|
الأمين العام!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2916 - 2010 / 2 / 13 - 21:59
المحور:
القضية الفلسطينية
في ما يشبه استجواباً، أو استنطاقاً، لـ "متَّهم"، سُئِل "الأمين العام" لمنظمة فلسطينية يسارية، في مقابلة مع فضائية عربية، عن سرِّ بقائه متربِّعاً على عرش القيادة منذ تأسيس منظمته، أي نحو 40 سنة متَّصِلة، مع أنَّ "الديمقراطية" في المنظَّمة التي يقود ليست "صفةً" فحسب، وإنَّما تسمية.
وإنصافاً للحقيقة، وليس دفاعاً عن "المستجوَب"، لا بدَّ من تأكيد وتوضيح أنَّ هذا "الأمين العام" ليس نسيج وحده، في هذه الظاهرة القيادية السياسية، ولا يشذ، في ما هو عليه، عن "القاعدة" في القيادات السياسية العربية العليا، أكانت تمثِّل أنظمة حكم أم منظمات وأحزاباً سياسية، فنظرية "لكل مرحلة (سياسية أو تاريخية) رجالها" ليست صحيحة من وجهة نظر واقع الحياة السياسية العربية، فالرجل، أي القائد، عندنا، يصلح لكل المراحل؛ بل لكل زمان ومكان، وكأنَّه "قوس قُزَح" في ألوانه القيادية!
"الأمين العام"، وعلى ما أتوقَّع، لم يتوقَّع أن يُسْأل هذا السؤال "المعادي"، فهو دُعي، على ما توقَّع، إلى لقاء إعلامي "كلاسيكي"، يتولَّى فيه المرافعة، بالمفردات والعبارات نفسها، وبالأسلوب الخطابي نفسه، عن منظَّمته، مكرِّراً الجُمْلَة الشهيرة ذاتها، وهي "لقد جاءت الأحداث لتُثْبِت صحة وصواب البرنامج أو النهج السياسي" لـ "المنظَّمة" التي يقود، وكأنْ ليس للواقع، أو التاريخ، من مهمَّة، أو وظيفة، يؤدِّيها إلاَّ الإتيان بمزيدٍ من الأدلَّة على أنَّ تلك المنظَّمة كانت على حقٍّ في كل ما قالته ودعت إليه!
و"التأويل"، حتى في السياسة، لا يحتاج إلى جهد جهيد، ولا إلى ما يشبه الإتيان بمعجزة، فأيُّ امرئ يستطيع بقليل من الجهد والاجتهاد أن يرى ما يود رؤيته في أيِّ نصٍّ، وفي أي واقع؛ وهذا الأسلوب في المرافعة والدفاع إنَّما يؤكِّد، ويعيد تأكيد، حقيقة أنَّ القيادات السياسية والفكرية على نوعين اثنين: نوع يتوفَّر دائماً على تعديل وتغيير "النظرية" بما يجعلها متَّفقة، أو أكثر اتِّفاقاً، مع الواقع وحقائقه الجديدة، ونوع لا شيء يجيده سوى لعبة تأويل الواقع وحقائقه الجديدة بما يتَّفِق مع "النظرية"، التي تُعامَل على أنَّها مُسْتَقر الحقائق المطلقة السرمدية النهائية.. وأيُّ "نظرية"!
