أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منذر محمد القيسى - الموت بالمجان














المزيد.....

الموت بالمجان


منذر محمد القيسى

الحوار المتمدن-العدد: 2919 - 2010 / 2 / 16 - 18:30
المحور: الادب والفن
    



كان سعد.شابا طويل القامة .وسيما الى حد ما.مرحا . ضحوكا ماشاء له قليه النقى ان يضحك.لكن تلك البشاشه المعهودة عنه لم تستمر طويلا ,فقد تعرض ذات يوم الى حادث تسبب فى حدوث جروح عديدة فى جسده .اقعدته لاسابيع فى احدى مستشفيات المدينة .خرج بعدها وقد تغير فيه الكثير .لم يعد سعد كما كان .فكل من كان قريب منه يعرف ان شيئا ما قد تغير فيه .قل مرحه وصار يسرح بفكره بعيدا عن اقرب اصدقائه الذين اعتاد السهر معهم .وحينما كان يسئل عما به يقول ...لاشى... موضوع ما يشغل فكرى . ولانه كان يصر على عدم ذكر اى شى عن سرحانه ذاك مهما حاول اصدقاءه معه .فقد احترموا تلك الرغبة لديه ولم يسئلوه عن ماتغير فيه بعدها .كانوا يلاحظون مع ذلك ان قلق صديقهم الذى عرفوه جيدا قد ازداد.كذلك شعوره الدائم بالخوف .وكان اصدقاءه يشعرون ان ماتعرض له كان كافيا ليبرر الكثير من تصرفاته تلك .ورغم العديد من المحاولات لجره الى تلك الاجواء القديمة التى كانوا قد اعتادوا عليها منه . الا ان كل تلك المحاولات لم تثمر عن شى .لقد كان تحت ضغط نفسى وفكرى هائل سيطر عليه ولم يعد يجد له طريق للخلاص منه. حتى وهو بين اصدقاءه .وزاد من شعوره بالخوف وجوده بعد اشهر قليلة على الحدود حيث كانت تدور معارك شرسة .كان يقتل ويوسر ويجرح فيها الكثير ممن وجدوا انفسهم هناك .ومع مرور الايام كان شعور الخوف فى داخله يظهر جليا رغم عدم وجود مبرر له ,ومهما كان يحاول من ابتكار وسائل لتبرير خوفه او تغطيته فقد كان اشبه بالصفحة المكتوبة الواضحة لمن يريد قراءتها .كان العديد ممن حوله يشفقون عليه ويحاولون جهدهم ان يشعروه بما يود ان يشعر به .وكان هو يقاوم باستمرار تلك المخاوف التى تستولى عليه ليل نهار .ويحاول مااستطاع ان يدمج نفسه فى اى شى .وماكان يود ان يبقىلوحده على الاطلاق .لكن كل محاولاته ذهبت ادراج الرياح .ففى صباح احد الايام وبينما كان يسمتع بدف الشمس .ونسمه البرد الخفيفة التى كانت تحيط به .سقطت قذيفة على مقربة منه .اغرقته فى عاصفة من التراب ورائحة البارود المحترق .ورغم انه لم يصب باذى من سقوطها الا انه راح يهرول مسرعا نحو صخرة حجرية ضخمة كانت تبرز من فوق سطح الارض التى انتشر عليها الورد البرى بتنسيق جميل من الالوان المختلفة . والاخضرار.تلمس كل قطعة فى جسده خشية ان يكون قد فقد جزءا منه دون ان يدرى .كان قلبه يخفق بعنف شديد .انتظر قدوم القذيفة الثانية وقطع انفاسه لفترة لكى يستطيع سماع صوت انطلاقها .لكنها لم تاتى .ولما شعر ان الخطر قد تجاوزه .رفع راسه من وراء تلك الصخرة الضخمة .جال فى بصره فى الانحاء .وانتابه شعور غريب بالامعنى .مد بصره نحو الافق البعيد .وتساءل ان كان الاخرين يشعرون بما شعر به من رهبة عميقة .اخذ حجرا صغيرا وجده ملقبا على الارض بقربه ورماه باتجاه الافق .وهو يتمتم بكلمات لم يكن يستعملها من قبل .كلمات لعن فيها كل شى.ثم راح يمشى بين حقول الازهار البرية مسرعا نحو مقره.كانت مخاوفه القديمة قد انتصبت امام عينيه مثل غمامة سوداء ضخمة .لم يعد يرى من خلالها الا شى واحد .ان لايموت هنا .