|
أورهان باموق في ألوانه الأخرى
ممدوح رزق
الحوار المتمدن-العدد: 2916 - 2010 / 2 / 13 - 14:33
المحور:
الادب والفن
مؤلف ضمني يسخر من كونديرا ويتخلص من الكتب ويبحث عن قصص لم ترو بعد
( الأفكار التي تهرب ، أريد أن أكتبها ، أكتب عوضا عن ضياعها مني ) .. أراد ( باسكال ) إذن أن يعطيني جملة يمكن لصقها على الصندوق الكبير الذي يحوي الأفكار والمقاطع المتزايدة عبر سنوات الكتابة والتي حافظت دائما على استقلاليتها بعيدا عن القصص والقصائد والروايات مهما كانت الظواهر المضادة التي تعطل أحيانا ولو بشكل مؤقت التأكد من هذا الواقع .. في ( ألوان أخرى ) يفتح ( أورهان باموق ) صندوقه الكبير .. يتفحص ( لحظات الكينونة ) بتعبير ( فرجينيا وولف ) كما أشار في المقدمة التي أراد من خلالها توثيق دهشته لأنه لم يكن قادرا على وضع هذه اللحظات الغريبة ومشاهد الحياة اليومية والإشراقات التي تضاء فيها الحقيقة بشكل ما داخل قصصه من قبل .. لماذا لا تكون هذه الصور والشذرات هي محاولات للقبض على الأفكار التي تضيع لو سلمنا بأن الروايات مثلا هي إقرار بفقدها يستلزم تعويضا عنه ؟ .. محاولات يظل نجاحها وإخفاقها نسبيا ولكنها في جميع الأحوال تمتلك أسبابها المنطقية للبقاء في عزلة حميمة وخاصة كشأن منفصل ليس لديه ما يبرر التداخل مع كتابة أخرى .. ( ألوان أخرى ) ليس مجرد نتيجة رغبة في كتابة كتاب مصنوع من شذرات متفرقة مثل الحياة نفسها ومثل أعمال الكاتب والفيلسوف الألماني ( والتر بنجامين ) فحسب .. هو نتيجة رغبة ذلك المجنون بالكتابة الذي بداخل ( أورهان باموق ) والذي يحتاج منه أن يظل يكتب كي يبقى سعيدا .
لماذا يصنع ضجة حول عامه الثلاثين ككاتب ؟ .. لأنه يريد أن يتحدث عن كتابة الرواية وعلى هذا الأساس يتنقل ( باموق ) بأفكاره من احتياجه للجرعة اليومية من الأدب وقناعته بأن أفضل الكتب هي لمؤلفين موتى مرورا بأحلام اليقظة والإلهامات المجهولة في الكتابة وانتهاء بفكرة المؤلف الضمني الذي يستطيع وحده إنجاز روايته الخاصة .
( لا أريد أن أبدو مثل أولئك المتباهبن من محبي الكتب الذين سوف يقولون لك إنهم وجدوا كتاب كذا وكذا في أحد محلات بيع الكتب المستعملة في الشارع الخلفي من براغ ) .. لم يكن ( أورهان باموق ) في حاجة لذكر اسم ( كونديرا ) إذن .. من قرأ ( خيانة الوصايا ) تحديدا سيعرف أن هذه السخرية العابرة موجهة إليه ..250 كتابا قرر التخلص منها بسعادة ليس خجلا من هذه الكتب في حد ذاتها وإنما لكونه أولاها بعض الأهمية في وقت من الأوقات .. هو يرى أن تقدم الكاتب يعتمد بدرجة كبيرة على قراءة الكتب الجيدة حيث يغرق المرء نفسه تماما في روح النص وهذا هو السبب الذي يجعلنا نقع في حب كتب قليلة فقط طوال حياتنا في حين تبقى المكتبة نفسها عبئا متجسدا .