ثمَّ أتى الجواب الجزل المُفْحِم، وكأنَّه القول الفصل، فـ "الأمين العام" لم يشعر بأنَّ في هذه "الاستمرارية القيادية التاريخية" ما يدعو إلى العجب والتعجُّب، فكل ما فيها إنَّما يدعو، ويجب أن يدعو، إلى الإعجاب، فوجوده على رأس الهرم القيادي في منظَّمته نحو 40 سنة متَّصِلة إنَّما يكشف ويؤكِّد وجود "قانون تاريخي قيادي" يخصُّ، لجهة فعله، "حركات التحرُّر القومي" جميعاً؛ وهو، على ما أوضح، جزء من هذا "الكل القيادي التاريخي"، وينبغي له أن يظل على رأس الهرم القيادي حتى تُنْجَز مهمات التحرُّر القومي كلها، وما دامت "الشيخوخة الجسدية الفيزيائية" تُنْتِج، وتعيد إنتاج، "الشبابية السياسية والفكرية والقيادية"، وتُثْبِت أنَّ "القائد التاريخي"، وفي الحياة السياسية العربية على وجه الخصوص، تتجدَّد وتنمو قدرته على "العطاء القيادي" مع (وبفضل) استمرار صعوده في "سُلَّم الشيخوخة الفيزيائية".
وحتى لا يظل في نفس السائل، أو المستجوِب، ولو نزرٌ من الشكِّ، أضاف "الأمين العام" سبباً "وجيهاً" آخر إلى السبب الأساس الذي ذَكَر، والذي صوَّره على أنَّه "قانون تاريخي عام"؛ وهذا السبب هو النزول، أي نزوله هو، عند إرادة "الشعب" في "منظَّمته"، فأعضاء المنظَّمة جميعاً، وفي ما يشبه "البيعة"، دعوه، وتمنُّوا عليه، أن يستمر في "قيادة السفينة" حتى تصل إلى برَّ الأمان؛ ولولا إصرارهم (الدائم) على بقائه ربَّاناً للسفينة لأثبت لكل المشكِّكين في صدق نيَّته وعزمه أنَّه زاهِد عن سلطة القيادة، وراغب حقاً في ضخِّ دماء قيادية جديدة في المنظَّمة، تضيف إلى "شبابها السياسي والفكري الدائم" شباباً قيادياً، فتنتقل "الشعلة" و"الرسالة" من جيل إلى جيل.
التجربة التاريخية للحزبية السياسية، أي لنشوء وتطوُّر الأحزاب السياسية، إنَّما تؤكِّد "الحقيقة الحزبية" بنصفيها، ففي نصفها الأوَّل تُرينا أنَّ الحزب يبنى من "القمَّة" إلى "القاعدة"، أي أنَّ القيادة تظهر أوَّلاً، ثمَّ تتوفَّر على بناء "القاعدة الحزبية"؛ أمَّا في نصفها الثاني، وهو الذي لم نره بعد في حياتنا الحزبية السياسية العربية، فتُرينا أنَّ هذا الحزب لن يظلَّ حيَّاً، بالمعنى الحقيقي للحياة، إذا لم يُعَدْ بناؤه، في استمرار، من "القاعدة" إلى "القمة"، أي إذا لم تَذُقْ قيادته "مُرَّ" الديمقراطية.
ويكفي أن يغيب هذا "النصف الثاني"، وأن يظلَّ غائباً، حتى تتهيَّأ الأسباب لنشوء الظاهرة الآتية: حلول الحزب محلَّ "الشعب"، أو "القاعدة الشعبية"، وحلول "اللجنة المركزية" محلَّ الحزب، وحلول "المكتب السياسي" محل "اللجنة المركزية"، وحلول "الأمين العام" محلَّ الجميع، فتزدهر، بالتالي، "عبادة الفرد"، ويتحلَّق حول "الأمين العام" بيروقراطيون حزبيون، يجتهدون دائماً في تصويره على أنَّه رجلٌ له أُفْق يسع كل شيء، ولا يسعه شيء، أسند له التاريخ، إذ اصطفاه، مهمَّات تنوء بحملها الجبال، وكأنَّه ذلك "الخليفة" الذي أتته الخلافة منقادة، فلم تكن تصلح إلاَّ له، ولم يكن يصلح إلاَّ لها!
