سيمون خوري
الحوار المتمدن-العدد: 2919 - 2010 / 2 / 16 - 23:40
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
نحن الأن في الشهر الثاني من العام 2010 ، بعضنا لازال في مقتبل العمر ، والآخر كحالتي لم يعد العطار قادراً على إصلاح ما أنجزه النظام الثقافي العربي من قهرونخر حتى للجينيات الوراثية لشعوبنا .
ولنفترض جدلاً أن أحفاد أحفادنا قد وفر لهم العلم بحكم تطوراته السريعة الهائلة فرصة العودة لتصفح زمننا الراهن ، كما وفرت لنا النصوص والوثائق والتنقيبات الأثرية فرصة التعرف على ملامح الحضارات القديمة . بيد أن هذا التصفح ليس عن طريق القراءة أو المشاهدة اللإكترونية ، بل ربما معايشة الماضي وكأنها رحلة خرافية ليس في المستقبل بل العودة من المستقبل نحو الماضي . بالضبط كأحد أفلام الخيال العلمي الإفتراضية . وهي ليست إفتراضاً بل مشروعاً يجري دراسته من قبل أجهزة ومراكز بحث علمية متخصصة في علم المستقبل . وعلى حد رأي صديق يعمل في مؤسسة ( ناسا ) للفضاء ، لو أن ( ناسا ) نشرت حصيلة معرفتها عن الفضاء الكوني ، لأحدثت إنقلاباً في معرفة البشر لما حولهم وإعتقاداتهم .
ولأننا نعشق السؤال قبل معرفة الجواب ، ترى ماذا سيكون حكم أحفاد أحفادنا على عالمنا العربي أو الشرق أوسطي ..؟ من الصعب أو من السهل تخيل الإجابة ، رغم أني لا أملك إجابة شافية لغليلي . لكن ، قد تختصر ( الأحفاد ) الموضوع بكلمة واحدة منهم لتاريخ قرون مضت من ( آلهه وأمجاد وتضحيات وشهداء وعساكر وحكام ومحكومين وأحزاب وآساطير وخزعبلات ) . نعم ( خزعبلات ) أعتقد أن مكانها منفردة هو الأنسب للتعبير عما دار ويدور حولنا . مثل ذاك ( الجاموس ) في الريف المصري ، أو ( الجمل ) في الريف اليمني أو ( البغل ) في الجبل الأخضر، تسمع جعجعة ولا ترى لا طحناً ولا ماءاً ، ولا بشراً .
سأترك تخيلي للكلمة التي يمكن أن يطلقها أحفادنا حتى نهاية المادة . البعض هنا سوف ينتقل فوراً للبحث عنها قبل إستكمال القراءة ، والبعض قد يستكمل القراءة من واقع حرصه على المشاركة في التعرف على ملامح معرفتنا الراهنة بعصرنا . إضافة الى أن عقلنا الباطني ( قارئ وكاتب ) بصورة تلقائية تماماً ، بدأ الأن عملية البحث اللاإرادية عن وصف لحالتنا الراهنة أو أنه نفسياً جاهزاً لتقبل الصفة المناسبة.
لنفترض أن التطور التكنولوجي المتسارع بجنون الذي يشهده العالم الأن ، شهدته القرون الوسطى .. ترى ما هو مصير وأين موقع العالم الشرق أوسطي في رحلة الوعي الإنساني الطويلة هذه ..؟ إذا إفترضنا جدلاً أن ما شهدته العصور الوسطى من حروب طاحنة هي أيضاً سابقة في زمنها عن عصرها المتعارف عليه ..؟ وأن علماء مثل أينشتاين ، ونيوتن وأن فلاسفة أمثال إبن رشد وماركس ..الخ ولدوا في عصر سابق أو أن تاريخ الفلسفة اليونانية كان أسبق زمنياً .. مرة أخرى ما هو موقعنا على خريطة العالم التي بالتأكيد ستكون على غير ما هي عليه الأن ..؟
قرأت مرة بحث علمي حول إحتمالية بقاء الأصوات في عالم الأثير من أزمان سحيقة ، وأن العلم قد يتمكن يوماً من التوصل الى معرفة أصوات شخصيات لعبت دوراً في التاريخ ، وإستعادة أصواتها من الأثير .. لكني لشديد الأسف حزنت على إضاعة نص المادة العلمية ، بسبب فوضويتي التي تنتمي الى ذات المنبع الشرقي في اللا تنظيم لتسلسل الأشياء . المهم ، ماذا لو تم إسترجاع صدى أصوات ما يقال انهم ( أنبياء ) وماذا لو تم العثور على أقوال مخالفة لكم هذا ( الهراء ) الموجود في العالم ..؟ ترى هل نعتبر أنفسنا أننا تعرضنا لخدعة كبيرة ..؟ البعض قد يعتبر الديانات هي أكبر خدعة في التاريخ ، والبعض الأخر قد يرى أن خطابات الرؤساء وقادة الأحزاب ومعهم فلاسفة عصر السلاطين ..الخ هم الذين يتحملون مسؤلية خداعنا .. بيد أن الوقت فات ولم يعد بالإمكان تصحيح التاريخ . ونحن أيضاً حينها مجرد تراب على رأي العلامة أبو العلاء المعري الذي تحول الى تراب .
