أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمار شريف - أفاتار؛ إنحطاط الواقع ودهشة الخيال















المزيد.....


أفاتار؛ إنحطاط الواقع ودهشة الخيال


عمار شريف

الحوار المتمدن-العدد: 2918 - 2010 / 2 / 15 - 19:52
المحور: الادب والفن
    


منذ الأيام والأسابيع الأولى لعرضه بدا واضحاً أنّ فيلم أفاتار لن يمر مروراً عادياً، بل انه وخلال فترة قياسية سجل أعلى ايرادات في تاريخ السينما العالمية. وكما أنه يفتح مناجم من ذهب في وقت تكاد تتنفس فيه أغلب ميادين الاقتصاد العالمي بصعوبة بالغة، يثير أفاتار أسئلة حول جوهر القيم السائدة في عالمنا ( المتحضر) من خلال موضوعته من جانب، ومن الجانب الآخر فانه ومن خلال تقنياته يخلق عوالم خيالية مدهشة وخلابة.
لست مهتماً كثيراً بالجانب المالي لكنه بالنسبة لأفاتار لايمكن إغفاله خصوصاً وانه الفيلم الأول من أصل أكثر فيلمين ايراداً مالياً في تاريخ السينما الى جانب فيلم تايتنيك لنفس المخرج جيمس كاميرون. إنها حقاً إذن صنعة لايخطئ الحظُّ مَن يجيدها.
فيلم أفاتار أحد أفلام الخيال العلمي والاثارة. لكنه خيال محض واقع وإثارة تتعدى الخيال. تدور أحداث ملحمة أفاتار في باندورا عالم السلام، حيث تعيش كائنات ذكية أخرى خارج عالمنا يهددها البشر الغازون المدججون بالتكنولوجيا وآلات القتل الضخمة والفتاكة والذين يملكون كل شيء، إلا الرأفة والحب. مأساة باندورا وأهل باندورا (قبائل نافي) أن البشر يصلون اليهما في يوم ما وزمن نحس يكتنز بالشرّ لأنّ أرضهم تكتنز عنصراً يمكن أن يكون مصدراً للطاقة. وبما أن باندورا تخلو من الأوكسجين، فانّ البشر الغزاة يعيشون في مواقع ومحطات متقدمة ضخمة مجهزة بكلّ الشروط اللازمة لحياة البشر بايلوجياً الى جانب آليات حربية ضخمة مخصصة لتدمير طبيعة باندورا وتكنلوجيا متقدمة. ولكن لايكتفون بهذه الوسائل إذ يتمكن البشر من دمج شفرات الحامض النووي لقبائل نافي مع الحامض النووي البشري ليخلقوا (تمظهراً- أفاتاراً) لأيِّ إنسان يريدون ولكنه يبقى خاضعاً لسيطرة وتوجيه القيادة في القاعدة العسكرية لأنّ جسد المتطوع يحفظ في آلة مغلقة يتم عبرها التداخل والاتصال بين ذهن المتطوع و(تمظهره) أفاتاره عن بعد. وعندما ينجحون في هذا يعمدون الى استقدام أشخاص ذوي كفاءة ذهنية عالية ويمظهرونهم باشكال مطابقة لهيئة ومواصفات سكان باندورا البايلوجية ويزجونهم في مواقع متقدمة للقتال وللتزود بالمعلومات الاستخبارية من خلال الدخول في صفوف النافي.
يقع الاختيار على جَيك سيلي الجندي المعاق في أطرافه السفلى يؤدي الدور الممثل سام وورثنغتون. يقبل جَيك المهمة كجندي مثالي ولكن بعد أن يواجه مصاعب ومعارك مع الحيوانات القوية والغريبة بسبب من سلوكه العدواني كبشر وليس بسبب عدوانية تلك الحيوانات، يتم إنقاذه على يدّ شابة من سكان باندورا تدعى نيتيري تؤدي الدور الممثلة زوي سيلدانا. تطالبه بالعودة وبعد حديث يتخلله الجدل، تبدأ بوادر الاعجاب بشجاعة جيك، تظهر بلين معاملةٍ من قبل نيتيري. في هذه الأثناء وبعد قبول جيك في أوساط سكان النافي بحذر، يبدأ الهجوم الوحشي من قبل المحطة البشرية بقيادة الكولونيل ميلز يؤدي الدور ستيفن لانغ. يرى جيك أن الهدف هو تدمير عالم آمن ومسالم بدأ يتعرف عليه ويتعاطف معه. يحتجّ ويقف بوجه الآليات وعندما يكتشفون أمره تبدأ المواجهة. لا يمكن هنا سرد تفاصيل القصة التي بأية حال لن تكون بديلاً عن مشاهدة الفلم نفسه. إنما محاولة لقراءة في هذا العمل ودعوة لمشاهدته. تدور معارك طاحنة يحطم البشر الغزاة فيها رمز الأمان، الشجرة الأم العظمى التي يعيش قوم النافي في ظلالها الوارفة وتحت جذورها العملاقة الدافئة. يُقتل زعيم النافي الرجل الحكيم والد نيتيري ومعه جمع كبير. يتغير كلّ شيء. يخيم الحزن على عالم الضياء عالم باندورا ويغلفه الحريق. يُزرع الحقد عميقاً في النفوس ولكن جيك يحاول إعادة الثقة بنفوس إنعدمت ثقتها بأبناء جنسه لعدوانيتهم. بوحدة أبناء باندورا مع أنفسهم وطبيعتهم وحيواناتهم وتناغم عالمهم ومساعدة جيك العارف بخبايا ومواطن ضعف وقوة البشر، يتمكن النافي من دحر الغزاة وكسب فرصة النجاة.
تُلقي التكنلوجيا المتقدمة وتطبيقاتها السينمائية، في فيلم آفاتار المصور بتقنية D3 المجسمة، بكامل ثقلها لصالح عمل سينمائي متقن الصنعة لمخرج محترف. في هذا الفيلم يشعر المشاهد ولأول مرة باكتمال المزاوجة بين الممثلين والمكونات الحقيقية الأخرى من جانب والموديلات والنماذج المنفذة رسماً من جانب آخر. استجابة المتلقي لتعابير الوجوه على الموديلات المتخيلة تبدو أكثر تلقائية، خصوصاً وأن تلك التعابير هي محاكاة ونقل لتعابير يقوم بها ممثلون، وتستخدم فيها تقنية لنقل الحركات الأساسية في وجه الممثل الى الموديل المتخيل. مشاهد الاثارة والحركة المستمرة المصحوبة بمؤثرات بصرية هائلة، تذهل المشاهد. والاجسام ثلاثية الأبعاد المقتربة بالزوم سريعاً تجعل المشاهد يميل بجسمه تفادياً لها. مشاهد المعارك الملحمية والتي يدور معظمها في أعالي شاهقة، تحبس الأنفاس. عموماً تشعر أن فرصة التساهل في هذا العمل لم يضعها جيمس كامرون في الحسبان ولم تكن خياراً دون حساب أمام العاملين معه.
تمكن العاملون في هذا الفيلم من خلق لوحات فنية مدهشة لعالم فنطازي جميل، هو عالم باندورا. أشجارها غريبة، حيواناتها ضخمة وقوية. و فيها قناديل مضيئة صغيرة أيضاً، لكنها لاتسبح في الماء، إنما تتهادى في الهواء. صخورها معلقة في الفضاء وجسورها جذوع لاتعلم من أين تبتدأ وأين تنتهي لكنها تأخذك في الاتجاه الذي تريد. سكانها هم النافي، ضخام طوال القامة، رشيقون بببشرة زرقاء وجدائل وذيول قوية وطويلة. حين يطأ النافي أرضه تضيء خضراء وتخبو حين يرفع قدمه عنها. لها أشجار من نور. أحصنتها مجنحة تطير، لايرفسها ولايصيح بها فارسها أنما يربط جديلته المنتهية بمجسات كـ USB بمجس في ذلك الحيوان وهكذا يقوم بتحميل إيعازاته له. حَلُم جيمس كاميرون بعالم جميلٍ دعا طاقمه اليه فابدعوا باندورا الحلم البسيط والعالم المتخيل المدهش.
ليس في حبكة وفحوى أفاتار إختراع عجيب. لكن أهميته تكمن في إثارته لموضوع صار جزءاً من حياة البشر يتمّ إعتياده ومضغه كلّ يوم وخلال تاريخ طويل كأمر عادي. أفاتار يعيده دون أغطية ويلقيه على الطاولة كعضو بشري مبتور ونازف، إعتدنا السماع عن أمثاله كلَ يوم ولكن لم نره. إنّه يلقي مجمل قيم حضارتنا تحت طائلة السؤال. الحضارة النظيفة، الأنيقة والمرائية والدبلوماسية جدّاً على شاشات التلفزيون، والهمجية، العدوانية والسادية حين تقف أمام (العدو). والعدو في شفرة اللغة السياسية المعاصرة تشترط المقابل ضعيفاً حتى تصرح به عدواً. أما الدّ الغرماء قوة يسمى شريكاً. أفاتار مجرد إشارة ولكنها إشارة في محلها تماماً لتاريخ مافتئ ينتج ويعيد إنتاج فجائع (باندوراته) الأكثر قسوة ودموية على أرض الواقع. ليس في أفاتار مبالغة. وليس البعد الاسطوري في آفاتار إلّا في حدود الانتصار الرمزي للانسان الآخر المستلب والمهزوم أمام قسوة جدار الواقع القائم. ولكنه أيضاً حلم خلاص الانسان المأسور من الانسحاق النهائي تحت إرث التسلط والإثرة وإنحطاط القوة. دهشة الفن في أفاتار إرتقت لدهشة حلم الانعتاق.