وحين وصل الى مقره كان العديد من اصدقائه ينتظرون عودته فقد سمعوا صوت سقوط تلك القذيفة وخشوا عليه منها .حمد اصدقاءه الله على سلامته .لكنه كان شاردا وهو يردد....الله يسلمكم.....الله يسلمكم .ثم دلف الى سريره الصغير ومد جسده فوقه .كانت تلك القذيفة التى سقطت قد وضعت حدا فاصلا فى حياته بين مرحلتين .فقد اصبحت حالة الرعب التى كان يخفيها ظاهرة للعيان .حتى انه وصل فيما بعد الى حد الاشهار بها .وكان يطلق على نفسه حين يسئل تسميات كان يتجنبها الكثيرممن كانوا حوله .كان يريد الخروج من هناك وباى ثمن .ولااحد يدرى الى الان ان كان مافعله امر وحدته بنقله الى مايعرف بالبهو (وهو مكان اطعام الضباط )شفقة عليه ام هى نوع من الشعور بالزهو .فقد كان مستواه التعليمى يغرى ممن هم دونه فى ذلك .وكان عدد ممن قام سعد بخدمتهم انذاك يتفاخرون ان جامعيا مرموقا يقوم على خدمتهم .وكان البعض الاخر يسئله باستمرار تشفيا به .قائلا – قل ياسعد ماذا افادتك الدراسة العليا التى معك .....لو كنت تطوعت للخدمة العسكرية مثلنا نحن..ثم يعتدل فى جلسته ويكمل ..لكنت الان اعلى منا رتبة ....؟ كان سعد دائما مايسال نفسه ذلك السوال الذى لم يجد له جوابا _ لماذا انا هنا ؟وربما كان استشهاد صديق له فى المكان الذى كانوا يتواجدون فيه .رسخ لديه الاعتقاد انه لو بقى فى نفس مكانه لكان مصيره مثل زميله .كان محبا للحياة ...تلك الحياة التى لم يعد لها قيمة تذكر فى بلاد مابين النهرين...لقد كان الموت ولايزال عشوائيا وبالمجان .قال له احد زملائه بعد سنين من ذلك الحدث
-لم فعلت مافعلت يومها ياسعد ؟نظر اليه نظرة تنم عن عدم اكتراث ثم قال-وماالذى كنت سافعله ؟ وليس امامى الا ان اقتل بلا سبب اعرفه...او اجرح..فاكون معاقا طيلة حياتى التى ساقضيها مشفوقا على..او اسيرا ...لااعلم ان كنت سارىبلاد مابين النهرين مرة اخرى ام لا...لقد كنت اريد ان اعيش ليس الا ..
نظر ليه زميله نظرةتامل واشاح بوجهه ثم قال
ياسعد...كلنا كان يريد ان يبقى على قيد الحياة...ولكن فى عالم افضل من ذاك الذى عشناه ..والذى لم تقاوم انهياراته...كان بامكانك البقاء والثبات ..وعدم منح الاخرين فرصة الشعور بان مايفعلونه هو الصواب كله ..لقد كنت تعرف ,,,,ان ذلك كان نصف الحقيقة..اما نصفها الاخر..فكان ان لاتضع حياتك فى مقابل لعبة عبثية...ابتسم سعد له وهو يصغى لكنه لم يقاطعه..وتركه يكمل حيث اضاف..كلنا لم يرد الموت ..وان يعيش ولكن فى دنيا غير ماكانت.. حيث لاقمع ولا موت بالمجان ...قطع حديثهما صوت انفجار قوى حدث فى مكان ما .وتصاعد فى الافق عمود كثيف من الدخان. نظر سعد الى زميله نظرة ذات مغزى ثم قال-هه..ياصديقى ماتقول فى هذا
نظر صاحبه اليه نظرة حزن وقال
-انه الموت بالمجان ياصاحبى...الموت ..بالمجان

منذر محمد القيسى
[email protected]



#منذر_محمد_القيسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قمر من نحاس وخشب
- النفاق العربى فى الازمة الايرانية
- بغداد التى عشقت
- ايران: تصدير الازمة
- هل انتهى عصر الابداع
- نصب الحرية
- الوداع الاخير
- رجع بعيد
- هل يعبر الاعلام العربى عن العرب
- ذكرى امراءة
- صرخة تحت ضوء القمر
- النهر
- شوق
- ابا ثائر
- رحلة اخرى
- بقية اطلال
- بغداد


المزيد.....




- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منذر محمد القيسى - الموت بالمجان