محمد ناجي
(Muhammed Naji)
الحوار المتمدن-العدد: 887 - 2004 / 7 / 7 - 07:50
المحور:
مقابلات و حوارات
أجرى اللقاء : محمد ناجي
اذا كان مشهد صدام حسين وهو يمثُل , كمتهم , أمام القضاء العراقي , لحظة طالما تمنتها الغالبية الساحقة من العراقيين وغيرهم , فانها تحمل أكثر من معنى , أهمها , تأكيد للحقيقة الكبرى بأن زمانه قد ولى من غير رجعة , وان ساعة الحساب لابد آتية , ولو بعد حين , لكل طاغية مستبد . وان العراق الجديد يسير في الاتجاه الصحيح نحو الحرية والديمقراطية ودولة القانون , خاصة والمشهد يترافق بتصريحات علنية لأكثر من مسؤول عراقي , بأن المتهم بريء حتى تثبت ادانته , وان كان قد أرتكب جرائم , مثلما فعل صدام , ابادة الحرث والنسل ليس في العراق وحسب بل في دول الجوار وكل المنطقة . ولكن تبقى بعض الاسئلة , خاصة وهناك من يريد التغطية على الحدث بدفعه نحو قضايا شكلية ثانوية مفخخة ! بعيداً عن جوهره ومعناه الحقيقي . ولالقاء مزيد من الضوء على هذا الحدث , من الناحية القانونية وربما السياسية ايضاً التقينا القاضي العراقي السابق ) زهير كاظم عبود (*.
1 ـ للوهلة الاولى , كيف تفاعلت مع مشهد صدام وهو يمثل امام العدالة ويبلغ بلائحة التهم الموجهة اليه ؟
** لااخفي عليك ان المشهد لم يفاجئني , فلايمكن لمجرم ان يفلت من العقاب , وهاهو صدام يقف اخيراً في مواجهة العدالة . وهذا المشهد لم يفارق مخيلتي ابداً , فقد تصورته مرارا وخاصة حين كنت مشاركا في المؤتمرات القانونية التي طالبنا فيها بمحاكمة صدام واركان نظامه من قبل قضاة عراقيون ومحكمة عراقية ووفقا للقوانين الجزائية العراقية النافذة . كنت أتخيل هذه الصورة ومتيقن من ان الدكتاتور سيكون خائفا مرعوبا من جماهير الشعب , ومن العقاب الجزائي أو التحقيق والمحاكمة التي تنتظره . كنت احلم واتخيل مشهد الطاغية مقبوضا عليه ومقيدا في ايدي الشرطة العراقية ليجري استجوابه من قبل المحققين ومن ثم من قبل قاضي التحقيق وامامه بعض المتهمين الآخرين , ممن سيشهد ويثبت التهم الموجهة اليه . نعم راودتني هذه الصورة في المحكمة الجنائية الدولية في سيراكوزا في ايطاليا عام 2000 , حينها طالبت بما ذكرته آنفاً في ان تكون محاكمة صدام عراقية وعلى الارض العراقية ومن قبل قضاة عراقيون ويتم تطبيق القوانين الجزائية العراقية بحقه .
2 ـ ولكن ألا ترى ان صدام محظوظ , وان في الامر مفارقة كوميدية من خلال الحرص على توفيرأقصى قدر من العدالة لشخص كان ) يطُر الناس أربع وصل ( وشكّل محاكم أصدرت , ومن دون محاكمة , أحكام إعدام بالجملة ) من أبو عكال وليغاد إعدام ...( ؟
** حقا هي مفارقة ان يتمتع صدام بكل الحقوق التي يمنحها قانون اصول المحاكمات الجزائية , بينما هو لم يمنح اي منها لابناء العراق الغيارى الذين حصدت ارواحهم محاكمه الخاصة , والتي لم يكن في رئاسة أياً منها قاضي عراقي واحد , بدءاً من علي هادي وتوت مروراً بالعلاف والنجار ومسلم الجبوري وانتهاءاً بعواد البندر . وكذا الامر في محاكم الامن العام والخاص والمخابرات والاستخبارات واللجنة الاولمبية والتصنيع العسكري والمحكمة الخاصة بوزارة الداخلية . كما كانت الاحكام لاتتطابق مع المدد المنصوص عليها في قانون العقوبات , بالاضافة الى عدم مراعاة بقية الاجراءات فلا تمييز للاحكام ولايحق للمحكوم ان يتحدث أو يسأل أو ان تدقق المحكمة الادلة أو ان يحضر محامي للدفاع عنه . فيالها من مفارقة ان تتوفر للمتهم صدام ضمانات وحقوق صادرها , هو , عمدا من الآخرين , فكان يوعز الى هذه المحاكم الصورية , التي لاعلاقة لها بالقضاء العراقي , ولاتخضع لرقابته وتدقيق أحكامه ولا للتمييز والاشراف العدلي , بأن يتم الحكم على مجرد تقرير منفرد من شرطي أمن أو عضو بعثي , أو على الظن والشك , حتى وصل الامر ان يتم الحكم على النية , التي لايعلمها إلا الله ! ولكن هذا بالضبط مايميزنا عنه , فنحن ومنذ سنين طويلة , طالبنا بدولة القانون والعدالة واحترام حقوق الانسان .