#عمار_شريف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول المشاكل الحالية في إتحاد المجالس والنقابات العمالية
- قائمة الحظ وحظ القائمة - تعقيب على نداء عاجل الى رفاقي يساري ...
- الأمن، الحرية وانتخابات الجور والطغيان
- الرشوة حق من حقوق حكومة علاوي!
- مأساة التاريخ ومهزلتُهُ!
- عقوبة الإعدام، تشريع قتل الإنسان
- تحرير العراق، استعباد المرأة !
- التصدي للحرب مهمة الحركة العمالية والتحررية في العالم


المزيد.....




- الحكومة الأوكرانية تلزم ضباط الجيش والمخابرات بالتحدث باللغة ...
- تناغمٌ بدائيٌّ بوحشيتِه
- روائية -تقسيم الهند- البريطانية.. وفاة الكاتبة الباكستانية ب ...
- -مهرج قتل نصف الشعب-.. غضب وسخرية واسعة بعد ظهور جونسون في ...
- الجزائر تعلن العفو عن 2471 محبوسا بينهم فنانات
- أفلام كوميدية تستحق المشاهدة قبل نهاية 2024
- -صُنع في السعودية-.. أحلام تروج لألبومها الجديد وتدعم نوال
- فنان مصري يرحب بتقديم شخصية الجولاني.. ويعترف بانضمامه للإخو ...
- منها لوحة -شيطانية- للملك تشارلز.. إليك أعمال ومواقف هزّت عا ...
- لافروف: 25 دولة تعرب عن اهتمامها بالمشاركة في مسابقة -إنترفي ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمار شريف - أفاتار؛ إنحطاط الواقع ودهشة الخيال