لكن ما يمكن فعله ، هو إعادة تصويب المستقبل ، قبل أن نطلق حكم قضاء أحفادنا على فضائنا الراهن بمنظومته الثقافية – المعرفية ونحن جزء منه . فإما أن تكون ناقلاً للوعي أو ناقلاً للجهل . إما أن تمتلك عقلاً واعياً منفتحاً على الإنسان ، او عقلاً إنطوائياً ( إستاتيكياً ) جامداً تحرك عضلات لسانه ويدة الغرائز وليس العقل .
أو ماذا سيكون رأي الحيوان حول الإنسان أو رأيه بصاحبة ،إذا ما توصل العلم يوماً الى حل لمشكلة التواصل اللغوي ما بين الإنسان والحيوان كما في أفلام الخيال العلمي المخصصة للإطفال ...؟ في الوقت الذي نعاني فيه من غياب لغة إنسانية واحدة تجمع أهل دار واحدة . فهل أحدنا هو المسؤول عن تاريخ ومكان ولادته ، وإنتماء أبويه الوراثي ..؟ وشئ جيد أننا لا نحاكم بأثر رجعي ما قبل عصر ( الخزعبلات ) الوراثية . وإذا صدقت نظرية ( التقمص ) وإنتقال الروح من جسد الى آخر شخصياً ، لا أتمني الإنتماء الى هذا العالم الشرق أوسطي مرة أخرى ، بل عالم ( العصفور الدوري ) الذي يرفض سجنه في قفص حتى لو كان من ذهب .
فما بالك في منظومة ضيقة من الأفكار ،صنعناها بيدنا وتحولنا الى عبيد لها . عالم تحكمه الثوابت ، والأطر والحدود والتحديدات ، ومظاهر سطحية تغذي عقل بلا قاع . عقل تحكمه لغة المقابر ، أو لغة الأبدية الخشبية وصلاحية الشعار لكل زمان ومكان ..؟ مستحثات دينية – بشرية ، لا تعرف ( الإله ) سوى في النصوص ، فيما نحن نتحاور معة بإستمرار ماهذه الطبيعة الجميلة ، ما أجمل ضحكة الأطفال وصراخهم العالي ، وما أجمل أن تنادي البعض ياصديقي .
شئ غريب عندما يعتقد البعض أن هذا العالم تسيره حتميات ، حتمية دينية وحتمية تاريخية ، وحتميات وطنية ، وحتميات زعاميه من الرئيس الى الأمين العام . ، حتى أعضاء الأحزاب أدمنوا السلوك الوظيفي في عملهم الحزبي ؟ وإختفى سلاح النقد . لأن كلمة ( التغيير ) إختفت وأكلت معها مفهوم الحوار الديمقراطي . فلا يوجد أحكام ثابتة ، ومطلقة لا في العلم ولا في الديانات ولا في الفلسفة ولا في السياسية . ولا في الوجوه التي تعرضت لكم من عمليات تجميل المظهر ، وبقي الجوهر ينضح بما فيه من كراهية وتعصب وعمى البصر والبصيرة .
حتى طرق تفكيرنا تقليدية وكلاسيكية ، تستوحي من نصوصها إجاباتها ، فيما العقل مثل الكومبيوتر قابل للتحديث والتجديد ، مثلاً هل من الضرورة أن تكون ربطة العنق ضرورة وظيفية ..؟ أو على المرء أن يرتدي زوج من الجوارب بلون واحد ..؟ أو لماذا لا يرتدي رجل الدين رداءاً أبيض اللون بدل هذا السواد القاتل ..؟ طبعاً نحن لا نتحدث عن ذلك ( الشوال أو الكيس ) الأسود ، فهذا فاجعة أخرى من فواجع الزمن الأسود المغبر في تاريخ أمتنا المجيدة من النهر للبحر . أو من البحر الى البحر . على كل حال هذا وطن لا بحر فيه . سوى قراصنة هوائيين فضائيين وسيارات سوداء بالطول والعرض وبدون نوافذ لمنع تسلل أشعة الشمس .
سألني أحد الأصدقاء ، لماذا توقفت عن الكتابة في الشأن السياسي ..؟ أجبت( ياسبحان الله ) وهل لدينا من يمارس فعلاً سياسياً ..؟ أو يملك قرار أمره حكاماً وأحزاباً وطوائف وشعوباً ..؟
هناك قول للكاتب ( فرايد بيرج ) يقول بما معناه ربما الأكثر إحتمالاً هو أن يكون ماضي أوربا هو مستقبل آسيا ..؟ فهل هذا هو المستقبل الذي تبحث عنه زعماء وعشائر الطوائف الحزبية والدينية ..؟ وهل أزمتنا هي السياسة أم الثقافة ، والخطاب العنصري الطائفي اليومي ..؟
مع أصدقاء رائعين سأشرب نخب صحة أحفادنا الذين سيقولون يوماً ( ما أغبى عصر أجدادنا القدماء ) في عصر نهاية الديانات . وإذا كان لهذا الموقع الحواري من قيمة معرفية فهو شاهد على عصر تتحلل فية جثة هذا النظام وتتفسخ حتى بدون أن تترك أثراً لرائحة .
#سيمون_خوري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