3 ـ هناك , في الشارع العراقي , من يتخوف ان تتحول هذه المحاكمة لمصلحة المتهم , ويدعو للتعامل مع صدام بشكل آخر , فهل تجد أرضية لهذه المخاوف؟
** الواقع يقول العكس , وهنا لابد من التوضيح بأن مهمة قاضي التحقيق ليست ذات طابع غالب ومغلوب مع المتهم , وانما يتعين عليه ان يعالج القضية التي ينظرها من خلال حدسه التحقيقي وفطنته وذكاءه وسعة افكاره وصبره في مناقشة المتهم , بالاضافة الى وجوب درايته ومعرفته الشاملة والواسعة عن القضايا التي سيناقشها مع المتهم صدام . وبالتأكيد لن تتحول اجراءات التحقيق ولا اجراءات المحاكمة لصالح أحد غير العدالة , فالمتهم يتم احترامه كانسان وفق حدود قانونية وتعامله المحكمة باحترام , واذا خرج عن حدود الادب والاخلاق وأعراف المحاكم تتخذ المحكمة بحقه الاجراءات الجزائية المنصوص عليها في قانون الاصول . واذا كان المتهم صدام , رغم انه كان خائفاً ومرعوباً , قد استطاع ان يمرر بعض الامور في الجلسة التي سبقت البدء بالتحقيق معه , ويقوم ببعض الحركات التمثيلية التي درج على ممارستها حين يشاهد عدسات الكاميرات والصحفيين , فأنه سيجد نفسه , لاحقاً , أمام حالة قانونية وقضائية منطقية وحجج دامغة لا يمكنه الافلات منها أو المراوغة , ولن يظهر فيها إلا على حقيقته , كأي متهم يواجه القصاص العادل . لهذا لاداعي لهذه المخاوف . وعلينا ان لاننسى ان هذا جزء من العملية الديمقراطية , والمحاكمة خطوة تعزز المسيرة في هذا الاتجاه السليم .
4 ـ المعروف ان نظام صدام قام على ركيزتين الاولى القمع والارهاب , والثانية الدعاية الديماغوجية, وبقايا هاتان الركيزتان لاتزال فاعلة , عراقياً وعربياً , فهل تعتقد بأن بأمكان العراقيين , وبالتحديد القضاة , مواجهة التهديدات والحملة والضغط الاعلامي المدفوع الثمن ؟
**القضاء العراقي لايتأثر بالتهديدات أو الضغط الاعلامي , فآلية العمل القضائي الآن سليمة , حيث ان المتهم أحيل الى محكمة التحقيق المركزية المختصة , وسيبدأ اجراء التحقيق فتقوم محكمة التحقيق بجمع الادلة والبراهين وتناقش المتهم وتدون اقواله , ومن ثم تقوم بتدقيق ماتوفر لها من ادلة , ووفقا لأحكام الفقرة ) ب( من المادة 130 من قانون اصول المحاكمات الجزائية المرقم 23 لسنة 1971 المعدل , يقوم القاضي المختص بأحالة قضية المتهم وفقا للمادة القانونية المتناسبة مع الفعل الى المحكمة المختصة لمحاكمته , ان وجد ان الادلة المتوفرة في القضية تكفي للاحالة على المحكمة , وبعكسه يقوم بالافراج عن المتهم المذكور وفقا للفقرة المذكورة من النص المذكور . والبحث عن الادلة ومناقشتها وتدقيق اقوال المتهم وشهادات الشهود لا علاقة لها بالضغط الاعلامي ولا بالتهديدات , والقضاء العراقي صاحب تجربة طويلة بالاضافة الى وجود قيم وأعراف قضائية تجعل الثقة تزداد في قدرة هذا القضاء على إنجاز مهمته بنجاح .