يتتبع ( باموق ) مسار رحلته في كتابة ( القلعة البيضاء ) والتي جاءه إلهامها بينما كان ينهي روايته الأولى حيث كان مشغولا بأحلام اليقظة المستمدة من التاريخ الأمر الذي دفعه لقراءات عديدة كان الهدف منها جمع خلفية مفصلة عن القصة التي أراد كتابتها .. قصة عن سيد عثماني وعبد إيطالي موضوعين معا داخل غرفة في مدينة غارقة في الظلام اكتشف ( أورهان باموق ) أنهما متشابهان كثيرا لدرجة التطابق بعد أن وضع الكثير من ذاته في شخصيتيهما مثلما فعل ( روبرت لويس ستينفسون ) مع د. جيكل ومستر هايد .
رغم كثرة ما تعلمه من النظرية لدرجة الوقوع في سحرها أحيانا يشعر ( باموق ) بالحاجة للحركة دونها .. يعتبر النظرية مهما أثرت فينا بعمق تظل نظرية شخص آخر أما القصة فلو فعلت بنا ذلك تصبح قصتنا .. هكذا يبين لنا علاقته بالقصص القديمة جدا التي لا يتذكر أحد من رواها أول مرة لأننا نمحو كل ما يمكن تذكره عن الطريقة التي تم بها التعبير عنها من قبل مع كل سرد جديد لها فنسمعها كما لو كان للمرة الأولى .. ( مع أفول رواية القرن التاسع عشر فقد العالم وحدته ومعناه . وعندما نشرع في كتابة الروايات اليوم ، كل ما لدينا قصاصات وشذرات ) .. عبر تأمل السعي إلى الآخر الذي سوف يكملنا والبحث عن مركز يقودنا ( أورهان باموق ) إلى أن الأدب هو قصة الرحلة التي لم تصل أبدا إلى الحقيقة وأننا أصبحنا تحت وطأة الخوف والاضطراب والفوضى نقلل من السرد وندفع مراكز قصصنا من المركز إلى الهامش فبدلا من السفر إلى أعماق العالم المخبأة نستكشف اتساعه مشيرا أنه هو شخصيا يستمتع بالخروج بحثا عن المزيد من الشذرات والقصاصات .. بحثا عن قصص لم ترو بعد .
عن بيت جدته الكبير وعن توحده مع ( غالب ) بطل روايته ( الكتاب الأسود ) وعن ابنته وإقلاعه عن التدخين وعن الكتّاب الآخرين حكى ( أورهان باموق ) كثيرا بقلق ومتعة ورغبة في احتواء اللحظات الملتبسة والمراوغة وترويضها وهو يبدو عارفا بأن هروبها حتمي ربما وأن مطاوعتها واستكانتها في روحه ضرورية حقا .. يبدو أنه أراد فقط أن يؤكد لنا أنه لن يتوقف أبدا عن مجابهة الأشياء التي قال أنها تتآمر على إبعاد الشخص عن الأدب والتي تمتليء بها الحياة .
#ممدوح_رزق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مكان الروح
-
أورهان والي : لا مكان للغة بيننا
-
أنا لا أتهكم
-
لا يزال حيا
-
فيران الانفتاح تسطو على وطن ما بعد العبور
-
كلمة أخيرة عن سرقة مقالي بجريدة القاهرة
-
بيت المرايا
-
عن ( روجرز ) أحمد ناجي
-
كاتبة بجريدة ( القاهرة ) تسطو على مقال ( ممدوح رزق ) عن ( شا
...
-
كنت أظنه نائما
-
قلت لها أن هذه لم تعد وردة
-
صناعة الرواية بطريقة عباس العبد
-
قراءة في ( تخاريف خريف ) ل ( مؤمن المحمدي )
-
قراءة في ( خمر المسا .. حليب النهار ) ل ( حمدي زيدان )
-
بوك ستور
-
( بابل ) .. مجزرة الصدف المدبرة
-
قراءة في ( شارع بسادة ) ل ( سيد الوكيل )
-
الثقب الذي لا يعنينا في الساحر الطيب
-
الروح القدس
-
أفراح العين الزجاجية المحتقنة
المزيد.....
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|