إنَّهم بأيديهم يصنعون الأوثان، التي يطيب لهم تسميتها "قيادات تاريخية"، ثمَّ يخرُّون لها ساجدين؛ ويظلُّون على هذه الحال، التي يستحدثون لتزيينها وزركشتها مفردات وعبارات "ثورية"، من دون أن يكلِّفوا أنفسهم عناء البحث في أوجه الأهمية التاريخية لتلك "القيادات التاريخية"، التي تأتي وتذهب من غير أن تترك أثراً في التاريخ، وكأنَّ "القائد التاريخي" هو الذي يشيخ، ثمَّ يموت، وهو على رأس الهرم القيادي، فلا يُشْرَك به أحد في أثناء حياته، التي لا يمكن أن تكون حافلة بالعطاء القيادي التاريخي إلاَّ إذا ظلَّت متَّحِدة اتِّحاداً لا انفصام فيه مع منصب "الأمين العام"، فأحزابنا اعتادت، وعوَّدت الناس، أنْ تفهم "القيادة" على أنَّها و"السلطة" صنوان، مع أنَّ التجربة التاريخية لأحزابنا السياسية العربية أظهرت وأكَّدت أنْ لا شيء أسهل من أن يصبح المرء "أميناً عاماً" لحزب ما، ولا شيء أصعب من أن يصبح "قائداً"!
إنَّنا الآن في حقبة من التيه السياسي والفكري، فـ "الرمادي" من الألوان يكاد أن يصبح لوناً للأشياء جميعا، فيتعذَّر على المرء، بالتالي، تمييز شيء من شيء؛ وقد نسمع عمَّا قريب أنَّ منصب "الأمين العام" نال هو أيضاً حظَّه من "الوراثة"، فأصبح ينتقل بالوراثة من الأب إلى الابن.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عصبية -الدَّاليْن-!
-
مجتمعٌ يُعسِّر الزواج ويُيسِّر الطلاق!
-
العدوُّ الإيراني!
-
-التوجيهية-.. مظهر خلل كبير في نظامنا التعليمي والتربوي!
-
قصَّة نجاح لثريٍّ روسي!
-
-ضرائب دولة- أم -دولة ضرائب-؟!
-
-الإنسان-.. نظرة من الداخل!
-
-شجرة عباس- و-سُلَّم أوباما-!
-
هكذا تكلَّم الجنرال باراك!
-
-ثقافة الزلازل- عندنا!
-
أوباما يَفْتَح -صندوق باندورا-!
-
مفاوضات فقدت -الشريك- و-الوسيط- و-المرجعية-!
-
سنة على تنصيب أوباما.. نتائج وتوقُّعات!
-
حال -اللاتفاوض واللامقاومة-!
-
مزيدٌ من الإفقار.. ومزيدٌ من -التطبيع-!
-
نمط من المراكز البحثية نحتاج إليه!
-
الأجهزة الأمنية العربية!
-
ما معنى -حل مشكلة الحدود أوَّلاً-؟
-
الإرهاب ومحاربيه.. منطقان متشابهان!
-
-سورة الأنفاق-.. يتلوها علينا الشيخ طنطاوي!
المزيد.....
-
لا تقللوا من شأنهم أبدا.. ماذا نعلم عن جنود كوريا الشمالية ف
...
-
أكبر جبل جليدي في العالم يتحرك مجددًا.. ما القصة؟
-
روسيا تعتقل شخصا بقضية اغتيال جنرالها المسؤول عن الحماية الإ
...
-
تحديد مواقعها وعدد الضحايا.. مدير المنظمة السورية للطوارئ يك
...
-
-العقيد- و100 يوم من الإبادة الجماعية!
-
محامي بدرية طلبة يعلق على مزاعم تورطها في قتل زوجها
-
زيلينسكي: ليس لدينا لا القوة ولا القدرة على استرجاع دونباس و
...
-
في اليوم العالمي للغة العربية.. ما علاقة لغة الضاد بالذكاء ا
...
-
النرويجي غير بيدرسون.. المبعوث الأممي إلى سوريا
-
الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يتخلف عن المثول أمام القضاء
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|