5 ـ إذن كيف تنظر الى حملة الانتقاد الموجهة للمحكمة ؟ وهل تجد فيها شيئا ذا قيمة قانونية تستحق الالتفات اليها ؟
** مايقال عن شرعية المحكمة أو عدم شرعيتها لايقدم ولايؤخر في شيء . فثمة أصوات لها مواقف سياسية مسبقة ومعروفة , وهذه الاصوات تخلط بين المنطق والزعم . والقاضي العراقي لم يستمد سلطته من قوات الاحتلال ولا من الحاكم المدني الامريكي حينها . فالقاضي يحصل على شهادة إعتراف بأهليته لممارسة القضاء بعد دراسة امدها سنتان في المعهد القضائي , ويتم تعيينه بصفة قاضي من الصنف الرابع وفقا لنصوص قانون التنظيم القضائي . والشرعية تتمثل في التطبيقات القانونية السليمة , من خلال التزام القاضي والمحكمة بالتطبيق السليم للقانون واتباع الطرق والمعايير الواردة في نص القانون . وهكذا فالمحكمة مشكلة من قاضي عراقي وتقوم بتطبيق القانون العراقي ولا تسمح لاية جهة ان تتدخل في اجراءاتها وقرارتها واحكامها , وهي تملك الشرعية وتتمتع بكل مواصفات الجهة القضائية المستقلة والنزيهة والعادلة . أما مايردده اولئك الذين لايزالوا يدوروا في فلك الصدّامية , فهؤلاء ومن يتبعهم يتحركون بعكس المنطق ويريدون التشويش والتشويه , ولديهم ان المحاكم الصدامية التي كانت تحصد ارواح العراقيين بدون وجه حق أو قانون أو قضاة هي الشرعية , وهذا لعمري ادعاء بائس .
6 ـ ألا تعتقد بان ماتحدث به المتهم صدام , عن الكويت , يمكن ان يستخدم ضده كدليل إدانة لتهمة الاعتداء على شعب ودولة مستقلة وعضو في الجامعة العربية والامم المتحدة ؟
** بكل تأكيد , ان على محكمة التحقيق ان تقوم بتدوين ماتلفظ به المتهم امامها من اقوال ويقوم القاضي بعرضها عليه لتوقيعها , فان امتنع يقوم القاضي بتأشير امتناعه عليها ثم يقوم بالتوقيع عليها وربطها مع الاوراق التحقيقية الخاصة بالمتهم , وهذه الاقوال يمكن الاستفادة منها عند بدء اجراءات التحقيق حول تهمة غزو الكويت . وهنا لدي ملاحظة بخصوص لائحة الاتهامات فهي يمكن ان تتسع لتشمل مالايقل عن اربعون تهمة اخرى , من بينها سحب الجنسية وتهجير عشرات الالاف من العراقيين الكرد الفيليين ... وغيرها .
7 ـ وهل تجد , كقاضي , في القانون العراقي مايجرم هذا العمل ويدعو لمحاكمة لهذا النوع من الجرائم ؟
** نعم , ففي قانون العقوبات العراقي النافذ العديد من المواد التي تشمل الكثير من الاتهامات , ومنها الاتهامات التي تم ذكرها في لائحة الاتهام , وقانون العقوبات من القوانين التي لم يفت على المشرع ان يضع في الاعتبارالحالات المتنوعة والمختلفة التي يعالجها .
8 ـ ولكن طالما أن المتهم صدام إرتكب جرائم بحق دول اخرى ورد ذكرها في لائحة الاتهام , هل بأمكان هذه الدول المطالبة بتسليمه اليها لمحاكمته ؟
** كلا لايحق لهذه الدول المطالبة باستدعاءه واجراء التحقيق معه ومحاكمته , ولكن يمكنها مقاضاته في محافل دولية , او لربما عززت التحقيق العراقي بحضور ممثلين عنها كمدعين بالحق الشخصي , وهذا ماستفعله . أما ان تكون تلك الدول مشتكية وقاضية بنفس الوقت , فهذا يتناقض مع مبدأ العدالة . ويقينا ان الدول المذكورة ستطالب بالتعويضات من السلطات العراقية عما احدثه المتهم من اضرار , كما تطالب بأنزال اقصى العقوبات القانونية بحقه بصدد القضايا الجنائية التي ارتكبها .
