|
Das Sklavenschiff - سفينة العبـيد
بهجت عباس
الحوار المتمدن-العدد: 888 - 2004 / 7 / 8 - 06:41
المحور:
الادب والفن
للشاعر الألماني هاينريش هاينه - ترجمة د. بهجت عباس يجلس مدير الشحن مينهير فان كوك في مقصورته حاسباًًَََ : يحسب مبلغ الشحنة والأرباح المحتملة. المطّاطُ جـيِّد، الفـلفـلُ جـيِّـد، ثلاثمائة كيس وبرميل : عندي مسحوق الذهب والعاج – البضاعة السَّـوداء أحسن.
" حصلتُ على ستِّـمائة عبد بالمقايضة بثمن بخس عند نهر السَّنغال. عضلاتهم صلبة، والألياف متراصّـة، مثل أحسن حديد مصبوب. " أعطيتُ مقابل ذلك براندي، لآلئَ من زجاج ومصنوعاتٍ من حديد، والربح على هذا ثمانمائة في المائة، لو بـقِيَ نصفُهم على قيد الحياة.
" لو بـقِيَ لي ثلاثمائة عبد فقط في ميناء ريو دي جانيرو، هناك تدفع لي شركة كونزاليز بريرو مائةَ دوكات على كل رأس. "
قُـطِعَ مينهير فان كوك فجأة من أفكاره، فقد دخل جرّاح السفينة، دكتور فان دير سْـميسِّـن. نحيفٌ كَـعودٍ يابسٍ- أنفُـه مُغطّى بثـآلـيلَ حُـمْـرٍ. الآن، يا جرّاحَ البحر، صاح فان كوك، كيف أحوالُ أعزّائي السّـودِ ؟
شكره الطبيبُ لسؤاله وقال : " جئتُ لأ ُخبرَكَ بأن الوفياتِ تصاعدتْ كثيراً البارحةَ.
" المعدَّل أنْ يموتَ إثنان يوميّـاً، ولكن اليومَ مات سبعةٌ : أربعة رجال، وثلاث نساء- أدخلتُ الخسارةَ فوراً في السِّـجلِّ.
"إنّني أفحص الجثثَ بعناية، لأنَّ هؤلاءَ التّـافهين يتظاهرون بأنَّـهم أمـواتٌ، ليجعلونـا نـقـذفُـهمْ في الأمواج.
" أنزع قيودَ الحديد عن الأموات، وكعادتـي، أدعُ الجثثَ تُـقذَفُ في البحر عند مطلع الفَجر. " فـتـنطلق فوراً من الأمواج الكواسج، قطيع بأكمله، إنّـها مُغـرمة جداً بلحوم السّـودِ، إنّـها في تقاعد على حسابي.
" تتـبّعتْ سيرَ سفينتـنا، منذ أنْ غادرنا السّـواحلَ: الوحوشُ تكتشفُ رائحةَ الجثث، وتشـمّـُها برغبةِ افتراسٍ جامحة.
" إنّها لَتسـليةٌ أنْ تُشاهدَ، كيف تختطف الموتى! واحد يُمسك بالرأس، وأخرُ بالرِّجلِ، وآخرون يزدردون قِطَعَ اللحم.
" عندما يُبـتَـلعُ كلّ ُ شيء، يلعبون بمرح حول ألواح السَّـفينة ويُحـدِّقون فيَّ، كما لو أنَّهم يُريدون أنْ يُعبِّـروا عن شكرهم لهذا الفطور."
ولكنَّ فان كوك قاطعه مُتـنهِّـداً : كيف أستطيع أن أُخفِّفَ من الشرِّ ؟ كيف أستطيع أنْ أمنعَ تصاعدَ الوفَيات ؟
أجاب الطبيب : " نتيجةَ أخطائهم بأنفسهم مات كثير من العبيد : إنَّ رائحةَ نَفَسهم الكريهـةَ أفسدت الهواءَ في عنبر السَّـفينة. " وأيضاً مات كثير منهم من الكآبة، لأنَّ الضجرَ أصابهم حتّى الموت: فـقليل من هواء طلقٍ، موسيقى ورقصٍ تدَعُهمْ يَشـفَـوْنَ من الأمراض."
عند هذا صاح فان كوك " إنّها لنصيحة جيدة! يا عزيزي جرّاحَ البحر الغالي الذي هو بحكمة أرسطو طاليس، معلم ِالإسكندر.
" إنَّ رئيسَ جمعية منتجي الخُـزامى ( توليب ) في دلفت ذكيّ جداً، ولكـنْ ليس له نصفُ إدراكك."
