثله جدار العزل فأمدوا النظام بأمس ما يحتاجه .. وهو تأييد الآخر, ولولا هذا الآخر ما كان ممكنا للوضع الجديد أن يستمر ولا للديمقراطية الراهنة الواهنة أن تتأسس.
لنتفق على أن المطلك كان قد أخطأ حينما بشر بإمكانات حصول البعثيين على مقاعد في البرلمان القادم, ولنقل إن لدى المطلك أخطاء أخرى يجب تنبيهه إليها, غير إن السؤال يبقى : هل إن المطلك لوحده من أخطا في هذا العهد المتخم بالخطائين.
قبل شهور كنت قد حضرت في واشنطن ندوة أو حفل استقبال لأحد أعضاء قيادة البرلمان, وكانت قضية فلاح السوداني الوزير المتهم بالفساد المالي ماتزال حارة وطازجة, فأراد أحد الحاضرين أن يسمع رد ذلك المسؤول على تلك القضية العار. كان صاحبنا المتسائل حريصا على لا يخرج على آداب الضيافة وأصول الدبلوماسية لذلك تساءل بطريقة من يفتح الجرح تحت تأثير المخدر.. ألا ترون يا سيدي إن الاتهامات التي توجه ضد بعض الوزراء المحسوبين على رئيس الحكومة كان قد جري تضخيمها من قبل شخصيات مناوئة في البرلمان.
ولقد طرب المسؤول لنغمة السؤال لكن فاته المخفي منه, فأصبح جوابه على المتسائل مثار دهشة الجميع إن لم أقل استخفافهم, وأنا هنا أنقل رده بصيغة قريبة جدا من الحرفية .. " نعم أخي لقد قلنا لهم, لديكم أوراق على فاسدين تدعون إنهم منا ولدينا أوراق على إرهابيين من صفوفكم ". ولم يسمع المسؤول ردا على إجابته, لا بسبب الاقتناع بما أورده, وإنما لأن الدهشة التي أدت إليها الإجابة كانت من القوة بحيث أنها عطلت النطق, فسكت الجميع إيمانا منهم إن الصمت لغة أيضا. وغالبا ما يبدأ الانهيار حينما تظن السلطة إن السكوت هو علامة من علامات الرضا وليس تعبيرا عن الخوف أو القرف.
ترى أليس من يتستر على الإرهاب.. إرهابي أيضا, وإذا كان شعار " منا فاسد ومنكم إرهابي " هو الذي تحكم بعمل البرلمان في الفترة السابقة فلماذا لا يجتث أيضا من تستر على الإرهاب ومن أرشف ملفاته لكي يستخدمها فئويا ضد الخصوم. ولعل السؤال الأخطر سيكون ... أليس أمانة وخلقا أن تشهر ورقة محاربة وملاحقة ومحاسبة الإرهابيين في كل المواسم وليس في الموسم الانتخابي فقط.
ولهذا أعود إلى القول إن الأكثرية سوف نكون ضد المطلك فيما لو تأكد لديها إن الهجمة قد كانت ضده ولم تكن ضد آخرين من خلاله, وإنها هجمة وطنية وليس فئوية, وان خطأه كان يمكن معالجته بطرق تأخذ بنظر الاعتبار العيش والملح الذي كان المهاجمون يتناولونه معه طيلة السنوات البرلمانية السابقة.
ومن الأكيد إن حملة التعبئة التي بدأت بالمطلك ثم تشعبت لكي تشمل " بعثيي " المحافظات الجنوبية وبغداد والفرات الأوسط وأصبحت الموضوعة الرئيسية لتعبئة البسطاء في الجوامع والحسينيات على أيدي خطباء الجمعة, من الأكيد أنها قد أعطت نتائج إيجابية لصالح القوى الإسلاموية. لكن كم مأساة يجب أن تتراكم لكي يعرف هؤلاء إن التعبئة الساذجة لا يمكن لها أن تحقق النصر الأخلاقي المطلوب وإن الأنظمة التي سبقتهم كانت قد أفلحت بتعبئة نفس الوجوه وبأعداد كبيرة لكنها لم تستطع البقاء لأنها راهنت على الغوغاء بدلا من المؤسسة.
لكن أعدادا أخرى من العراقيين تعلم تماما إن تلك الحملة لم تتأسس إلا لأن قوى الحكم كانت على قناعة كبيرة بان موقفها الانتخابي ليس على ما يرام وإن التغيير بات على الأبواب مما دفعها لإعادة تشغيل الملف البعثي كغطاء لعجزها من أن تقدم حلا للكثير من المشاكل المستعصية, سواء تلك التي ورثتها عن النظام السابق أو تلك التي نتجت لتقاعس أو فساد عناصر السلطة أو عجزها الذاتي عن بناء الدولة, ولهذا فإن الموقف من البعثيين قد كان فيه من التجارة والتوظيف والاستخدام أكثر ما فيه من المبدئية والصدق.
وإذا ما أضفنا إلى هذه الصورة التصعيد الإعلامي للسيد المالكي بشان طرد السفير الأمريكي من بغداد, واعتقدنا للحظه إن ذلك التصريح لم يصدر عن غفلة ولم يأتي كزلة لسان, فلسوف يكون من حقنا أن نعتقد أنه قد كان بمثابة رسالة وجهت إلى الإدارة الأمريكية لإنذارها بأن الانحياز ضدها وارد تماما, مما يكشف عن عمق الأزمة التي تحاول أمريكا في الوقت الحاضر أن تخفيها تحت السطح.
من جانبها لا بد وأن تكون أمريكا قد وصلت إلى قناعة أكيدة بان معادلات التوازن بدأت تختل لصالح القوى الإسلاموية وبخاصة شقها الشيعي, وإن قرب هذه القوى من إيران سوف يمنح هذه الأخيرة قصب السبق في السباق على المصالح والهيمنة الإقليمية, لذلك فإن فتح الحوار مع القوى المناوئة للحكم ومن ضمنهم البعثيين يصبح أمرا مطلوبا ليس لغرض ضبط الساحة العراقية فحسب وإنما ايضا لحرمان إيران من أوراق القوة والمناورة.
من جانبه يواجه النظام الإيراني أوضاعا صعبة جدا. في الداخل فإن وضع المجابهة بين الحكم وقوى المعارضة يزداد تعقيدا ويتصاعد, في الوقت الذي تتصاعد فيه المواجهة الدولية مع النظام, مما يعجل من إمكانات التغيير وبالاتجاه الذي يحفز النظام الإيراني إلى فتح جبهات أخرى, وفي مقدمتها الجبهة العراقية, بعد أن فقد هذا النظام إمكاناته المفتوحة السابقة لتحريك الساحتين اللبنانية " حزب الله " والفلسطينية " حماس ", وبما يجعل الورقة العراقية أثمن وأقوى من جميع الأوراق الأخرى, ويرشح الساحة العراقية لأن تكون ميدانا للرمي القادم.
وفي هذا الاتجاه فإن تصريحات " أحمدي نجاد " بشان مساندة إيران لقرارات لجنة المسائلة والعدالة لم يصدر عن غفلة ايضا كما ولم يكن زلة لسان , بل إنه مجتمعا مع تصريح المالكي, يكشف عن دخول علني ورسمي إيراني على الخط.
وسينبئنا ذلك بان كل ما حدث وماسيحدث قبل الانتخابات لم يكن سوى مقدمات لمعارك اشد ستحدث بعدها.
وما زال العراق تحت التكوين.
#جعفر_المظفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