9 ـ مالذي يدفع , برأيك , عدد من المحامين في الاردن وغيرها الى التحمس للعب دور ) محامي الشيطان ( , هل هي العدالة المهدورة في العراق أم ماذا ؟ وهل يبيح القانون العراقي لهؤلاء القيام بهذا العمل ؟ وماهي الاجراءات الواجب عليهم إتباعها؟
** من الواضح ان عدد من هؤلاء يدفعهم الموقف السياسي , وهم مصابون بداء العمى السياسي , وينظرون للامور من الزاوية السياسية , والبعض منهم معروف من الاخوة المحامين من البعثيين المرتبطين بتنظيمات الجناح اليميني للقيادة القومية المتمئلة بصدام والعيسمي ) مجموعة عفلق ( , وقسم آخر بقصد الشهرة وكسب الاضواء والدعاية التي قد توفر له سمعة في مجال عمله , كما ان بينهم من تم عرض مبالغ مغرية له للدفاع عن المتهم . ومهما يكن الامر فلكل محامي سبب شخصي يدعوه للترافع امام المحاكم والدفاع عن المتهم . ووفقا لقانون المحاماة العراقي النافذ لايوجد مايمنع المحامي العربي من الترافع امام المحاكم العراقية بكل درجاتها واشكالها , بشرط ان يقوم المحامي العربي بتقديم طلب خطي الى نقابة المحامين العراقية ليحصل على موافقتها , مع ضرورة وجود اتفاق مسبق على مبدأ المعاملة بالمثل مع نقابة المحامين للبلد الذي ينتمي اليه , وشروط اخرى تحددها النقابة المعنية . وفي حال عدم قبول اي محامي بمهمة الدفاع عن المتهم لاي سبب كان , او لعدم تمكن المتهم نفسه من توكيل محامي , فان المحكمة ملزمة بانتداب احد المحامين المسجلين في جدول النقابة , وتقوم بدفع اتعابه المالية من خزينة الدولة بعد اكتساب القرار الدرجة القطعية .
10 ـ بالنظر لطبيعة الاتهامات واطنان الوثائق وحساسيتها والشهود الذين يمكن استدعائهم للمحكمة , ألا تعتقد بان هذا يمكن ان يوفر للمتهم فرصة للافلات من القصاص المنتظر , بحجة او باخرى , لاسباب صحية مثلا !؟
** كثرة الوثائق والمستندات والادلة المتوفرة ضد المتهم لاتعيق سرعة الانجاز في محكمة التحقيق , بل على العكس فهي دليل على ان المتهم محاط بالعديد من المستندات التي ستربك اجابته وتدفعه للانهيار والاقرار بالحقائق . اما بالنسبة لوضعه الصحي فلا يمكن ان يفلت المتهم من العقاب حتى مع وجود بعض الامراض الاعتيادية التي تصيب الانسان في مثل عمر المتهم صدام , ولامجال للمحكمة ان تعتبر هذه الامراض مما يعيق المسؤولية الجزائية , كما انها لاتعتبر من الاعذار المانعة لسماع الدعوى الجزائية كما لايمكنها ان تخفف من العقوبة , بالاضافة الى ان الفحوصات الطبية أظهرت سلامة المتهم العقلية والبدنية .
وكلي ثقة , بعد اخضاع المتهم للتحقيق واحالته للمحكمة , وتوفر ادلة الاحالة , فان العدالة العراقية ستأخذ مجراها , وليطلع العالم بعدها ويفهم باننا وفرنا للمتهم , رغم بشاعة جرائمه , مالم يوفره هذا الطاغية , عندما كان في السلطة , لأي عراقي في المحاكمات والتحقيق وفي الاحترام لأبسط حقوق الانسان .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* زهير كاظم عبود
ـ خريج كلية القانون والسياسة / جامعة بغداد 1978 .
ـ خريج المعهد القضائي العراقي عام 1985 .
ـ عمل قاضيا في محاكم عدة آخرها رئيسا لمحكمة الاحداث في الموصل .
ـ ابعد عن القضاء بأمر من صدام عام 1994 .
ـ يعيش حاليا في السويد , بعد ان غادر العراق عام 1998 .
ـ يكتب في الصحافة , وله العديد من المقالات السياسية والثقافية . كما اصدر الكتب التالية :
1 . لمحات عن اليزيدية - مكتبة النهضة - بغداد 1994 واعيد طبعه عام 2000 في لندن .
2. لمحات عن الشبك - دار الرافد - لندن 2000 .
3. ليلة القبض على رئيس الجمهورية - مجموعة قصص قصيرة - السويد 2002 .
4. البهتان في اسلام ابي سفيان - السويد 2002 .
5. جمهورية الغجر - السويد 2002 .
6. الايزيدية حقائق وخفايا واساطير - كردستان العراق 2003 .
7. كتابات في القضية الكردية والفدرالية وحقوق الانسان -السويد 2004 .
8. مخابرات صدام واغتيال شيخ بني تميم طالب السهيل - 2004 .
9. دفاعا عن الفدرالية - مع مجموعة من الكتاب - كردستان العراق 2004 .
10. لمحات عن سعيد قزاز - كردستان العراق 2004 ) تحت الطبع ( .
#محمد_ناجي (هاشتاغ)
Muhammed_Naji#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