" موسيقى! موسيقى! على السّود أنْ يرقصوا هنا على سطح السفينة. وكلّ ُ من لا يتمتع بالقـفز، يُجـلَـد بالسِّـياط."
عالياً من خيمة السَّـماء الزَّرقاء تُحـدِّقُ آلافُ النّـُجوم إلى تحت، تومضُ بتوقٍ، كبيرٍ وذكيٍّ، كعيون النِّساء الجميلات.
تُحـدِّقُ إلى تحت في البحر، المُغـطّى بعداً وعرضاً بضباب قرمزيٍّ مُتـألق، تدمـدمُ أفواجُـه مُنتـشيةً.
لا ترفرف الأشرعة على سفينة العبيد، فهي ممـدودة كأنْ لم تُشـرعْ، ولكنَّ المصابيحَ تومض وتخبو على السطح، حيث تصخب موسيقى الرِّقص.
قائد الدفَّـة يعزف على الكمان، يلعب الطَّباخ على النّاي، يقرع الطَّبلَ غلامُ السّـفينة، وينفخ الطبيبُ في البوق.
مائة من العبيد الأصحّاء، رجالاً ونساءً، يهلّلون من الفرح، يقفزون ويدورون في حلقات بجنون، وفي كلِّ قفزة تـقـعـقعُ سلاسلُ القيود مع الموسيقى.
أخذوا يدمَغون سطحَ السَّـفينة بفرح عارم، وكلّ ُ واحدة من السَّوداوات الجميلات تقبض برغبة عارمة على رفيقها العاري، وفيما بين تأتي التأوهات.
رئيسَ الخدم كان السَّجان، حفَّـزَ الراقصين الكسالى، بجلدهم بالسِّياط، وحثَّـهمْ على الإبتهاج الصّاخب.
دي دل دن دي و شنيد در دنغ! الصَّخبُ أيقظ من الأعماق وحوشَ عالَمِ الماء، التي نامت متبلـدةَ الإحساس هناك.
مُـثـقَـلةً بالنوم تأتي الكواسجُ، مئات كثيرة، سابحةً إلى الأعلى، تتطلع إلى السَّـفينة، إنَّها في حَيْـرة، إنَّها مُـنذهلة،
تلاحظ أنَّ ساعة الفطور لم تَحِـنْ بعـد، وتتـثاءب، تفتح حلاقيمَـها على مداها، والأسنانُ المنشارية مغروسة في فكوكها.
و دي دل دم داي و شنيد در دينغ- ليس ثمة نهاية للرقص. أخذت الكواسج تعضّ من نفاد الصَّبر ذيولَها.
أعتقد أنَّها لا تأبه للموسيقى، كآخرين كُـثرٍ من أنواعها. لا تـثـقْ بأيِّ وحش، لا يحبّ الموسيقى! يقول كبير شعراء إنجلترا.
وشنيد در دينغ ودي دل دن دي- ليس ثمة نهاية للرقص. عند الصّاري الأمامي يقف مينهير فان كوك يشبك يديه مصليّـاً:
" إكراماً للمسيح أبقِ لي، آه مولاي، على حياة هؤلاء السّود الآثمين! إذا كانوا قد أغضبوك، أنت تعرف، فإنَّهم أغبياءُ كالبقـر.
" أبقِ لي على حياتِـهم إكراماً للمسيح، الذي مات من أجْـلنا كُـلِّـنا! فإذا لم يَـبـقَ لي ثلاثمائة منهم، فإنَّ تجارتي ستؤول إلى بوار."
#بهجت_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ملاح همجي
-
الإشتياق
-
حمامتي
-
دولة الخلية البشرية وحارس الجينوم
-
هوموسيستـين حامض أميني يُنتج في الجسم ويسبب تصلب الشرايين
-
برومثيوس
-
الرياضة درع واق ٍ من مرض السكـّر ومضاعفاته
-
أمٌ الحواسم
-
بداية المأساة
-
الكأس المقدسة - جين ينظم جهاز المناعة
-
نبع الحياة لا يتمتع بالحياة
-
منتزه الببغاوات - ريلكة
-
التساقط Apoptosis والشيخوخة والسرطان
-
أنبيذ أم عنب؟
-
خطرات من وحي نيتـشـة
-
كيف تتغلب علـى مـرض السُّـكر كما فعلت أنا ؟
-
يـا نـفـط ُبـل يا لهـب ُ
-
الإشعاع وتأثيره على الخلية – تعليق على مقال د. أسعد الخفاجي
-
الحوار المتمدن في عامه الثالث
-
كيمياء العنف
المزيد.....
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|